المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وما فيهما من الشين والقبح - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌وما فيهما من الشين والقبح

‌الباب العاشر

‌في البخل

‌وفيه ثلاثة فصول

‌الفصل الأول من هذا الباب

‌في ذم الإمساك والشح

‌وما فيهما من الشين والقبح

فرقوا بين الشح والنحل فقالوا الشح أن تكون النفس كزة حريصة على المنع كما قال الشاعر

يمارس نفساً بين جنبيه كزة

إذا هم بالمعروف قالت له مهلا

وهو اللؤم وأما البخل فهو المنع نفسه فمما جاء في البخل قول الله تعالى ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير الهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وقوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون قال بعض أهل المعاني إنما خص هذه الأعضاء دون غيرها بالذكر لأن السائل إذا سأل البخيل زوى عنه وجهه فإن أصلح عليه ازور عنه بشق جنبه الذي يليه فإن الحف ولاه ظهره وروى الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت باسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله جنة عدن قال لها تزيني فتزينت ثم قال لها أظهري أنهارك فأظهرت عين السلسبيل وعين الكافور وعين التسنيم ونهر اللبن ونهر العسل ونهر الخمر ثم قال لها أظهري حورك وحليك وحللك وسررك وحجالك ثم قال لها تكلمي فقالت طوبى لمن دخلني فقال الله عز

ص: 361

وجل أنت حرام على كل بخيل أورده في كتاب البخلاء له وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم من الأنصار من سيدكم قالوا الجد بن قيس على بخل فيه فقال عليه الصلاة والسلام وأي داء أدوأ من البخل وقال عليه الصلاة والسلام إياكم والشح فإنه دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم ودعاهم فاستحلوا محارمهم ودعاهم فقطعوا أرحامهم وعنه عليه الصلاة والسلام قال اقسم الله بعزته وعظمته وجلاله لا يدخل الجنة شحيح ولا بخيل وقال علي بن أبي طالب البخيل يتعجل الفقر لنفسه يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء وقال حكيم لو أن أهل البخل لم يدخل عليهم من ضير بخلهم ومذمة الناس لهم وأطباق القلوب على بغضهم الأسوء الظن بربهم في الخلف لكان عظيماً فإن الله تعالى يقول وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وكفى بالبخيل معرة أن يمنع نفسه اكتساب الحسنات مع افتقاره إليها ويحرمها مباح الشهوات مع اقتداره عليها وربما ترك التداوي وإن أجحفت به العلة وأهمل دفع المكاره عن نفسه وقد نيطت به المذلة لكثرة الاشفاق على الانفاق فهو لا يلقى في الدنيا شكوراً ولا يلقى في الآخرة أجراً مدخوراً وقالوا البخل من سوء الظن وخمول الهمة وضعف الروية وسوء الاختيار والزهد في الخيرات وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما البخل جامع المساوي والعيوب وقاطع المودات من القلوب وقال سقراط الأغنياء البخلاء بمنزلة البغال والحمير تحمل الذهب والفضة وتعتلف التبن والشعير وحده قالوا هو منع المسترفد مع القدرة على رفده وكان أبو حنيفة لا يرى قبول شهادة البخيل ويقول بخله يحمله على أن يأخذ فوق حقه مخافة أن يغبن فمن هذه حالة لا يكون مأموناً وقال بشر بن الحرث الحافي لا غيبة لبخيل ولشرطي سخي أحب إلي من عابد بخيل وقالوا صديق البخيل من أطعمه وسقاه وعدوه من تركه وقلاه وقبل النظر إلى البخيل يقسي القلب

ص: 362

وقالوا البخل يهدم مباني الشرف ويسوق النفس إلى التلف وقالوا اتق الشح فإنه أدنس شعار وأوحش دثار وقالوا البخيل يملأ بطنه والجار جائع ويحفظ ماله والعرض ضائع شاعر

ومن الجهلة بالمكارم أن ترى

جاراً يجوع وجاره شبعان

ويقال من جعل عرضه دون ماله استهدف للذم وقال الراجز من يجمع المال فلم يجد به ويجمع المال لعام جد به يهن على الناس هوان كلبه وقال إسحق بن إبراهيم الموصلي

أرى الناس خلان الجواد ولا أرى

بخيلاً له في العالمين خليل

وإني رأيت البخل يزري بأهله

فأكرمت نفسي أن يقال بخيل

وقالوا البخيل لا يستحق اسم الحرية فإنه يملكه ماله وقالوا أيضاً البخيل لا مال له إنما هو لما له وقال قيس بن معد يكرب لبنيه يا بني إياكم والبخل فإنه من اكتسب مالاً فلم يصن به عرضاً بحث الناس عن أصله فإن كان مدخولاً هرتوه وإن لم يكن مدخولاً ألزموه ذنباً رموه به ومقتوه وأكسبوه عرفاً هجينا حتى يهجنوه والبخل داء ونعم الدواء السخاء وقال الحسن البصري لم أر أشقى بماله من البخيل لأنه في الدنيا مهتم بجمعه وفي الآخرة محاسب على منعه غير آمن في الدنيا من همه ولا ناج في الآخرة من إثمه عيشه في الدنيا عيش الفقراء وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء أخذه من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ودخل رضي الله عنه على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه فرآه يصعد بصره ويصوبه إلى صندوق في زاوية من بيته ثم التفت إليه وقال يا أبا سعيد ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أود منها زكاة ولم أصل منها رحماً قال ثكلتك أمك ولمن كنت

ص: 363

تجمعها قال لروعة الزمان وجفوة السلطان ومكاثرة العشية ثم مات فشهد الحسن جنازته فلما فرغ من دفنه ضرب بيده على القبر ثم قال انظروا إلى هذا أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه وجفوة سلطانه بما استودعه الله إياه انظروا إليه كيف خرج منها مذموماً مدحوراً ثم التفت إلى وارثه وقال أيها الوارث لا تخدعن كما خدع صويحبك بالأمس أتاك هذا المال حلالاً فلا يكونن عليك وبالاً أتاك عفواً صفواً ممن كان جموعاً منوعاً من باطل جمعه ومن حق منعه قطع فيه لجج البحار ومفاوز القفار لم تكدح لك فيه يمين ولم يعرق لك فيه جبين إن يوم القيامة ذو حسرات وإن من أعظم الحسرات غداً أن ترى مالك في ميزان غيرك يالها حسرة لا تقال وتوبة لا تنال

ما اخترت من محاسن كلام الفصحاء

وتأنقهم في ذم اللئام الأشحاء

كتب بعض الأدباء إلى صديق له يستشيره في قصد بعض الرؤساء تأميلاً لنائله وكان معروفاً بالبخل فأجابه كتبت إلي تسألني عن فلان وذكرت أنك هممت بزيارته وحدثتك نفسك بالقدوم عليه فلا تفعل أمتع الله بك فإن حسن الظن به لا يقع إلا بخذلان من الله وإن الطمع فيما عنده لا يخطر على القلب إلا من سوء التوكل على الله والرجاء لما في يديه لا يبتغي إلا بعد اليأس من روح الله لأنه رجل يرى التقتير الذي نهى الله عنه هو التبذير الذي يعاقب عليه وإن الاقتصاد الذي أمر الله به هو الاسراف وإن بني إسرائيل لم يستبدلوا المن بالعدس والسلوى بالبصل إلا لفضل حلومهم وقديم علم توارتوه عن آبائهم وإن الضيافة مرفوضية والهبة مكروهة والصدفة منسوخة وإن التوسع ضلالة والجود فسق وجهالة والسخاء من همزات الشياطين كأنه لم يسمع بالمعروف إلا في الجاهلية الأولى التي نسخ الله جميل أخبارها ونهى عن اتباع آثارها وكأن الرجنة لم تأخذ أهل مدين إلا لسخاء نسب إليهم ولا أهلكت الريح العقيم عاد إلا لأفضال كان فيهم وهل يخشى العقاب إلا على الانفاق ويرجو العفو لا بالامساك ويعد نفسه بالفقر ويأمرها بالبخل خيفة أن ينزل به قوارع الظالمين أو يصيبه ما أصاب الأولين فأقم رحمك الله بمكانك واصبر على خطب زمانك وامض على عسرتك فعسى أن يبدلك الله خيراً منه زكاة وأقرب رحماً

ص: 364

وكان محمد بن يحيى بن خالد مبخلاً بالنسبه لأبيه وأخو به جعفر والفضل فسئل الجماز عن مائدته فقال فتر في فتر وصحافها منقورة من خشب الخشخاش وبين الرغيف والرغيف مضرب كرة وبين اللون واللون فترة نبي قيل فمن يحضره قال خير خلق الله وشرهم قيل من هم قال الملائكة والذباب قيل له أنت به خاص وثوبك مخرق فقال والله لو ملك بيتاً من بغداد إلى النوبة مملوأ ابراً ثم جاءه يعقوب النبي ومعه الأنبياء شفعاء والملائكة ضمناء يسألونه إعارة إبرة يخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر ما فعل أخذه الشاعر ونظمه في قوله

لو أن قصرك يا ابن أغلب ممتل

إبراً يضيق بها رحاب المنزل

وأناك يوسف يستعيرك إبرة

ليخيط قد قميصه لم تفعل

آخر يهجو بخيلاً

لو أن دارك أمطرت عرصاتها

إبراً يضيق لها رحاب المنزل

وأتاك يوسف يوم قدّ قميصه

يرجو نوالك في إبرة لم تفعل

وقيل لأبي القاسم خمين تغديت عند فلان قال لا ولكني مررت ببابه وهو يتغدى قيل له وقد عرفت ذلك قال رايت غلمانه بأيديهم قسي البندق يرمون بها الطير في الهواء وذم أعرابي قوماً فقال لهم بيوت ندخلها حبواً إلى غير نمارق ولا وسائد فصح الألسن برد لسائل جعداً لا كف عن النائل وذم أعرابي قوماً فقال ما كانت النعمة فيهم إلا طيفاً فلما انتبهوا لها ذهبت عنهم فقال شاعر وكأنه ألم بهذا المعنى في قوله

خنازير نامّوا عن المكرمات

فأيقظهم قدر لم ينم

فيا قبحهم في الذي خولوا

ويا حسنهم في زوال النعم

نزل أعرابي برجل فقال له بعض قومه لقد نزلت بواد غير ممطور ورجل بقدومك غير مسرور فأقم بندم أو ارتحل بعدم وقال التوكل لأبي العيناء من

ص: 365

أبخل من رأيت قال موسى بن عبد الملك بن صالح قال وما رأيت من بخله قال رأيته يحرم القريب كما يحرم البعيد ويعتذر من الاحسان كما يعتذر من الاساءة وقال بشار من استضاف فلاناً استغنى عن الكنيف وأمن من التخمة وذم آخر بخيلاً فقال ضن بفلسه وجاد بنفسه وذم أعرابي بخيلاً فقال جعد البنان شحيح الكف مقفل اليد لا يسقط من كفه الخردل وإن استولى على أصابعه الجندل قال الشاعر

تحلى بأسماء الشهور فكفه

جمادي وما ضمت عليه المحرم

وقالوا فلان ما هو رطب فيعتصر ولا يابس فيكسر مانع للموجد سيئ الظن بالمعبود فلان منعوت على الجمع والمنع لا يعد العيش إلا ما جمعه والحزم إلا ما منعه فلان بن لبون لا در فيحلب ولا ظهر فيركب وذم أعرابي رجلاً بالبخل فقال لقد صغر فلاناً في عيني كبر الدنيا في عينه وكأنما يرى السائل إذا رآه ملك الموت إذا أتاه بشار بن برد

إذا سلم المسكين طار فؤاده

مخافة سؤل واعتراه جنون

ومن منظوم نفسات الصدور المحنقة في ذم من سلبه السخاء رونق قول منصور بن ربيعة يهجو بخلاء

قوم غدوا والطعام عندهم

وزن لجين ووزن ياقوت

إن كان قوتي إليهم وبهم

برئت منهم ومنك ياقوتي

الأخطل

ما زال فينا رباط الخيل معلمة

وفي كليب رباط الخزي والعار

قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم

قالوا لامهم بولي على النار

ص: 366

ولقد أحسن أبو الشمقمق في قوله

ما كنت أحسب أن الخبز فاكهة

حتى نزلت على أوفى بن منصور

الحابس الروث في أعفاج بغلته

خوفاً على الحب من لقط العصافير

آخر

عد الأرغفه شنف وقرط

واكليلان من خرز ودر

إذا كسر الرغيف بكى عليه

بكا الخنساء إذ فجعت بصخر

وجاء بكل نائحة عليه

كما بكت الرّباب لفقد عمرو

ودون رغيفه دق الثنايا

وحرب مثل وقعة يوم بدر

وقال أبو نواس يهجو سعيد بن سلم بن قتيبة

رغيف سعيد عنده عدل نفسه

يقلبه طوراً وطوراً يداعبه

ويأخذه في حضنه ويشمه

ويلثمه حيناً وحيناً يلاعبه

وإن قام مسكين على باب داره

إذا ثكلته أمّه وأقاربه

يسب عليه البول من كل جانب

ويخضب ساقاه وينتف شاربه

ابن طباطبا

أجاع بطني حتى

شممت ريح المنيه

وجاءني برغيف

قد أدرك الجاهليه

فقمت بالفأس حتى

أدق منه شظيه

تثلم الفأس وانصا

ع مثل سهم الرمية

فشج رأسي ثلاثاً

ودق مني الثنيه

ص: 367

آخر

ربي وربك بعد الجوع أشبعني

ورزق ربك آت غير مدفوع

ولو عليك اتكالي في الطعام إذا

لكنت أول مدفون من الجوع

آخر

وقائلة ما دهى ناظريك

فقلت لا مر به قد منيت

أكلت دجاجة بعض الملوك

فما زلت أصفع حتى عميت

آخر

نوالك دونه خرط القتاد

وخبزك كالثريا في البعاد

ترى الاصلاح صومك لا لأجر

وكسرك للرغيف من الفساد

ولو أبصرت ضيفاً في المنام

لحرّمت المنام إلى التناد

ولم أهجوك أنك كفؤ شعر

ولكني هجوتك للكساد

آخر

ودعوتني فأكلت عند قرصة

وشربت شرب من استتم خروفا

وسألتني في اثر ذلك حاجة

أودت بمالي تالداً وطريفا

فجعلت أفكر فيك باقي ليلتي

ما كنت تسأل لو أكلت رغيفا

آخر

أتيت ابن يحيى وهو يأكل فانثنى

إليّ قطوباً إذ رآني وهمهما

وقال لماذا جئت قلت مسلماً

فقال لقد سلمت فارجع مثل ما

ص: 368

وقال ابن الخياط الصقلي

لا تكونن مبرماً ومسوفاً

سله دمه وخل عنك الرغيفا

أكرم الخبز بالصيانة حتى

جعل الكعب للبنات شنوفا

آخر يخاطب بخيلا

لك نفس إذا أضر بها الجو

ع تلافيتها بشم الرغيف

من يكن عيشه كعيشك هذا

فلتكن داره بغير كنيف

آخر

رأيتك عند حضور الخوان

قليل النشاط كثير الصياح

تلاحظ عيناك كف الاكيل

وترمقه من جميع النواحي

فعال امرئ بخلت نفسه

بشيء يول إلى المستراح

آخر يهجو بخيلا

أصبح لا يعرف الجميل ولا

يفرق بين القبيح والحسن

إن الذي يرتجى نداه كمن

يحلب تيساً من عزة اللبن

آخر

يزداد شحاً وبخلاً كل من كثرت

أمواله ثم لا ترجى مواهبه

كالبحر كل مياه الأرض قاطبة

تأوى إليه ويظا فيه راكبه

ومما يكون متمماً لما ذكرناه

خلف الشحيح لسائله بما مناه

قالوا خلف الوعد من خلق الوغد والمثل المضروب قولهم اخلف من عرقوب واخلف من شرب الكمون فإن الكمون يمنى بالسقي ولا يسقى

ص: 369

قال الشاعر

سقيتموني كؤوس المطل مترعة

حتى ثملت والسكران عربيد

لا تتركوني ككمون بمزرعة

إن خانه الغيث أحيته المواعيد

وقال بعض كرماء الأعراب لان أموت عطشاً أحب إلي من أن أخلف موعداً وقال بعض البلغاء يذم بخيلاً فلان ملأ سمعي روحاً وكفي ريحا وقال آخر فلان يفتح مواعيد بالأطماع ويختمها بالخيبة والامتناع وقال آخر فلان سخي قولاً وبخيل فعلاً وسريع وعداً وبطئ رفداً وقال آخر فلان أول وعده طمع وآخره يأس وما هو إلا كالسراب يغر من رآه ويخلف من رجاه وقال الشاعر

لسانك أحلى من جني النحل موعدا

وكفك بالمعروف أضيق من قفل

آخر

لسانك معسول وقلبك علقم

ودون الثريا من صديقك مالكا

دعبل

يا جواد اللسان من غير فعل

ليت في راحتيك جود اللسان

وقالوا من وعد وأخلف لزمته ثلاث مذمات ذم اللؤم وذم الخلف وذم الكذب وقال الشاعر

ألا إنما الانسان غمد لقلبه

ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل

ولا خير في وعد إذا كان كاذباً

ولا خير في قول إذا لم يكن فعل

فإن تجمع الآفات فالبخل شرّها

وشر من البخل المواعيد والمطل

ص: 370