المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

وخاف من الملام فحذر واحترس قال الأحنف بن قيس اللسان قيمة الانسان فمن قومه زادت قيمته وقال أكثم بن صيفي هلك الانسان في طول اللسان وقال سفيان الثوري لأن أرمى عدوي بسهمي خير له من أن أرميه بلساني لأن رمي اللسان لا يخطئ ورمى السهم يصيب ويخطئ قال الشاعر

ورب كلام قد جرى من ممازح

فساق إليه سهم حتف معجل

وقال ابن مسعود لسانك سيف قاطع يبدأ بك وكلامك سهم نافذ يرجع عليك فاقتصد في المقال وإياك وما يوغر صدور الرجال وقال أعرابي الكلمة أسيرة في وثاق الرجل فإذا تكلم عاد أسيراً في وثاقها اجتمع أربعة من الملوك على أربع كلمات تواردوا فيها موارد النصائح وأخرجوا درر معانيها من بحار القرائح قال كسرى أنا على ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت وقال ملك الصين أنا إذا تكلمت بالكلمة ملكتني وإذا لم أتكلم بها ملكتها وقال ملك الهند عجبت لمن يتكلم بالكلمة إن ذكرت عنه ضرت وإن لم تذكر عنه لم تنفعه وقال قيصر لأن أندم على ما لم أقل أحب إلي من أن أندم على ما قلت فهذه كلمات صدرت عن صدور صافية من كدر الغل وغشه ليتحذر بها العاقل من لدغ الكلام ونهشه وقالوا من أطلق لسانه بما يحب كان أكثر مقامه حيث لا يحب وقال صلى الله عليه وسلم ما أعطى العبد شراً من طلاقة اللسان وقال لقمان لابنه يا بني إن من الكلام ما هو أشد من الحجر وأنفذ من الأبر وأمر من الصبر وأحر من الجمر وإن من القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة فإن لم تنبت كلها نبت بعضها وقال زياد إن الرجل ليتكلم بالكلمة يقطع بها ربقة عنز فتبلغ امامه فيسفك دمه ويقال حفظ اللسان راحة الانسان وقال صعصعة بن صوحان طول اللسان يقصر الأجل وخطأ القول يصيب المقتل ويقال من خزن لسانه حقن دمه ومن ملك كلامه أمن ندمه فاللسان سيف مرهف لا ينبو حده والكلام سهم مرسل لا يمكن رده وقال بعض الحكماء الجاهل يستعجل باظهار المعاني قبل

ص: 231

أحكامها واخراجها وإن لم يحن أوان تمامها فإذا سددها تخطى غرض الصواب وقال الخبرارزي

إذا ما لسان المرء أكثر هدره

فذاك لسان بالبلاء موكل

إذا شئت أن تحيا عزيزاً مسلماً

قد بر وميز ما تقول وتفعل

ومما اخترت من كلام الحكماء الأعلام

في مدح الصمت وذم الكلام

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ أنت سالم ما سكت وإذا تكلمت فلك أو عليك وقال ابن مسعود إن كان الشؤم في شيء ففي اللسان وقال أبو نواس

خلّ جنبيك لزام

وامض عنه بسلام

مت بداء الصمت خير

لك من داء الكلام

ربما استفتحت بالنط

ق مغاليق الحمام

إنما السالم من أل

جم فاه بلجام

وقالوا صمت يعقب الندامة خير من نطق يسلب السلامة وقالوا الصمت زين الحلم وعوذة العلم يلزمك السلامة ويصحبك الكرامة ويكفيك مؤنة الاعتذار ويلبسك ثوب الوقار وقال الشاعر

الصمت زين والسكوت سلامة

فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً

ما إن ندمت على سكوتي مرّة

ولقد ندمت على الكلام مرارا

وقالوا لسانك كالسبع إن عقلته حرسك وإن أرسلته افترسك ويقال اخزن لسانك كما تخزن مالك واعرفه كما تعرف ولدك وزنه كما تزن نفقتك ونفق منه بقدر وكن منه على حذر فإن انفاق ألف درهم في غير وجهها أيسر

ص: 232

من اطلاق كلمة في غير حقها وقال الشاعر

احفظ لسانك واحتفظ من شرّه

إنّ اللسان هو العدوّ الكاشح

وزن الكلام إذا نطقت بمجلس

فيه يلوح لك الصواب اللائح

والصمت من سعد السعود بمطلع

تحيا به والنطق سعد الذابح

وقال بعض الحكماء عليك بالصمت وإن أصبت في القول وبرزت في الفضل فإنه زينة العاقل وحلية الفاضل شاعر

احفظ لسانك أن تقول فتبتلي

إن البلاء موكل بالمنطق

آخر

وزن الكلام إذا نطقت فإنما

يبدي الرجال من الستور المنطق

وقالوا

رب كلمة جلبت مقدوراً

وخربت دوراً وعمرت قبوراً شاعر

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شيء سواه بخازن

آخر

احفظ لسانك أيها الانسان

لا يلدغنك إنه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه

كانت تخاف لقاءه الأقران

وقالوا كلام الرجل بيان فضله وترجمان عقله فاقصره على الجميل واقتصر منه على القليل وإياك وما يسخط سلطانك ويوحش اخوانك فمن أسخط سلطانه تعرض للمنية ومن أوحش اخوانه تبرأ من الحرية شاعر

يدل على جهل الفتى فضل نطقه

ونطق أخي العقل الرصين قليل

وإنّ لسان المرء ما لم يكن له

حصاة على عوراته لذليل

ص: 233

وما أحسن عذر من غص بالملام

على كثرة صمته وقلة الكلام

حيث قال

قالوا نراك كثير الصمت قلت لهم

ما طول صمتي من عيّ ولا خرس

الصمت أحمد في الأشياء عاقبة

وأزين الآن لي من منطق شكس

أأنشر البز فيمن ليس يعرفه

وأنثر الدّر للعميان في الغلس

ومن الخرافات الموضوعة على ألسنة الحيوانات في مدح الصمت وذم الكلام أنه اجتمع برغوث وبعوضة فقالت البعوضة للبرغوث إني لأعجب من حالي وحالك أنا أفصح منك لساناً وأرجح ميزاناً وأوضح بياناً وأكبر منك شباباً وأكثر طيراناً ولي في بحر العبودية سباحة وفي ساحته سياحة ومع هذا كله فقد أحاط بي الفضوع وأحرمني الجوع الهجوع وأنت على علاتك في جميع حالاتك تأكلي وتشبعي وفي نواعم الأبدان ترتعي قالت نعم أنت بين العالم مطنطنة وعلى رؤسهم مدندنة وطول لسانك سبب حرمانك وأما أنا فالتلطف صناعتي والصمت بضاعتي وإنما توصلت إلى قوتي بسكوتي

ومما له في هذا الموضع

من النفوس حسن موقع

حفظ الأسرار أن تدال

على الأحرار والأنذال

قال الله تعالى حكاية عن قول يعقوب ليوسف عليهما السلام حين قص عليه رؤياه فعلم منها بدء أمره ومنتهاه يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيداً وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان وكان عيه الصلاة والسلام إذا أراد غزاة ورى بغيرها ومن أمثالهم صدرك أوسع لسرك ويقال إذا انتهى السر من الجنان إلى عذبة اللسان فالاذاعة مستولية عليه وعيون الحوادث تنظر شزراً إليه وقال

ص: 234

عمرو بن العاص الصدور خزائن الأسرار والشفاه أقفالها والألسن مفاتيحها فليحفظ كل امرئ مفتاح سره وقالوا إذا ضاق صدرك عن نجواك فكيف تستكتمه سواك وقال بعض الحكماء سرك من دمك فلا تجره في غير أوداجك فإنك متى تكلمت به أرقته وكما أنه لا خير في آنية لا تمسك ما فيها فكذلك لا خير في لسان لا يملك سره وقال آخر كن على سرك أحرص منك على حقن دمك وقالوا سرك أسيرك فإن بذلته كنت أسيره ابن نباتة السعدي

صن السر عن كل مستخبر

وحاذر فما الحزم إلا الحذر

أسيرك سرّك إن صنته

وأنت أسير له إن ظهر

آخر

ولا تخبر بسرك بل أمته

وصير في حشاك له حجايا

فما أودعت مثل القلب سرّا

ولا أغلقت مثل الصدر بابا

وقال عمرو بن العاص ما وضعت سري عند أحد وأفشاه فلمته لأني كنت أضيق صدراً منه حين استودعته إياه وقال الشاعر

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه

فصدر الذي يستودع السرّ أضيق

إذا المرء أفشى سرّه بلسانه

ولام عليه غيره فهو أحمق

وقال معاوية الحازم من كتم سره عن صديقه مخافة أن تنتقل صداقته فيذيع سره شاعر

احذر عدوّك مرّة

واحذر صديقك ألف مرّة

فلربما انقلب الصدي

ق فكان أعلم بالمضمّرة

ص: 235

وكان يقال الكاتم سره بين إحدى فضيلتين الظفر بحاجته أو السلامة من شر اذاعته ويقال أصبر الناس من صبر على كتمان سره فلم يبده لصديقه وقال آخر كتمانك سرك يعقبك السلامة وافشاؤه يعقبك الندامة والصبر على كتمان السر أيسر من الندامة على إفشائه إبراهيم بن خفاجة

لا تودعنّ ولا الجماد سريرة

فمن الجوامد ما يشير وينطق

وإذا المحك أذاع سرّاخ له

وهو النضار فمن به يستوثق

وقال الأحنف أدنى أخلاق الشريف كتمان سره وأعلى أخلاقه كتمان ما أسر إليه قال الشاعر

ولست بمبد للرجال سريرتي

ولا أنا عن أسرارهم بسؤل

ولا أنا يوماً للحديث سمعته

إلى ههنا من ههنا بنقول

آخر

تبوح بسرك ضيقاً به

وتحسب كل أخ يكتم

وكتمانك السر ممن تخاف

ومن لا تخافهم أحزم

إذا ذاع سرّك من مخبر

فأنت إذا لمته ألوم

وقال كعب بن زهير

لا تفش سرّك إلا عند ذي ثقة

أولاً فأفضل ما استودعت أسرارا

صدراً رحيباً وقلباً واسعاً صمتاً

لم تخش منه لما أودعت اظهارا

وقيل لأبي مسلم الخراساني بأي شيء أدركت ما أدركت قال ائتزرت بالحزم وارتديت بالكتمان وحالفت الصبر وساعدني القدر فأدركت مرادي وحزت ما في نفسي ثم أنشد

أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت

عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا

ص: 236

ما زلت أسعى عليهم في دمارهم

والقوم في غفلة بالشام قد رقدوا

حتى ضربتهم بالسيف فانتهبوا

من نومة لم ينمها قبلهم أحد

ومن يدع غنماً في أرض مضيعة

ونام عنها تولى رعيها الاسد

وأما المزاح وما ورد فيه

عمن أباحه ومن يجافيه

فيروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال من مزح استخف به وقال آخر تجنب شؤم الهزل ونكد المزاح فإنهما بابان إذا فتحا لم يغلقا إلا بعد عسر وفحلان إذا القحا لم ينتجا غير ضر وقالوا المزاح يضع قدر الشريف ويذهب هيبة الجليل وقال حكيم لولده يا بني إياك والمزاح فإنه يذهب بهاء الوجه ويحط من المروأة شاعر

ألا رب قول قد جرى من ممازح

فساق إليه الموت في طرف الحبل

وإنّ مزاح المرء في غير حينه

دليل على فرط الحماقة والجهل

آخر

إياك إياك المزاح فإنه

يطمع فيك الطفل والرجل النذلا

ويذهب ماء الوجه بعد بهائه

ويورث بعد العز صاحبه ذلا

ويقال أوكد أسباب القطيعة المزاح وإن كان لا غنى للنفس عنه فليكن بمقدار ما يحتاج الطعام من الملح كما قال أبو العباس البستي

أفد طبعك المكدود بالهم راحة

براح وعلله بشيء من المزح

ولكن إذا أعطيته المزح فليكن

بمقدار ما تعطي الطعام من الملح

ص: 237

وقال سعيد بن العاص لولده اقتصد في مزاحك فإن الافراط فيه يذهب البهاء ويجرئ السفهاء ويقال المزح أوله فرح وآخره ترح شاعر

امزح بمقدار الطلاقة واجتنب

مزحاً تضاف به إلى سوء الأدب

لا تغضبن أحداً إذا مازحته

إنّ المزاح

ص: 238