المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اعتذار من لم يهد شيأ - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌اعتذار من لم يهد شيأ

كل منهم بحسب حاله وقدرته فصنع بعض المتجملين العاجزين خريطتين وملأ إحداهما ملحاً مطيباً وملا أخرى سعداً معطراً وكتب معهما رقعة فيها لو تمت الارادة لأسعفت العادة ولو ساعدت القدرة على بلوغ النعمة لتقدمت السابقين إلى خدمتك وأتعبت المجتهدين في كرامتك لكن قعدت بي القدرة عن مساواة أهل النعمة وقصرت بي الجدة عن مباهاة أهل المكنة وخشيت أن تطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فأنفذت المفتتح بيمنه وبركته وهو الملح والمختتم بطيبه ونظافته وهو السعد باسطاً يد المعذرة وصابراً على ألم التقصير متجرعاً غصص الاقتصار على اليسير والقائم بعذري في ذلك ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج والخادم ضارع في الامتنان عليه بقبول خدمته ومعذرته والاحسان إليه بالاعراض عن جراءته والرأس اسمي ثم دخل دار يحيى ووضع الخريطتين والرقعة بين يديه فلما قرأ الرقعة أمر أن تفرغا وتملا احداهما دنانير والاخرى دراهم ومن الحكايات المستظرفة ما يحكى أن بعض القيان افتصدت فأهدى لها محبوها هدايا فكان من جملتهم من أهدى ثلاث سلال مخيطة ففتحت سلة منها فوجدتها مملوأة ماشاً وفيها رقعة مكتوب فيها ماش خير من لاش وفتحت الاخرى فإذا هي مملوأة عصافير فطاروا وفيها رقعة مكتوب فيها هذه أعتقتها لوجه الله تعالى شكراً له على سلامتك من فصدك وفتحت الاخرى فإذا هي فارغة لا شيء فيها إلا رقعة مكتوب فيها لو كان لهديناه فضحك من كان حاضراً ولم تدع القينة شيأً مما أهدى إليها إلا أعطته منه

‌اعتذار من لم يهد شيأً

تأنق في الهدية كل قوم

إليك غداة شربك للدواء

فلما أن هممت بها مدلاً

لموضع حرمتي بك والاخاء

رأيت كثير ما أهدى قليلاً

لديكم فاقتصرت على الدواء

آخر

إن أهد نفسي فهو مالكها

ولها أصون كرائم الذحر

ص: 569

أو أهد مالاً فهو واهبه

وأنا الحقيق عليه بالشكر

أو أهد شكراً فهو مرتهن

بجميل فعلك آخر الدهر

آخر

وافق المهرجان حاشاك مني

رفعة الحال وهي داء الكرام

فاقتصرنا على الدعاء وفيه

عون صدق على قضاء الزمام

آخر

هديتي تقصر عن همتي

وهمتي تفضل عن مالي

فخالص الودّ ومحض الولا

أحق ما يهديه أمثالي

ومن واجبات شيم الأحرار

حفظ ما أودعوه من الأسرار

وكان السر مما يجب على الاخوان أن يأخذوا أنفسهم ويروضوا به طباعهم لما فيه من الفضل وتمام الطبيعة والعقل يحكى أن رجلاً أراد صحبة انسان فسأل بعض أصدقائه عنه فأنشده

كريم يميت السرّ حتى كأنه

إذا استنطقته عن حديثك جاهله

ويبدي لكم حباً شديداً وهيبة

وللناس أشغال وحبك شاغله

فقال مثل هذا ينبغي أن يناط بمحبته القلوب ويطلع على خفايا السرائر والغيوب وهذان البيتان لكثير عزة من أبيات وأسر رجل إلى صديقه حديثاً فلما فرغ منه قال حفظته قال بل نسيته وقيل لعمرو بن ربيعة كيف كتمانك للسر فقال اجعله عوضاً من قلبي وشعبة من نفسي فيكون بخروجه خروجها وقيل لأعرابي ما بلغ من حفظك للسر قال أفرقه تحت شغاف قلبي ثم لا أجمعه وأنساه كأنني لم أسمعه وقالوا قلوب العقلاء حصون الأسرار وقالوا صدور

ص: 570

الأحرار قبور الأسرار شاعر

ولي سرائر في الضمير طويتها

ينسى الضمير بانها في طيه

وقيل لبعضهم كيف كتمانك للسر قال أكتم المخبر وأحلف للمستخبر وما أحسن قول المرتضى وقد سأله الصابي كيف كتمانك للسر في محاورة جرت بينهما

لسرّ صديقي بين جنبيّ معقل

مداه على المستبطنين طويل

إذا لحقت أذني به من لسانه

فليس عليها للمخاض سبيل

وكتب إليه أيضاً

وللسرّ من بين جنبيّ ممكن

خفيّ قصيّ عن مدارج أنفاسي

أضنّ به ضني بموضع حفظه

فاحميه عن احساس غيري واحساسي

كأني من فرط احتفاظي أضعته

فبعضي له واع وبعضي له ناسي

آخر

لا يكتم السرّ إلا من له حسب

فالسرّ عند كرام الناس مكتوم

والسر عندي في بيت له غلق

قد ضاع مفتاحه والبيت مختوم

مجنون ليلى

ومستخبر عن سرّ ليلى رددته

بعمياء من ليلى بغير يقين

يقولون خبرنا فأنت أمينها

وما أنا إن خبرتهم بأمين

يروى أن علياً رضي الله عنه قال لأبي الأسود الدؤلي أريد رجلاً مخداناً قال يا أمير المؤمنين ألست كذلك قال بلى ولكن أريد رجلاً أستريح منك إليه ومنه إليك وليكن كتوماً للسر فإن الرجل إذا أنس بالرجل ألقى إليه عجزه

ص: 571

وبجره وقال الشاعر

نصل الصديق إذا أراد وصالنا

ونعيد بعد صدودنا أحيانا

لا مظهر عند القطيعة سره

بل حافظ من ذاك ما استرعانا

آخر

إنّ الكريم الذي تبقى مودّته

ويحفظ السر إن صافي وإن صرما

ليس الكريم الذي إن غاب صاحبه

بث الذي كان من أسراره علما

سالم اليشكري

إذا ما غفرت الذنب يوماً لصاحب

فلست معيداً ما حييت له ذكرا

ولست إذا ما حال عن حفظ وده

وعندي له سر مذيعاً له سرا

ناقضه آخر فقال

ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها

ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي

فإن سخين العين من بات ليلة

تقلبه الأسرار جنباً إلى جنب

ومما يفصم بين المنجابين عرا المحاورة

التزام ما يجب من حقوق المجاورة

قال الله تعالى والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب فذو القربى الجار الملاصق والجار الجنب البعيد عن الملاصقة والصاحب بالجنب الرفيق في السفر وكان يقال ليس حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى وأدنى حقوق الجار أن لا تؤذيه بقتار قدرك وأن تؤمنه

ص: 572

من حسدك وشرك وقال جابر بن عبد الله الجيران ثلاثة فجار له حق واحد وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له فله حق الجوار وأما الذي له حقان فجار مسلم لا رحم له له حق الاسلام وحق الجوار وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الاسلام وحق الرحم وحق الجوار وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذريا أبا ذر إذا طبخت اللحم فأكثر المرق وتعاهد جيرانك وكان يقال من نال من جاره حرم بركة داره وقد ورد عنه عليه الصلاة واسلام أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ولا يؤذي جاره ولا يخيب من قصده وكان عبد الله بن أبي بكرة ينفق على أربعين داراً من جيرانه من سائر جهات داره الأربع في كل سنة أربعين ألف دينار وكان يبعث إليهم الأضاحي والكسوة في الأعياد والمواسم وأعطى أبو الجهم العدوى في داره بالبصرة مائة ألف درهم فقال لهم وبكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص قالوا وهل رأيت جواراً يشتري قط قال والله لا بعت داراً تجاور رجلاً إن غبت عنه سأل عني وحفظني في أهلي وإن رآني رحب بي وقربني وإن سألته قضى حاجتي وحياني وإن لم أسأل عنه عطف علي وبداني والله لو أعطيت فيها ملأها ذهباً ما اخترته عليه ولا نظرت إليه فبلغ ذلك سعيداً فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال جعفر بن أبي طالب لأبيه يا أبة إني لا أستحيي أن أطعم طعاماً وجيراني لا يقدرون على مثله فقال له أبوه إني لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى وقالوا الاحسان إلى الجار يعمر الديار ويزيد في الأعمار شاعر

إني لأحسد جاركم بجواركم

طوبى لمن أضحى لدارك جابرا

يا ليت جارك بأعنى من داره

شبراً فأعطيه بشبر دارا

ص: 573

وقال بعض حكماء العجم حسن الجوار خير قرين وعلى استخلاص المودة خير معين مسكين الدارمي

ناري ونار الجار واحدة

فإليه قبلي ينزل القدر

ما ضرّ جار إلى أجاوره

أن لا يكون لبابه ستر

أعمى إذا ما جارتي خرجت

حتى يواري جسمها الستر

آخر

أجود وأرعى حرمة الجار إنني

كريم بمالي كل عرق مهذب

وأمنع جيراني من الضيم والأذى

واركب من اكرامهم كل مركب

ومن النوادر المحكية في اكرام الجار ما حكى أن يهودياً عطاراً نزل ببعض أحياء العرب يبيع لهم من بضاعته العطرية فمات عندهم فأتوا شيخاً لهم لم يكن يقطع في الحي أمر دونه فاعلموه بخبر اليهودي فجاء وغسله وكفنه وتقدم وأقام الناس خلفه وقال اللهم إن هذا لنا جار وله علينا ذمام فإذا قضينا ذمامه وصار إليك فلك الخيار أن تفعل به ما هو له أهل أو تفعل به ما أنت له أهل فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة شاعر

راع حقوق الجار في كل ما

حدده الله وأوصى به

وزره في الصحة مستبشراً

وعده في السقم وأوصابه

ولا تغيرك له حالة

تبدو كشهد القول أوصابه

وهذه ظرف تكون لما ذكرناه ختاماً

ولنفس المتأمل وقلبه شركاً وزماما

فيما يلزم الأصدقاء من تمازج الأرواح

امتزاج الصهباء بالماء القراح

قيل لبعضهم صف لنا الصديق قال أنت هو وهو أنت إلا إنكما جسمان بينكما روح وقبل لاسباط الشيباني صف لنا الاخوة وأوجز فقال أغصان

ص: 574

تغرس في القلوب فتثمر على قدر العقول وقيل لافلاطون ما معنى الصديق قال هو أنت إلا أنه غيرك وقيل لبعضهم ما الأصدقاء قال نفس واحدة وأجساد متفرقة وقال ابن المقفع الأخ نسيب الجسم والصديق نسيب الروح وقيل لأرسطو طاليس وقد سئل عن الصديق ما معناه فقال قلب تضمنه جسمان نظمه بعض الشعراء فقال

بنفسي أخ لي في الأمور مساعد

فلي وله جسمان والقلب واحد

إذا غاب عني لم أجد طعم لذة

لأن فؤادي شطره متباعد

لآخر

بابي من هو منى في الحشا

ليته يوماً على عيني مشى

روحه روحي وروحي روحه

إن يشأ شئت وإن شئت يشا

ولقد تتبعت ما قاله الناس في الاتحاد فما رأيت ولا سمعت أحسن من قول أبي الحسين الحلاج في ذلك

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

نحن مذ كنا على عهد الهوى

تضرب الأمثال في الناس بنا

فإذا أبصرتني أبصرته

وإذا أبصرته قلت أنا

وله

جبلت روحك من روحي كما

يجبل العنبر بالمسك العبق

فإذا مسك شيء مسني

فإذا أنت أنا لا نفترق

وله

مزجت روحك من روحي كما

تمزج القهوة بالماء الزلال

فإذا مسك شيء مسني

فإذا أنت أنا في كل حال

ص: 575