المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

وأما تميم فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عمرو بن الأيهم عن الزبرقان واسمه حصين بن بدر فأجابه بكلام مدحه فيه بما فيه فلم يرض الزبرقان باقتصاره على ما قال ورأى أنه غض منه وإنها عثرة لا تقال فقال في الحالة الراهنة كلاماً ذمه فيه بما فيه فصدق في الأول ولم يمن في الثاني فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرعة فهمه وتحريه الصدق في مدحه وذمه وقال في وصف كلامه ما هو به أحرى عطفاً على قوله للبيدان من الشعر لحكماً وغن من البيان لسحراً قال قيس بن عامر يمدح قوماً بالخطابة

خطباء حين يقوم قائلهم

بيض الوجوه مصاقع لسن

وقال آخر يفتخر بقومه في المعنى

وإني من قوم كرام أعزة

لاقدامهم صيغت رؤس المنابر

وقال أبو العباس الأعمى واسمه السائب ابن فروخ مادحاً لبني أمية بالخطابة في المعنى أيضاً

خطباء على المنابر فرسا

ن عليها وقالة غير خرس

لا يعابون صامتين وإن قا

لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس

والخطابة جزالة اللفظ وشدة المعارضة وقال الجاحظ رأس الخطابة الطبع وعمودها الدربة وجناحاها رواية الكلام وحليها الأعراب وبهاؤها تخير اللفظ والمحبة مقرونة بالايجاز وقال ابن أبي دواد تلخيص المعاني رفق والاستعانة بالغريب عجز والتشادق بغض والنظر في عيون الناس عي ومس اللحية هلك والخروج مما بنى عليه أول الكلام اسهاب

‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

والفهاهة لسحبان ورجعت خاسئة عن مجاراتها في ميدان البلاغة سوابق الأذهان غير أنا

ص: 197

نورد منها في هذا المكان قطرة من سحابها الصائب لنصيب الغرض المقصود إصابة الهدف السهم الصائب

خطب عليه الصلاة والسلام فقال أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم الأوان المؤمن بين مخافتين بين أجل قد قضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن ديناه لآخرته ومن الشبيبة قبل الهرم ومن الحياة قبل الموت فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مستعتب وما بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار فيالها كلمات لو صادفت سمعاً واعياً وقلباً لجناب الله داعياً وخطب أبو بكر الصديق رضي الله عنه عند موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد غشي المسلمين بمصيبتهم به ما غشيهم فقال أيها الناس من كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت إن الله اختار لنبيه ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتاب الله وسنته فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر ثم تلى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية ثم قال أشهد إن الكتاب كما أنزل وأن الحديث كما حدث وإن الله حي لا يموت وإنا لله وإنا إليه راجعون وكان إذا فرغ من خطبته يقول اللهم اجعل خير زماني آخره وخير عملي خواتمه وخير أيامي يوم لقائك وكان عمر يقول آخر خطبته اللهم لا تدعني في غمرة ولا تأخذني على غرة ولا تجعلني من الغافلين وخطب علي رضي الله عنه فقال أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بوداع وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع وإن المضمار اليوم وغداً السباق فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمول

ص: 198

وخطب معاوية رضي الله عنه في يوم شديد الحر فقال بعد التحميد إن الله خلقكم فلم ينسكم ووعظكم فلم يهملكم فقال يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وخطب يزيد بن معاوية بعد موت أبيه فقال الحمد لله ما شاء صنع من شاء أعطى ومن شاء منع ومن شاء خفض ومن شاء رفع إن أمير المؤمنين معاوية كان حبلاً من حبال الله تعالى مده ما شاء أن يمده ثم قطعه حين أراد قطعه وكان دون من قبله وخير من بعده ولا أزكيه عند ربه وقد صار إليه فإن يعف عنه فبرحته وإن يعاقبه فبذنبه وقد وليت الأمر بعده ولست أعتذر من جهل ولا آسى على طلب علم وعلى رسلكم إذا كره الله شيأً عسره وإذا أراد أمراً يسره وخطب سليمان بن عبد الملك فقال ألا إنما الدنيا دار غرور ومنزل باطل تضحك باكياً وتبكي ضاحكاً وتخيف آمناً وتؤمن خائفاً وتفقر مثرياً وتثري فقيراً اعلموا عباد الله أن هذا القرآن يجلو كيد الشيطان كما يجلو ضوء الصبح إذا تنفس ظلام الليل إذا عسعس وخطب عمر بن عبد العزيز فقال أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح لكم علانيتكم وأصلحوا دنياكم تصلح لكم آخرتكم وإن أمر أليس بينه وبين آدم أب حي لعريق في الموتى وكان يقول في آخر خطبته اللهم إن ذنوبي عظمت عن أن تحصى وهي صغيرة في جنب عفوك فاعف عني وخطب في زواج فقال الحمد لله ذي الكبرياء وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء أما بعد فإن الرغبة منك دعتك إلينا والرهبة منا فيك أجابت وقد زوجناك على كتاب الله وسنة رسوله إما إمساك بمعروف أو تسريح باحسان وخطب السفاح لما قتل مروان بن محمد وبويع فقال ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار الآية ثم قال نكص بكم يا أهل الشام آل حرب وآل مروان ماذا يقول زعماؤكم يقولون ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار إذا يقول الله وفاء بما وعد لكل ضعف ولكن لا تعلمون إما أنا فقد غفرت لكم الزلة وبسطت لكم الاقالة وعدت بفضلي على نقصكم وبحلمي على جهلكم فليسكن روعكم ولتطمئن بكم داركم ولتعظكم مصارع أولئكم فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا

ص: 199

وخطب المنصور فقال أحمد الله حمده وأستعينه وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أيها الناس اتقوا الله فقام إليه رجل وقال اذكرك من ذكرتنا به وأنت في ذكره يا أمير المؤمنين فقال المنصور مرحباً مرحباً لقد ذكرت جليلاً وخوفت عظيماً وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم والموعظة منابدت ومن عندنا خرجت وفي رواية قال سمعاً وطاعة لمن سمع عن الله وذكر به وأعوذ بالله أن أذكر به وأنساه لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين ثم التفت إلى

الرجل وقال وأما أنت يا قائلها فوالله ما الله أردت بهذا ولكن ليقال قام فلان فقال فعوقب فصبر وأهون بها من قائل لو كانت وأنا أنذركم أيها الناس اختها فإن الموعظة الحسنة علينا نزلت وفينا ثبتت ثم قال رحم الله امرأ نظر في دنياه لآخرته فمشى القصد وقال القصد وجانب الهجر ثم أخذ بقائم سيفه وقال إن بكم داء هذا شفاؤه وأنا زعيم لكم بشفائه فليعتبر عبد قبل أن يعتبر به فما بعد الوعيد إلا الايقاع وإنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وخطب المامون في يوم عيد فقال أيها الناس عظم قدر الدارين وتباين جزاء العالمين وطالت مدة الفريقين الله الله إنه الجد لا اللعب والحق لا الكذب وما هو إلا الموت والبعث والميزان والحساب والصراط والقصاص والثواب والعقاب فمن نجا يومئذ فقد فاز ومن هوى فقد خاب الخير كله في الجنة والشر كله في النار فلله هذه الكلمات ما أجلاها لصد الذنوب وأحلاها وقعاً في القلوب ولم تزل خلفاء بني العباس يخطبون على المنابر في الجمع والأعياد وآخر من فعل ذلك منهم الراضي خطب العمال قال الشعبي ما سمعت أحداً يتكلم إلا تمنيت أن سكت مخافة أن يخطئ إلا زياداً فإنه كان لا يزداد اكثاراً إلا ازداد احساناً خطب فقال أيها الناس لا يمنعنكم سوء ما تعلمون أن تنتفعوا منا بأحسن ما تسمعون فإن الشاعر يقولرجل وقال وأما أنت يا قائلها فوالله ما الله أردت بهذا ولكن ليقال قام فلان فقال فعوقب فصبر وأهون بها من قائل لو كانت وأنا أنذركم أيها الناس اختها فإن الموعظة الحسنة علينا نزلت وفينا ثبتت ثم قال رحم الله امرأ نظر في دنياه لآخرته فمشى القصد وقال القصد وجانب الهجر ثم أخذ بقائم سيفه وقال إن بكم داء هذا شفاؤه وأنا زعيم لكم بشفائه فليعتبر عبد قبل أن يعتبر به فما بعد الوعيد إلا الايقاع وإنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وخطب المامون في يوم عيد فقال أيها الناس عظم قدر الدارين وتباين جزاء العالمين وطالت مدة الفريقين الله الله إنه الجد لا اللعب والحق لا الكذب وما هو إلا الموت والبعث والميزان والحساب والصراط والقصاص والثواب والعقاب فمن نجا يومئذ فقد فاز ومن هوى فقد خاب الخير كله في الجنة والشر كله في النار فلله هذه الكلمات ما أجلاها لصد الذنوب وأحلاها وقعاً في القلوب ولم تزل خلفاء بني العباس يخطبون على المنابر في الجمع والأعياد وآخر من فعل ذلك منهم الراضي خطب العمال قال الشعبي ما سمعت أحداً يتكلم إلا تمنيت أن سكت مخافة أن يخطئ إلا زياداً فإنه كان لا يزداد اكثاراً إلا ازداد احساناً خطب فقال أيها الناس لا يمنعنكم سوء ما تعلمون أن تنتفعوا منا بأحسن ما تسمعون فإن الشاعر يقول

اعمل بقولي ولا تنظر إلى عملي

ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري

ص: 200

كذا وقعت لي هذه الحكاية ثم وجدت بعد ذلك في بعض التعاليق هذا البيت منسوباً للخليل بن أحمد ويجوز أن يكون الخليل أنشده متمثلاً به والله أعلم وقال بعد انشاده البيت اسمعوا قولي هذا وعوه فإنما علي ما حملت وعليكم ما حملتم وخطب مصعب بن الزبير لما قدم العراق والياً عليه من قبل أخيه عبد الله فقال بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبا موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون وأشار بيده نحو الشأم والحجاز والعراق إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين وأشار بيده نحو الشأم يريد عبد الملك بن مروان ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض وأشار نحو الحجاز يريد أخاه عبد الله ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وأشار نحو العراق يريد أجناد عبد الملك وكان الحجاج من الفصحاء البلغاء قال الشعبي كنت ممن شاهده على المنبر ما رأيت أحداً أبين من الحجاج إن كان ليرقى المنبر فيذكر احسانه إلى أهل العراق وصفحه عنهم وإساءتهم عليه حتى أقول في نفسي إني لأحسبه صادقاً وإني لأظنهم كاذبين خطب فقال أما بعد فإن الله كتب على الدنيا الفناء وكتب على الآخرة البقاء ولا بقاء لما كتب عليه الفناء ولا فناء لما كتب عليه البقاء فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة وأقصروا طول الأمل بقصر الأجل قال الشعبي كلام حكمة خرج عن قلب خرب وخطب سليمان بن علي بالعراق لما قتلت الأمويون فقال ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين قضاء مبرم وقول فصل وما هو بالهزل الحمد لله الذي صدق عبده وأنجز وعده وبعدا للقوم الظالمين الذين اتخذوا الكعبة غرضاً والفئ ارثاً وجعلوا القرآن عضين لقد جاءهم ما كانوا به يستهزؤن فكأين من قرية أهلكتها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد

ص: 201

ذلك ما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد أمهلوا والله حتى نبذوا الكتاب والسنة واعتدوا واستكبروا وخاب كل جبار عنيد ثم أخذتهم فكيف كان نكير فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً وخطب داود أخوه بالمدينة فقال أيها الناس حتام يهتف بكم صريحاً أما آن لراقدكم أن ينتبه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون أغركم الامهال حتى حسبتموه الاهمال هيهات منكم وكيف بكم والسوط والسيف مشيم ثم أنشد

حتى تبيد قبيلة وقبيلة

ويعض كل مثقف بالهام

ويقمن ربات الخدور حواسراً

يمسحن عرض نواصي الأيتام

قال الجاحظ داود وسليمان من أفصح خطباء بني هاشم كانا في البيان فرسي رهان إلا أن داود أفتق لساناً وأروق بياناً وكان لا يتقدم في تحرير خطبة قط

وواجب أن يكون بهذا الفصل لاحقاً

ذم من ظل بمستثقل التقعير ناطقاً

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الثرثارون الذين يتكلمون بالكلام تكلفاً وتجاوزاً وخروجاً عن الحد من قولهم نهر ثرثار لكثرة مائه والمتفيهقون تأكيد وهو مأخوذ من قولهم فهق الغدير يفهق إذا امتلا وقال بشر بن المعتمر إياك والتقعير فإنه يسلمك إلى التعقيد فتستهلك معانيك ويمنعك من اصابة مراميك وقلل بعض البلغاء أحذركم والتعمق في القول والتكلف وعليكم بمحاسن الألفاظ والمعاني المستخفة المستملحة فإن المعنى المليح إذا كسى لفظاً حسناً وأعاره البليغ مخرجاً سهلاً كان في قلب السامع أحلى ولصدره أملى وقال بعض الحذاق إياك والنحو بين العامة فإنه كاللحن بين الخاصة وما أحسن قول أبي عمرو بن العلاء في نحو هذا المعنى

لعمرك ما اللحن من شيمتي

ولا أنا عن خطأ ألحن

ولكنني قد قسمت الكلام

أخاطب كلاً بما يحسن

ص: 202

وقالوا خير الكلام ما لم يكن عامياً سوقياً ولا عربياً وحشياً وقال أبو الأسود الدؤلي لولده يا بني إذا كنت في قوم فلا تكلمهم بكلام لم يبلغه سنك فيستثقلوك ولا بكلام هو دونك فيزدروك ويحتقروك

فمن بوارد نوادر المتقعرين

وشوارد بوادر المتفيهقين

ما حكى عن أبي علقمة النحوي أنه هاج به دم فأتى بحجام فقال يا هذا اشدد قصب المحاجم وأرهف ظبة المشارط وأسرع الوضع وعجل النزع وليكن شرطك وخزاً ومصك نهزاً ولا تكرهن آتياً ولا تردن آبياً فقال له الحجام جعلت فداك إن هذه الصنعة لا أحسنها وهذه حرب لا يشب نارها ولا يشق غبارها إلا عمرو بن معد يكرب ثم تركه وانصرف ولم يحجمه ومن أظرف ما ينسب إليه ما يحكى عنه أنه هاج به يوماً مرار فسقط على وجهه وأقبل قوم يعضون ابهامه وقوم يؤذنون في أذنه ظناً منهم أنه مصروع فلما أفاق من غمرات غشيته رآهم محدقين به فقال مالي أراكم تتكأكؤن علي تكأكأكم على ذي جنة افرنقعوا عني فقال بعضهم لبعض دعوه فإن جنيته تتكلم بالهندية اشترى الفضل بن الحباب جارية فوجدها ضيقة المسلك فقال يا جارية هل من بساق أو بزاق أو بصاق لان العرب تبدل السين صاداً وزاياً فقالوا صقر وسقر وزقر فقالت الجارية الحمد لله الذي لم يتمنى حتى رأيت حرى قد صار ابن الأعرابي يقرأ عليه اللغة وأتى رجل بع الولاة فقال أعز الله الأمير إن لي ابن أخ أشرأً بطراً قد انضوى إلى كل سكير وخمير عمد إلى عود فنحته وإلى معي فقضبه فطن وطنطن حتى فطن به فأحب عقوبته حتى ينتهي عن ذلك فتقدم الأمير باحضاره فلما مثل بين يديه قال له يا ابن أخي ألم أطعمك ألذ الطعام ألم أسقك أطيب الشراب قال بلى يا عم قال مالك والتعدي أضجعوه وجئوا عنقه فالتفت إليه الشاب وقال والله يا عم لوقع السياط على بدني أحب إلي من وقع كلامك في أذني فضحك منه الأمير وأطلقه أنشد العجاج وأعرابي حاضر عند الوليد بن عبد الملك

أمست الغانيات ترمي صدوداً

وأراني للغانيات مصيدا

ص: 203