الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلاد بها نيطت على تمائمي
…
وأوّل أرض مس جلدي ترابها
وقالت الحكماء أرض الرجل ظئره وداره مهده والغريب كالغرس الذي زايل أرضه فهوذا ولا ينمى وذابل لا ينضر وفطرة الرجل معجونة بحب الأوطان مجبولة على تذكر ماضي الزمان وقد ذكر ابن الرومي السبب الموجب لحب الأوطان بقوله
وحبب أوطان الرجال إليهم
…
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
…
عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وقالوا ليس في الحيوان السانح أشد وفاء من الفاختة فإنها إذا مات الفها لا تزال تندبه ولا تألف غيره حتى تموت
من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف
فالعدل قوام الدنيا والدين وسبب صلاح المخلوقين وله وضعت الموازين وهو المرغوب المألوف المؤمن من كل مخوف به تألفت القلوب والتأمت الشعوب وظهر الصلاح واتصلت أسباب النجاح وانعقلت عرى اليمن والفلاح وشمل الناس التناصف والتواصل والتعاطف وهو مأخوذ من الاعتدال الذي هو القوام والاستواء المتجانبان للميل والالتواء وهو ميزان الله في أرضه الذي يوفي به الحقوق ويرأب به الصدوع والفتوق وحقيقته وضع الأمور في مواضعها لا توضع الشدة مكان اللين وبضد ذلك ولا السيف مكان السوط وبالعكس من ذلك وإلى هذا أشار المتنبي في قوله
ووضع الندى في موضع السيف بالعدى
…
مضرّ كوضع السيف في موضع الندى
والانصاف هو استيفاء الحقوق واستخراجها بالأيدي العادلة والسياسات الفاضلة وهو والعدل توأمان نتيجتهما علو الهمة وبراءة الذمة باكتساب
الفضائل واجتناب الرذائل فالانصاف استثمار والعدل استكثار فيصير الملك بالانصاف مستثمراً وبالعدل مستكثراً وما نقض ملك من إنصاف ولا جاه من إسعاف وقد قيل من عدل في سلطانه استغنى عن أعوانه وقيل عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان وروى الثقاة بأسانيد حسنة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة وعن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المقسطون على منابر من لؤلؤ يوم القيامة بين يدي الرحمن بما أقسطوا في الدنيا وقال حكيم لبعض الملوك أيها الملك إنما فخرك بإظهار وعدلك وإيثار فضلك لا بجمال بزتك وتمكن عزتك وفراهة مركبك وكثافة موكبك ويقال الملك يبقى على العدل والكفر ولا يبقى على الايمان والجور وإليه أشار الشاعر بقوله
عليك بالعدل إن وليت مملكة
…
واحذر من الجور فيها غاية الحذر
فالملك يبقى على عدل الكفور ولا
…
يبقى مع الجور في بدو ولا حضر
دخل عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فسلم فلم يرد عليه فقال لعبد الرحمن بن عوف أخاف أن يكون قد وجد علي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم عبد الرحمن أبا بكر في ذلك فقال إنه أتاني وبين يدي خصمان قد فرغت لهما سمعي وبصري وقلبي وعلمت أن الله سائلي عنهما وعما قالا وعما قلت ويقال إذا عدل السلطان في رعيته ثم جار على واحد لم يف عدله بجوره ويقال حق على من ملكه الله على بلاده وحكمه في عباده أن يكون لنفسه مالكاً وللهوى تاركاً وللغيظ كاظماً وللظلم هاضماً وللعدل في حالتي الرضا والغضب مظهراً وللحق في السر والعلانية مؤثراً وإذا كان كذلك ألزم النفوس طاعته والقلوب محبته وأشرق بنور عدله زمانه وكثر على عدوه
أنصاره وأعوانه ولقد صدق من قال
لكل ولاية لا بدّ عزل
…
وصرف الدهر عقد ثم حلّ
وأحسن سيرة تبقى لوال
…
على الأيام إحسان وعدل
وقال عمرو بن العاص ملك عادل خير من مطر وابل وكان كسرى يقيم رجلين من موابذته عن يمينه وشماله إذا أراد النظر في أمور الناس فكان إذا زاغ حركاه بقضيب معهما وقالا له والرعية يسمعون أيها الملك أنت مخلوق لا خالق وعبد لا مولى وليس بينك وبين الله قرابة انصف الخلق وانظر لنفسك ويقال إنه كتب ثلاث رقاع في إحداها أمسك عضبك فإنك لست باله وإنك ستموت ويأكل بعضك بعضاً وفي الثانية إرحم عباد الله يرحمك الله وفي الثالثة احمل عباد الله على الحق فإنه لا يسعهم إلا ذلك وكان إذا جلس للناس عامة لينظر في أمورهم قام بعض الحجاب على رأسه وبيده الرقاع فإذا رآه غضب على أحدنا وله الرقعة الأولى فإن رآه تمادى على غضبه ناوله الثانية فإن لم ينته ناوله الثالثة وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه في الموسم فإذا اجتمعوا قال يا أيها الناس إني لم أستعمل عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أعراضكم ولا من أموالكم شيأً إنما استعملتهم ليحجزوا بينكم ويردوا عليكم فيئكم فأيكم كانت له عندي مظلمة فليقم وصف أعرابي أميراً عادلاً فقال هو عالم برعيته عادل في أقضيته عار من الكبر قابل للعذر سهل الحجاب متحير إلى الصواب رفيق بالضعيف مكرم للشريف غير مجاف للقريب ولا مخيف للغريب وكان شمس المعالي قابوس بن وشمكير عادلاً في ملكه كان لا يؤتى بمفسد إلا أقام الحق عليه ولو أنه أقرب الناس إليه وقع جعفر بن يحيى إلى بعض عماله أنصف من وليت أمره وإلا أنصفه منك من ولي أمرك ووقع أخوه الفضل بئس الزاد إلى المعاد التعدي على العباد وسأل عمر بن عبد العزيز رجاء بن حيوة عن حال رعيته مع العمال فقال رأيت الظالم مقهوراً والمظلوم منصوراً والغني موفوراً والفقير مبروراً فقال الحمد لله