المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

استبدلنا بك لضعفك وسلمتك من معرتنا أمانتك وإن وجدناك قوياً خائناً استعنا بقوتك وأحسنا على خيانتك أدبك وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين وإن وجدناك قوياً أميناً زدنا في عملك ورفعنا ذكرك وأوطأنا عقبك وقالوا إذا كان للمحسن من الحق ما لا يقنعه وللمسئ من أليم العذاب ما بقمعه يذل المحسن النصح رغبة وانقاد المسئ إلى الحق رهبة ولا ينبغي لأحد من الملوك أن يعدل عن قول أردشير بن بابك المستفاد منه والمستفاض عنه وهو قوله لبعض موابذته اعلم أن الملك والدين أخوان توأمان لأقوام لأحدهما إلا بالآخر لان لدين هو أمن الملك وعماده والملك هو قائم سيف الدين ونجاده ولا بد للملك من أس ولا بد للدين من حارس فإن من لا حارس له ضائع ومن لا أس له مهدوم واعلم أنه يجب على الملك وعلى الرعية أن لا يكون للفراغ عندهم موضع فإن التضييع في فراغ الملك وفساد الملك من فراغ الرعية وقال شيآن إن صلح أحدهما صلح الآخر السلطان والرعية وقال المأمون أسوس الملوك من ساس نفسه لرعيته فأسقط عنه مواقع حجتها وقطع مواقع حجته عنها كان الرشيد في بعض غزواته فالح عليه الثلج ليلة فقال له بعض أصحابه يا أمير المؤمنين أما ترى ما نحن فيه من الجهد والنصب ووعثاء السفر والرعية قارة وادعة نائمة فقال اسكت فللرعية المنام وعلينا القيام ولا بد للراعي من حراسة الرعية وتحمل الأذية وإليه أشار بعض مداحه

غضبت لغضبتك الصوارم والقنا

لما نهضت لنصرة الاسلام

ناموا إلى كنف بعد لك واسع

وسهرت تحرس غفلة النوّام

‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق الفضل من ماله ورحم أهل الذلة والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة وقال عليه

ص: 133

الصلاة والسلام لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يوشك أن يفضحه ولو في رحله وقال أكثم بن صيفي استر عيب أخيك لما تعلم من نفسك وقالوا أحمق الناس من أنكر من غيره ما هو مقيم عليه قيل للربيع بن خيثم مالك لا تعيب أحداً قال لست عن نفسي راضياً فاتفرغ لعيوب الناس ومذامهم وقالوا من أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون ومن تتبع مساوئ العباد فقد نحلهم عرضه قال الشاعر

لا تكشفن من مساوئ الناس ما ستروا

فيكشف الله ستراً من مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا

ولا تعب أحداً منهم بما فيكا

وما أحسن قول القائل

إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى

ودينك موفور وعرضك صين

فلا ينتطق منك اللسان بسوأة

فللناس سوآت وللناس ألسن

وعينك إن أبدت إليك مساوياً

لقوم فقل يا عين للناس أعين

فعاشر بانصاف وكن متودّداً

ولا تلق إلا بالتي هي أحسن

وقالوا فلان يصم أذنه عن الفحشاء ويخرس لسانه عن التكلم بها وقال الشاعر يمدح

غنيّ عن الفحشاء أمّا لسانه

فعف وأمّا طرفه فكليل

آخر

كريم له عينان عين عن الخنا

تنام وأخرى في المكارم تسهر

ص: 134

آخر

وإذا تواخاك امرؤ بقبيحه

فأجبه بالاحسان والاجمال

حكى أن رجلاً عاب رجلاً عند المأمون فقال له المأمون قد استدللنا على كثرة عيوبك بما تذكر من عيوب الناس لأن طالب العيوب إنما يطلبها بقدر ما هي فيه لا بقدر ما فيه منها وقال الشاعر

أرى كل إنسان يرى عيب غيره

ويعمى عن العيب الذي هو فيه

وما خير من تخفى عليه عيوبه

ويبدله بالعيب عيب أخيه

وقالت رابعة العدوية الانسان إذا نصح لله في نفسه أطلعه الجبار على مساوئ عمله فيتشاغل بها عن خلقه

والعاقل من جعل اغضاءه عن المساوئ

حصناً إليه من ذم اللئام يأوي

يقال ربما سخط العاقل فيبدي الرضا ويغضي مثل جمر الغضا وقيل لبزرجمهر من أعقل الناس قال من لم يجعل سمعه غرضاً لسماع الفحشاء وكان الغالب عليه التغافل وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه من امتطى زمام التغافل ملك زمام المروأة وقالوا أشرف الكرم تغافلك عما تعلم ويقال التغافل من الكرام يمنحهم الاجلال والاكرام أنشد الباخرزي في الدمية لأبي الفضل عبد الله بن محمد الحيري رحمه الله تعالى

يا من يعرّض بالخنا متوهماً

جهلي به مهلاً فإنك جاهل

كم مرّة أغضيت منك على قذى

لولا النهى لرأيت ما أنا فاعل

ص: 135

آخر

ويشتمني النذل اللئيم فلا أرى

كفؤاً لعرضي عرضه فأجامله

أجرّ له ذيلي كأني غافل

أضاحكه طوراً وطوراً أخاتله

وقيل لبعضهم من العاقل قال الفطن المتغافل قال الشاعر

أعرض عن العوراء إن أسمعتها

وأسكت كأنك غافل لم تسمع

ولبعضهم معرباً بكرمه ومعرّفاً بشيمه

وإني لأغضى عن أمور كثيره

ومن دونها قطع الحبيب المواصل

وأعرض حتى يحسب الناس أنني

جهلت الذي آتى ولست بجاهل

آخر

وأغضى عن العوراء حتى يقال لي

بأذنيه وقر عندها حين ينطق

حياء وإكراماً لعرض أصونه

ولا خير في عرض يظلّ يمزق

آخر

دعى ملاحاة من هجاني

يا نفس إن تغفلي تصاني

إذا حكيت البذا عليه

فما هجاني سوى لساني

وأمّا ما قبل في التغاضي والاحتمال

والكف عن جواب قبيح المقال

قالوا أعقل الناس من لم يتجاوز الصمت في عقوبة السفيه وقال بعض الحكماء السكوت عن السفيه جواب والاعراض عنه عقاب قال الشاعر

ص: 136

إذا نطق السفيه فلا تجبه

فخير من اجابته السكوت

فإن جاوبته فرجت عنه

وإن خليته كمداً يموت

وقال بعضهم

لا ترجعنّ إلى السفيه حكاية

إلا جواب تحية حياكها

فمتى تحركه تحرك جيفة

تزداد نتناً ما أردت حراكها

وآخر

أرى الكف عن شتم السفيه تكرّماً

أضرّ به من شتمه حين يشتم

وقالوا إذا سكت عن الجاهل فقد أوسعته جواباً وأوجعته عذاباً ويقال ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة حليم من أحمق وبر من فاجر وشريف من دنئ شاعر

إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا

أصبت حليماً أو أصابك جاهل

فأصبحت أمّا نال عرضك جاهل

سفيه وأمّا نلت ما لا تحاول

وقال بعض الأعراب يمدح قومه

تخالهمو صماً وعمياً عن الخنا

وخرساً عن الفحشاء عند التهاجر

ومرضى إذا لوقوا حياء وعفة

وعند الحفاظ كالليوث الجواذر

ص: 137

لهم دل انصاف ولين تواضع

وعفو عن المولى وحسن تصابر

تخال بهم داء يخافون عاره

وما وصمهم إلا اتقاء المعاذر

والعاقل من قنع من الدنيا باليسير

وحصل فيها من التقوى زاداً للمسير

وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا فقال من صح فيها سقم ومن سقم فيها برم ومن افتقر فيها حزن ومن استغنى فيها فتن حلآلها حساب وحرامها عقاب ومتشابهها عتاب من طلبها فاتته ومن قعد عنها أتته ومن بصر بها بصرته ومن نظر إليها أعمته ووصف ابن السماك الدنيا فقال من نال منها مات فيها ومن لم ينل منها مات عليها ووصف محمد بن تومر الدنيا فقال لحظة بين عدمين فيها شركاء متشاكسون وقال حكيم الدنيا تطلب لثلاثة أشياء للغنى وللعز وللراحة فمن قنع استعنى ومن زهد فيها عز ومن قل سعيه استراح وقال عيسى عليه السلام أنا الذي كبيت الدنيا على وجهها وجلست على ظهرها فليس لي زوج تموت ولا دار تخرب وقال ابن السماك من جرعته الدنيا حلاوتها بميله إليها جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها وقال علي رضي الله عنه الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب أبصرت من أحدهما بعدت عن الآخر ويروى عنه أنه قال الدنيا والآخرة ضرتان متى أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى ثم قال لا بل أختان ولا يمكن الجمع بين الاختين وقال عليه الصلاة والسلام لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق جروفي يد مجذوم ويقال عين الدهر تطرف بالمساوئ والخلائق نيام بين أجفانها وقال بعض المستقيلين منها وأحسن

أف لدنيا ليست تواتيني

إلا بنقضي لها عرى ديني

عيني لجنبي تدير مقلتها

تريد ما ساءها لترديني

مر محمد بن واسع على قوم فسأل عنهم فقيل له هؤلاء الزهاد قال وما قدر الدنيا حتى يزهد فيها وقال علي رضي الله عنه الدنيا جيفة فمن أرادها

ص: 138

فليصبر على مخالطة الكلاب وقال منصور بن عمار الدنيا أولها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء وقال لقمان لابنه يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً وقال الفضيل بن عياض لو عرضت علي الدنيا بحذافيرها حلالاً أحاسب عليها في الآخرة لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه وقال جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا وقال يوسف بن أسباط إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها إنما خلقت لينظر بها إلى الآخرة وقال إبراهيم بن أدهم مساكين الأغنياء طلبوا الراحة فعدموها ووجدها الزهاد فلزموها ومن المنظوم في ذلك

تباً لطالب دنيا لا بقاء لها

كأنما هي في تصريفها حلم

صفاؤها كدر سرّاؤها ضرر

أمانها غدر أنوارها ظلم

شبابها هرم راحاتها سقم

لذاتها ندم وجدانها عدم

لا يستفيق من الانكاد صاحبها

لو كان ما منحت ما ضمنت ارم

فخلّ عنها ولا تركن لزهرتها

فإنها نعم في طيها نقم

واعمل لدار نعيم لا نفاد له

ولا يخاف به موت ولا هرم

وقال بعض الزهاد وأحسن

ومن يحمد الدنيا لشيء يسرّه

فسوف لعمري عن قليل يلومها

إذا أدبرت كانت على المرء حسرة

وإن أقبلت كانت كثيراً همومها

آخر

يا خاطب الدنيا إلى نفسه

لنته عن خطبتها تسلم

إنّ التي تخطب غرّارة

قريبة العرس من المأتم

ص: 139

وقال أحمد بن عبد ربه صاحب العقد

ألا إنما الدنيا غضارة أيكة

إذا اخضرّ منها جانب جف جانب

هي الدار ما الآمال إلا فجائع

عليها وما اللذات إلا مصائب

فكم سخنت بالأمس عين قريرة

وقرّت عيون دمعها الآن ساكب

فلا تكتحل عيناك منها بعبرة

على ذاهب منها فانك ذاهب

وذكرت الدنيا عند الحسن البصري فقال

ألا إنما الدنيا كأحلام نائم

وما خير عيش لا يكون بدائم

تأمّل إذا حاولت بالأمس لذة

فأفنيتها هل أنت إلا كحالم

آخر

إنما الدنيا كظل زائل

طلعت شمس عليه فاضمحل

كان في دار سواها داره

عللته بالمنى ثم ارتحل

آخر

لعمرك ما الدنيا بدار إقامة

ولكنها دار انتقال لمن عقل

إذا رفعت حطت وإن هي أحسنت

أساءت وإن أعطت فأيامها دول

آخر

مزمومة بالهمّ مخطومة

سمّ زعاق سمّ أخلافها

ولم تزل تقتل ألافها

أفّ لقتالة ألافها

ص: 140

ويقال ليس الزاهد في الدنيا من زهد فيها وقد أعرضت عنه وانبثت منه ولم تمكنه من متاعها وضاقت عليه مع اتساعها وهو مضطر إلى ذلك لظهور عسرته ونفود يسرته وإنما الزاد في الدنيا من أقبلت عليه وحشدت فوائدها إليه وحسنت له في ذاتها وأمكنته من لذتها فأعرض عنها وزهد فيها شاعر

إذا المرء لم يزهد وقد جمعت له

ضروب من الدنيا فليس بزاهد

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما الزاهد في الدنيا من يكون بما في يد الله أغنى منك بما في يدك وما أكثر انصاف من قال

نراع بذكر الموت في حال ذكره

ونعترض الدنيا فنلهو ونلعب

ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها

وما كان منها فهو شيء محبب

وقال بعض البلغاء صاحب الدنيا ساكن راحل وأيامه مراحل وأنفاسه رواحل صاحب الدنيا بين فرحة وترحة وحبرة وعبرة صاحب الدنيا بين العسل والصاب والصحة والأوصاب حكى أن سليما بن عبد الملك قال لعمر بن عبد العزيز وقد أعجبه سلطانه كيف ترى ما نحن فيه فقال عمر سرور لولا أنه غرور وحرم لولا أنه عدم وملك لولا أنه هلك وحياة لولا أنه موت ونعيم لولا أنه عذاب أليم فظهر في وجه سليمان الكآبة من كلام عمر ولم ينتفع بنفسه بعد ذلك وتوفي سنة ثمان وتسعين وهو ابن خمس وأربعين سنة وكانت ولايته سنة ست وتسعين

ص: 141