المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر النوادر - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌في ذكر النوادر

نادرة قيل لبهلول عد لنا المجانين فقال هذا يطول ولكني أعد العقلاء نظر إلى هذا المعنى بعض الشعراء فقال وأجاد

وما بقيت من اللذات إلا

محادثة الرجال ذوي العقول

وقد كانوا إذا ذكروا قليلاً

فقد صاروا أقل من القليل

‌الفصل الثاني من الباب الرابع

‌في ذكر النوادر

في ذكر النوادر الصادرة

عن مجانين البادية والحاضرة

فمن شهر منهم بالملح وعرف

واستحسن كلامه النادر واستظرف

جعيفران واسمه جعفر وإنما صغر للتحبيب وهو القائل في نفسه

ما جعفر لأبيه

ولا له بشبيه

أضحى لقوم كثير

فكلهم يدّعيه

هذا يقول بني

وذا يخاصم فيه

وإلامّ تضحك منهم

لعلمها بأبيه

ويقال إن هذه الأبيات وضعها في دعبل فيكون قوله ما دعبل لأبيه والرواية الأولى هي التي رواها أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني وكان جعيفران متشيعاً قيل له يوماً اشتم فاطمة وخذ درهماً قال لا بل أشم عائشة وآخذ نصف درهم واستقبلته امرأة صبيحة فبدر إليها وقبلها فأكب الناس عليه يضربونه فأنشد

علقوا اللحم للبزا

ة على ذروتي عدن

ص: 163

ثم لاموا المحب في

هـ على خلعه الرسن

لو أرادوا عفافه

نقبوا وجهها الحسن

ووقف على علي بن إسمعيل الهاشمي فقال له أعطني درهماً فأمر الغلمان بطرده فطردوه فولى وهو ينشد

قد زعم الناس ولم يكذبوا

أنك من غير بني هاشم

فقال لغلمانه ردوه وأعطوه درهمين فأخذهما وانصرف وهو ينشد

قد كذب الله أحاديثهم

يا هاشميّ الأصل من آدم

وحكى الجاحظ قال كان جعيفران يماشي رجلاً فدفعه الرجل على كلب فقال له ما هذا قال أردت إن أقرنك به قال فمع من أنا منذ الغداة وتشاجر رجلان في رجل ادعياه فقال أحدهما هو من طفاوة وقال الآخر هو من بني راسب وتحاكما إلى جعيفران فقال ألقوه في الماء فإن طفا فهو من طفاوة وإن رسب فهو من بني راسب قال الصابون راسب بن سدعان بطن من الأزد وطفاوة من ولد أعصر وهو منبه بن سعد بن قيس عيلان وهذه الحكاية نسبها الميداني في كتاب الأمثال لهبنقة الليثي المضروب به المثل في التغفل والحمق

ومن مشاهير مجانين الكوفة البهلول

ذو العقل السقيم والذهن المفلول

ولد لإسحق بن محمد الصباح بنت فساءه ذلك وامتنع من الطعام والشراب فدخل عليه بهلول وقال أيها الأمير ما هذا الجزع والحزن جزعت لخلق سوى وهبه الملك العلي أيسرك أن يكون مكانها ابن وأنه مثلي فضحك الأمير ودعا بالطعام والشراب وأذن للناس بالدخول عليه للهناء ومر بهلول بقوم في أصل شجرة يستظلون بفيئها فقال بعضهم لبعض تعالوا حتى نسخر من بهلول فلما اجتمعوا إليه قال أحدهم يا بهلول تصعد هذه الشجرة وتأخذ من الدراهم عشرة قال نعم فأعطوه الدراهم فصرها في كمه ثم قال هاتوا سلماً

ص: 164

فقالوا لم يكن في شرطنا سلم قال كان في شرطي دون شرطكم وسئل عن مسئلة من الفرائض وهي رجل مات وخلف ابناً وبنتاً وزوجة ولم يترك من المال شيأً فقال للابن اليتيم وللبنت الثكل وللزوجة خراب البيت وما بقي من الهم فللعصبة وحمل عليه الصبيان يوماً فألجؤه إلى دار مفتوحة فولجها فوجد فيها قوماً وبين أيديهم مائدة فيها من أنواع الأطعمة ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فرجع وغلق الباب ودخل وهو يقرأ فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وتبعه الصبيان يوماً آخر فالتجأ إلى دار بعض العلويين فرأى رجلاً ضخماً بضفيرتين فقال يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سداً فخرج الرجل وأغلق الباب وحماه من الصبيان وحمل عليه الصبيان يوماً فالجؤه إلى مضيق فشد عليهم بالقصبة وهو يقول

إذا تضايق أمر فانتظر فرجاً

فأضيق الأمر أدناه من الفرج

وسمع البهلول مجنوناً يقول يوم عيد يا أيها الناس إني رسول الله إليكم فلطم وجهه وقال ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقال له الرشيد يوماً من أحب إليك قال من أشبع بطني قال إني أشبعك فهل تحبني قال له الحب لا يكون بالنسيئة وأحضره يوماً وأجلسه في صحن الدار وجلست أم جعفر حيث لا يراها وعيسى بن جعفر جالس مع الرشيد فقال له الرشيد عدلنا المجانين فقال أولهم أنا والثاني هذه وأشار إلى أم جعفر فقال له عيسى يا ابن اللخناء تقول هذا لأختي قال بهلول وأنت الثالث يا صاحب العربدة فقال الرشيد أخرجوه فقال بهلول وأنت الرابع وقال رجل لبهلول قد أمر الأمير لكل مجنون بدرهمين فقال له امض وخذ نصيبك لئلا يفوتك وقيل أيما أفضل أبو بكر أو علي فقال أما وأنا في كندة فعلي وإذا كنت في بني ضبة فأبو بكر وكندة في الكوفة من غلاة الشيعة وبنو ضبة أهل نصب وهم أصحاب الجمل

ص: 165

نبذ مما يجلب التسلي لقلب المحزون

من الفكاهات المحكية عن عليان المجنون

ذكر أنه وصف للمأمون فأمر باحضاره فلما مثل بين يديه ازدراه وأمر به أن يجلس في مجالس العامة ثم قال له ما اسمك قال عليان فضحك منه فقال عليان إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون فهابه المأمون وعظم في عينه بها ومر به رجل وهو يأكل تمراً والصبيان يؤذونه فقال للرجل انظر إلى هذا التمر من رحمة الله وهؤلاء الصبيان من عذاب الله وتولع الصبيان به يوماً فقال له رجل هل لك في طردهم عنك قال نعم وأنت معهم ورآه رجل وهو يأكل تمراً في السوق فقال له يا عليان أتأكل في السوق قال من جاع في السوق أكل في السوق ورآه من لا يعرفه فقال له أنت مجنون فقال كل الناس مجانين ولكن حظي أوفر وقال له رجل ما الذي صيرك إلى ما أرى قال محتوم القضا وقال له من لا يعرفه أغريب أنت قال أما عن العقل فنعم وأما عن البلد فلا وأدخل بهلول على الرشيد وعنده عليان فكلمهما فأغلظا له في القول وأمر بالنطع والسيف فقال عليان كنا مجنونين فصرنا ثلاثه فضحك الرشيد وعفا عنهما ومات أبوه وخلف ستمائة درهم فأخذها القاضي وحجر عليه ليختبر عقله فجاءه بعد مدة فقال له إنك حجرت علي لما علمت أني مصاب في عقلي وأنا جائع فادفع لي مائتي درهم حتى أقعد بها في أصحاب الخلقان أبيع وأشتري فإن رأيت مني رشداً جنحت إلى الباقي وإن أتلفتها كان الذي أتلفت أقل مما بقي فأعطاه مائتي درهم فأخذها ولزم الحيرة حتى أنفدها ورأى القاضي بعد ذلك فقال يا عليان ما صنعت بالدراهم قال أنفقتها فليزن القاضي أعزه الله من ماله مائتي درهم ويردها إلى الكيس حتى يرجع المال إلى ما كان عليه

طرف من لطائف أخبارهم الأنيقة

ونتف من لطائف نوادرهم الرشيقة

حكى أن ثمامة بن أشرس قال بعثني الرشيد إلى دار المجانين لأصلح ما فسد من حالهم فرأيت فيهم شاباً حسن الزي كأنه صحيح العقل فقال لي يا ثمامة إنك تقول إن العبد لا ينفك من نعمة يجب الشكر عليها وبلية يجب الصبرر

ص: 166

لديها وأنت تبيح المطبوخ أرأيت لو سكرت ونمت وقام إليك غلامك وأولج فيك مثل ذراع البكر فقل لي أهذه نعمة يجب الشكر عليها أو بلية يجب الصبر لديها قال ثمامة فلم أدر بماذا أجيبه فقال مسئلة قلت ما هي قال متى يجد النائم لذة النوم إن قلت في حال نومه فمحال وإن قلت إذا استيقظ فبعيد أن يجد لذة شيء انقضى ومضى فبهت لا أحير جواباً فقال مسئلة أخرى قلت وما هي قال إنك تزعم أن لكل أمة نذيراً فما نذير الكلاب قلت لا أدري فقال أما الجواب عن المسئلة الأولى فيجب أن تقول النعم ثلاثة نعمة يجب الشكر عليها وبلية يجب الصب لديها وبلية يجب الصبر عنها فهذه من القسم الثالث وهي البلية التي يجب الصبر عنها وأما المسئلة الثانية فالجواب عنها إنها محال لأن النوم داء ولا لذة مع وجود الداء وأما المسئلة الثالثة وأخرج من كمه حجراً وقال إذا عدا عليك كلب فهذا نذيره ورماني بالحجر فأخطأني وأصاب الاسطوانة فلما رآه قد أخطأني قال فاتك النذير يا أيها الكلب الحقير فعلمت أنه مجنون وأن عقله مصاب فتركته وانصرفت وقنعت من الغنيمة بالاياب وكان في بني أسد مجنون يسمى لغدان فمر بقوم من بني تيم الله بن ثعلبة فعبثوا به فقال يا بني تيم الله ما أعلم في الدنيا خيراً منكم قالوا وكيف ذلك قال لأن بني أسد ليس فيهم مجنون غيري وقد قيدوني وسلسلوني وكلكم مجانين وليس فيكم مقيد وكتب بعض المجانين إلى قساوة كتابي إليك لثلاث ساعات من ليلة الميلاد التي صبحها يوم المهرجان ودجلة تطفح بالماء هياهيا والحجارة لا تزداد إلا كثرة والصبيان قللهم الله وبدد شملهم لا يزدادون إلا وقاحة فإن قدرت أن لا تبيت إلا وحولك حجارة فافعل واستعمل قول الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وركب بختيشوع المتطبب مع المأمون فتعلق به مجنون وقال أيها الطبيب جس نبضي فجسه وقال له ما تشتكي قال الشبق فقال له خذ مسواك أراك وأدخله من وراك فإنه صالح لذاك فرفع المجنون فخذه وضرط وقال خذ هذا جزاك حتى نجرب ذواك فإن كان صالحاً لذاك شكرناك وزدناك ولا يكون لنا طبيب سواك فجعل بختيشوع وضحك المأمون من كلام المجنون ووقف صباح

ص: 167

الموسوس على قوم فسألهم شيأً فردوه فولى وهو ينشد

أسأت إذ أحسنت ظني بكم

والحزم سوء الظنّ بالناس

وقال بعضهم رأيت مجنونين يتنازعان رغيفاً يؤثر كل واحد منهما صاحبه به وهما يتقاسمان عليه فقلت لهما وأنا أظن أني أربح عليهما أنا آكله إن لم تأكلاه فقال أحدهما يا أحمق إن معه ادما لا يسوغ إلا به قلت وما هو قال ضيق الخنق ووجء العنق فوليت عنهما فقالا يا مجنون لولا غضاضة الأدم لأكلناه منذ حين وسمع أبو الصقر المجنون سقاء يصيح في يوم حر هذا يوم يسقى فيه الماء فقال وأي يوم يطعم فيه الخبز وحكى علي بن الجهم الشاعر قال مررت بمجنون والناس مجتمعون عليه يعبثون به فلما رآني قصدني دونهم وأخذ بعنان بغلتي ثم أنشد

لا تحفلنّ بمعشر ال

همج الذين تراهم

فوحق من أبلى بهم

نفسي ومن عافاهم

لو قيس موتاهم بهم

كانوا همو موتاهم

ثم جال بطرفه في الحلقة فرأى فيها شاباً مليح الوجه حسن الهيئة فوثب إليه ومزق ما كان عليه ثم نظر إلي وأنشد

هذا السعيد لديهم

قد صار بي أشقاهم

ووقف بعض المجانين على باب مسجد فبال فأرادت العامة ضربه فقال لهم أرأيتم لو بال ههنا حمار أكنتم ضاربية قالوا لا قال فهبوني حماراً فإنه لا عقل لي فرقوا له وأطلقوه وقال المبرد دخلت دار المجانين فوقفت تجاه مجنون وأخرجت لساني فحول وجهه عني فجئت إلى الناحية التي حول وجهه إليها وأخرجت لساني فحول وجهه إلى ناحية أخرى فجئت إليه وفعلت مثل ذلك فلما أضجرته رفع رأسه إلى السماء وقال انظر يا رب من حلوا ومن ربطوا

ص: 168

ما اختير من شعرهم الرقيق الجزل

المنظوم في سلكه جواهر الجدّ والهزل

حدث ابن حبيب في كتابه الذي صنفه في أخبار عقلاء المجانين باسناده إلى أبي إسحق إبراهيم الايلي قال رأيت غورثا المجنون يوماً خارجاً من الحمام والصبيان قيام يضربونه ويؤذونه وهو يبكي فقلت له ما خبرك يا أبا محمد قال اذاني هؤلاء الصبيان أما يكفيني ما أنا فيه من العشق والجنون قلت ما أظنك مجنوناً قال بلى والله وعاشق قلت وهل قلت في عشقك شيأً قال نعم ثم أنشد

جنون وعشق ذا يروح وذا يغدو

فهذا له حدّ وهذا له حدّ

وقد سكنا تحت الحشى وتحالفا

على مهجتي أن لا يفارقها الجهد

وأيّ طبيب يستطيع بحيلة

يعالج من داءين ما منهما بدّ

قال الايلي فوليت عنه فقال قف واسمع ما أقول فإن شرح غرامي على الخلي يطول فوقفت فأنشد

جنون ليس يضبطه الحديد

وحبّ لا يزول ولا يبيد

فجسمي بين ذاك وذا نحيل

وقلبي بين ذاك وذا عميد

ثم قال لي انصرف ما سمعته يكفيك وأخذ يوماً بيد المتهم بعشقه فقال له المعشوق رجاء الخلاص منه كيف أصبحت فقال

أصبحت منك على شفا جرف

متعرّضاً لموارد التلف

وأراك نحوي غير ملتفت

منحرفاً عن غير منحرف

يا من أطال بهجره أسفي

أسفي عليك أشد من تلفي

وحكى أيضاً أن هرون الرشيد مر بدير في ظاهر الرقة فلما أقبلت مواكبه أشرف أهل الدير ينظرون إليه وفيهم مجنون مسلسل فلما رأى هرون رمى بنفسه بين يديه وقال يا أمير المؤمنين قد قلت فيك أربعة أبيات أفأنشدك إياها قال

ص: 169

نعم فأنشده

لحظات طرفك في العدا

تغنيك عن سلّ السيوف

وغريم رأيك في النهى

يكفيك عاقبة الصروف

وسيول كفك بالندى

بحر يفيض على الضعيف

وضياء وجهك في الدجى

أبهى من البدر المنيف

ثم قال يا أمير المؤمنين هات أربعة آلاف درهم اشترى بها كبيساً وتمراً فقال هرون تدفع له فحملت إلى أهله وحكى أيضاً قال ادريس بن إبراهيم اللخمي سمعني مجنون أنشد في يوم غيم

أرى اليوم يوماً قد تكاثف غيمه

واقتامه فاليوم لا شك ماطر

فقال بديهاً من غير روية

وقد حجبت فيه السحائب شمسه

كما حجبت ورد الخدود المعاجر

ومر إبراهيم بن المدبر بالأهواز وقد صرف عنها فتعرض له مالي الموسوس واسمه محمد بن القاسم فأخذ بلجام بغلته وقال

ليت شعري أيّ قوم أجدبوا

فأغيثوا بك من طول العجف

نظر الله إليهم دوننا

وحرمناك لذنب قد سلف

يا أبا إسحق سر في دعة

وامض محموداً فما عنك خلف

إنما أنت سحاب هاطل

حيثما صرّفه الله انصرف

فأمر له بستمائة درهم ونظر إليه انسان وهو يأكل تمراً ويبلع نواه فقال له لم لا ترمي نواه قال هكذا وزن علي وقيل له في كم يصير الانسان مجنوناً فقال على قدر الصبيان ومن شعره

زعموا أنّ من تشاغل باللذات

يوماً عن حبه يتسلى

ص: 170

كذبوا والذي تساق له البد

ن ومن دار بالطواف وصلى

إن نار الهوى أحرّ من الجم

ر على قلب عاشق يتصلى

وأخبار ماني أحلى من مسامرة الأماني لكن استيفاؤها ربما يخرج عن الغرض ويبدل جوهر ما شرطناه بالعرض وحكى المبرد قال خرجنا من بغداد إلى واسط فملنا إلى دير هرقل ننظر إلى المجانين فنظرنا إلى فتى منهم ناحية عنهم فملنا إليه وسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام فقلنا له ما تجد فقال

الله يعلم أنني كمد

لا أستطيع أبثّ ما أحد

روحان لي روح تضمنها

بلد وأخرى حازها بلد

وأرى المقيمة ليس ينفعها

صبر وليس يفوتها جلد

وأظن غائبتي كشاهدتي

بمكانها تجد الذي أجد

فقلنا له أحسنت فأومأ بيده إلى شيء ليرمينا به فولينا هاربين فقال سألتكم بالله إلا ما رجعتم حتى أنشدكم فإن أحسنت قلتم أحتلت وإن أسأت قلتم أسأت قال فرجعنا فقلنا له قل فأنشدنا

لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم

ورحلوها وسارت بالدعى الابل

وقلبت من خلال السجف ناظرها

ترنو إليّ ودمع العين ينهمل

وودعت ببنان زانها عنم

ناديت لاحملت رجلاك يا جمل

ويلي من البين ويل حلّ بي وبها

من نازل البين جدّ البين وارتحلوا

يا حادي العيس عرّج كي نودّعهم

يا راحل العيس في ترحالك الأجل

إني على العهد لم أنقض مودّتهم

يا ليت شعري لطول الدهر ما فعلوا

قال فقلنا له ماتو افصاح وقال وأنا والله أموت واستلقى على ظهره وتمدد فمات فما برحنا حتى دفناه رحمة الله عليه

ص: 171