المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في هفوات العقال - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌في هفوات العقال

‌الفصل الثالث من الباب الثالث

‌في هفوات العقال

في أنّ هفوات العقال

لا يغضى عنها ولا تقال

كما قيل

لا يحقر الرجل الرفيع دقيقة

للسهو فيها للوضيع معاذر

ذو العلم يعسر أن تقال عثاره

وتقال عثرته الجهول العاثر

ولسليمان بن عبد الملك فيما قصدناه كلام هو النور اللائح والهادي إلى الطريق الواضح وهو قوله السكوت عما يعنيك خير من الكلام فيما يضرك والسكوت عما لا يضرك خير من الكلام فيما لا يعنيك وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه زلة الرجل تجبر وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر قال بعضهم

يموت الفتى من عثرة من لسانه

وليس يموت المرء من عثرة الرجل

وقالوا طعن اللسان أنفذ من طعن السنان وجرح الكلام أصعب من وقع السهام وقالوا رب لسان أتى على انسان

ذكر من أرسل سهماً من فيه

فأصاب مقتله ولم يكد يخطيه

حكى أن رجلاً من الفرس وقف إلى شيرويه لما قتل ابرويز فقال الحمد لله الذي قتل ابرويز على يدك وملكك ما كنت أحق به منه وأراحنا من عتوه وكبره وتجبره وبخله وجهله فإنه كان يأخذ بالأحنة ويقتل بالظنة ويخيف البري ويذل السري فلما سمع شيرويه كلامه قال للحاجب احمله إلي فلما مثله بين يديه قال كم كان رزقك قال ألفين قال والآن قال ما زيد شيأً قال فما دعاك إلى الوقوع فيه وإنما ابتداء نعمتك من عنده ولم ترع له ذلك وأمر بنزع لسانه من قفاه ولما ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن بن حسين بالمدينة في أيام أبي جعفر المنصور دخل عليه سديف بن ميمون فأنشده أبياتاً يحرضه فيها على

ص: 142

اظهار الدعوة ويطعن في دولة بني العباس يقول فيها

إنا لنأمل أن ترتدّ الفتنا

بعد التبعد والشحناء والأحن

وتنقضي دولة أحكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدي وثن

فانهض ببيعتكم ننهض ببيعتنا

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

فبلغت المنصور الأبيات فكتب فيه إلى عبد الصمد بن علي وكان عامله على مكة فأخذه وقطع يديه ورجليه وجدع أنفه فلم يمت فدفنه حياً وكان دعبل الخزاعي هجاء للملوك جسوراً على أعراضهم متحاملاً لا يبالي ما صنع حتى عرف بذلك واشتهر فصنع على لسانه بكر بن حماد الباهري ممن كان دعبل يؤذيه ويهاجيه أبياتاً يهجو فيها المعتصم وذكر قوم أنها له وهي

ملوك بني العباس في الكتب سبعة

ولم يأتنا عن ثامن لهم كتب

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة

كرام إذا عدوا وثامنهم كلب

وما أنت عندي في الوفاء ككلبهم

لأنك ذو ذنب وما أذنب الكلب

فبلغت المعتصم الأبيات فأمر بطلبه فهرب إلى زويلة بلد السودان بناحية المغرب فمات بها وقيل بالأهواز وقيل لدعبل أنت القائل هذه الأبيات قال لا والله ولكن من حشا الله قبره ناراً يعثى إبراهيم بن المهدي اشاط بدمي لما هجوته بقولي فيه وهو خليفة

يا معشر الأعراب لا تقنطوا

خذوا عطاياكم ولا تسخطوا

فسوف نعطيكم شريجية

لا تدخل الكيس ولا تربط

والمعبديات لقوّاد كم

وما بهذا أحد يغبط

وهكذا يرزق أصحابه

خليفة مصحفه البربط

وكان المعتصم يلقب بالثماني لأنه اتفق له عدد الثمانية في كثير من أموره ولد في شهر شعبان وهو الثامن من شهور السنة وهي سنة ثمان وسبعين ومائة وهو ثامن بني العباس مولداً وثامنهم ولاية وكانت خلافته ثمان سنين وثمانية

ص: 143

أشهر وعمر ثماناً وأربعين وغزواته وفتوحاته ثمان وقتل ثمانية أعداء وخلف ثمان بنين وثمان بنات وترك ثمانمائة ألف دينار ومثلها دراهم إلى غير ذلك من عدد الثمانية رجع ما انقطع ذكر أبو القاسم الأيادي أن جماعة من بني أمية دخلوا على أبي العباس السفاح وفيهم الغمر بن هشام بن عبد الملك فألح إليه أبو العباس بالنظر فلما رأى الغمر ذلك منه أنشده

عبد شمس أبوك وهو أبونا

لا نناديك من مكان سحيق

والقرابات بيننا واشجات

محكمات العرى بعقد وثيق

فأعجبه ذلك منه وأجلسه معه على السرير وأقعد أصحابه يميناً وشمالاً وقال لهم إني أريد أن أخلطكم بنفسي واستخلصكم لها فشكروه على ذلك فبينما هم يتحدثون إذ دخل عليهم سديف فأنشد السفاح القصيدة التي أولها عمر الدين فاستبان ملياً حتى أتى على آخرها فقال السفاح يا ابن هشام كيف ترى شاعرنا فقال قولاً معجلاً لحينه وأرباب بني أمية إن شاعرنا لا شعر من شاعركم وأكثر بياناً وأفصح لساناً فقال السفاح وما قال شاعركم فقال

لو تحمل البخت والأفيال مثقلة

أحلامهم تركت عقري الأباهير

لا يعبثون إذا سجت جحافلهم

زين المجالس فرسان المنابير

فاحمرت عينا السفاح وهاجت به حمة كانت فيه قد سكنت ثم ضرب على فخذ الغمر وقال

طمعت أمية أن تجاوزها شما

عنها ويذهب زيدها وحسينها

كلا وربّ محمد ومليكه

حتى يبيد كفورها وحرونها

ص: 144

ثم قال قوموا إلى مقصورتكم ثم دعا بثلاثة وسبعين رجلاً من أهل خراسان فأعطاهم الخشب وقال اشدخوهم فشدخوهم عن آخرهم قال سديف والله ما خرجت من الأنبار حتى رأيتهم معلقين بعراقيبهم قد نهشت الكلاب رؤسهم ولما بنى زياد بيضاء البصرة وهي أول بناء بني بالجص والآجر بالبصرة أمر أصحابه أن يسمعوا من أفواه الناس ما يقولون فيها ويبلغوه ويأتوه بالقائل فأتى بانسان قيل إنه لما رآها تلا قوله تعالى أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون فقال زياد ما حملك على هذا قال لم يكن أيها الأمير هذا عن قصد وإنما خطرت على قلبي فتلاها لساني فقال والله لاعملن فيك بباقي الآية وإذا بطشتم بطشتم جبارين وأمر به فبنى عليه ركن من أركانها وكان أحمد بن يوسف الكاتب كثير السقطات وكان يجالس المأمون وكان المأمون إذا تبخر لا يستقصي البخور وتخرج المجمرة بما يبقى فيها فتوضع تحت الرجل والرجل من الجلساء اكراماً لهم واعتناء بهم فجاءت النوبة يوماً لأحمد بن يوسف فقال هاتوا المردود فسمعه المأمون فقال ألنا يقال هذا ونحن نجيز رجلاً واحداً من خدمنا بعشرة آلاف درهم وأكثر ويحك إنما قصدنا اكرامك أن أكون أنلو أنت اقتسمنا بخوراً واحداً ولا يأبى الكرامة إلا لئيم ثم أمر المأمون أن يطرح في المجمرة ثلاث مثاقيل من العنبر ويبخر بها أحمد ويدخل رأسه في طوقه حتى ينفذ ريحها ففعل به ذلك وهو يستغيث فلا يغاث حتى احترق دماغه وقام من المجلس إلى منزله فمات من ليلته

وممن أسقط من العقلاء في كلامه

فكان سبباً مؤكداً للومه وإيلامه

ذو الرمة فإنه وصف لعبد الملك بن مروان ذكاؤه وجودة شعره فأحب أن يراه فأمر باحضاره فلما دخل عليه استنشده فأنشده قصيدته المذهبة وافتتحها بقوله

ما بال عينك منها الماء ينسكب

كأنه من كلا مقريه ينسرب

ص: 145

واتفق إن كانت عينا عبد الملك يسيلان دائماً فظن أنه عرض به فغضب فقال له مالك يا ابن اللخناء ولهذا السؤال ثم قطع انشاده وأمر باخراجه فأقام حتى أذن للشعراء مرة ثانية فدخل معهم وقد غير ما قال أولاً وأنشده

ما بال عيني منها الماء ينسكب

حتى انتهى إلى قوله

كحلاء في برج صفراء في نعج

كأنها فضة قد مسها ذهب

فأجازه وأكرمه وقال له لو أنها قيلت في الجاهلية لسجدت لها العرب ودخل أبو النجم الشاعر على هشام بن عبد الملك مع الشعراء فأنشده أرجوزته التي أولها الحمد لله الوهوب المجزل حتى انتهى إلى قوله يصف الشمس وهي على الأفق كعين الأحول ولم يقل الأحول وقطع انشاده وارتج عليه وعلم أنها زلة عاقل فخشى أن تكون غفلة جاهل لان هشاماً كان أحول فقال له هشام ويلك أتمم البيت وأمر بوجء عنقه واخراجه من الرصافة ولما مات عبد الملك بن مروان وذلك في النصف من شوال سنة ست وثمانين وكان عمره يومئذ ستين سنة وأياماً وقيل اثنين وستين وكانت مدة خلافته إحدى وعشرين سنة وأياماً سجاه ابنه الوليد فأنشده هشام أخوه

فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدّما

فلطمه الوليد على فمه وقال اسكت يا ابن الأشجعية فانك أحول أكشف تنطق بلسان شيطان

ص: 146

ودخل جرير بن عطية الخطفي على عبد الملك بن مروان بعد ما منعه من الدخول عليه كراهة فيه وفي شعره فأنشد

أتصحو أم فؤادك غير صاحي

عشية همّ قومك بالرواح

فقال له بل فؤادك يا ابن اللخناء فحصر جرير وخرج خائباً وفي هذه القصيدة يقول مادحاً بما لم يأت أحد بمثله

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

خاصم رجلاً خالد بن أبي صفوان وكان قد كف بصره فترافعا إلى بلال ابن أبي بردة وكان أمير الكوفة وقاضيها فقضى على خالد ثم مر به مركب بلال فسأل من هذا قالوا بلال فقام خالد وهو يقول

سحابة صيف عن قليل تقشع فسمعه بلال فقال له والله لا تقشع حتى يصيبك منها شؤبوب برد ثم أمر به فضرب مائتي سوط وأمر بحبسه فقال له خالد علام تفعل بي هذا ولم أجن جنابة فقال بلال يخبرك بذلك باب مصمت واقياد ثقال وقيم يقال له حفص ثم ضرب الدهر ضرباته فنكب بلال بعد ذلك واحضره يوسف بن عمر الثقفي عامل هشام في قيوده وكان خالد جالساً عنده فقال له أيها الأمير إن بلالاً عد والله ضربني وحبسني ولم أفارق جماعة ولا خلعت يداً من طاعة ثم التفت إلى بلال وقال الحمد لله الذي أذل سلطانك وهد أركانك وأزال جمالك وغير حالك فوالله لقد كنت شديد الحجاب مستخفاً بالشريف مظهراً للمعصية فقال بلال يا خالد إنما استطلت علي بثلاث الأمير عليك مقبل وعني معرض وأنت طليق وأنا عان وأنت في وطنك وأنا غريب فأفحمه

ص: 147

ومن الهفوات الجارية مجرى التطير

المؤذن لفظها بالزوال والتغير

قال علوية كنت مع المأمون لما خرج إلى الشأم فدخلنا دمشق وجعلنا نطوف فيها على قصور بني أمية فدخلنا قصراً من قصورها فوجدناه مفروشاً بالرخام الأخضر كله وفيه بركة يدخلها الماء ويخرج منها فيسقى روضة قد جمعت فيها أنواع الأشجار وفي القصر من أجناس الأطيار وما يغني صوتها عن العود والمزمار فاستحسن المأمون ما رأى وعزم على الصبوح ندعى بالطعام والشراب فأكلنا وشربنا ثم قال غنني بأطيب صوت وألذه فلم يمر بخاطري غير هذا الصوت

لو كان حولي بنو أمية لم

ينطق رجال أراهم نطقوا

فنظر إلي مغضباً وقال عليك وعلى بني أمية لعنة الله فعلمت أني قد أخطأت فأخذت اعتذر من هفوتي وقلت يا أمير المؤمنين أتلومني أن أذكر بني أمية وزرياب عبدهم كان يركب في مائتي غلام ومملوك له وملك ثلثمائة ألف دينار إلى غير ذلك من الضياع والأثاث وأنا عبدكم أموت جوعاً فقال ما وجدت شيأً تذكرني به نفسك غير هذا ثم سكت ساعة وقال اعدل عن هذا وغنني بما اقترحت عليك فلم يحضرني غير هذا الصوت

الحين ساق إلى دمشق ولم

أرضى دمشق لأهلها وطنا

فرماني بالقدح فأخطأني وقال قم إلى لعنة الله وحر سقره ثم قام وركب فكان آخر عهدي به حتى مات ومات المأمون لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين وكانت خلافته منذ قتل الأمين محمد عشرين سنة وأشهراً وله من العمر ثمان وأربعون سنة ومات المعتصم أيضاً في هذا العمر وكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر وكذلك عمر عبد الله بن طاهر وتوفي في ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين وكانت مدة امارته بخراسان تسع عشرة سنة ولما فرغ المعتصم من بناء قصره بالميدان جلس فيه مع جمع من أعيان جلسائه وندمائه

ص: 148

سروراً به فما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم فقام إسحق بن إبراهيم الموصلي وأنشده قصيدة يهنئه فيها أولها

يا دار غيرك البلى ومحاك

يا ليت شعري ما الذي أبلاك

فتطير المعتصم وتغامز الناس وعجبوا من بادرته وهفوته مع علمه وفهمه وطول خدمته للملوك وقام المعتصم من ذلك المجلس متطيراً فذكر أنه لم يعد إليه بعد ومن قبيح ما وقع لأبي نواس الذي أساء فيه أدبه وخالف به مذهبه ما حكى أن جعفر بن يحيى البرمكي بنى داراً وتأنق فيها وانتقل إليها فدخل عليه أبو نواس مع من دخل إليه من الشعراء لهنائها فأنشده

أدار البلى إن الخشوع لبادي

عليك وإني لم أخنك ودادي

فمعذرة مني إليك بأن ترى

رهينة أرواح وصوت غوادي

ولا أدرأ الضراء عنك بحيله

فما أنا منها قائل بسعادي

فإن كنت مهجور القناة فما رمت

يد الهجر عن قوس المنون فؤادي

فإن كنت قد بدلت بؤساً بنعمة

فقد بدلت عيني قدي برقاد

وختمها بقوله

سلام على الدنيا إذا ما فقدتم

بني برمك من رائحين وغاد

فتطير جعفر لها وأظهر الوجوم ثم قال نعيت إلينا أنفسنا يا أبا نواس فلم تكن إلا مدة يسيرة حتى أوقع بهم الرشيد وزعم بعض أهل التاريخ إن أبا نواس قصد التشاؤم لهم لشيء كان في صدره من الممدوح وسبب ذلك أن أبا نواس دخل عليه يوماً فلم يهش له ولم يدن مجلسه وكلح في وجهه ثم دخل مسلم بن الوليد فهش له وأدنى مجلسه وأقبل عليه فحمل أبا نواس وأغراه الحسد فعمل

ص: 149

هذه القصيدة على طريق التطير وقال المبرد في الروضة إن أبا نواس عملها في الفضل بن يحيى وحكى الصابي في كتاب الهفوات أن شرف الملك أبا سعيد الوزير جلس يوم عيد والناس يدخلون عليه يهنؤنه ويمدحونه فأنشده أحد الشعراء من قصيدة يعاتبه

وأنت حصني الذي ألوذ به

فماله قد تهدّمت شرفه

فتطير من ذلك لمناسبة شرفه بشرف الملك في لقبه ثم أنشد آخر قصيدة أولها

عقد الصيام بيوم الفطر محلول

فقدّم الكاس فالقنديل معزول

فازداد تطيره وعجب الحاضرون من سوء ما اتفق فلما كان السابع من شوال قبض عليه

من استدرك هفوة لسانه من العقلاء

ورد بالاعتذار عنه ما نزل به من البلاء

يحكى أن المنصور قال حججت سنة إحدى وأربعين ومائة وأبا خليفة ماشياً لنذر لزمني فانفردت عن الناس فإذا أنا بأعمى كنت أعرفه يتردد إلى مروان بن محمد فسلمت عليه وأخذت بيده فقال من أنت قلت رفيقك إلى الشأم وأنت تريد مروان بن محمد فرد علي السلام وأنشد

آمت نساء بني أمية منهم

وبناتهم بمضيعة أيتام

نامت جدودهم وأسقط نجمهم

والنجم يسقط والجدود نيام

خلت المنابر والاسرّة منهم

فعليهم حتى الممات سلام

فقلت له والغضب مستول علي والرفق به مشير إلي كم كان مروان أعطاك قال أغناني حتى لا أسأل أحداً بعده أبداً ملكني الغلمان والجواري

ص: 150

والمال والعقار قلت وأين ذاك قال بالبصرة قال المنصور فلولا أن حق الصحبة منعني عنه كنت هممت به وشفيت نفسي منه فقلت له أتعرفني قال ما أثبتك معرفة ولا أنكرك من سوء قلت أنا المنصور فأسقط في يده ووقعت عليه الرعدة ثم قال يا أمير المؤمنين أقلني جبلت القلوب على حب من أحسن إليها فأقلته وانصرفت ثم طلبته بعد ذلك ليسامرني فلم أجده فكان البيداء أبادته قال أبو الفرج الأصفهاني وهذا الأعمى هو أبو العباس بن السائب بن فروخ من بني الليث وقيل من بني الديل بن بكر له في بني أمية مدائح أجزلوا له بها المنائح فمنها قوله

وكل خليفة ووليّ عهد

لكم يا آل مروان الفداء

امارتكم شفاء حيث كنتم

وبعض امارة الأمراء داء

وكنتم تحسنون إذا ملكتم

وغيركم إذا ملكوا أساؤا

هم أرض لأرجلكم وأنتم

لأيديهم وأعينهم سماء

ولي عمر رضي الله عنه رجلاً من قريش عملاً فبلغه عنه أنه قال

اسقني شربة ألذ لديها

واسق بالله مثلها ابن هشام

فعزله فلما قدم عليه قال له أنت القائل وأنشده البيت قال نعم والقائل بعده

عسلاً بارداً بماء سحاب

إنني لا أحب شرب المدام

فقال له عمر قاتلك الله كذا قلت ورده إلى عمله وأتى عبد الملك بمصلفة بن هبيرة الشيباني وكان ممن أخذ مع الخوارج فأمر بقتله وقال ألست القائل

ومنا سويد والبطين وقعنب

ومنا أمير المؤمنين شبيب

ص: 151

فقال يا أمير المؤمنين إنما قلت أمير وفتح الراء فاستحسن ذلك منه وأطلقه فانظر إلى حذق هذا الرجل سكن جأشاً بحركة أمد عمره من أجلها بالبركة وذلك بفتح الراء من كلمة وجعل الهمزة حرف النداء والمنادى المضاف منصوب أبداً وقبل هذا البيت

ألا أبلغ أمير المؤمنين رسالة

وذو النصح ما ترعاه منك قريب

فإنك ألا ترض بكر بن وائل

يكن لك يوم بالعراق عصيب

فإن يك منكم كان مروان وابنه

وعمرو ومنكم هاشم وحبيب

فمنا سويد البيت وقال الحجاج لعبد الرحمن بن أبي بكرة ما مالك قال لقد ختمت على ألف ألف درهم ثم إن عبد الرحمن بن أبي بكرة شعر بزلة لسانه وخاف عائلة الحجاج فتداركها مسرعاً وقال ولقد أصبحت وما أملك إلا خاتمي وأتى المأمون برجل ادعى النبوة فقال له ما اسمك قال أنا أحمد النبي فقال له لقد ادعيت زوراً ثم أمر به ليضرب فلما رأى الرجل الأعوان قد أحاطت به قال يا أمير المؤمنين أنا أحمد النبي فهل تذمه أنت فتدارك المأمون ما بقي من رمق المنة بالمنة وأورى له زند المحبة بالمحنة وهذا الفن كثير لا يحصى ولا يعز وجوده عند الاستقصا.

ص: 152