المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

الايمان وقالوا فلان له خلق خلق وشأن شائن وشيمة مشؤمة وخيم وخيم وطبع طبيع

‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

قالوا النميمة الخصال الذميمة تدل على نفس سقيمة وطبيعة لئيمة مشغوفة بهتك الأستار وإفشاء الأسرار وقال بعض الحكماء الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم كما يتبع الذباب المواضع الألمة من الجسد ويترك الصحيحة وقالوا لم يمش ماش شر من واش والساعي بالنميمة يهلك نفسه ومن سعى به ومن سعى إليه كما حكى أن عمرو بن معاوية ابن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان العتبي رأى رجلاً يسعى برجل عند صديق له فقال له نزه سمعك عن استماع الخنى كما تنزه لسانك عن التكلم به فإن السامع شريك القائل وإنما نظر شر ما في وعائه فأفرغه في وعائك ولوردت كلمة ساع إلى فيه لسعد رادها كما شقى قائلها والنمام شر من الساحر فإن النمام يفسد في الساعة الواحدة ما لا يفسد الساحر في المدة الطويلة أتى رجل عبد الله بن عباس وهو والي البصرة من قبل علي رضي الله عنه بنميمة فقال له إن شئت سألنا عما جئت به فإن كنت صادقاً مقتناك وإن كنت كاذباً عاقبناك وإن شئت أقلناك فقال إن شئت أن تفعل فافعل شاعر

توخ من الطرق أوساطها

وعدّ عن الجانب المشتبه

وسمعك صن عن سماع القبيح

كصون اللسان عن النطق به

فإنك عند سماع الحديث

شريك لقائله فانتبه

وقال أبو الأسود الدؤلي

لا تقبلنّ نميمة بلغتها

وتحفظنّ من الذي أنباكها

إنّ الذي ألقى إليك نميمة

سينمّ عنك بمثلها قد حاكها

ص: 66

هذا منظوم قول الناس من نم لك نم عليك وسعى رجل برجل عند عمر بن عبد العزيز فقال له عمر إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذباً فأنت داخل تحت حكم هذه الآية إن جاءكم فاسق بنبا فتبينوا وإن كنت صادقاً فأنت من هذه الآية هماز مشاء بنميم وإن شئت عفونا عنك وقال بعض الملوك لولده ليكن أبغض رعيتك إليك أشدهم كشفاً لمعايب الناس فإن للناس معايب وأنت أحب بسترها وأنت إنما تحكم بما ظهر لك والله يحكم فيما غاب عنك وأكره للناس ما تكره لنفسك واستر العورة يستر الله عليك ما تحب ستره ولا تصغ إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن قال قول نصيح وقال أرسطا طاليس النميمة تهدي إلى القلوب البغضاء ومن نقل إليك نقل عنك وقالوا شر من النميمة قبولها لأن النميمة دالة والقبول إجازة وليس من دل على شيء كمن قبله وأجازه وقال المهدي ما الساعي بأعظم عورة ولا أقبح حالاً من قابل سعايته ولا يخلو أن يكون الساعي حاسد نعمة فلا يشفى غيظه أو عدواً فلا يعاقب له عدوه لئلا يشمت به ولقد أحسن بعض الشعراء لظرفاء في قوله

لا تسمعنّ من الحسود مقالة

لو كان حقاً ما يقول لما وشى

وقال آخر يذم صديقاً له نماماً

وصاحب سوء وجهه لي أوجه

وفي فمه طبل بسرّي يضرب

ولا بدّ لي منه فحينا يغصني

وينساغ لي حيناً ووجهي يقطب

كماء بدرب الحاج في كل منهل

يذمّ على ما كان منه ويشرب

وقال السريّ الرفاء يذمّ نماماً

أنمّ بما استودعته من زجاجة

يرى الشيء فيها ظاهراً وهو باطن

ص: 67

وقال ابن وكيع في المعنى

ينم بستر مسترعيه لؤماً

كما نم الظلام بسرّ نار

أنم من النصول على مشيب

ومن صافي الزجاج على عقار

ولقد أحسن محمد بن شرف القيرواني في قوله يصف نماماً

وناصت نحو أفواه الورى أذناً

كالقعب يلفظ منها كل ما سقطا

يظل بالقول والأخبار مجتهداً

حتى إذا ما وعا هازق ما لقطا

والنميمة والكذب رضيعا لبان

وفي مشوار الدناءة فرسا رهان

قال أبو حيان التوحيدي الكذب شعار خلق وأدب سيء وعادة فاحشة وقل من استرسل معه إلا ألفه وقل من ألفه إلا أذله وأوصى بعض الحكماء ولده فقال إياك والكذب فإنه يزري بقائله وإن كان شريفاً في أصله ويذله وإن كان عزيزاً في أهله وقالوا ثنتان لا يجتمعان الكذب والحياء ارسطا طاليس فضل الناطق على الأخرس بالنطق وزين النطق بالصدق وقال بزرجمهر الكاذب والميت سواء فإنه إذا لم يوثق بكلامه بطلت حياته وقال معاوية يوماً للأحنف وقد حدثه أتكذب قال والله ما كذبت منذ علمت أن الكذب شين وقال بعض الأعراب عجبت من الكذاب المشيد لكذبه وإنما هو يدل الناس على عيبه ويتعرض للعقاب من ربه فالآثام له عادة والأخبار عنه متضادة إن قال حقاً لم يصدق وإن أراد خيراً لم يوفق فهو الجاني على نفسه بفعاله الدال على فضيحته بمقاله فما صح من صدقه نسب إلى غيره وما صح من كذب غيره نسب إليه ويقال الكذب جماع النفاق وعماد مساوي الأخلاق عار لازم وذل دائم يخيف صاحبه نفسه وهو أمن ويكشف ستر الحسب عن لؤمه الكامن قال الشاعر

إن النموم أغطى دونه خبري

وليس لي حيلة في مفتري الكذب

لا يكذب المرء إلا من مهانته

أو عادة السوء أو من قلة الأدب

ص: 68

ويكفي في ذم الكذب قوله تعالى إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن يضعني الصدق وقلما يفعل أحب إلي من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل وقيل لا يجوز أن يكذب الرجل لصلاح نفسه فإن ما عجز الصدق عن إصلاحه كان الكذب أولى بفساده ولقد صدق من قال

عوّد لسانك قول الصدق تحظ به

إنّ اللسان لما عوّدت معتاد

موكل بتقاضي ما سننت له

في الخير والشر فانظر كيف ترتاد

ويكفي في معرة الكذب أن من عرف به مقت إذا نطق وكذب وإن صدق قال رجل لأبي حنيفة ما كذبت قط فقال له أبو حنيفة إما هذه فواحدة أشهد عليك بها وقال الأصمعي لرجل كذاب أصدقت قط قال نعم قيل له عجب قال خفت أن أقول لا فأصدق وقيل لبعض الحكماء أيما أشر الكذاب أو النمام فقال الكذاب لأنه يخلق عليك والنمام ينقل عنك شاعر

لي حيلة فيمن يتم

وليس في الكذاب حيله

من كان يخلق ما يقو

ل فحيلتي فيه قليلة

ومن ظريف أخبار الكذبة أن رجلاً من آل الحرث بن ظالم قال لقد بلغني أن الحرث غضب يوماً فانتفخ في ثوبه فبدر من ثوبه أربعة أزرار ففقأت أربعة أعين من عيون جلسائه شاعر

حلفت برب مكة والمصلى

وأبدا الواقفين على عكاظ

لا كذب ما يكون إذا تألى

وشدّدها بأيمان غلاظ

ص: 69

وافة الكذب النسيان كذا ورد في النبا المأثور والخبر المشهور قال الشاعر

إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل

لدى الناس كذاباً وإنّ كان صادقا

ومن آفة الكذاب نسيان كذبه

وتلقاه ذا ذهن إذا كان حاذقا

ومن مستقبح خلائق اللوم الصراح

اللسان البذيّ والوجه الوقاح

قال النبي صلى الله عليه وسلم شر الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ما استب رجلان الأغلب ألأ مهما وقال الأحنف بن قيس إلا أخبركم بأدوا الداء الخلق الدني واللسان البذي وقالوا اللئيم يعد الخني جنة والوقاحة جنة فوجهه صلب ولسانه خلب وقالوا الفاقة خير من الصفاقة وقال أبو حيان إن الخصم إذا كان الهوى مركبه والعناد مطلبه فلن يفلح معه ولو خرجت اليد بيضاء وانقلبت العصا حية قال بعض الشعراء يهجو معانداً

تراه معدّاً للخلاف كأنه

برد على أهل الصواب موكل

وقالوا الوقاحة في الرجل تدل على لؤم نجره وخساسة قدره وقلة خيره وكثرة شره وقال الشاعر

صلابة الوجه لم تغلب على أحد

إلا تكمل فيه الشر واجتمعا

وقال بعضهم في ذمه أوقاحاً

لو أنّ أكفانهم من حرّ أوجههم

قاموا إلى الحشر فيها مثل ما رقدوا

ص: 70

ولأبي العبر في مثل ذلك وأحسن في قوله

يا ليت لي من جلد وجهك رقعة

فأقدّمنها حافر اللاشهب

أنشدنا ناصر الدين حسن الكناني عرف بابن النقيب لنفسه في أوقاح فقال

تعالى الله خالقها وجوها

فما أخفت من الحيوان حالا

لقد صلبت وخفت من حياء

وغير خلقها حتى استحالا

وجوه ليت لي منها حذاء

وليت لبغلتي منها نعالا

وقال الناجم يهجو

لك عرض مثلم من قوارير

ووجه ململم من حديد

ليم بعضهم على الوقاحة فقال الوجه ذو الوقاحة من الوجوه الوقاحة يفئ على صاحبه الأنفال ويفتح له الأقفال ويلقطه الأرطاب ويلقمه ما استطاب ويجسره على قول المنطيق وييسر له فعل ما لا يطيق ثم أنشد

إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً

تقلب في الأمور كما يشاء

وقال جعفر الصادق إن الله يبغض السباب الطعان المتفحش قال الشاعر

من لم يكن عنصره طيباً

لم يخرج الطيب من فيه

كل امرئ يشبهه فعله

ويرشح الكوز بما فيه

أصل الفتى يخفي ولكنه

من فعله يظهر خافيه

ص: 71

جماع ما يتخلق به الأنذال

من الشيم والخلال

قال بعض الحكماء أربعة من علامات اللؤم أفشا السر واعتقاد الغدر وغيبة الأحرار وإساءة الجوار وسأل عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف عن خلقه فتلكأ وأبى أن يخبره فأقسم عليه أن لا بد فقال حسود كنود لجوج حقود فقال عبد الملك ما في إبليس شر من هذه الخصال فبلغ ذلك خالد بن صفوان فقال لقد انتحل الشر بحذافيره ومرق من جميع خلال الخير بأسره وتأنق في ذم نفسه وتجرد في الدلالة على لؤم طبعه وأفرط في إقامة الحجة على كفره وخرج من الخلال الموجبة لرضا ربه وقال أبو تمام

مسا ولو قسمن على الغواني

لما أمهرن إلا بالطلاق

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة من كن فيه فهو منافق من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا ائتمن خان وقالوا اللئيم كذوب الوعد خؤن العهد قليل الرفد وقالوا اللئيم إذا استغنى بطر وإذا افتقر قنط وإن قال أفحش وإن سئل بخل وإن سال ألحف وإن أسدى إليه صنيع أخفاه وإن استكتم سراً أفشاد فصديقه منه على حذر وعدوه منه على غرر

ومما اخترناه في غدر اللئام

من درر الأهاجي والمذامّ

ذم أحمد بن يوسف الكاتب بني سعيد بن مسلم بن قتيبة فقال محاسنهم مساوئ السفل ومساويهم فضائح الأمم ألسنتهم معقودة بالعيّ وأيديهم معقولة بالبخل وأعراضهم أغراض الذم فهم كما قيل

لا يكثرون وإن طالت حياتهم

ولا تبيد مخازيهم وإن بادوا

ص: 72

وذم أعرابي قوماً فقال أولئك قوم سلخت أقفاؤهم بالهجاء ودبغت جلودهم باللؤم فلباسهم في الدنيا الملامة وفي الآخرة الندامة وذم أعرابي قوماً فقال أولئك قوم هم أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم وأكثرهم تجرياً على أصدقائهم يصومون عن المعروف ويفطرون على الفحشاء وكان عيسى ابن فرخان شاه يتيه على أبي العيناء في حال وزارته فلما انصرف عنها لقي أبا العيناء في بعض السكك فسلم عليه سلاماً خفياً فقال أبو العيناء لغلامه من هذا قال أبو موسى فدنا منه حتى أخذ بعنان بغلته وقال لقد كنت أقنع بإيمائك دون بيانك وبلحظك دون لفظك فالحمد لله على ما آلت إليه حالك فلئن كنت أخطأت فيك النعمة لقد أصابت فيك النقمة ولئن كانت الدنيا أبدت قبائحها بالاقبال عليك لقد أظهرت محاسنها بالادبار عنك ولله المنة إذ أغنانا عن الكذب عليك ونزهنا عن قول الزور فيك فقد والله أسأت حمل النعمة وما شكرت حق المنعم ثم أطلق يده من عنانه ورجع إلى مكانه فقيل له يا أبا عبد الله لقد بالغت في السب فما كان الذنب فقال سألته حاجة أقل من قيمته فردني عنها بأقبح من خلقته قال بعض الأعراب نزلت بذاك الوادي فإذا ثياب أحرار على أجسام عبيد اقبال حظهم ادبار حظ الكرام أخذ هذا المعنى شاعر فقال

أرى حللاً تصان على رجال

وإعراضاً تدال ولا تصان

يقولون الزمان به فساد

وهم فسدوا وما فسد الزمان

وسئل بعض البلغاء عن رجل فقال هو صغير القدر قصير الشر ضيق الصدر لئيم النجر عظيم الكبر كثير الفخر وسئل آخر عن رجل فقال لو قذف على الليل لؤمه لانطمست منه نجومه وسئل آخر عن رجل فقال يكاد يعدي بلؤمه كل من تسمى باسمه وقال حجاج بن هرون والله ماله في الشرف أسباب متان ولا في الخير عادات حسان وذم أعرابي رجلاً فقال هو عبد البدن حر الثياب عظيم الرواق صغير الأخلاق الدهر يرفعه وهمته تضعه وذم آخر رجلاً فقال أما الوجه فدميم وأما الخلق فذميم وأما الخيم فوخيم وأما العرض فزنيم وأما الحسب فلئيم وقال الجاحظ فلان لا تنجع فيه الرقى ولا

ص: 73

تنفذ فيه الحيل ولا يهزه المدح ولا يحزنه الذم ولا يخجله التقريع ولا يذله التوبيخ ولا يرحم المظلوم فإن استرحمته ازداد غلظة ولا يرق لفقير وإن تعرض له قتله جوعاً وقال آخر فلان غث في دينه قذر في دنياه رث في مروأته سمج في هيئته منقطع إلى نفسه راض عن عقله بخيل بما وسع الله عليه كتوم لما آتاه الله من فضله حلاف لجوج إن سأل ألحف وإن وعد أخلف لا ينصف الأصاغر ولا يعرف حق الأكابر وأنشد لابن قادوس

تأنست بذميم الفعل طلعته

تأنس المقلة الرمداء بالظلم

وقالوا فلان كالشجرة التي قل ورقها وكثر شوكها وصعب مرتقاها قال الشعر يهجو قوماً لئاماً

هم الكشوت فلا أصل ولا ثمر

ولا نسيم ولا ظل ولا ورق

جفوا من اللؤم حتى لو أصابهم

ضوء السهى في ظلام الليل لاحترقوا

لو صافحوا المزن ما ابتلت أناملهم

ولو يخوضون بحر الصين ما غرقوا

ومن محاسن التلفيق في الذم فلان له كيد مخنث وحسد نائحة وشره قواد وذل قابله وملق داية وبخل كلب وحرص نباش ونتن جورب ووحشة قرد قال ابن حجاج في مثل ذلك

نسيم حشّ وريح مقعدة

ونفث أفعى ونتن مصلوب

وله يهجو

نعمة الله لا تعاب ولكن

ربما استقبحت على أقوام

لا يليق الغني بوجه أبي يع

لى ولا نور بهجة الاسلام

وسخ الثوب والعمامة والبر

ذون والوجه والقفا والغلام

ص: 74