الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس
وخاف من الملام فحذر واحترس قال الأحنف بن قيس اللسان قيمة الانسان فمن قومه زادت قيمته وقال أكثم بن صيفي هلك الانسان في طول اللسان وقال سفيان الثوري لأن أرمى عدوي بسهمي خير له من أن أرميه بلساني لأن رمي اللسان لا يخطئ ورمى السهم يصيب ويخطئ قال الشاعر
ورب كلام قد جرى من ممازح
…
فساق إليه سهم حتف معجل
وقال ابن مسعود لسانك سيف قاطع يبدأ بك وكلامك سهم نافذ يرجع عليك فاقتصد في المقال وإياك وما يوغر صدور الرجال وقال أعرابي الكلمة أسيرة في وثاق الرجل فإذا تكلم عاد أسيراً في وثاقها اجتمع أربعة من الملوك على أربع كلمات تواردوا فيها موارد النصائح وأخرجوا درر معانيها من بحار القرائح قال كسرى أنا على ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت وقال ملك الصين أنا إذا تكلمت بالكلمة ملكتني وإذا لم أتكلم بها ملكتها وقال ملك الهند عجبت لمن يتكلم بالكلمة إن ذكرت عنه ضرت وإن لم تذكر عنه لم تنفعه وقال قيصر لأن أندم على ما لم أقل أحب إلي من أن أندم على ما قلت فهذه كلمات صدرت عن صدور صافية من كدر الغل وغشه ليتحذر بها العاقل من لدغ الكلام ونهشه وقالوا من أطلق لسانه بما يحب كان أكثر مقامه حيث لا يحب وقال صلى الله عليه وسلم ما أعطى العبد شراً من طلاقة اللسان وقال لقمان لابنه يا بني إن من الكلام ما هو أشد من الحجر وأنفذ من الأبر وأمر من الصبر وأحر من الجمر وإن من القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة فإن لم تنبت كلها نبت بعضها وقال زياد إن الرجل ليتكلم بالكلمة يقطع بها ربقة عنز فتبلغ امامه فيسفك دمه ويقال حفظ اللسان راحة الانسان وقال صعصعة بن صوحان طول اللسان يقصر الأجل وخطأ القول يصيب المقتل ويقال من خزن لسانه حقن دمه ومن ملك كلامه أمن ندمه فاللسان سيف مرهف لا ينبو حده والكلام سهم مرسل لا يمكن رده وقال بعض الحكماء الجاهل يستعجل باظهار المعاني قبل
أحكامها واخراجها وإن لم يحن أوان تمامها فإذا سددها تخطى غرض الصواب وقال الخبرارزي
إذا ما لسان المرء أكثر هدره
…
فذاك لسان بالبلاء موكل
إذا شئت أن تحيا عزيزاً مسلماً
…
قد بر وميز ما تقول وتفعل
ومما اخترت من كلام الحكماء الأعلام
…
في مدح الصمت وذم الكلام
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ أنت سالم ما سكت وإذا تكلمت فلك أو عليك وقال ابن مسعود إن كان الشؤم في شيء ففي اللسان وقال أبو نواس
خلّ جنبيك لزام
…
وامض عنه بسلام
مت بداء الصمت خير
…
لك من داء الكلام
ربما استفتحت بالنط
…
ق مغاليق الحمام
إنما السالم من أل
…
جم فاه بلجام
وقالوا صمت يعقب الندامة خير من نطق يسلب السلامة وقالوا الصمت زين الحلم وعوذة العلم يلزمك السلامة ويصحبك الكرامة ويكفيك مؤنة الاعتذار ويلبسك ثوب الوقار وقال الشاعر
الصمت زين والسكوت سلامة
…
فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً
ما إن ندمت على سكوتي مرّة
…
ولقد ندمت على الكلام مرارا
وقالوا لسانك كالسبع إن عقلته حرسك وإن أرسلته افترسك ويقال اخزن لسانك كما تخزن مالك واعرفه كما تعرف ولدك وزنه كما تزن نفقتك ونفق منه بقدر وكن منه على حذر فإن انفاق ألف درهم في غير وجهها أيسر
من اطلاق كلمة في غير حقها وقال الشاعر
احفظ لسانك واحتفظ من شرّه
…
إنّ اللسان هو العدوّ الكاشح
وزن الكلام إذا نطقت بمجلس
…
فيه يلوح لك الصواب اللائح
والصمت من سعد السعود بمطلع
…
تحيا به والنطق سعد الذابح
وقال بعض الحكماء عليك بالصمت وإن أصبت في القول وبرزت في الفضل فإنه زينة العاقل وحلية الفاضل شاعر
احفظ لسانك أن تقول فتبتلي
…
إن البلاء موكل بالمنطق
آخر
وزن الكلام إذا نطقت فإنما
…
يبدي الرجال من الستور المنطق
وقالوا
رب كلمة جلبت مقدوراً
…
وخربت دوراً وعمرت قبوراً شاعر
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه
…
فليس على شيء سواه بخازن
آخر
احفظ لسانك أيها الانسان
…
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
…
كانت تخاف لقاءه الأقران
وقالوا كلام الرجل بيان فضله وترجمان عقله فاقصره على الجميل واقتصر منه على القليل وإياك وما يسخط سلطانك ويوحش اخوانك فمن أسخط سلطانه تعرض للمنية ومن أوحش اخوانه تبرأ من الحرية شاعر
يدل على جهل الفتى فضل نطقه
…
ونطق أخي العقل الرصين قليل
وإنّ لسان المرء ما لم يكن له
…
حصاة على عوراته لذليل
وما أحسن عذر من غص بالملام
…
على كثرة صمته وقلة الكلام
حيث قال
قالوا نراك كثير الصمت قلت لهم
…
ما طول صمتي من عيّ ولا خرس
الصمت أحمد في الأشياء عاقبة
…
وأزين الآن لي من منطق شكس
أأنشر البز فيمن ليس يعرفه
…
وأنثر الدّر للعميان في الغلس
ومن الخرافات الموضوعة على ألسنة الحيوانات في مدح الصمت وذم الكلام أنه اجتمع برغوث وبعوضة فقالت البعوضة للبرغوث إني لأعجب من حالي وحالك أنا أفصح منك لساناً وأرجح ميزاناً وأوضح بياناً وأكبر منك شباباً وأكثر طيراناً ولي في بحر العبودية سباحة وفي ساحته سياحة ومع هذا كله فقد أحاط بي الفضوع وأحرمني الجوع الهجوع وأنت على علاتك في جميع حالاتك تأكلي وتشبعي وفي نواعم الأبدان ترتعي قالت نعم أنت بين العالم مطنطنة وعلى رؤسهم مدندنة وطول لسانك سبب حرمانك وأما أنا فالتلطف صناعتي والصمت بضاعتي وإنما توصلت إلى قوتي بسكوتي
ومما له في هذا الموضع
…
من النفوس حسن موقع
حفظ الأسرار أن تدال
…
على الأحرار والأنذال
قال الله تعالى حكاية عن قول يعقوب ليوسف عليهما السلام حين قص عليه رؤياه فعلم منها بدء أمره ومنتهاه يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيداً وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان وكان عيه الصلاة والسلام إذا أراد غزاة ورى بغيرها ومن أمثالهم صدرك أوسع لسرك ويقال إذا انتهى السر من الجنان إلى عذبة اللسان فالاذاعة مستولية عليه وعيون الحوادث تنظر شزراً إليه وقال
عمرو بن العاص الصدور خزائن الأسرار والشفاه أقفالها والألسن مفاتيحها فليحفظ كل امرئ مفتاح سره وقالوا إذا ضاق صدرك عن نجواك فكيف تستكتمه سواك وقال بعض الحكماء سرك من دمك فلا تجره في غير أوداجك فإنك متى تكلمت به أرقته وكما أنه لا خير في آنية لا تمسك ما فيها فكذلك لا خير في لسان لا يملك سره وقال آخر كن على سرك أحرص منك على حقن دمك وقالوا سرك أسيرك فإن بذلته كنت أسيره ابن نباتة السعدي
صن السر عن كل مستخبر
…
وحاذر فما الحزم إلا الحذر
أسيرك سرّك إن صنته
…
وأنت أسير له إن ظهر
آخر
ولا تخبر بسرك بل أمته
…
وصير في حشاك له حجايا
فما أودعت مثل القلب سرّا
…
ولا أغلقت مثل الصدر بابا
وقال عمرو بن العاص ما وضعت سري عند أحد وأفشاه فلمته لأني كنت أضيق صدراً منه حين استودعته إياه وقال الشاعر
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
…
فصدر الذي يستودع السرّ أضيق
إذا المرء أفشى سرّه بلسانه
…
ولام عليه غيره فهو أحمق
وقال معاوية الحازم من كتم سره عن صديقه مخافة أن تنتقل صداقته فيذيع سره شاعر
احذر عدوّك مرّة
…
واحذر صديقك ألف مرّة
فلربما انقلب الصدي
…
ق فكان أعلم بالمضمّرة
وكان يقال الكاتم سره بين إحدى فضيلتين الظفر بحاجته أو السلامة من شر اذاعته ويقال أصبر الناس من صبر على كتمان سره فلم يبده لصديقه وقال آخر كتمانك سرك يعقبك السلامة وافشاؤه يعقبك الندامة والصبر على كتمان السر أيسر من الندامة على إفشائه إبراهيم بن خفاجة
لا تودعنّ ولا الجماد سريرة
…
فمن الجوامد ما يشير وينطق
وإذا المحك أذاع سرّاخ له
…
وهو النضار فمن به يستوثق
وقال الأحنف أدنى أخلاق الشريف كتمان سره وأعلى أخلاقه كتمان ما أسر إليه قال الشاعر
ولست بمبد للرجال سريرتي
…
ولا أنا عن أسرارهم بسؤل
ولا أنا يوماً للحديث سمعته
…
إلى ههنا من ههنا بنقول
آخر
تبوح بسرك ضيقاً به
…
وتحسب كل أخ يكتم
وكتمانك السر ممن تخاف
…
ومن لا تخافهم أحزم
إذا ذاع سرّك من مخبر
…
فأنت إذا لمته ألوم
وقال كعب بن زهير
لا تفش سرّك إلا عند ذي ثقة
…
أولاً فأفضل ما استودعت أسرارا
صدراً رحيباً وقلباً واسعاً صمتاً
…
لم تخش منه لما أودعت اظهارا
وقيل لأبي مسلم الخراساني بأي شيء أدركت ما أدركت قال ائتزرت بالحزم وارتديت بالكتمان وحالفت الصبر وساعدني القدر فأدركت مرادي وحزت ما في نفسي ثم أنشد
أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت
…
عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا
ما زلت أسعى عليهم في دمارهم
…
والقوم في غفلة بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتهبوا
…
من نومة لم ينمها قبلهم أحد
ومن يدع غنماً في أرض مضيعة
…
ونام عنها تولى رعيها الاسد
وأما المزاح وما ورد فيه
…
عمن أباحه ومن يجافيه
فيروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال من مزح استخف به وقال آخر تجنب شؤم الهزل ونكد المزاح فإنهما بابان إذا فتحا لم يغلقا إلا بعد عسر وفحلان إذا القحا لم ينتجا غير ضر وقالوا المزاح يضع قدر الشريف ويذهب هيبة الجليل وقال حكيم لولده يا بني إياك والمزاح فإنه يذهب بهاء الوجه ويحط من المروأة شاعر
ألا رب قول قد جرى من ممازح
…
فساق إليه الموت في طرف الحبل
وإنّ مزاح المرء في غير حينه
…
دليل على فرط الحماقة والجهل
آخر
إياك إياك المزاح فإنه
…
يطمع فيك الطفل والرجل النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه
…
ويورث بعد العز صاحبه ذلا
ويقال أوكد أسباب القطيعة المزاح وإن كان لا غنى للنفس عنه فليكن بمقدار ما يحتاج الطعام من الملح كما قال أبو العباس البستي
أفد طبعك المكدود بالهم راحة
…
براح وعلله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن
…
بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
وقال سعيد بن العاص لولده اقتصد في مزاحك فإن الافراط فيه يذهب البهاء ويجرئ السفهاء ويقال المزح أوله فرح وآخره ترح شاعر
امزح بمقدار الطلاقة واجتنب
…
مزحاً تضاف به إلى سوء الأدب
لا تغضبن أحداً إذا مازحته
…
إنّ المزاح