الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل منهم بحسب حاله وقدرته فصنع بعض المتجملين العاجزين خريطتين وملأ إحداهما ملحاً مطيباً وملا أخرى سعداً معطراً وكتب معهما رقعة فيها لو تمت الارادة لأسعفت العادة ولو ساعدت القدرة على بلوغ النعمة لتقدمت السابقين إلى خدمتك وأتعبت المجتهدين في كرامتك لكن قعدت بي القدرة عن مساواة أهل النعمة وقصرت بي الجدة عن مباهاة أهل المكنة وخشيت أن تطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فأنفذت المفتتح بيمنه وبركته وهو الملح والمختتم بطيبه ونظافته وهو السعد باسطاً يد المعذرة وصابراً على ألم التقصير متجرعاً غصص الاقتصار على اليسير والقائم بعذري في ذلك ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج والخادم ضارع في الامتنان عليه بقبول خدمته ومعذرته والاحسان إليه بالاعراض عن جراءته والرأس اسمي ثم دخل دار يحيى ووضع الخريطتين والرقعة بين يديه فلما قرأ الرقعة أمر أن تفرغا وتملا احداهما دنانير والاخرى دراهم ومن الحكايات المستظرفة ما يحكى أن بعض القيان افتصدت فأهدى لها محبوها هدايا فكان من جملتهم من أهدى ثلاث سلال مخيطة ففتحت سلة منها فوجدتها مملوأة ماشاً وفيها رقعة مكتوب فيها ماش خير من لاش وفتحت الاخرى فإذا هي مملوأة عصافير فطاروا وفيها رقعة مكتوب فيها هذه أعتقتها لوجه الله تعالى شكراً له على سلامتك من فصدك وفتحت الاخرى فإذا هي فارغة لا شيء فيها إلا رقعة مكتوب فيها لو كان لهديناه فضحك من كان حاضراً ولم تدع القينة شيأً مما أهدى إليها إلا أعطته منه
اعتذار من لم يهد شيأً
تأنق في الهدية كل قوم
…
إليك غداة شربك للدواء
فلما أن هممت بها مدلاً
…
لموضع حرمتي بك والاخاء
رأيت كثير ما أهدى قليلاً
…
لديكم فاقتصرت على الدواء
آخر
إن أهد نفسي فهو مالكها
…
ولها أصون كرائم الذحر
أو أهد مالاً فهو واهبه
…
وأنا الحقيق عليه بالشكر
أو أهد شكراً فهو مرتهن
…
بجميل فعلك آخر الدهر
آخر
وافق المهرجان حاشاك مني
…
رفعة الحال وهي داء الكرام
فاقتصرنا على الدعاء وفيه
…
عون صدق على قضاء الزمام
آخر
هديتي تقصر عن همتي
…
وهمتي تفضل عن مالي
فخالص الودّ ومحض الولا
…
أحق ما يهديه أمثالي
ومن واجبات شيم الأحرار
…
حفظ ما أودعوه من الأسرار
وكان السر مما يجب على الاخوان أن يأخذوا أنفسهم ويروضوا به طباعهم لما فيه من الفضل وتمام الطبيعة والعقل يحكى أن رجلاً أراد صحبة انسان فسأل بعض أصدقائه عنه فأنشده
كريم يميت السرّ حتى كأنه
…
إذا استنطقته عن حديثك جاهله
ويبدي لكم حباً شديداً وهيبة
…
وللناس أشغال وحبك شاغله
فقال مثل هذا ينبغي أن يناط بمحبته القلوب ويطلع على خفايا السرائر والغيوب وهذان البيتان لكثير عزة من أبيات وأسر رجل إلى صديقه حديثاً فلما فرغ منه قال حفظته قال بل نسيته وقيل لعمرو بن ربيعة كيف كتمانك للسر فقال اجعله عوضاً من قلبي وشعبة من نفسي فيكون بخروجه خروجها وقيل لأعرابي ما بلغ من حفظك للسر قال أفرقه تحت شغاف قلبي ثم لا أجمعه وأنساه كأنني لم أسمعه وقالوا قلوب العقلاء حصون الأسرار وقالوا صدور
الأحرار قبور الأسرار شاعر
ولي سرائر في الضمير طويتها
…
ينسى الضمير بانها في طيه
وقيل لبعضهم كيف كتمانك للسر قال أكتم المخبر وأحلف للمستخبر وما أحسن قول المرتضى وقد سأله الصابي كيف كتمانك للسر في محاورة جرت بينهما
لسرّ صديقي بين جنبيّ معقل
…
مداه على المستبطنين طويل
إذا لحقت أذني به من لسانه
…
فليس عليها للمخاض سبيل
وكتب إليه أيضاً
وللسرّ من بين جنبيّ ممكن
…
خفيّ قصيّ عن مدارج أنفاسي
أضنّ به ضني بموضع حفظه
…
فاحميه عن احساس غيري واحساسي
كأني من فرط احتفاظي أضعته
…
فبعضي له واع وبعضي له ناسي
آخر
لا يكتم السرّ إلا من له حسب
…
فالسرّ عند كرام الناس مكتوم
والسر عندي في بيت له غلق
…
قد ضاع مفتاحه والبيت مختوم
مجنون ليلى
ومستخبر عن سرّ ليلى رددته
…
بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها
…
وما أنا إن خبرتهم بأمين
يروى أن علياً رضي الله عنه قال لأبي الأسود الدؤلي أريد رجلاً مخداناً قال يا أمير المؤمنين ألست كذلك قال بلى ولكن أريد رجلاً أستريح منك إليه ومنه إليك وليكن كتوماً للسر فإن الرجل إذا أنس بالرجل ألقى إليه عجزه
وبجره وقال الشاعر
نصل الصديق إذا أراد وصالنا
…
ونعيد بعد صدودنا أحيانا
لا مظهر عند القطيعة سره
…
بل حافظ من ذاك ما استرعانا
آخر
إنّ الكريم الذي تبقى مودّته
…
ويحفظ السر إن صافي وإن صرما
ليس الكريم الذي إن غاب صاحبه
…
بث الذي كان من أسراره علما
سالم اليشكري
إذا ما غفرت الذنب يوماً لصاحب
…
فلست معيداً ما حييت له ذكرا
ولست إذا ما حال عن حفظ وده
…
وعندي له سر مذيعاً له سرا
ناقضه آخر فقال
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها
…
ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي
فإن سخين العين من بات ليلة
…
تقلبه الأسرار جنباً إلى جنب
ومما يفصم بين المنجابين عرا المحاورة
…
التزام ما يجب من حقوق المجاورة
قال الله تعالى والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب فذو القربى الجار الملاصق والجار الجنب البعيد عن الملاصقة والصاحب بالجنب الرفيق في السفر وكان يقال ليس حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى وأدنى حقوق الجار أن لا تؤذيه بقتار قدرك وأن تؤمنه
من حسدك وشرك وقال جابر بن عبد الله الجيران ثلاثة فجار له حق واحد وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له فله حق الجوار وأما الذي له حقان فجار مسلم لا رحم له له حق الاسلام وحق الجوار وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الاسلام وحق الرحم وحق الجوار وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذريا أبا ذر إذا طبخت اللحم فأكثر المرق وتعاهد جيرانك وكان يقال من نال من جاره حرم بركة داره وقد ورد عنه عليه الصلاة واسلام أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ولا يؤذي جاره ولا يخيب من قصده وكان عبد الله بن أبي بكرة ينفق على أربعين داراً من جيرانه من سائر جهات داره الأربع في كل سنة أربعين ألف دينار وكان يبعث إليهم الأضاحي والكسوة في الأعياد والمواسم وأعطى أبو الجهم العدوى في داره بالبصرة مائة ألف درهم فقال لهم وبكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص قالوا وهل رأيت جواراً يشتري قط قال والله لا بعت داراً تجاور رجلاً إن غبت عنه سأل عني وحفظني في أهلي وإن رآني رحب بي وقربني وإن سألته قضى حاجتي وحياني وإن لم أسأل عنه عطف علي وبداني والله لو أعطيت فيها ملأها ذهباً ما اخترته عليه ولا نظرت إليه فبلغ ذلك سعيداً فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال جعفر بن أبي طالب لأبيه يا أبة إني لا أستحيي أن أطعم طعاماً وجيراني لا يقدرون على مثله فقال له أبوه إني لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى وقالوا الاحسان إلى الجار يعمر الديار ويزيد في الأعمار شاعر
إني لأحسد جاركم بجواركم
…
طوبى لمن أضحى لدارك جابرا
يا ليت جارك بأعنى من داره
…
شبراً فأعطيه بشبر دارا
وقال بعض حكماء العجم حسن الجوار خير قرين وعلى استخلاص المودة خير معين مسكين الدارمي
ناري ونار الجار واحدة
…
فإليه قبلي ينزل القدر
ما ضرّ جار إلى أجاوره
…
أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت
…
حتى يواري جسمها الستر
آخر
أجود وأرعى حرمة الجار إنني
…
كريم بمالي كل عرق مهذب
وأمنع جيراني من الضيم والأذى
…
واركب من اكرامهم كل مركب
ومن النوادر المحكية في اكرام الجار ما حكى أن يهودياً عطاراً نزل ببعض أحياء العرب يبيع لهم من بضاعته العطرية فمات عندهم فأتوا شيخاً لهم لم يكن يقطع في الحي أمر دونه فاعلموه بخبر اليهودي فجاء وغسله وكفنه وتقدم وأقام الناس خلفه وقال اللهم إن هذا لنا جار وله علينا ذمام فإذا قضينا ذمامه وصار إليك فلك الخيار أن تفعل به ما هو له أهل أو تفعل به ما أنت له أهل فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة شاعر
راع حقوق الجار في كل ما
…
حدده الله وأوصى به
وزره في الصحة مستبشراً
…
وعده في السقم وأوصابه
ولا تغيرك له حالة
…
تبدو كشهد القول أوصابه
وهذه ظرف تكون لما ذكرناه ختاماً
…
ولنفس المتأمل وقلبه شركاً وزماما
فيما يلزم الأصدقاء من تمازج الأرواح
…
امتزاج الصهباء بالماء القراح
قيل لبعضهم صف لنا الصديق قال أنت هو وهو أنت إلا إنكما جسمان بينكما روح وقبل لاسباط الشيباني صف لنا الاخوة وأوجز فقال أغصان
تغرس في القلوب فتثمر على قدر العقول وقيل لافلاطون ما معنى الصديق قال هو أنت إلا أنه غيرك وقيل لبعضهم ما الأصدقاء قال نفس واحدة وأجساد متفرقة وقال ابن المقفع الأخ نسيب الجسم والصديق نسيب الروح وقيل لأرسطو طاليس وقد سئل عن الصديق ما معناه فقال قلب تضمنه جسمان نظمه بعض الشعراء فقال
بنفسي أخ لي في الأمور مساعد
…
فلي وله جسمان والقلب واحد
إذا غاب عني لم أجد طعم لذة
…
لأن فؤادي شطره متباعد
لآخر
بابي من هو منى في الحشا
…
ليته يوماً على عيني مشى
روحه روحي وروحي روحه
…
إن يشأ شئت وإن شئت يشا
ولقد تتبعت ما قاله الناس في الاتحاد فما رأيت ولا سمعت أحسن من قول أبي الحسين الحلاج في ذلك
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
…
نحن روحان حللنا بدنا
نحن مذ كنا على عهد الهوى
…
تضرب الأمثال في الناس بنا
فإذا أبصرتني أبصرته
…
وإذا أبصرته قلت أنا
وله
جبلت روحك من روحي كما
…
يجبل العنبر بالمسك العبق
فإذا مسك شيء مسني
…
فإذا أنت أنا لا نفترق
وله
مزجت روحك من روحي كما
…
تمزج القهوة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني
…
فإذا أنت أنا في كل حال