الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال الأعرابي للعباس بن الوليد تنح عنه لئلا تسقط عليك من فيه كلمة فتشدخك ومن أجل هذا النادر استثقل التقعير أهل الرشاقة في الألفاظ والحلاوة وقادوا طباعهم إلى اللطافة والطلاوة فقالوا متى كان اللفظ كريماً في نفسه متخيراً في جنسه وكان سليماً من التقعير والتعقيد حبب إلى النفوس واتصل بالأذهان والتحم بالعقول وهشت له الأسماع وارتاحت إليه القلوب وخف على ألسنة الرواة حمله وشاع في الآفاق ذكره ومدحوا التارك للتقعير فقالوا فلان لم يرض بالتكليف مذهباً ولا اتخذ التصنع مركباً وقالوا فلان له ألفاظ لا يشوبها كدر العي ولا يطمس رونقها التكلف ولا يمحو طلاوتها التفيهق أعذب من الماء وأبعد من السماء
الفصل الثالث من الباب الخامس
في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ازداد الرجل حذقاً في صنعة إلا كان ذلك نقصاً من رزقه وقالوا المتقدم في الحذق متأخر في الرزق وقالوا حرفة الأدب أعدى لصاحبها من الجرب وقالوا الرزق عند ذوي الأدب أروغ من ثعلب ومن أمثال عوام بغداد جهل يعولني خير من علم أعوله وقال الخليل بن أحمد إذا كثر الأدب قل خيره وإذا كثر خيره كثر ضيره وقال أبو بكر الخوارزمي في هذا المعنى
إن سرك حرمان
…
به تصبح مقليا
فكن ذا أدب جزل
…
وكن مع ذاك نحويا
ويقال حرفة الأدب لا يسلم من حرمانها أديب وقالوا التأديب تعذيب وأنشد الخليل بن أحمد
ما ازددت من أدب حرفا أسرّ به
…
إلا تزايدت حرفا تحته شوم
إنّ المقدّم في حذق بصنعته
…
أنى توجه فيها فهو محروم
وقال ابن رشيق
أشقى بجدّك أن تكون أديبا
…
أو أن يرى فيك الورى تهذيبا
إن كان مستوياً ففعلك أعوج
…
يوماً وإن أخطأت كنت مصيبا
كالفص ليس يبين معنى نقشه
…
حتى يكون بناؤه مقلوبا
ابن طباطبا
أليس عجيباً أنني مع تسببي
…
وشعري ما أعطيت جدّاً ولا حدا
وإنّي إذا ما زرت قوماً مسلما
…
حجبت فظنوا أنني أبتغي رفدا
وقد طال افلاسي وأحسب مثريا
…
فأصبحت لا يجدي علي وأستجدي
آخر
قالوا أديب فأين المال قلت لهم
…
قوسي بلا وتر سهمي بلا فوق
من لا يكون له جدّ يساعده
…
تكون آدابه كالنفخ في البوق
ولما خلع المقتدر وبويع عبد الله بن المعتز بن المتوكل ولقب المرتضى بالله أدركته حرفة الأدب فلم يقم في الخلافة غير يومين ثم اضطرب حبله وهطل عليه طل الحرمان ووبله فهرب إلى دار ابن الجصاص التاجر فاختفى عنده ثم أخرج منها إلى القضاة والشهود العدول ميتاً بعد أيام يسيرة وذلك في يوم
الخميس لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين فقال فيه ابن بسام من أبيات يرثيه بها
لله درّك من ميت بمضيعة
…
ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه لولا ولا ليت فتنقمه
…
وإنما أدركته حرفة الأدب
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى قال لي أبي إذا كتبت كتاباً فالحن فيه فإن الصواب حرفة والخطأ نجح أخذه بعض الشعراء فنظمه في قوله
إن كنت يوماً كاتباً رقعة
…
تبغي بها نجح وصول الطلب
إياك أن تعرب ألفاظها
…
فتكتسي حرفة أهل الأدب
وقال أبو عبيدة من أراد أن يأكل الخبز بأدبه فلتبك عليه البواكي ولقد أجاد أبو إسحق الصابي في قوله
قد كنت أعجب من مالي وكثرته
…
وكيف تغفل عني حرفة الأدب
حتى انثنت وهي كالغضبا تلاحظني
…
شزراً فلم تبق لي شيأً من النشب
واستيقنت أنها كانت على غلط
…
واستدركته وأفضت بي إلى الحرب
الضب والنون قد يرجى اجتماعهما
…
وليس يرجى اجتماع الفضل والذهب
والسبب في حرمان الأدباء
…
موهبة الخط وخمول النجباء
ما ذكره بعض المنصفين منهم في قوله إن ذا الأدب لا يزال متسخطاً على دنياه ذاماً لحاله لما يرى من ميل الزمان للئامه وجهاله فهو لا يمدحهم لعلمه بقصورهم عن ادراك منظومه ولا يثاب إما بجهل ممدوحه وإما من إفراط بخله الناتج عن لومه وقيل للحسن البصري لم صارت الحرفة مقرونة بمن جعل العلم والأدب شعاراً والثروة بمن كساه الجهل والحمق عاراً فقال ليس القول كما قلتم ولا الأمر كما زعمتم ولكنكم طلبتم قليلاً في قليل فأعجزكم طلبتم المال وهو قليل عند أهل العلم والأدب وهم قليل ولو نظرتم إلى من تحارف من أهل