الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث من الباب الثالث
في هفوات العقال
في أنّ هفوات العقال
…
لا يغضى عنها ولا تقال
كما قيل
لا يحقر الرجل الرفيع دقيقة
…
للسهو فيها للوضيع معاذر
ذو العلم يعسر أن تقال عثاره
…
وتقال عثرته الجهول العاثر
ولسليمان بن عبد الملك فيما قصدناه كلام هو النور اللائح والهادي إلى الطريق الواضح وهو قوله السكوت عما يعنيك خير من الكلام فيما يضرك والسكوت عما لا يضرك خير من الكلام فيما لا يعنيك وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه زلة الرجل تجبر وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر قال بعضهم
يموت الفتى من عثرة من لسانه
…
وليس يموت المرء من عثرة الرجل
وقالوا طعن اللسان أنفذ من طعن السنان وجرح الكلام أصعب من وقع السهام وقالوا رب لسان أتى على انسان
ذكر من أرسل سهماً من فيه
…
فأصاب مقتله ولم يكد يخطيه
حكى أن رجلاً من الفرس وقف إلى شيرويه لما قتل ابرويز فقال الحمد لله الذي قتل ابرويز على يدك وملكك ما كنت أحق به منه وأراحنا من عتوه وكبره وتجبره وبخله وجهله فإنه كان يأخذ بالأحنة ويقتل بالظنة ويخيف البري ويذل السري فلما سمع شيرويه كلامه قال للحاجب احمله إلي فلما مثله بين يديه قال كم كان رزقك قال ألفين قال والآن قال ما زيد شيأً قال فما دعاك إلى الوقوع فيه وإنما ابتداء نعمتك من عنده ولم ترع له ذلك وأمر بنزع لسانه من قفاه ولما ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن بن حسين بالمدينة في أيام أبي جعفر المنصور دخل عليه سديف بن ميمون فأنشده أبياتاً يحرضه فيها على
اظهار الدعوة ويطعن في دولة بني العباس يقول فيها
إنا لنأمل أن ترتدّ الفتنا
…
بعد التبعد والشحناء والأحن
وتنقضي دولة أحكام قادتها
…
فينا كأحكام قوم عابدي وثن
فانهض ببيعتكم ننهض ببيعتنا
…
إن الخلافة فيكم يا بني حسن
فبلغت المنصور الأبيات فكتب فيه إلى عبد الصمد بن علي وكان عامله على مكة فأخذه وقطع يديه ورجليه وجدع أنفه فلم يمت فدفنه حياً وكان دعبل الخزاعي هجاء للملوك جسوراً على أعراضهم متحاملاً لا يبالي ما صنع حتى عرف بذلك واشتهر فصنع على لسانه بكر بن حماد الباهري ممن كان دعبل يؤذيه ويهاجيه أبياتاً يهجو فيها المعتصم وذكر قوم أنها له وهي
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
…
ولم يأتنا عن ثامن لهم كتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة
…
كرام إذا عدوا وثامنهم كلب
وما أنت عندي في الوفاء ككلبهم
…
لأنك ذو ذنب وما أذنب الكلب
فبلغت المعتصم الأبيات فأمر بطلبه فهرب إلى زويلة بلد السودان بناحية المغرب فمات بها وقيل بالأهواز وقيل لدعبل أنت القائل هذه الأبيات قال لا والله ولكن من حشا الله قبره ناراً يعثى إبراهيم بن المهدي اشاط بدمي لما هجوته بقولي فيه وهو خليفة
يا معشر الأعراب لا تقنطوا
…
خذوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسوف نعطيكم شريجية
…
لا تدخل الكيس ولا تربط
والمعبديات لقوّاد كم
…
وما بهذا أحد يغبط
وهكذا يرزق أصحابه
…
خليفة مصحفه البربط
وكان المعتصم يلقب بالثماني لأنه اتفق له عدد الثمانية في كثير من أموره ولد في شهر شعبان وهو الثامن من شهور السنة وهي سنة ثمان وسبعين ومائة وهو ثامن بني العباس مولداً وثامنهم ولاية وكانت خلافته ثمان سنين وثمانية
أشهر وعمر ثماناً وأربعين وغزواته وفتوحاته ثمان وقتل ثمانية أعداء وخلف ثمان بنين وثمان بنات وترك ثمانمائة ألف دينار ومثلها دراهم إلى غير ذلك من عدد الثمانية رجع ما انقطع ذكر أبو القاسم الأيادي أن جماعة من بني أمية دخلوا على أبي العباس السفاح وفيهم الغمر بن هشام بن عبد الملك فألح إليه أبو العباس بالنظر فلما رأى الغمر ذلك منه أنشده
عبد شمس أبوك وهو أبونا
…
لا نناديك من مكان سحيق
والقرابات بيننا واشجات
…
محكمات العرى بعقد وثيق
فأعجبه ذلك منه وأجلسه معه على السرير وأقعد أصحابه يميناً وشمالاً وقال لهم إني أريد أن أخلطكم بنفسي واستخلصكم لها فشكروه على ذلك فبينما هم يتحدثون إذ دخل عليهم سديف فأنشد السفاح القصيدة التي أولها عمر الدين فاستبان ملياً حتى أتى على آخرها فقال السفاح يا ابن هشام كيف ترى شاعرنا فقال قولاً معجلاً لحينه وأرباب بني أمية إن شاعرنا لا شعر من شاعركم وأكثر بياناً وأفصح لساناً فقال السفاح وما قال شاعركم فقال
لو تحمل البخت والأفيال مثقلة
…
أحلامهم تركت عقري الأباهير
لا يعبثون إذا سجت جحافلهم
…
زين المجالس فرسان المنابير
فاحمرت عينا السفاح وهاجت به حمة كانت فيه قد سكنت ثم ضرب على فخذ الغمر وقال
طمعت أمية أن تجاوزها شما
…
عنها ويذهب زيدها وحسينها
كلا وربّ محمد ومليكه
…
حتى يبيد كفورها وحرونها
ثم قال قوموا إلى مقصورتكم ثم دعا بثلاثة وسبعين رجلاً من أهل خراسان فأعطاهم الخشب وقال اشدخوهم فشدخوهم عن آخرهم قال سديف والله ما خرجت من الأنبار حتى رأيتهم معلقين بعراقيبهم قد نهشت الكلاب رؤسهم ولما بنى زياد بيضاء البصرة وهي أول بناء بني بالجص والآجر بالبصرة أمر أصحابه أن يسمعوا من أفواه الناس ما يقولون فيها ويبلغوه ويأتوه بالقائل فأتى بانسان قيل إنه لما رآها تلا قوله تعالى أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون فقال زياد ما حملك على هذا قال لم يكن أيها الأمير هذا عن قصد وإنما خطرت على قلبي فتلاها لساني فقال والله لاعملن فيك بباقي الآية وإذا بطشتم بطشتم جبارين وأمر به فبنى عليه ركن من أركانها وكان أحمد بن يوسف الكاتب كثير السقطات وكان يجالس المأمون وكان المأمون إذا تبخر لا يستقصي البخور وتخرج المجمرة بما يبقى فيها فتوضع تحت الرجل والرجل من الجلساء اكراماً لهم واعتناء بهم فجاءت النوبة يوماً لأحمد بن يوسف فقال هاتوا المردود فسمعه المأمون فقال ألنا يقال هذا ونحن نجيز رجلاً واحداً من خدمنا بعشرة آلاف درهم وأكثر ويحك إنما قصدنا اكرامك أن أكون أنلو أنت اقتسمنا بخوراً واحداً ولا يأبى الكرامة إلا لئيم ثم أمر المأمون أن يطرح في المجمرة ثلاث مثاقيل من العنبر ويبخر بها أحمد ويدخل رأسه في طوقه حتى ينفذ ريحها ففعل به ذلك وهو يستغيث فلا يغاث حتى احترق دماغه وقام من المجلس إلى منزله فمات من ليلته
وممن أسقط من العقلاء في كلامه
…
فكان سبباً مؤكداً للومه وإيلامه
ذو الرمة فإنه وصف لعبد الملك بن مروان ذكاؤه وجودة شعره فأحب أن يراه فأمر باحضاره فلما دخل عليه استنشده فأنشده قصيدته المذهبة وافتتحها بقوله
ما بال عينك منها الماء ينسكب
…
كأنه من كلا مقريه ينسرب
واتفق إن كانت عينا عبد الملك يسيلان دائماً فظن أنه عرض به فغضب فقال له مالك يا ابن اللخناء ولهذا السؤال ثم قطع انشاده وأمر باخراجه فأقام حتى أذن للشعراء مرة ثانية فدخل معهم وقد غير ما قال أولاً وأنشده
ما بال عيني منها الماء ينسكب
…
حتى انتهى إلى قوله
كحلاء في برج صفراء في نعج
…
كأنها فضة قد مسها ذهب
فأجازه وأكرمه وقال له لو أنها قيلت في الجاهلية لسجدت لها العرب ودخل أبو النجم الشاعر على هشام بن عبد الملك مع الشعراء فأنشده أرجوزته التي أولها الحمد لله الوهوب المجزل حتى انتهى إلى قوله يصف الشمس وهي على الأفق كعين الأحول ولم يقل الأحول وقطع انشاده وارتج عليه وعلم أنها زلة عاقل فخشى أن تكون غفلة جاهل لان هشاماً كان أحول فقال له هشام ويلك أتمم البيت وأمر بوجء عنقه واخراجه من الرصافة ولما مات عبد الملك بن مروان وذلك في النصف من شوال سنة ست وثمانين وكان عمره يومئذ ستين سنة وأياماً وقيل اثنين وستين وكانت مدة خلافته إحدى وعشرين سنة وأياماً سجاه ابنه الوليد فأنشده هشام أخوه
فما كان قيس هلكه هلك واحد
…
ولكنه بنيان قوم تهدّما
فلطمه الوليد على فمه وقال اسكت يا ابن الأشجعية فانك أحول أكشف تنطق بلسان شيطان
ودخل جرير بن عطية الخطفي على عبد الملك بن مروان بعد ما منعه من الدخول عليه كراهة فيه وفي شعره فأنشد
أتصحو أم فؤادك غير صاحي
…
عشية همّ قومك بالرواح
فقال له بل فؤادك يا ابن اللخناء فحصر جرير وخرج خائباً وفي هذه القصيدة يقول مادحاً بما لم يأت أحد بمثله
ألستم خير من ركب المطايا
…
وأندى العالمين بطون راح
خاصم رجلاً خالد بن أبي صفوان وكان قد كف بصره فترافعا إلى بلال ابن أبي بردة وكان أمير الكوفة وقاضيها فقضى على خالد ثم مر به مركب بلال فسأل من هذا قالوا بلال فقام خالد وهو يقول
سحابة صيف عن قليل تقشع فسمعه بلال فقال له والله لا تقشع حتى يصيبك منها شؤبوب برد ثم أمر به فضرب مائتي سوط وأمر بحبسه فقال له خالد علام تفعل بي هذا ولم أجن جنابة فقال بلال يخبرك بذلك باب مصمت واقياد ثقال وقيم يقال له حفص ثم ضرب الدهر ضرباته فنكب بلال بعد ذلك واحضره يوسف بن عمر الثقفي عامل هشام في قيوده وكان خالد جالساً عنده فقال له أيها الأمير إن بلالاً عد والله ضربني وحبسني ولم أفارق جماعة ولا خلعت يداً من طاعة ثم التفت إلى بلال وقال الحمد لله الذي أذل سلطانك وهد أركانك وأزال جمالك وغير حالك فوالله لقد كنت شديد الحجاب مستخفاً بالشريف مظهراً للمعصية فقال بلال يا خالد إنما استطلت علي بثلاث الأمير عليك مقبل وعني معرض وأنت طليق وأنا عان وأنت في وطنك وأنا غريب فأفحمه
ومن الهفوات الجارية مجرى التطير
…
المؤذن لفظها بالزوال والتغير
قال علوية كنت مع المأمون لما خرج إلى الشأم فدخلنا دمشق وجعلنا نطوف فيها على قصور بني أمية فدخلنا قصراً من قصورها فوجدناه مفروشاً بالرخام الأخضر كله وفيه بركة يدخلها الماء ويخرج منها فيسقى روضة قد جمعت فيها أنواع الأشجار وفي القصر من أجناس الأطيار وما يغني صوتها عن العود والمزمار فاستحسن المأمون ما رأى وعزم على الصبوح ندعى بالطعام والشراب فأكلنا وشربنا ثم قال غنني بأطيب صوت وألذه فلم يمر بخاطري غير هذا الصوت
لو كان حولي بنو أمية لم
…
ينطق رجال أراهم نطقوا
فنظر إلي مغضباً وقال عليك وعلى بني أمية لعنة الله فعلمت أني قد أخطأت فأخذت اعتذر من هفوتي وقلت يا أمير المؤمنين أتلومني أن أذكر بني أمية وزرياب عبدهم كان يركب في مائتي غلام ومملوك له وملك ثلثمائة ألف دينار إلى غير ذلك من الضياع والأثاث وأنا عبدكم أموت جوعاً فقال ما وجدت شيأً تذكرني به نفسك غير هذا ثم سكت ساعة وقال اعدل عن هذا وغنني بما اقترحت عليك فلم يحضرني غير هذا الصوت
الحين ساق إلى دمشق ولم
…
أرضى دمشق لأهلها وطنا
فرماني بالقدح فأخطأني وقال قم إلى لعنة الله وحر سقره ثم قام وركب فكان آخر عهدي به حتى مات ومات المأمون لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين وكانت خلافته منذ قتل الأمين محمد عشرين سنة وأشهراً وله من العمر ثمان وأربعون سنة ومات المعتصم أيضاً في هذا العمر وكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر وكذلك عمر عبد الله بن طاهر وتوفي في ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين وكانت مدة امارته بخراسان تسع عشرة سنة ولما فرغ المعتصم من بناء قصره بالميدان جلس فيه مع جمع من أعيان جلسائه وندمائه
سروراً به فما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم فقام إسحق بن إبراهيم الموصلي وأنشده قصيدة يهنئه فيها أولها
يا دار غيرك البلى ومحاك
…
يا ليت شعري ما الذي أبلاك
فتطير المعتصم وتغامز الناس وعجبوا من بادرته وهفوته مع علمه وفهمه وطول خدمته للملوك وقام المعتصم من ذلك المجلس متطيراً فذكر أنه لم يعد إليه بعد ومن قبيح ما وقع لأبي نواس الذي أساء فيه أدبه وخالف به مذهبه ما حكى أن جعفر بن يحيى البرمكي بنى داراً وتأنق فيها وانتقل إليها فدخل عليه أبو نواس مع من دخل إليه من الشعراء لهنائها فأنشده
أدار البلى إن الخشوع لبادي
…
عليك وإني لم أخنك ودادي
فمعذرة مني إليك بأن ترى
…
رهينة أرواح وصوت غوادي
ولا أدرأ الضراء عنك بحيله
…
فما أنا منها قائل بسعادي
فإن كنت مهجور القناة فما رمت
…
يد الهجر عن قوس المنون فؤادي
فإن كنت قد بدلت بؤساً بنعمة
…
فقد بدلت عيني قدي برقاد
وختمها بقوله
سلام على الدنيا إذا ما فقدتم
…
بني برمك من رائحين وغاد
فتطير جعفر لها وأظهر الوجوم ثم قال نعيت إلينا أنفسنا يا أبا نواس فلم تكن إلا مدة يسيرة حتى أوقع بهم الرشيد وزعم بعض أهل التاريخ إن أبا نواس قصد التشاؤم لهم لشيء كان في صدره من الممدوح وسبب ذلك أن أبا نواس دخل عليه يوماً فلم يهش له ولم يدن مجلسه وكلح في وجهه ثم دخل مسلم بن الوليد فهش له وأدنى مجلسه وأقبل عليه فحمل أبا نواس وأغراه الحسد فعمل
هذه القصيدة على طريق التطير وقال المبرد في الروضة إن أبا نواس عملها في الفضل بن يحيى وحكى الصابي في كتاب الهفوات أن شرف الملك أبا سعيد الوزير جلس يوم عيد والناس يدخلون عليه يهنؤنه ويمدحونه فأنشده أحد الشعراء من قصيدة يعاتبه
وأنت حصني الذي ألوذ به
…
فماله قد تهدّمت شرفه
فتطير من ذلك لمناسبة شرفه بشرف الملك في لقبه ثم أنشد آخر قصيدة أولها
عقد الصيام بيوم الفطر محلول
…
فقدّم الكاس فالقنديل معزول
فازداد تطيره وعجب الحاضرون من سوء ما اتفق فلما كان السابع من شوال قبض عليه
من استدرك هفوة لسانه من العقلاء
…
ورد بالاعتذار عنه ما نزل به من البلاء
يحكى أن المنصور قال حججت سنة إحدى وأربعين ومائة وأبا خليفة ماشياً لنذر لزمني فانفردت عن الناس فإذا أنا بأعمى كنت أعرفه يتردد إلى مروان بن محمد فسلمت عليه وأخذت بيده فقال من أنت قلت رفيقك إلى الشأم وأنت تريد مروان بن محمد فرد علي السلام وأنشد
آمت نساء بني أمية منهم
…
وبناتهم بمضيعة أيتام
نامت جدودهم وأسقط نجمهم
…
والنجم يسقط والجدود نيام
خلت المنابر والاسرّة منهم
…
فعليهم حتى الممات سلام
فقلت له والغضب مستول علي والرفق به مشير إلي كم كان مروان أعطاك قال أغناني حتى لا أسأل أحداً بعده أبداً ملكني الغلمان والجواري
والمال والعقار قلت وأين ذاك قال بالبصرة قال المنصور فلولا أن حق الصحبة منعني عنه كنت هممت به وشفيت نفسي منه فقلت له أتعرفني قال ما أثبتك معرفة ولا أنكرك من سوء قلت أنا المنصور فأسقط في يده ووقعت عليه الرعدة ثم قال يا أمير المؤمنين أقلني جبلت القلوب على حب من أحسن إليها فأقلته وانصرفت ثم طلبته بعد ذلك ليسامرني فلم أجده فكان البيداء أبادته قال أبو الفرج الأصفهاني وهذا الأعمى هو أبو العباس بن السائب بن فروخ من بني الليث وقيل من بني الديل بن بكر له في بني أمية مدائح أجزلوا له بها المنائح فمنها قوله
وكل خليفة ووليّ عهد
…
لكم يا آل مروان الفداء
امارتكم شفاء حيث كنتم
…
وبعض امارة الأمراء داء
وكنتم تحسنون إذا ملكتم
…
وغيركم إذا ملكوا أساؤا
هم أرض لأرجلكم وأنتم
…
لأيديهم وأعينهم سماء
ولي عمر رضي الله عنه رجلاً من قريش عملاً فبلغه عنه أنه قال
اسقني شربة ألذ لديها
…
واسق بالله مثلها ابن هشام
فعزله فلما قدم عليه قال له أنت القائل وأنشده البيت قال نعم والقائل بعده
عسلاً بارداً بماء سحاب
…
إنني لا أحب شرب المدام
فقال له عمر قاتلك الله كذا قلت ورده إلى عمله وأتى عبد الملك بمصلفة بن هبيرة الشيباني وكان ممن أخذ مع الخوارج فأمر بقتله وقال ألست القائل
ومنا سويد والبطين وقعنب
…
ومنا أمير المؤمنين شبيب
فقال يا أمير المؤمنين إنما قلت أمير وفتح الراء فاستحسن ذلك منه وأطلقه فانظر إلى حذق هذا الرجل سكن جأشاً بحركة أمد عمره من أجلها بالبركة وذلك بفتح الراء من كلمة وجعل الهمزة حرف النداء والمنادى المضاف منصوب أبداً وقبل هذا البيت
ألا أبلغ أمير المؤمنين رسالة
…
وذو النصح ما ترعاه منك قريب
فإنك ألا ترض بكر بن وائل
…
يكن لك يوم بالعراق عصيب
فإن يك منكم كان مروان وابنه
…
وعمرو ومنكم هاشم وحبيب
فمنا سويد البيت وقال الحجاج لعبد الرحمن بن أبي بكرة ما مالك قال لقد ختمت على ألف ألف درهم ثم إن عبد الرحمن بن أبي بكرة شعر بزلة لسانه وخاف عائلة الحجاج فتداركها مسرعاً وقال ولقد أصبحت وما أملك إلا خاتمي وأتى المأمون برجل ادعى النبوة فقال له ما اسمك قال أنا أحمد النبي فقال له لقد ادعيت زوراً ثم أمر به ليضرب فلما رأى الرجل الأعوان قد أحاطت به قال يا أمير المؤمنين أنا أحمد النبي فهل تذمه أنت فتدارك المأمون ما بقي من رمق المنة بالمنة وأورى له زند المحبة بالمحنة وهذا الفن كثير لا يحصى ولا يعز وجوده عند الاستقصا.