الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استبدلنا بك لضعفك وسلمتك من معرتنا أمانتك وإن وجدناك قوياً خائناً استعنا بقوتك وأحسنا على خيانتك أدبك وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين وإن وجدناك قوياً أميناً زدنا في عملك ورفعنا ذكرك وأوطأنا عقبك وقالوا إذا كان للمحسن من الحق ما لا يقنعه وللمسئ من أليم العذاب ما بقمعه يذل المحسن النصح رغبة وانقاد المسئ إلى الحق رهبة ولا ينبغي لأحد من الملوك أن يعدل عن قول أردشير بن بابك المستفاد منه والمستفاض عنه وهو قوله لبعض موابذته اعلم أن الملك والدين أخوان توأمان لأقوام لأحدهما إلا بالآخر لان لدين هو أمن الملك وعماده والملك هو قائم سيف الدين ونجاده ولا بد للملك من أس ولا بد للدين من حارس فإن من لا حارس له ضائع ومن لا أس له مهدوم واعلم أنه يجب على الملك وعلى الرعية أن لا يكون للفراغ عندهم موضع فإن التضييع في فراغ الملك وفساد الملك من فراغ الرعية وقال شيآن إن صلح أحدهما صلح الآخر السلطان والرعية وقال المأمون أسوس الملوك من ساس نفسه لرعيته فأسقط عنه مواقع حجتها وقطع مواقع حجته عنها كان الرشيد في بعض غزواته فالح عليه الثلج ليلة فقال له بعض أصحابه يا أمير المؤمنين أما ترى ما نحن فيه من الجهد والنصب ووعثاء السفر والرعية قارة وادعة نائمة فقال اسكت فللرعية المنام وعلينا القيام ولا بد للراعي من حراسة الرعية وتحمل الأذية وإليه أشار بعض مداحه
غضبت لغضبتك الصوارم والقنا
…
لما نهضت لنصرة الاسلام
ناموا إلى كنف بعد لك واسع
…
وسهرت تحرس غفلة النوّام
العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه
ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق الفضل من ماله ورحم أهل الذلة والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة وقال عليه
الصلاة والسلام لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يوشك أن يفضحه ولو في رحله وقال أكثم بن صيفي استر عيب أخيك لما تعلم من نفسك وقالوا أحمق الناس من أنكر من غيره ما هو مقيم عليه قيل للربيع بن خيثم مالك لا تعيب أحداً قال لست عن نفسي راضياً فاتفرغ لعيوب الناس ومذامهم وقالوا من أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون ومن تتبع مساوئ العباد فقد نحلهم عرضه قال الشاعر
لا تكشفن من مساوئ الناس ما ستروا
…
فيكشف الله ستراً من مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
…
ولا تعب أحداً منهم بما فيكا
وما أحسن قول القائل
إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى
…
ودينك موفور وعرضك صين
فلا ينتطق منك اللسان بسوأة
…
فللناس سوآت وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك مساوياً
…
لقوم فقل يا عين للناس أعين
فعاشر بانصاف وكن متودّداً
…
ولا تلق إلا بالتي هي أحسن
وقالوا فلان يصم أذنه عن الفحشاء ويخرس لسانه عن التكلم بها وقال الشاعر يمدح
غنيّ عن الفحشاء أمّا لسانه
…
فعف وأمّا طرفه فكليل
آخر
كريم له عينان عين عن الخنا
…
تنام وأخرى في المكارم تسهر
آخر
وإذا تواخاك امرؤ بقبيحه
…
فأجبه بالاحسان والاجمال
حكى أن رجلاً عاب رجلاً عند المأمون فقال له المأمون قد استدللنا على كثرة عيوبك بما تذكر من عيوب الناس لأن طالب العيوب إنما يطلبها بقدر ما هي فيه لا بقدر ما فيه منها وقال الشاعر
أرى كل إنسان يرى عيب غيره
…
ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفى عليه عيوبه
…
ويبدله بالعيب عيب أخيه
وقالت رابعة العدوية الانسان إذا نصح لله في نفسه أطلعه الجبار على مساوئ عمله فيتشاغل بها عن خلقه
والعاقل من جعل اغضاءه عن المساوئ
…
حصناً إليه من ذم اللئام يأوي
يقال ربما سخط العاقل فيبدي الرضا ويغضي مثل جمر الغضا وقيل لبزرجمهر من أعقل الناس قال من لم يجعل سمعه غرضاً لسماع الفحشاء وكان الغالب عليه التغافل وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه من امتطى زمام التغافل ملك زمام المروأة وقالوا أشرف الكرم تغافلك عما تعلم ويقال التغافل من الكرام يمنحهم الاجلال والاكرام أنشد الباخرزي في الدمية لأبي الفضل عبد الله بن محمد الحيري رحمه الله تعالى
يا من يعرّض بالخنا متوهماً
…
جهلي به مهلاً فإنك جاهل
كم مرّة أغضيت منك على قذى
…
لولا النهى لرأيت ما أنا فاعل
آخر
ويشتمني النذل اللئيم فلا أرى
…
كفؤاً لعرضي عرضه فأجامله
أجرّ له ذيلي كأني غافل
…
أضاحكه طوراً وطوراً أخاتله
وقيل لبعضهم من العاقل قال الفطن المتغافل قال الشاعر
أعرض عن العوراء إن أسمعتها
…
وأسكت كأنك غافل لم تسمع
ولبعضهم معرباً بكرمه ومعرّفاً بشيمه
وإني لأغضى عن أمور كثيره
…
ومن دونها قطع الحبيب المواصل
وأعرض حتى يحسب الناس أنني
…
جهلت الذي آتى ولست بجاهل
آخر
وأغضى عن العوراء حتى يقال لي
…
بأذنيه وقر عندها حين ينطق
حياء وإكراماً لعرض أصونه
…
ولا خير في عرض يظلّ يمزق
آخر
دعى ملاحاة من هجاني
…
يا نفس إن تغفلي تصاني
إذا حكيت البذا عليه
…
فما هجاني سوى لساني
وأمّا ما قبل في التغاضي والاحتمال
…
والكف عن جواب قبيح المقال
قالوا أعقل الناس من لم يتجاوز الصمت في عقوبة السفيه وقال بعض الحكماء السكوت عن السفيه جواب والاعراض عنه عقاب قال الشاعر
إذا نطق السفيه فلا تجبه
…
فخير من اجابته السكوت
فإن جاوبته فرجت عنه
…
وإن خليته كمداً يموت
وقال بعضهم
لا ترجعنّ إلى السفيه حكاية
…
إلا جواب تحية حياكها
فمتى تحركه تحرك جيفة
…
تزداد نتناً ما أردت حراكها
وآخر
أرى الكف عن شتم السفيه تكرّماً
…
أضرّ به من شتمه حين يشتم
وقالوا إذا سكت عن الجاهل فقد أوسعته جواباً وأوجعته عذاباً ويقال ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة حليم من أحمق وبر من فاجر وشريف من دنئ شاعر
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا
…
أصبت حليماً أو أصابك جاهل
فأصبحت أمّا نال عرضك جاهل
…
سفيه وأمّا نلت ما لا تحاول
وقال بعض الأعراب يمدح قومه
تخالهمو صماً وعمياً عن الخنا
…
وخرساً عن الفحشاء عند التهاجر
ومرضى إذا لوقوا حياء وعفة
…
وعند الحفاظ كالليوث الجواذر
لهم دل انصاف ولين تواضع
…
وعفو عن المولى وحسن تصابر
تخال بهم داء يخافون عاره
…
وما وصمهم إلا اتقاء المعاذر
والعاقل من قنع من الدنيا باليسير
…
وحصل فيها من التقوى زاداً للمسير
وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا فقال من صح فيها سقم ومن سقم فيها برم ومن افتقر فيها حزن ومن استغنى فيها فتن حلآلها حساب وحرامها عقاب ومتشابهها عتاب من طلبها فاتته ومن قعد عنها أتته ومن بصر بها بصرته ومن نظر إليها أعمته ووصف ابن السماك الدنيا فقال من نال منها مات فيها ومن لم ينل منها مات عليها ووصف محمد بن تومر الدنيا فقال لحظة بين عدمين فيها شركاء متشاكسون وقال حكيم الدنيا تطلب لثلاثة أشياء للغنى وللعز وللراحة فمن قنع استعنى ومن زهد فيها عز ومن قل سعيه استراح وقال عيسى عليه السلام أنا الذي كبيت الدنيا على وجهها وجلست على ظهرها فليس لي زوج تموت ولا دار تخرب وقال ابن السماك من جرعته الدنيا حلاوتها بميله إليها جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها وقال علي رضي الله عنه الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب أبصرت من أحدهما بعدت عن الآخر ويروى عنه أنه قال الدنيا والآخرة ضرتان متى أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى ثم قال لا بل أختان ولا يمكن الجمع بين الاختين وقال عليه الصلاة والسلام لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق جروفي يد مجذوم ويقال عين الدهر تطرف بالمساوئ والخلائق نيام بين أجفانها وقال بعض المستقيلين منها وأحسن
أف لدنيا ليست تواتيني
…
إلا بنقضي لها عرى ديني
عيني لجنبي تدير مقلتها
…
تريد ما ساءها لترديني
مر محمد بن واسع على قوم فسأل عنهم فقيل له هؤلاء الزهاد قال وما قدر الدنيا حتى يزهد فيها وقال علي رضي الله عنه الدنيا جيفة فمن أرادها
فليصبر على مخالطة الكلاب وقال منصور بن عمار الدنيا أولها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء وقال لقمان لابنه يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً وقال الفضيل بن عياض لو عرضت علي الدنيا بحذافيرها حلالاً أحاسب عليها في الآخرة لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه وقال جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا وقال يوسف بن أسباط إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها إنما خلقت لينظر بها إلى الآخرة وقال إبراهيم بن أدهم مساكين الأغنياء طلبوا الراحة فعدموها ووجدها الزهاد فلزموها ومن المنظوم في ذلك
تباً لطالب دنيا لا بقاء لها
…
كأنما هي في تصريفها حلم
صفاؤها كدر سرّاؤها ضرر
…
أمانها غدر أنوارها ظلم
شبابها هرم راحاتها سقم
…
لذاتها ندم وجدانها عدم
لا يستفيق من الانكاد صاحبها
…
لو كان ما منحت ما ضمنت ارم
فخلّ عنها ولا تركن لزهرتها
…
فإنها نعم في طيها نقم
واعمل لدار نعيم لا نفاد له
…
ولا يخاف به موت ولا هرم
وقال بعض الزهاد وأحسن
ومن يحمد الدنيا لشيء يسرّه
…
فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة
…
وإن أقبلت كانت كثيراً همومها
آخر
يا خاطب الدنيا إلى نفسه
…
لنته عن خطبتها تسلم
إنّ التي تخطب غرّارة
…
قريبة العرس من المأتم
وقال أحمد بن عبد ربه صاحب العقد
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة
…
إذا اخضرّ منها جانب جف جانب
هي الدار ما الآمال إلا فجائع
…
عليها وما اللذات إلا مصائب
فكم سخنت بالأمس عين قريرة
…
وقرّت عيون دمعها الآن ساكب
فلا تكتحل عيناك منها بعبرة
…
على ذاهب منها فانك ذاهب
وذكرت الدنيا عند الحسن البصري فقال
ألا إنما الدنيا كأحلام نائم
…
وما خير عيش لا يكون بدائم
تأمّل إذا حاولت بالأمس لذة
…
فأفنيتها هل أنت إلا كحالم
آخر
إنما الدنيا كظل زائل
…
طلعت شمس عليه فاضمحل
كان في دار سواها داره
…
عللته بالمنى ثم ارتحل
آخر
لعمرك ما الدنيا بدار إقامة
…
ولكنها دار انتقال لمن عقل
إذا رفعت حطت وإن هي أحسنت
…
أساءت وإن أعطت فأيامها دول
آخر
مزمومة بالهمّ مخطومة
…
سمّ زعاق سمّ أخلافها
ولم تزل تقتل ألافها
…
أفّ لقتالة ألافها
ويقال ليس الزاهد في الدنيا من زهد فيها وقد أعرضت عنه وانبثت منه ولم تمكنه من متاعها وضاقت عليه مع اتساعها وهو مضطر إلى ذلك لظهور عسرته ونفود يسرته وإنما الزاد في الدنيا من أقبلت عليه وحشدت فوائدها إليه وحسنت له في ذاتها وأمكنته من لذتها فأعرض عنها وزهد فيها شاعر
إذا المرء لم يزهد وقد جمعت له
…
ضروب من الدنيا فليس بزاهد
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما الزاهد في الدنيا من يكون بما في يد الله أغنى منك بما في يدك وما أكثر انصاف من قال
نراع بذكر الموت في حال ذكره
…
ونعترض الدنيا فنلهو ونلعب
ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها
…
وما كان منها فهو شيء محبب
وقال بعض البلغاء صاحب الدنيا ساكن راحل وأيامه مراحل وأنفاسه رواحل صاحب الدنيا بين فرحة وترحة وحبرة وعبرة صاحب الدنيا بين العسل والصاب والصحة والأوصاب حكى أن سليما بن عبد الملك قال لعمر بن عبد العزيز وقد أعجبه سلطانه كيف ترى ما نحن فيه فقال عمر سرور لولا أنه غرور وحرم لولا أنه عدم وملك لولا أنه هلك وحياة لولا أنه موت ونعيم لولا أنه عذاب أليم فظهر في وجه سليمان الكآبة من كلام عمر ولم ينتفع بنفسه بعد ذلك وتوفي سنة ثمان وتسعين وهو ابن خمس وأربعين سنة وكانت ولايته سنة ست وتسعين