المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وانتهك حرمات الرؤساء - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌وانتهك حرمات الرؤساء

وكل الناس عيال على النابغة الذبياني في قوله للنعمان بن المنذر من أبيات جاء منها

حلفت ولم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنت قد بلغت عني جناية

لمبلغك الواشي أغش وأكذب

فلا تتركني بالوعيد كأنني

إلى الناس مطليّ به القار أجرب

فلست بمستبق أخاً لا تلمه

على شعث أيّ الرجال المهذب

أبو نواس يستعطف الأمين وكتب بها إليه من الحبس

تذكر أمين الله والعهد يذكر

مقامي وانشاديك والناس حضر

ونثري عليك الدرّ يا درّ هاشم

فمن ذا رأى درّاً على الدرّ ينثر

مضت لي شهور مذ حبست ثلاثة

كأني قد أذنبت ما ليس يغفر

فإن كنت لم أذنب ففيم حبستني

وإن كنت ذا ذنب فعفوك أكبر

إسحق الموصلي

لا شيء أعظم من ذنبي سوى أملي

لعفوك اليوم عن ذنبي وعن زللي

فإن يكن ذا وذا عندي قد اجتمعا

لأنت أعظم من ذنبي ومن أملي

‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

‌في ذم العفو عمن أساء

‌وانتهك حرمات الرؤساء

قال الله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقال تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل أبي عزة الشاعر لما كان يعرض به من أذى النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه ويحرض عليه قبائل قريش وفي فعله لنا اسوة قال ابن إسحق لما أخذ أبو عزة الشاعر يوم بدر وأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا

ص: 492

رسول الله تصدق بي على بناتي واعف عني عفا الله عنك قال نعم علي أن لا تعين علي بقول ولا فعل فعاهده على ذلك وخلى سبيله ثم إنه خرج مع أبي سفيان يحرض قريشاً على قتال النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ يوم أحد فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ألم تعاهدني على أن لا تعين علي بقول ولا فعل فقال غلبت فتصدق بي على بناتي واعف عني عفا الله عنك فقال عليه الصلاة والسلام إن العفو لمكرمة ما مثلها مكرمة ولكن لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين ثم أمر بقتله فقتل

فمما للحكماء من تحريض الحرّ

على مقابلة المسئ بالنكال المر

قالوا توضع للمحسن إليك وإن كان عبداً حبشياً وانتصف ممن أساء إليك وإن كان حراً قرشياً وقال علي رضي الله عنه وكرم وجهه الخير بالخير والبادي أكرم والشر بالشر والبادي أظلم وقال الشعبي يعجبني الرجل إذا سيم هواناً دعته الأنفة إلى المكافأة وجزاء سيئة سيئة مثلها فبلغ كلامه الحجاج فقال لله دره أي رجل بين جنبيه وتمثل

ولا خير في عرض امرئ لا يصونه

ولا خير في حلم امرئ ذل جانبه

وقالوا من ترك العقوبة أغرى بالذنب ولولا السيف كثر الحيف وقالوا من مال معك إلى الحيف فلا تبخلن عليه بالسيف وقالوا السفيه يخالف ولا يؤالف ويماري ولا يداري وقال أوس بن حسان

إذا المرء أولاك الهوان فأوله

هواناً وإن كانت قريباً أواخره

فإن أنت لم تقدر على أن تهينه

فدعه إلى اليوم الذي أنت قادره

وقارب إذا ما لم تكن لك حيلة

وصمم إذا أيقنت إنك عاقره

وقيل لأعرابي أيسرك أن تدخل الجنة ولا تسئ إلى من أساء إليك قال لا بل يسرني إن أدرك الثار وأدخل مع فرعون النار أبو عبادة

ص: 493

البحتري

تذم الفتاة الرود شيمة بعلها

إذا بات دون النار وهو ضجيعها

ويقال إنما هو مالك وسيفك فازرع بمالك من شكرك واحصد بسيفك من كفرك وقال الشاعر

قط العدى قط اليراعة وانتهز

بظبا السيوف سوائم الأضغان

إنّ البيادق أن توسع خطها

أخذت إليك مآخذ الفرزان

وقال المأمون الحلم يحسن بالملوك إلا في ثلاثة أشياء فادح في ملك ومتعرض بجرم ومذيع لسر وقال أعرابي لابن عباس أتخاف علي جناحاً إن ظلمني رجل فظلمته فقال له العفو أقرب للتقوى فقال ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل وقال الشاعر

إذا كان حلم المرء عون عدوّه

عليه فإنّ الجهل أعفى وأروح

وفي الحلم صغر والعقوبة هيبة

إذا كنت تخشى أيد من عنه تصفح

آخر

أرى اللين ضعفاً والتشجع هيبة

ومن لا يهب يحمل على مركب وعر

وما كل حين ينفع الحلم أهله

ولا كل حين يدفع الجهل بالصبر

وقال الجاحظ من قابل الاساءة بالاحسان فقد خالف الله في تدبيره وظن أن رحمة الله دون رحمته فإنه تعالى يقول من يعمل سوأ يجز به وقال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره فجازي على الخير بالثواب والشر بالعقاب وقال أكثم بن صيفي من تعمد الذنب فلا ترحمه دون العقوبة فإن الأدب رفق والرفق يمن وقال أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي

من الحلم أن يستعمل الجهل دونه

إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم

ص: 494

آخر

من أكرم الناس أكرموه

ووقروه وبجلوه

ومن يهنهم يهن عليهم

في حر أميه يدخلوه

وقال الشافعي من استغضب فلم يغضب فهو حمار كما أن من استرضى فلم يرض فإنما هو جبار وقال رجل لابن سيرين إني وقعت فيك فاجعلني في حل قال ما أحب أن أحل لك ما حرم الله عليك وقال علي كرم الله وجهه رد الحجر من حيث جاء فإن الشر لا يدفع إلا بالشر وقال الشاعر

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

احتجاج من جازى السيئة بمثلها

ممن ملك عقد الأمور وحلها

لما ولي طاهر بن عبد الله بن الحسين خراسان بعد موت أبيه استؤمر في رجلين أحدهما ضعيف والآخر عليل فوقع في أمرهما الضعيف يقوى والعليل يبرأ فإن يكونا ممن لا يؤمن شرهما فدعهما مكانهما فإن من أطلق مثلهما على الناس فهو شر منهما وشريكهما في أعمالهما واعتذر بعض بني أمية إلى السفاح فهم بالصفح عنهم فقال أبو مسلم إن الصفح مقرب إلى الله تعالى مبعد من النار إذا قصد طريقه وأصيب به أهله وأما هؤلاء الذين تضمنت قلوبهم غدراً وأورى زندهم شراً فلم تنفد ضغائنهم ولا ننيب بوائقهم فالقتل لهم أشفى والراحة منهم أولى فأمر بقتلهم فقتلوا ودخل إسمعيل الملقب بسديف على السفاح وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أدناه وأعطاه يده فقبلها فلما رأى سديف ذلك قام بين يدي السفاح وأنشده قصيدة يمدحه فيها ويحرضه على قتل من ظفر به من بني أمية جاء منها

يا ابن عم النبيّ أنت ضياء

استبنا بك اليقين الجليا

يا وصي الشهيد أكرمك الل

هـ فقد كنت للشهيد وصيا

لا يغرنك ما ترى من خضوع

إن تحت الضلوع داء دويا

ص: 495

بطن البغض في القديم فأضحى

ثابتاً في قلوبهم مطويا

فضع السيف وارفع السوط حتى

لا ترى فوق طهرها أمويا

فقام أبو العباس ودخل وإذا المنديل قد ألقى في عنق سليمان ثم جر فذبح ومن الأغراء وإن لم يعتمد لما أساءت البرامكة على الرشيد وأراد الايقاع بهم جعل يتردد في أعمال الحيلة عليهم فتكلم الرشيد يوماً في مجلسه كلمة نزع القوم بها فكل يحكي في نوعها حكاية أو ينشد شعراً في معناها وكان في المجلس ابن عزيز فأنشد أبياتاً في غير المعنى الذي كانوا بصدده كانت سبباً لامضاء عزيمته على قتل البرامكة يقول فيها

ليت هنداً أنجزتنا ما تعد

وشفت أنفسنا مما نجد

واستبدّت مرة واحدة

إنما العاجز من لا يستبد

فاستعاد منه الرشيد البيتين مراراً ثم أوقع الرشيد بالبرامكة بعد ذلك بثلاثة أيام وسنذكر في الفصل الأوسط من الباب الآتي من إيقاعه بهم ما فيه للمتأمل مقنع وللمستخبر مستمتع إن شاء الله تعالى ولم أر في التحريض أبلغ من قول القائل في قصيدة طويلة ذات معان جمة وفوائد جليلة

ما كل يوم ينال المرء ما طلبا

ولا يسوّغه المقدور ما وهبا

وأعجب الناس من إن نال فرصته

لم يجعل السبب الموصول مقتضبا

وأنصف الناس في كل المواطن من

سقى الأعادي بالكاس الذي شربا

فالعفو إلا على الأعداء مكرمة

من قال غير الذي قد قلته كذبا

قتلت عمراً وتستبقي يزيد لقد

رأيت رأياً يجرّ الويل والحربا

لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها

إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا

هم جردوا السيف فاجعلهم به جزراً

هم أوقدوا النار فاجعلهم لها حطبا

واذكر بمنحاهم مثوى أبي كرب

فيهم وحبس عدي عندهم حقبا

وسيف جدك لما أن أضرّ بهم

جاؤا به لك في أسلابهم سلبا

ص: 496

لا عفو عن مثلهم في مثل ما طلبوا

وإن يكن ذاك كان الهلك والعطبا

فمنهم أهل غمان ومجدهم

عال وإن حاولوا ملكاً فلا عجبا

إن تعف عنهم يقول الناس كلهم

لم يعف حلماً ولكن عفوه رهبا

وإن أحسن من ذا العفو لو هزموا

لكن هم اتبوا من سيفك الهربا

علام تقبل منهم فدية وهم

لا فضة قبلوا منه ولا ذهبا

اسق الكلاب غد من فتية دمها

عند البرية تستسقى به الكلبا

لو لم يسر جان أن تعض محاجزه

واللبث لا يحسن النقبا إذا وثبا

آخر

يفيض إليّ الشر حتى إذا أتى

لينزل رحلي قلت للشر مرحبا

وأركب ظهر الشر حتى أذله

إذا لم أجد الأعلى الشر مركبا

واكوى بلا نار اناساً بظلمهم

وأصفح أحياناً وإن كنت مغضبا

ولله در من قال

إذا آمن الجهال جهلك مرة

فعرضك للجهال غنم من الغنم

وإن أنت باريت السفيه إذا أنتمي

فأنت سفيه مثله غير ذي حلم

فلا تعترض عرض السفيه وداره

بحلم فإن أعيا عليك فبالصرم

وغم عليه الجهل والحلم والقه

بمنزلة بين العداوة والحلم

فيرجوك تارات ويخشاك تارة

وتأخذ فيما بين ذلك بالحزم

فإن لم تجد بدا من الجهل فاستعن

عليه بجهال فذاك من العزم

ودع عنك في كل الأمور عتابه

فإنك إن عاتبته كان كالخصم

ومن عاتب الجهال لم يشف نفسه

ولكنه يزداد سقماً على سقم

ص: 497

آخر

حبست لكم نفسي على الحلم والرضا

يأمن ذو خوف ويدرك طالب

إذا أنت لم تصلح لسيفك ما جنى

سفيهك صارت في الصدور معاتب

المتنبي

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتى يراق على جوانبه الدم

نبذة من أدنى النقض والابرام

في ذم مكافأة اللئيم بالاكرام

قالوا العفو يفسد من اللئيم بقدر ما يصلح من الكريم وقال معاوية بن يزيد بن معاوية لأبيه هل ذممت عاقبة حلم قط قال ما حلمت عن لئيم وإن كان ولياً إلا أعقبنني ندماً على ما فعلت وقال الشاعر

متى تضع الكرامة في لئيم

فإنك قد أسأت إلى الكرامه

وقد ذهبت صنيعته ضياعا

وكان جزاء فاعلها الندامه

وقالوا جنب كرامتك اللئام فإنك إن أحسنت إليهم لم يشكوا وإن أساؤا لم يستغفروا شاعر

إن هذا اللؤم إنا أكرمته

حسب إلا كريم حقاً يلزمك

فأهنه إنه من لؤمه

إن تسمه بهوان يكرمك

ولآخر

إنّ اللئيم إذا رأى

ليناً تزيد في حرانه

لا تخدعن فصلاح من

جهل الكرامة في هوانه

ص: 498

ويقال اللئام إلى رهبوت أحوج منهم إلى رحموت المتنبي ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى وقالوا الكريم يصلح بالاحسان والكرامة واللئيم بالهوان والملامسة المتنبي

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا

إبراهيم بن المهدي

إذا كنت بين الحلم والجهل باقلاً

وخيرت أني شئت فالحلم أفضل

ولكن إذا أنصفت من ليس منصفاً

ولم يرض منك الحلم فالجهل أنبل

إذا جاءني من يطلب الجهل عامداً

فإني سأعطيه الذي جاء يسأل

ولم أعطه إياه إلا لأنه

وإن كان مكروهاً من الذل أجمل

وفي الخير إبطاء فإن جاء عاجلاً

كما تشتهيه النفس فالشر أعجل

وينسب لعلي رضي الله عنه

لئن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني

إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج

ولي فرس للخير بالخير ملجم

ولي فرس للشر بالشر مسرج

فمن شاء تقويمي فإني مقوم

ومن شاء تعويجي فإن معوّج

وما كنت أرضى الجهل جدّاً ولا أباً

ولكنني أرضى به حين أحرج

فإن قال بعض الناس فيه سماجة

لقد صدقوا والذل بالحرّ أسمج

ص: 499

أبو نواس

في الناس إن جربته

من لا يعزك أو تذله

فاترك مدارة اللئي

م فإن فيها العجز كله

ص: 500