المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

ودخل الحجاف بن حكيم على عبد الملك بن مروان والأخطل عنده فلما بصر به الأخطل قال يعرض به

ألا بلغ الحجاف هل هو ثائر

بقتلي أصيبت من سليم وعامر

فقال الحجاف

بل سوف نبكيهم بكل مهند

ونبكي عميراً بالرماح الشواجر

ثم قال يا ابن النصرانية ما ظننتك تجترئ علي بمثل هذا ولو كنت مأسوراً لك فحم الأخطل خوفاً منه وجزعاً فقال له عبد الملك أنا جارك منه فقال يا أمير المؤمنين هبك أجرتني منه في اليقظة فمن يجيرني منه في النوم أخذ هذا المعنى أشجع السلمى فقال من قصيدة يمدح بها الرشيد

وعلى عدوّك يا ابن عم محمد

ضدّان ضوء الصبح والاظلام

فإذا تنبه رعته وإذا غفا

سلت عليه سيوفك الأحلام

وقالوا فلان تخوفه أضغاث أحلام فكيف مسموع كلام فلان يرى صوت الرياح قعقعة الرماح فلان إذا خاف طار من خوفه كل مطار وفر فرار الليل من وضح النهار

‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

سمع سليمان بن عبد الملك قارئاً يقرأ قل لن ينفعكم الفراران فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلاً فقال ذلك القليل نريد وقال الوليد بن عقبة لعثمان بن عفان يقول لك عبد الرحمن بن

ص: 462

عوف لم جفوتني ولم أفر يوم أحد ولم أتخلف يوم بدر يعرض به فقال أما فراري يوم أحد فلا تعيرني به فإن الله قد عفا عني فيمن عفا عنه وأما تخلفي يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت فأخبره عني بذلك ونظرت امرأة حماس ابن قيس البكري المعروف بالهارب له وقد رأته يشحذ حربته يوم فتح مكة وهو يقول

إن تقبلوا اليوم فمالي علة

هذا السلاح كامل واله

وذو عذار لي سريع السلة

فقالت ما تصنع بهذه الحربة فقال أعددتها لمحمد وأصحابه فقالت إني أرى أنه لا يقوم لك بها شيء قال والله إني أرجو أن أخدمك بعضهم ثم خرج فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وانهزم المشركون يوم الجندمة وفرحاس حتى دخل بيته فقال لامرأته اغلقي الباب فقالت له وأين ما كنت تقول فقال

لو أنك شهدت يوم الجندمة

إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمه

إذ قد لحقنا بالسيوف المسلمة

لهم نشيش حولنا وهمهمه

يقطعن كل ساعد وجمجمه

ضرباً فلا نسمع إلا غمغمه

لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

وذكر أن كسرى ابرويز لما انهزم من بهرام جور واستجار بملك الروم فعنفه على هربه وأمده بستين ألفاً منهم شجاع يعد بألف فسار بهم إلى بهرام فخرج بهرام لمحاربته فلما تلاقى الجيشان برز الشجاع لبهرام فضربه بالسيف ضربة قده بها نصفين فلفه كسرى وأنفذه إلى ملك الروم وقال إنما فزعت إليك من رجل يضرب مثلي هذه الضربة وذكر الطرطوشي في كتابه سراج الملوك أن هذه الضربة لم يسمع بمثلها في جاهلية ولا اسلام وإن هذه الرأس كانت معلقة في كنيسة من كنائس الروم وكانوا إذا عيروا بانهزامهم من تلك الوقعة يقولون لقينا رجالاً هذا ضربهم

ص: 463

وحكى إن أبا زبيد الطائي واسمه حرملة بن المنذر دخل على عثمان بن عفان فلامه على فراره من الأسد لما عرف من شجاعته فقال يا أمير المؤمنين لا تلمني لقد رأيت منه منظراً وشهدت مخبراً لا يزال ذكره يتجدد في قلبي وشخصه يتمثل في عيني خرجنا نريد الحرث بن شمر الغساني ملك الشأم فاصابنا قيظ ذبلت منه الشفاه وعصبت الأفواه فانحزنا إلى واد أشجاره مغنة وأطياره مرنة فحططنا رحالنا ثم أخذنا نصف حر يومنا ونذكر مطاولته ومماطلته فبينما نحن كذلك إذ صوب أقصى الخيل أذنيه وفحص الأرض بيديه ثم ما لبث أن جال محمحماً ومال مهمهماً فتضعضعت الخيل وتكعكعت الإبل وتقهقرت البغال فمن نافر بشكاله وناهض بعقاله فحدقنا أبصارنا وإذا سبع قد أقبل يتطاول في مشيئته كإنه محبوب وينظر بعينين كأنهما جمر مشبوب له خطيط ولصدره نحيط ولبلاعيمه غطيط ولطرفه وميض ولارساغه نقيض كأنه يخط هشيماً ويطأ صريماً ذو هامة كالمجن وخد كالمسن وساعد مجدول وعضد مفتول وكف شثنة البراثن ومخالب كالمحاجن فضرب بذنبه الأرض فأرهج وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة في فم أشدق كالغار الأخرق ثم تمطى فأشرع بيديه وحفز وركيه برجليه فصار ظله مثليه ثم أقعى فاقشعر ثم مثل فاكفهر وزأر فجرجر ثم لحظ فرؤى السماء عرشه فخلت البرق يتطاير من تحت جفونه عن شماله وجمحت العيون وانحزت المتون ولحقت الظهور بالبطون وساءت الظنون ثم أنشد

عبوس شموس مصلخد خنابس

جرئ على الأرواح للقرن قاهر

منيع ويحمي كل واد يرومه

شديد أصول الماضغين مكابر

براثنه شثن وعيناه في الدجى

كجمر الغضا في وجهه الشرّ طائر

يذل بأنياب حداد كأنها

إذا قلص الأشداق منها خناجر

فقال له عثمان اكفف لا أم لك لقد أرعبت قلوب المسلمين ولقد وصفته حتى كأني أنظر إليه يريد مواثبتي وكان أبو زبيد هذا نصرانياً ومات ولم يسلم وقد ذكر علما الرواة لأخبار العرب وأشعارها هذه الحكاية بأطول مما أثبتناه لكنا استغنينا باليسير منها عن الكثير لدلالته على الغرض المقصود في ذكره للأسد

ص: 464

بالوصف الشنيع والمرأى الفظيع ليبلغ في الاعتذار عن هربه مقتضى أربه فلما لم يكن بنا لذكرها على التمام حاجة اقتصرنا على الخلاصة منها لا المجاجة من أحسن من الجبناء في اعتذاره لما قرع على انهزامه وفراره الحرث ابن هشام وكان قد شهد بدراً مشركاً فانهزم فصنع حسان قصيدة استطرد به فيها يقول منها

إن كنت كاذبة الذي حدّثتني

فنجوت منجى الحرث بن هشام

ترك الأحبة إن تقاتل دونهم

ونجا برأس طمرّة ولجام

فأجابه الحرث

الله يعلم ما تركت قتالهم

حتى رموا فرسي بأشقر مزبد

وعلمت إني إن أقاتل واحداً

أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي

وشممت ريح الموت من تلقائهم

في مازق والخيل لم تتبدّد

فصدفت عنهم والأحبة دونهم

طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد

وأنشد هذا الاعتذار لبعض ملوك العجم فقال يا معشر العرب لقد بلغتم بلطافة ألسنتكم وحسن احتجاجكم وجميل أوصافكم مبلغاً لم يبلغه أحد غيركم حتى اعتذرتم عن الفرار بعذر يسع بعدكم الاعتذار به لكل منهزم وتوفي الحرث هذا سنة ثمان عشرة بالطاعون وهو طاعون عمواس قرية بالشأم وفيها توفي أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهم ويقال إن عبد الله بن عنقاء الجهمي لقيه بنو عبس يسوق بأمرأته أم الحصين ففر عنهم فعيرته امرأته فقال

أجاعلة أم الحصين خزاية

عليّ فراري أن لقيت بني عبس

لقيت أبا شاس وشاساً ومالكاً

وقيساً فجاشت من لقائهم نفسي

جذيمة دعواهم وعود بن غالب

أولئك جاشت من لقائهم نفسي

كأن جلود النمر صبت عليهم

إذا جعجعوا بين الاباحة والحبس

ص: 465

أتونا فضموا جانبينا بصادق

من الطعن فعل النار بالحطب اليبس

نحوت سليمى لم تمزق عمامتي

ولكنهم بالطعن قد مزقوا ترسي

وليس الفرار اليوم عاراً على الفتى

إذا عرفت منه الشجاعة بالأمس

وقيل لبعضهم لم انهزمت فقال إنما لي نفس واحدة وأنا حقيق بالنظر إليها لئلا يذهب رأس المال وليم آخر على فراره فقال الحرب سجال وعثراتها لا تقال وانهزم بعضهم فأخذ أميره يوبخه ويعنفه على فراره وقال أعطبت بيدك ولا طعنت ولا ضربت فقال لان يشتمني الأمير أصلحه الله وأنا حي خير من أن يترحم علي وأنا ميت وقيل لآخر ولي في حرب ويلك لا تهرب يغضب الأمير عليك فقال غضب الأمير علي وأنا حي أحب إلي من رضاه عني وأنا ميت ومن أغاليط أعاذيرهم المسكتة وأكاذيب أساطيرهم المبكتة ما ذكره صاحب كليلة ودمنه من أن الحازم يكره القتال ما وجد بدلاً منه لأن النفقة فيه من النفوس والنفقة في غيره من المال التقى عسكر دبيس بن صدقة وعسكر الراشد فولي دبيس منهزماً فعبر الفرات يريد النجاة فقصد بعض أحياء العرب فقالت له عجوز من عجائزهم دبيراً جئت فقال دبير من لم يجئ وقالوا من جبن سلم ومن تهور ندم وقال عبد الله بن المقفع الشجاعة متلفة وذلك أن المقتول مقبلاً أكثر من المقتول مدبراً فمن أراد السلامة فليؤثر الجبن على الشجاعة وقيل لجبان لم لا تقاتل فقال عند النطاح يغلب الكبش الأجم وقالوا الحياة أفضل من الموت إذا كانت النجاة إلى حياة صالحة على أن موتاً في عز خير من حياة في ذل وقالوا الفرار في وقته ظفر وقالوا الشجاع ملقى والجبان موقى وقالوا السلم أزكى للمال وأبقى لأنفس الرجال وقال شاعرهم وهو البديع الهمداني

ما ذاق هما كالشجاع ولا خلا

بمسرة كالعاجز المتواني

وقالوا الهرب في وقته خير من الجلد والثبات في غير وقته وقال المتوكل لأبي العيناء إني لافرق من لسانك فقال يا أمير المؤمنين الكريم ذو فرق واحجام واللئيم ذو وقاحة واقدام

ص: 466