الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الصنيع الدال على لؤم الأصول
من كان بسيف جوره على العباد يصول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الظلم ظلمات يوم القيامة وقال عليه الصلاة والسلام أعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله تعالى من أمة محمد شيأً فلم يعدل فيهم وقال سفيان الثوري لان تلقى الله تعالى بسبعين ذنباً فيما بينك وبينه أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد ويقال من طال عدوانه وإنه زال سلطانه وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم ويقال الظلم يجلب النقم ويسلب النعم وقالوا من ظلم من الملوك فقد خرج من كرم الحرية والملك إلى دناءة العبودية والملك ويقال ليس شيء أسرع إلى تغيير نعمة وتعجيل نقمة من الاقامة على الظلم وفي الخبر يقول الله تعالى اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصراً غيري وقالت الحكماء شر الملوك الأفاك السفاك وقال أبو منصور الثعالبي أخلق بالملك الظلوم أن يصير غصة للمرائين وعظة للراوين وقالوا الظلم أسرع إلى تبديل النعم وتعجيل النقم من الطيور إلى الأوكار ومن الماء في الانحدار وقالوا سبع خطوم خير من وال ظلوم كان زياد بن أبيه ممن استطال بجوره وعسفه في ولايته عراقي البصرة والكوفة فلما ذل له من فيهما كبرت عليه نفسه واستقلهما لها فكتب إلى معاوية إني قد ضبطت العراقين بيميني وبقيت شمالي فارغة فجمع له معاوية الحجاز واتصلت ولايته بالمدينة فاجتمع أهل المدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاذوا بقبره يسألون الله تعالى الإقالة منه ورفع عبد الله بن عمر يديه وقال اللهم اكفنا شمال زياد كما كفيتنا يمينه فطعن فيها فشاور شريحاً في قطعها فقال له رزق مقسوم وأجل معلوم وإني أكره إن كانت لك مدة أن تعيش أجذم وإن حم أجلك أن تلقى الله مقطوع اليد فإذا سألك لم قطعتها فتقول بغضاً للقائك وفراراً من قضائك
فتركها فلما خرج شريح من عنده لامه الناس فقال إنه قد استشارني والمستشار مؤتمن ولولا أمانة المشورة لوددت إن الله قطع يده يوماً ورجله يوماً وسائر أعضائه يوماً يوماً وزاره شريح بعد ذلك فلما خرج من عنده قال له مسروق كيف تركت الأمير قال تركته يأمر وينهي فأول قوله فإذا هو يأمر بالوصية وينهي عن البكاء عليه ومات من تلك سنة ثلاث وخمسين في رمضان وكان مولده عام الهجرة ودفن في أرض الكوفة وسنأتي على نتف من مولده ونسبه فيما يلي هذا الفصل إن شاء الله تعالى ومن المفرطين في العسف والعنف يوسف ابن عمر الثقفي قلده هشام بن عبد الملك العراق وكان شيطاناً مريداً وجباراً عنيداً سفاكاً للدماء معروفاً بالظلم والغشم ولما قلده أمره بالقبض على خالد بن عبد الله القسري فسار إليه حتى هجم عليه وهو في قصره على حين غفلة من أمره فأخذه ثم رقى المنبر وقال يا أهل العراق إن الحجاج كان دخاناً أنا ناره ولهباً أنا شراره فعليكم بالطاعة العائدة بجزيل الثواب وإياكم والمخالفة الموجبة لوشك العقاب وقد أعذر من أنذر ثم نزل يحكي عنه أنه دخل دار الضرب فعاير درهماً فوجده ناقصاً حبة فضرب فيها الأمناء والصناع عشرة آلاف سوط وكان الفضل بن مراون وزير المعتصم ظالماً غاشماً متبحجاً بالظلم متجبراً متكبراً كان المعتصم يقول الفضل بن مروان أسخط الله وأرضاني فسلطني الله عليه دخل عليه الهيثم بن فراس الشاعر متظلماً من بعض عماله فصرف وجهه عنه ولوى عطفه فخرج من عنده وهو ينشد
تجبرت يا فضل بن مروان فانتظر
…
فقبلك كان الفضل والفضل والفضل
ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم
…
أبادهم التغيير والموت والقتل
فإن تك قد أصبحت في الناس ظالماً
…
ستودي كما أودى الثلاثة من قبل
فلما سمع الفضل أبياته قال ما الذي عنى بقوله فقيل إنه أراد الفضل بن يحيى والفضل بن سهل والفضل بن الربيع فتغير وجهه ولم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى قبض عليه وفيه يقول بعض الشعراء من أبيات هي قوافيها على ألفاظ الفضل المتفقة مبانيها المختلفة معانيها ولقد أبدع وأجاد
فيها
نصحت فأخلصت النصيحة للفضل
…
وقلت فبينت المقالة للفضل
ألا إن في الفضل بن يحيى لعبرة
…
إن اعتبر الفضل بن مروان بالفضل
وفي ابن الربيع الفضل للفضل زاجر
…
إن ازدجر الفضل بن مروان بالفضل
وللفضل في الفضل بن سهل مواعظ
…
إن اتعظ الفضل بن مروان بالفضل
إذا ذكروا يوماً وقد صرت رابعاً
…
ذكرت بقدر السعي منك إلى الفضل
فأبق جميلاً من حديث تكونه
…
ولا تدع المعروف والأخذ بالفضل
فإنك قد أصبحت للناس قائماً
…
وصرت مكان الفضل والفضل والفضل
من أبيات كثيرة أتيت منها على ما مست الحاجة إليه ووقع الاختيار عليه وقال شاعر في نكبته
لا تغبطنّ أخا الدنيا بمقدرة
…
فيها وإن كان ذا عز وسلطان
يكفيك من غير الأيام ما صنعت
…
حوادث الدهر بالفضل بن مروان
إن الليالي لم تحسن إلى أحد
…
إلا أساءت إليه بعد احسان
وصف بعض البلغاء عاملاً للمأمون فقال يا أمير المؤمنين ما ترك فضة إلا فضها ولا ذهباً إلا ذهب به ولا علقاً إلا علقه ولا ضيعة إلا أضاعها ولا غلة إلا غلها ولا عرضاً إلا عرض له ولا ماشية إلا امتشها ولا جليلاً إلا أجلاه ولا دقيقاً إلا دقه ولا رقيقاً إلا رقه فضحك منه وصرفه عن أهل ناحيته ووصف بعضهم عامل ولاية فقال والله ما الذئب في الغنم بالقياس إليه الا من المصلحين ولا السوس في الخزز من الصيف الا من العادلين ولا يزدجرد الأثيم في أهل فارس بالاضافة إليه إلا من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين ولا فرعون في بني إسرائيل إذا قابلته به إلا من الملائكة المقربين ووصف آخر عامل ولاية فقال كان يجبي خراج الوحش ويأخذ جزية السمك ويطلب زكاة الملائكة ويلتمس جمع الريح ويروم القبض على الماء وحصر الحصا وكيل الأنهار وتحصيل الهباء ولئن كانت النعمة عظمت على قوم خرج عنهم لقد
جلت المصيبة بقوم نزل فيهم وذم البديع الهمداني قاضياً ووصفه بالظلم فقال قاض لا شاهد عنده أعدل من السكر والجام يدلي بهما إلى الحكام ولا ولي أصدق لديه من الصفر الذي يرقص على الظفر ولا وثيقة أحب إليه من غمزات الخصوم على الكيس المختوم ولا وكيل أعز عليه من المنديل والطبق في وقتي الفلق والغسق وأقسم لو أن اليتيم وقع بين الأسود بل الحيات السود لكانت سلامته منها أيسر من سلامته من أصحابه وما ظنك برجل يعادي الله في الغلس ويبيع الدين بالثمن البخس ولص لا ينقب إلا خزائن الأوقاف وكردي لا يغير إلا على الضعاف وذئب لا يفترس عباد الله إلا بين الركوع والسجود ومحارب لا ينهب مال الله إلا بين العدول والشهود قيل لبعض الأعراب أيما أحب إليك أن تلقى الله ظالماً أو مظلوماً قال ظالماً قيل له ويحك ولم قال ما عذري إذا قال لي خلقتك سوياً قوياً لم لم تستعد وأنشد بيت زهير ابن أبي سلمى
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه
…
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
ومن معايب من رغب عن المكارم
…
القاء الحشمة في ارتكاب المحارم
كما يحكي أن نصر بن سيرا مر بأبي الهندي وكان شريفاً في قومه وهو يميل سكراً فقال له أفسدت شرفك فقال أبو الهندي لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان وكان يزيد بن معاوية يلقب بالسكران لكثرة انهماكه على كثرة شرب الخمر ولقب أيضاً يزيد الخمر بلغه إن المسور بن مخرمة يرميه بشرب الخمر فكتب إلى عامله بالمدينة أن يجلد المسور حد القذف ففعل فقال المسور
أتشربها صرفاً تطن دنانها
…
أبا خالد والحد يضرب مسور
وكان له قرد يكنى أبا قيس يحضره مجلس شرابه ويطرح له متكأ ويسقيه فضله كأسه واتخذ له أتانا وحشية قد ربضت له وذللت وصنع لها سرج ولجام من
ذهب يركبه بهما عليها ويسابق بها الخيل يوم حلبة الرهان فجاء يوماً سابقاً وتناول القصبة التي هي الغابة ودخل الحجرة قبل مجئ الخيل وعليه قباء وقلنسوة من الحرير الأحمر وفيه يقول بعض شعراء الشام
تمسك أبا قيس بفضل زمامها
…
فليس عليها إن سقطت ضمان
إلا من رأى القرد الذي سبقت به
…
جياد أمير المؤمنين أثان
وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك مما جنا زنديقاً مستهزئاً مستخفاً مستهيناً بالخاصة والعامة مدمناً للخمر متلاهياً باللهو واللعب مصراً على ارتكاب الفواحش مشتغلاً بخلاعته عن النظر في أمور المسلمين والقيام بحقوق الخلافة وأمور المملكة وأحوال الرعية وفيه يقول القائل
مضى الخلفاء بالأمر الحميد
…
وأصبحت المذمّة للوليد
تشاغل عن رعيته بلهو
…
وخالف قول ذي الرأي السديد
ذكر ثقات المؤرخين إن المؤذن أذنه يوماً للصلاة وهو في لهوه فأمر جارية من جواريه الفواسق أن تعتم وتتلثم وتصلي بالناس فخرجت على هذه الصفة وصلت بهم وبلغ من تهكمه بالشريعة أنه كان يفطر في رمضان والشاهد عليه ما يقال إنه من شعره
ألا من مبلغ الرحمن عني
…
بأني تارك شهر الصيام
وقوله
يا أيها السائل عن ديننا
…
نحن على دين أبي شاكر
نشربها صرفاً وممزوجة
…
بالسخن والبارد والفاتر
وحكى أنه استدعى أشعب الطامع من المدينة وألبسه سراويل من جلد قرد له ذنب واقترح عليه صوتاً يرقص به فلما فعل ذلك أعطاه ألف درهم وقيل إنه
لما دخل عليه أخرج له ذكره منعظاً وقال له هل رأيت مثل هذا قال لا قال فاسجد له فسجد وهو القائل يخاطب المصحف وقد جعله هدفاً حين تفاءل منه فخرج قوله تعالى واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد
أتوعد كلّ جبار عنيد
…
فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر
…
فقل يا ربّ مزقني الوليد
والسبب في قوله هذا أنه لما رأى حالته قد انحل نظامها ودولته مدبرة وقد نفدت أيامها فتح المصحف ينظر فيه فألا فخرج له واستفتحوا الآية
ومن قوله يخاطب المصحف
…
فعل من بدّل وحرف
تخوّفني الحساب ولست أدري
…
أحقاً ما تقول من الحساب
فقل لله يمنعني طعامي
…
وقل لله يمنعني شرابي
تلاعب بالنبوّة هاشمي
…
بلا وحي أتاه ولا كتاب
فمتعه الله طعامه وشرابه كما أراد في مقاله وسلط عليه من قتله وهكذا عادة الله في أمثاله فقتل يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادي الأولى سنة ست وعشرين ومائة بالنجراء وهو قصر على ستة أميال من تدمر وله من العمر اثنتان وأربعون سنة وقيل تسع وثلاثون وأشهر وكانت مدة خلافته سنة وشهرين وعشرين يوماً وحمل رأسه إلى دمشق وعلق بها وقرن به دف وطنبور ولم يزل أثر الدم على الجدران إلى أن قدمها المأمون سنة خمس عشرة ومائتين فأمر بحكه وكان والبة بن الحباب من الخلعاء المستهزئين وهو الذي ربى أبا نواس وأدبه يحكي عنه أنه كشف يوماً عن فقحته فقبلها فضرط على لحيته فقال له ويلك ما هذا فقال أما سمعت المئل جزاء مقبل الوجعاء ضرطه فزاد كلامه هجبابه
يحكي أن جماعة اجتمعوا في مجلس لمطيع بن اياس يشربون الخمر فأقاموا على ذلك ثلاثة أيام فقال لهم يحيى بن زياد ليلة وهم سكارى ويحكم ما صلينا منذ ثلاثة أيام فقوموا حتى نصلي فقام مطيع فأذن وقال للقينة تقدمي وصلي بنا واقرئي في صلاتك
علق القلب الربابا
…
بعد ما شابت وشابا
فتقدمت وصلت وكانت بلا سراويل وعليها غلالة رقيقة يظهر سائر جسدها منها فلما سجدت انكشف سترها وبداهنها فوثب إليه مطيع وقبله ثم قال
ولما بداهنها جاثماً
…
كرأس حليق ولم يعتمد
سجدت عليه فقبلته
…
كما يفعل العابد المجتهد
فقطعوا صلاتهم بالضحك وعادوا لما نهوا عنه ومن أشعارهم قول أبي نواس
إنما الدنيا غلام
…
وطعام ومدام
فإذا فاتك هذا
…
فعلى الدنيا السلام
فبؤساً لهم ألم يعلم عاقلهم وجاهلهم بأن الله يرى وأن بيده نواصي ما ذر أو برا ولكن غرهم الامهال حتى ظنوا أنه إهمال فبدلنا الله من سنة الغفلة يقظة الطاعة وألهمنا من العمل ما نفوز بأجره إلى قيام الساعة آمين
ومن خلائق العريق في الوضاعة
…
أخذ النفس بالتكبر والرقاعة
قال الشافعي أظلم الناس لنفسه اللئيم إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه واستخف بالأشراف وتكبر على ذوي الفضل وقال أبو مسلم ما ضاع إلا
وضيع ولا فاخر إلا لقيط ولا تعصب إلا دخيل وقال عمر ما وجد أحد في نفسه كبراً إلا لمهانة يجدها في نفسه ويقال الاعجاب يغطي سائر المحاب ويكفي في ذم الكبر قول الله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق قال ابن عيينة حرمهم فهم القرآن قال بعض البلغاء الكبر من أخبث سرائر القلوب وأعظم كبائر الذنوب لا يرى صاحبه أبداً إلا فظاً غليظاً ولا يرى لا حد سواه في الفضل حظاً حظيظاً وكفى به شيمة مشؤمة وخلة مدمومة أهلكت الأكابر حديثاً وقديماً وعاد الكريم من الرجال ذميماً مليماً وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر وكان يقال من جهل قدر نفسه فهو بقدر غيره أجهل ومن أنف من عمل نفسه اضطر إلى عمل غيره وقالوا من قل لبه كثر هجبه وقال أزدشير بن بابك ما الكبر الأفضل حمق لم يدر صاحبه أين يضعه فصرفه إلى الكبر وقال الشاعر
وقل لمعتصم بالتيه من حمق
…
لو كنت تعرف ما في التيه لم تته
التيه مفسدة للدين منقصة
…
للعقل منهكة للعرض فانتبه
آخر
رأيت الفتى يزداد نقصاً وذلة
…
إذا كان منسوباً إلى العجب والكبر
ومن ظنّ أنّ العجب من كبر همة
…
فإني رأيت العجب من صغر القدر
وأنشد الامام محيي الدين محمد عرف بحامي رأسه النحوي لنفسه
ومعتقد أنّ الرياسة في الكبر
…
فأصبح ممقوتاً به وهو لا يدري
يجرّد ذيول الفخر طالب رفعة
…
ألا فاعجبوا من طالب الرفع بالجرّ
وقال معاوية إن التواضع مع البخل والجهل أزين بالرجل من الكبر مع البذل والعقل فيالها حسنة غطت على سيئتين كبيرتين ويالها من سيئة غطت على حسنتين عظيمتين وقالوا من أصاب حظاً من جاه فأصاره إلى كبر وترفع أعلم الناس إنه دون تلك المنزلة ومن أقام على حاله أعلمهم أن تلك المنزلة دونه وأنها دون ما يستحق مر المهلب بن أبي صفرة على مطرف بن عبد الله وهو يتبختر في جبة خز فقال يا عبد الله هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال المهلب أما تعرفني فقال له ومن أنت قال أنا المهلب قال نعم أعرفك أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين هذا وهذا تحمل العذرة نظم بعضهم هذه الكلمات فقال
عجبت من معجب بصورته
…
وكان بالأمس نطفة مذره
وفي غد بعد حسن طلعته
…
يصير في اللحد جيفة قذره
وهو على تيهه ونخوته
…
ما بين جنبيه يحمل العذره
ولآخر
يا مظهر الكبر اعجاباً بصورته
…
انظر خلاك فإنّ البين تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم
…
ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة
…
بأربع هو بالأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك
…
والعين مرمصة والثغر ملعوب
يا ابن التراب ومأكول التراب غداً
…
أقصر فإنك مأكول ومشروب
ومن ظريف ما يذكر من أخبار المتكبرين ما يحكي أن علقمة بن وائل الحضرمي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وفد عليه من سادات العرب فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاويه أن ينطلق به إلى منزل رجل من الأنصار لينزله عنده وكان منزله بأقصى المدينة قال معاوية فخرجت معه وهو راكب ناقته وأنا أمشي في ساعة قيظ يشوي الوجوه وليس لي حذاء فقلت له أردفني خلفك فقال لست من أرداف الملوك قلت إني ابن أبي سفيان قال قد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال قلت فألق لي نعليك قال لا تقبلان قدميك ولكن امش في ظل ناقتي فكفاك ذاك شرفاً وإن الظل لك لكثير قال معاوية فما مر بي مثل ذلك اليوم قط والله لخلته أنه من جهنم ثم أدرك سلطاني فلم أواخذه بل أجلسته معي على سرير هذا وحكى أن عمارة بن حمزة وكان متكبراً جداً دخل على المهدي يوماً فلما استقر به مجلسه قام رجل كان المهدي قد أعده ليتهكم بعمارة فقال مظلوم يا أمير المؤمنين قال من ظلمك قال عمارة هذا غصبني ضيعتي وكانت من أحسن ضياع عمارة فقال المهدي قم فاجلس مع خصمك قال يا أمير المؤمنين ما هو لي بخصم إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها وإن كانت لي فقد وهبتها له ولا أقوم من مجلس شرفني به أمير المؤمنين فلما خرج الرجل وانفض المجلس سأل عمارة عن صفة الرجل وما كان لباسه وأين كان موضع جلوسه فلم يعلم وكان من تيهه أنه إذا أخطأ يمر في خطئه تكبراً عن الرجوع ويقول نقض وابرام في ساعة واحدة الموت أهون منه وقال ابن عبدوس الجهشياري كان عمارة أعور دميماً استعمله المنصور على الخراج وكور دجلة والأهواز وكور فارس وقلده المهدي ذلك أيضاً وكان عبد الدولة بن جهير وزير المستظهر بالله متكبراً كثير الكبر يكاد يعد كلامه عداً وكان إذا كلم رجلاً كلاماً يسيراً هنئ ذلك الرجل بكلامه ومن الكبر المستبشع والتيه المستشنع ما يحكي أن ثوابة دعا أكاراً فكلمه فلما فرغ من كلامه دعا بماء وتمضمض به استقذاراً لمخاطبته وأنشدت لبعض المتكبرين مفتخراً
أتيه على جنّ البلاد وأنسها
…
ولو لم أجد خلقاً لتهت على نفسي
أتيه فما أدري من التيه من أنا
…
سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسي
فإن زعموا أني من الأنس مثلهم
…
فمالي عيب غير أني من الأنس
ولابن صابر
أيها المدّعي الفخار دع الفخ
…
ر لدى الكبرياء والجبروت
نسج داود لم يفد ليله الغا
…
ر وكان الفخار للعنكبوت
وبقاء السمند في لهب النا
…
ر مزيل فضيلة الياقوت
وصف البديع الهمداني متكبراً فقال كأن الدنيا خاتم في خنصره وحساب خراجها في بنصره وكأن الشمس تطلع من جبينه والغمام يندي من يمينه وكان كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وقال آخر كان العجب شقيقه والبذخ رفيقه والنفخ أليفه والصلف حليفه وقال جعيفران يهجو سعيد بن مسلم بن قتيبة
أمّ سعيد لم ولدتيه
…
ملوّثاً بالكبر والتيه
ليتك إذ جئت به هكذا
…
حين خريتيه أكلتيه
آخر
كبر بلا نسب تيه بلا حسب
…
فخر بلا أدب هذا من العجب
والهجو الفظيع القبيح قول بعض الشعراء في أبي جعفر العباس بن الحسن
إنّ ابن عباس أبا جعفر
…
يبذل للنائك أوراكه
تراه من تيه ومن نخوة
…
كأنه ناك الذي ناكه
وليم بعض المتكبرين على الاعجاب فقال التواضع يكسب المذلة والافراط في المؤانسة يوجب المهانة وأنشد
ونفسك أكرمها فإنك إن تهن
…
عليك فلن تلقى لها الدهر مكرما
وقال في معناه صالح بن عبد القدوس
إذا ما أهنت النفس لم تلق مكرماً
…
لها بعد ما عرّضتها الهوان