الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمى يمدح الأمين بحسن العهد والتذمم
أخذت بحبل من حبال محمد
…
أمنت به من طارق الحدثان
تغطيت من دهري بفضل جناحه
…
فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام عني لما درت
…
وأين مكاني ما عرفن مكاني
من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة
قالوا الوفاء أفضل شمائل العبد وأوضح دلائل المجد وأقوى أسباب الاخلاص في الود وأحق الأفعال بالشكر والحمد وقالوا الوفاء أتم حميد الخلال ومنتهى غاية الكمال تمس الحاجة إليه وتجب المحافظة عليه ولقد صار رسماً دارساً وحلة لا تجد لها لابساً ومنقبة قل أن تجد فيها مستأنساً ولله در من قال
وصادق الودّ صادق الخبر
…
مغري برعي العهود مصطبر
هذا الذي لا أزال أسمعه
…
وما له في الزمان من أثر
لو أن كفى بمثله ظفرت
…
قاسمته في المتاع والعمر
وقالوا من صحب الناس بلسان صادق وعاملهم بحسن الخلائق وألزم نفسه رعى العهود والمواثق فقد أرضى المخلوق والخالق ويقال بالوفاء تملك القلوب وتستدام الألفة بين المحب والمحبوب وقالوا من تحلى بالوفاء وتخلى عن الجفاء فذلك من اخوان الصفاء ولقد أحسن من قال
إذا أنت محضت المودّة صافياً
…
ولم تر عن وصل الصديق مجافيا
ووفيت بالعهد الذي خانه الورى
…
ولم أر مخلوقاً على العهد باقيا
فقد حزت أسباب المكارم كلها
…
وجدّدت للعليا رسوماً عوافيا
وقالوا الوفاء ضالة كثير ناشدها قليل واجدها كما قيل الوفاء من شيم الكرام والغدر من خلائق اللئام وقالوا إذا ترك الوفاء نزل البلاء ويقال من أودع الوفاء صدور الرجال ملك أعناقهم ومن أمثالهم في ذلك أوفى من السموأل وهو السموأل بن عادياء بن حياء اليهودي صاحب قصر تيماء المسمى بالأبلق الفرد ومن خبره أن امرأ القيس كان قاصداً للشأم فأودع السموأل أدراعه وكراعه فمات امرؤ القيس بأنقرة فقصد السموأل بعض ملوك غسان يطلب منه ما كان أودعه امرؤ القيس عنده فأبى أن يسلمه له فقال إن لم تسلمه ذبحت ولدك وكان قد أسره عند نزوله على القصر فقال أبلني الليلة ثم جمع أهله واستشارهم فكل أشار بأن يدفع إليه ما طلبه منه فلما أصبح قال له ليس إلى دفعها سبيل فافعل ما بدا لك فذبح الملك ولده ورحل عنه ثم إن السموأل وافى الموسم بالادراع فدفعها لورثة امرئ القيس وفيه يقول الأعشى يخاطب شريح بن السموأل بن عادياء وقيل شريح بن حصن بن السموأل وقيل شريح بن عمران بن السموأل من أبيات
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به
…
في جحفل كسواد الليل جرّار
بالأبلق الفرد من تيماء منزله
…
حصن حصين وجار غير غدّار
فسامه خطتي خسف فقال له
…
قل ما بدا لك إني مانع جاري
فقال ثكل وغدر أنت بينهما
…
فاختر وما فيهما حظ لمختار
فشك غير طويل ثم قال له
…
اقتل أسيرك إني مانع جاري
فقال تقدمة إذرام يقتله
…
أشرف سموأل فانظر في الدم الجاري
أأقتل ابنك صبراً أو تجئ بها
…
طوعاً فأنكر هذا أيّ إنكار
فشك أوداجه والصدر في مضض
…
عليه منطوياً كاللذع بالنار
واختار ادراعه من أن يسببها
…
ولم يكن عهده فيها بختار
وقال لا أشتري عاراً بمكرمة
…
فاختار مكرمة الدنيا على العار
والصبر منه قديماً شيمة خلق
…
وزنده في الوفاء الثاقب الواري
وفي ذلك يقول السموأل مفتخراً
وفيت بأدرع الكندي إني
…
إذا ما خان أقوامي وفيت
وأوصى عادياً يوماً بأن لا
…
تخرّب يا سموأل ما بنيت
بنى لي عادياً حصناً حصيناً
…
وماء كلما شئت اشتفيت
والملك هو الحرث بن شمر الغساني وحدث الكندي في كتابه أخبار الأمراء بمصر قال لما ولي المطلب بن عبد الله إمارة مصر من قبل المأمون خوفه أهل مصر من إبراهيم بن نافع الطائي قبل الوصول إليه أن يثب عليه فطلبه المطلب فلم يقدر عليه واتهم به جماعة من قواد مصر وكان هبيرة بن هشام صاحب شرطة مصر يعرف المكان الذي اختفى فيه وكان إبراهيم ابن نافع قد أودع ماله عند هبيرة بن هشام فسعى بهبيرة إلى المطلب فأحضره وقال له ادفع إلي ما أودعه عندك إبراهيم فقد بلغني الثقة إن ماله مودع عندك وإن لم تجئني به أخذت ما فيه عيناك فأنكر فأوجعه ضرباً وهو يزيد إنكاراً فلما طال على المطلب جحود هبيرة وخاف عليه التلف تركه ثم لما سكن عن إبراهيم الطلب أخرجه هبيرة من مصر سراً ثم أرسل إليه ماله بعد ذلك مع التجار وفيه يقول سعيد بن عنين
لعمري لقد أوفى وزاد وفاؤه
…
هبيرة في الطائي وفاء السموأل
وفاه المنايا إذ أتته بنفسه
…
وقد برقت في عارض متهلل
أتى الحجاج بقوم ممن خرج عليه فأمر بهم فضربت أعناقهم وأقيمت صلاة المغرب وقد بقي من القوم واحد فقال لقتيبة بن مسلم انصرف به معك حتى تغدو به علي قال قتيبة فخرجت والرجل معي فلما كنا ببعض الطريق قال لي هل لك في خير قلت وما ذاك قال إني والله ما خرجت على المسلمين ولا استحللت قتالهم ولكن ابتليت بما ترى وعندي ودائع وأموال فهل لك أن تخلي سبيلي وتأذن لي حتى آتي أهلي وأرد على كل ذي حق حقه وأوصي ولك
علي أن أرجع حتى أضع يدي في يدك قال قتيبة فعجبت له وتضاحكت لقوله قال فمضينا هنيهة ثم أعاد علي القول وقال إني أعاهد الله لك على أن أعود إليك قال قتيبة فوالله ما ملكت نفسي حتى قلت له اذهب فلما توارى عني شخصه أسقط في يدي فقلت ماذا صنعت بنفسي وأتيت أهلي مهموماً مغموماً فسألوني عن شأني فأخبرتهم فقالوا لقد اجترأت على الحجاج فبتنا بأطول ليلة فلما كان عند أذان الغداة إذا الباب يطرق فخرجت فإذا أنا بالرجل فقلت أرجعت قال سبحان الله جعلت لك عهد الله علي فأخونك ولا أرجع فقلت أما والله إن استطعت لأنفعنك وانطلقت به حتى أجلسته على باب الحجاج ودخلت فلما رآني قال يا قتيبة أين أسيرك قلت أصلح الله الأمير بالباب وقد اتفق لي معه قصة عجيبة قال ما هي فحدثته الحديث فأذن له فدخل ثم قال يا قتيبة أتحب أن أهبه لك قلت نعم قال هو لك فانصرف به معك فلما خرجت به قلت له خذ أي طريق شئت فرفع طرفه إلى السماء وقال لك الحمد يا رب وما كلمني بكلمة ولا قال لي أحسنت ولا أسأت فقلت في نفسي مجنون والله فلما كان بعد ثلاثة أيام جاءني وقال لي جزاك الله خيراً أما والله ما ذهب عني ما صنعت ولكن كرهت أن أشرك مع حمد الله حمد أحد ولما تفرق الأمر عن مروان بن محمد وأيقن بزوال ملكه وغلبة بني هاشم عليه قال لكاتبه عبد الحميد بن يحيى إني قد احتجت أن تكون مع عدوي فتظهر لهم الغدر بي فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إليك تمنعهم منك وتدعوهم إلى حسن الظن بك فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا فلا تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتي فقال عبد الحميد إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأضرهما بي وما عندي إلا الوفاء حتى يفتح الله لك أو أقتل معك ثم أنشد
أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة
…
فمن لي بعذر يشمل الناس ظاهره
فأمسك عنه ساعة وأعاد عليه القول ثانية فقال والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس فلم يزل معه حتى قتل وذلك في آخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة وله تسع وخمسون سنة وقتل ببوصير قرية
من صعيد مصر وهو آخر ملوك بني أمية وكانت دولتهم ثلاثاً وتسعين سنة وأحد عشر شهراً وأياماً وهرب عبد الحميد إلى قرية تعرف بالأشمونين فاختفى بها فدل عليه وحمل إلى أبي العباس السفاح بأمان فلم يحظ عنده وقال الجهشياري قتل وقد ذكر آنفاً ومن أحسن ما تطرب به الأسماع ويلطف به كثيف الطباع ما يحكى إن معاوية بن أبي سفيان تزوج ميسون بنت مجدل ونقلها من البدو إلى الشأم وكانت كثيرة الحنين إلى أناسها والتذكر لمسقط رأسها فأنصت لها يوماً فسمعها تنشد
لبيت تخفق إلا رياح فيه
…
أحبّ إليّ من قصر منيف
ولبس عباءة وتقرّ عيني
…
أحبّ إليّ من لبس الشفوف
وأكل كسيرة في كسر بيتي
…
أحبّ إليّ من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فج
…
أحبّ إليّ من نقر الدفوف
وكلب ينبح الطرّاق دوني
…
أحبّ إليّ من قط الوف
وبكر يتبع الأطلال صعب
…
أحبّ إليّ من بغل ردوف
وخرق من بني عمي نحيف
…
أحبّ إليّ من علج عنيف
خشونة عيشتي في البدو أشهى
…
إلى نفسي من العيش الظريف
فما أبغي سوى وطني بديلاً
…
فحسبي ذاك من وطن شريف
فلما سمع معاوية الأبيات قال ما رضيت بي بنت مجدل حتى جعلتني علجاً عنيفاً ثم طلقها وردها إلى أهلها ويقال من الوفاء تشوق الرجل لاخوانه وحنينه إلى أوطانه وتلهفه على ما مضى من زمانه وقالوا الكريم يحن إلى جنابه كما يحن الأسد إلى غابه ويقال من علامة الكريم أن تكون نفسه إلى مولده تواقة وإلى مسقط رأسه مشتاقة شاعر
أحب بلاد الله ما بين منعج
…
إليّ وسلمى أن يجود سحابها