المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بأشد العقوبة ومن راقب - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌بأشد العقوبة ومن راقب

وقال مالك بن دينار ما ضرب الله عبداً بعقوبة أعظم من قسوة القلب ولا غضب الله على قوم إلا نزع منهم الرحمة وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أشجع الناس إذا لقى الناس وأرحم الناس إذا استحكم الباس ويقال أرق الناس قلوباً أقلهم ذنوباً وقال عمر ابن العزيز استدعوا العفو عن الناس والرحمة من الله بالرحمة لهم وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله تعالى إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا عبادي شاعر

ابغ للناس من الخي

ر كما تبغي لنفسك

وارحم الناس جميعاً

إنهم أبناء جنسك

‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

‌في ذكر من ظفر فعاقب

‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

لما ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة بن أبي معيط أمر بصلبه إلى شجرة فقال يا رسول الله أنا من بين قريش قال نعم قال فمن للصبية قال النار فصلب رواه أبو داود في مراسيله وغيره وقيل إنه أول مصلوب صلب في الاسلام وكان النضر بن الحرث بن كلدة شديدة العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان يوم بدر أخذ أسيراً فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فقتله علي رضي الله عنه صبراً وذكر أن أخته قيلة بنت الحرث تعرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت فاستوقفته فوقف فأنشدته

يا راكباً إنّ الأثيل مظنة

من صبح خامسة وأنت موفق

أبلغ بها ميتاً بأن تحية

ما إن تزال بها الركائب تخفق

مني إليك وعبرة مسفوحة

جادت لمانحها وأخرى تحنق

ص: 506

هل يسمعني النضر إن ناديته

إن كان يسمع ميت من ينطق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه

لله أرحام هناك تمزق

قسراً يقاد إلى أبيه متعباً

رسف المقير وهو عان موثق

أمحمد ولانت نجل كريمة

في قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما

منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

لو كنت قابل فدية لفديته

بأعز ما يغلو به من ينفق

فالنضر أقرب من قتلت قرابة

وأحقهم إن كان عتقاً يعتق

فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرها رق لها وقال لو كنت سمعت شعرها من قبل ما قتلته ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أمر بقتل ستة نفر وأربع نسوة فأما النفر فعكرمة بن أبي جهل وهبار بن الأسود وعبد الله بن أبي سرح ومقيس بن صبابة والحويرث بن نقيد وهلال بن عبد الله ابن خطل فأما عكرمة فإنه هرب ثم أسلم وهرب هبار بن الأسود ثم أسلم بعد ذلك وكذلك عبد الله بن أبي سرح وأما مقيس بن صبابة فقتله غيلة وأما الحويرث فهرب فلقيه علي بن أبي طالب فقتله وأما هلال بن عبد الله بن خطل فقتله عمار بن ياسر بين الركن والمقام وأما النساء فهند بنت عتبة وسارية مولاة عمرو بن هشام وقينتا هلال بن عبد الله بن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما هند فأسلمت وأما سارية فقتلها علي رضي الله عنه وأما قينتا هلال فقتلت إحداهما وأسلمت الاخرى وقدم اناس من عرينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلموا وكانوا في الصفة فقطنوا المدينة فسقمت أجسادهم فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا تخرجون مع راعينا في ابله فتشربون من البانها وأبوالها قالوا بلى فخرجوا فشربوا الألبان والأبوال فصحوا فلما صحوا قتلوا الراعي وارتدوا عن الاسلام واستقاوا الابل فجاء الصريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في اثرهم فما ترحل النهار حتى أتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا

ص: 507

وكان عمرو بن هند من أشد ملوك العرب بأساً وأسوأهم قدرة وأعظمهم جراءة يذكر عنه أنه لما قتلت بنو تميم أخاه مسعد أغضب وآلى على نفسه أنه متى ظفر بهم قتل رجالهم وسبي حريهم فلما ظفر بهم أحمى لهم الصفا ومشى عليه من رجالهم من بلغ أجله فأتى بشاب ليمشي عليه كما فعل أصحابه وأقبلت أمه معه فلما رأت الصفا وشدة وهجه قطعت ثدييها ورمت بهما على الصفا وقالت يا بني ق بثديي قدمك وأقلل بوطئهما ألمك ثم أنشدت

ابني لو قبل الفداء لجدت بال

كبد التي أضحت عليك تقطع

يا ليت حرّ النار باشر مهجتي

أوليت خدي فوق خدك يلذع

فرق لها عمرو وأمر باطلاق ولدها واطلاق من بقي من قومها وروى ابن الكلبي عن أبيه قال أول من خرج من الحرم بعض اياد وتغلب وانتشروا في أرض نجد فبعث إليهم الملك زيد بن برعش فغزاهم فأبلى فيهم وأسرو سبي فلما قدم على الملك عرض الأسرى على السيف فقرب شاباً من أياد ليقتل فأقبلت أم وهي تقول

يا أيها الملك المغيث القاهر

الحلم يلزم حين يعفو القادر

هذا عبيدك مسلم بجريرة

بادي الضراعة أو منيق عاثر

إن تسط تسط محكماً أو تعفون

فالذنب يغفره المليك الغافر

لاذوا بعفوك من عقابك بعدما

جردت لها منظومة وخناجر

فاصرف إلى الابقاء عزمك فيهم

طولاً فليس لهم مجير ناصر

فرق لها الملك وقال لها لك ما لاثه خمارك منهم فأقبلت تخط خمارها شققاً وتصل بعضها ببعض حتى ضم طرفاه مائة رجل أو أكثر فاستضحك الملك وأمر باطلاقهم وقتل الباقين ومن الحقد المستبشع والتشفي المستشنع ما ذكره ابن حمدون في تذكرته عن عبد الله بن الزبير حين ظفر بأخيه عمرو وكان يشايع بني أمية وهدم دور قوم بالمدينة في هواهم فلما ولي أخوه عبد الله الخلافة أخذه وأقامه للناس ليقتصوا منه فبالغ كل ذي حقد عليه في الاقتصاص وكان عبد الله لا يسأل أحداً ادعى عليه شيأً بينة ولا حجة وكان

ص: 508

أرباب الحقوق يدخلون عليه السجن يضربونه والقيح ينضح من ظهره على الأرض والحائط فلما لم يبق أحد من ذوي الحقوق أمر أن يرسل عليه الجعلان فكانت تدب عليه فتنقب لحمه وهو معقول لا يستطيع حركة حتى مات فدخل الموكل به على عبد الله وفي يده عس لين يريد أن يسخر به وهو يبكي قال له أمات قال نعم قال أبعده ثم تناول العس فشرب ما فيه وقال لا تغسلوه ولا تكفنوه وادفنوه في مقابر المشركين فدفن بها وكان الحجاج شديد الوطأة على الجناة ذكر أهل التاريخ أنه لما مات أحصى من قتل صبرا سوى من قتل في حروبه وسراياه فوجدوا مائة ألف وعشرين ألفاً ومات في حبسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة منهن ست آلاف مخدرات وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ولم يكن لحبسه سقف يقيهم الحر والبرد وكان الحراس يحصبونهم إذا استظلوا من وهج الشمس وزمهرير البرد ولما أخرجوا بعد موته كان فيهم أعرابي فقيل له كم كان لك في السجن قال اثنتا عشرة سنة قيل له فما ذنبك قال بلت في ربض واسط ولما أطلق جعل يعدو وهو يقول

إذا نحن جاوزنا مدينة واسط

خرينا وبلنا لا نخاف عقابا

وذكر أهل التاريخ أيضاً إنه ركب يوم جمعة يريد الجامع فسمع ضجة عظيمة فقال ما هذا قالوا أهل السجن يشكون ما هم فيه فالتفت إلى ناحيتهم وقال اخسؤا فيها ولا تكلمون فيقال إنه مات في تلك الجمعة بواسط سنة خمس وتسعين وهو ابن أربع وخمسين سنة وآخر كلام سمع منه اللهم اغفر لي فإن عبادك يظنون أن لا تفعل وكانت مدة امرته على الناس عشرين سنة وفي الشهر الذي مات فيه ولد أبو جعفر المنصور وولي الخلافة في ذي الحجة أيضاً سنة ست وثلاثين ومائة ومات في الشهر المذكور سنة ثمان وخمسين فكانت مدة خلافته اثنتين وعشرين سنة إلا سبعة أيام ولما التقى مصعب بن الزبير بالمختار ابن أبي عبيد الثقفي هزمه وأسر من عسكره ستة آلاف وثمانمائة رجل فقتلهم صبراً بين يديه في يوم واحد وهو ينظر إليهم وكانوا ألفاً وثمانمائة من أشراف العرب وخمسة آلاف من الموالي وكان أبو مسلم الخراساني ممن حذاه في الفعل حذو النعل بالنعل أحصى من قتل فكان

ص: 509

ستمائة ألف نفس وقد ذكرنا قتله فيما سبق من الكتاب وفيه يقول أبو جعفر حين قتل وقد وضعت رأسه بين يديه

زعمت أنّ الدين لا يقتضي

دونك فاستوف أبا مجرم

فاشرب بكأس من كنت تسقي بها

أمرّ في الحلق من العلقم

ولما أسرف في القتل وجد رقعة على المنبر فقرأها فإذا فيها اقتل ما عسى أن تقتل فلست تقدر أن تقتل قاتلك فكف وبابك الحرمى قتل في حروبه التي كانت بينه وبين الأمويين مائتي ألف ألف وخمسمائة ألف وخمساً وخمسين ألفاً وكان ظهوره سنة احدى ومائتين في خلافة المأمون واستمرت فتنته إلى أيام المعتصم فأرسل إليه العساكر فكانت الحرب بينه وبينهم ولا إلى أن كانت الدائرة عليه فهزم عسكره وأسر وفتحت مدينته التي بناها ودخلها المسلمون واستباحوها في أيام المعتصم سنة اثنتين وعشرين ومائتين وفيها فتحت عمورية وأحضر بين يدي المعتصم فأمر بقطع يديه ورجليه فلما قطعت لطخ بدمه وجهه حتى لا يرى في وجهه أثر الجزع ثم أمر به فضربت رقبته وصلب وفي قتله يقول أبو عبادة البحتري من أبيات

لم يبق فيه خوف بأسك مطمعاً

للظنّ في اخفا ولا ابداء

أخليت منه البيد وهي قراره

ونصبته علماً بسامرّاء

فتراه مطرداً على أعواده

مثل اطراد كواكب الجوزاء

مستشرفاً للشمس منتصباً لها

في أخريات الجذع كالحرباء

وكان بشر بن مروان شديد على الجناة وكان إذا ظفر بجان أقامه على كرسي وسمر كفيه في الحائط ونزع الكرسي من تحت رجليه فلا يزال يضطرب حتى يموت وقال الشعبي ما رأيت في العمال مثل عبد الله التميمي كان لا يعاقب إلا في دين الله وكان إذا أتى برجل نباش حفر له قبراً ودفنه فيه حياً وإذا

ص: 510

أتى برجل نقب في قوم جعل منقبته في صدره حتى تخرج من صدره وإذا أتى برجل شهر سلاحاً قطع يده فربما أقام أربعين لا يؤتي إليه بجان خوفاً من سطواته ودخل شبل بن عبد الله على عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس السفاح بعدما ولي الخلافة ووليها وهو ابن أربع وعشرين سنة في ربيع الآخر سنة اثنين وثلاثين ومائة وعنده مائتا رجل من بني أمية وهم جلوس معه على المائدة فقام مولى لبني العباس فأنشده

أصبح الملك ثابتاً في أساس

بالبهاليل من بني العباس

طلبوا وتر هاشم فشفوها

بعد ميل من الزمان وياس

يا كريم المطهرين من الرج

س ويا رأس كل طود وراس

لا تقبلن عبد شمس عثاراً

واقطعن كل رقلة وغراس

دلها أظهر التودد منها

وبها منكم كحز المواس

أقصهم أيها الخليفة واقطع

عنك بالسيف شأفة الأرجاس

ولقد غاظني وغاظ سوايا

قربهم من نمارق وكراسي

أنزلوها بحيث أنزله الله

بدار الهوان والاتعاس

واذكروا مصرع الحسين وزيد

وقتيلاً بجانب المهراس

والقتيل الذي بحرّان أضحى

ثاوياً بين غربة وتناسي

وهما حمزة بن عبد المطلب وإبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس المنعوت بالامام فأحز بهم عبد الله فشدخوا بالعمد وبسطت البسط عليهم وجلس عليها ودعا بالطعام وإنه ليسمع أنينهم وعويلهم فلما فرغ من طعامه قال ما أكلت أكلة قط هي أهنأ ولا أمرأ ولا أطيب في نفسي من هذه ثم أخرج عمه عبد الصمد بن علي في طلب بني أمية في اقطار الأرض إن وجد حياً قتله وإن وجد مقبوراً نبشه وأحرق من فيه حتى أتى دمشق فدخلها وقتل في جامعها يوم جمعة في شهر رمضان خمسين ألفاً من بني أمية ومواليهم كانوا قد استجاروا بالجامع فلم يجرهم ولما وصل إلى الرصافة أخرج هشاماً من قبره فضرب مائة سوط وعشرين سوطاً حتى تناثر لحمه وقال إنه ضرب أبي ستين سوطاً ظلماً وذكر الدوحي

ص: 511

في كتابه بلغة الظرفاء في تاريخ الخلفاء سبب ذلك إن هشاماً اتهمه بقتل سليط المنتسب إلى أبيه عبد الله ففعل به ذلك وقد رأينا صواباً أن نذكر مقتل زيد المشار إليه في الأبيات المتقدم ذكرها فالشيء بالشيء يذكر وإن كان غير داخل فيما ترجمنا عليه في هذا الفصل وكان ظهوره في سنة ثنتين وعشرين ومائة بالكوفة وأرسل هشام إلى محاربته يوسف بن عمر الثقفي فلما قامت الحرب بينهم على ساقها انهزم أصحاب زيد وبقي جماعة يسيرة فقاتل أشد قتال وهو يقول

وذل الحياة وذل الممات

وكلاً أراه طعاماً وبيلا

فإن كان لا بدّ من واحد

فسيروا إلى الموت سيراً جميلا

ولم يزل يقاتل حتى أصابه سهم في جبهته فمات مقتولاً منه فدفنه أصحابه ثم دل يوسف على قبره فأخرجه وقطع رأسه وأرسله إلى دمشق فعلق وصلب جثته عارية فتدلت سرته حتى سترت سوأته وذلك في السنة التي ظهر فيها ولم يزل كذلك إلى أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فأمر بها فأحرقت وفيه يقول حكيم بن عياش الكلبي يخاطب آل بني طالب من أبيات

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أر مهدياً على الجذع يصلب

وقستم بعثمان علياً سفاهة

وعثمان خير من عليّ وأطيب

ومات هشام سنة خمس وعشرين ومائة في ربيع الأول وله من العمر ست وخمسون سنة وكانت مدة خلافته تسع عشرة سنة وأشهراً وأياماً والقتيل بجانب المهراس هو حمزة بن عبد المطلب وإنما نسب قتله لبني أمية لان أبا سفيان قاد الجيوش يوم أحد لقتال المسلمين والمهراس ماء بأحد قال لمبرد وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عطش في يوم أحد فجاءه علي رضي الله عنه في درقته بماء فعافه وغسل به الدم عن وجهه ولما زالت دولة بني أمية كان آخرهم مروان بن الحكم المكنى بالحمار وهرب فتبعه صالح بن علي إلى بلاد مصر فقتله بقرية من قراها تسمى بوصير

ص: 512

ويحكى أنه لما قتل قدم رأسه بين يدي صالح فنقب فمه فسقط لسانه فأخذه هر فقال صالح والله لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان مروان في فم هر لكفانا معتبراً ثم أدخل عليه ابنتان لمروان فقالت كبراهما السلام عليك يا أمير المؤمنين قال لست بأمير المؤمنين فقالت السلام عليك أيها الأمير فقال وعليك اسلام فقالت لقد وسعنا عدلكم فقال إذا لا يبقى على وجه الأرض منكم أحد انكم بدأتم بلعن علي بن أبي طالب على منابركم فاستوجبتم اللعنة من الله وقتلتم الحسين بن علي وسرتم برأسه في الآفاق وقتلتم زيد بن علي ونبشتموه وأحرقتموه بالنار وصلبتم يحيى بن ريد وأمرتم من بال على وجهه وقتلتم إبراهيم بن محمد الامام وهو أسير في أيديكم ظلماً وعدواناً قالت أيها الأمير فليسعنا عفوكم قال أما هذا فنعم ثم أمر فرد عليها ما ذكرت إنه أخذلها وخلى سبيلها وأنشد المهدي قول بشار بن برد فيه لما أنفق الأموال التي جمعها المنصور في اللذات والشرب والغناء

بني أمية هبوا طال نومكم

إن الخليفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا

خليفة الله بين الناي والعود

فخرج المهدي إلى البصرة وما يريد غيره فلما صار بالبطائح من همذان مر بدار كان بشار على سطحها قائماً فلما أحس بمرور المهدي عليه خاف أن يصرفه فاندفع بشار يؤذن فقال المهدي من هذا الذي يؤذن في غير الوقت فقالوا بشار فقال علي به فلما مثل بين يديه قال له يا زنديق هذا من بذائك تؤذن في غير الوقت ثكلتك أمك فلو سكت لسانك ما عرف مكانك ثم أمر بضربه بالسياط فضرب حتى مات فصلبه وقال ابن عبدوس في كتابه الذي صنفه في أخبار الوزراء في سبب قتله إنه هجا يعقوب بن داود وزير المهدي فصنع يعقوب على لسانه هجاء للمهدي ودخل عليه فقال يا أمير المؤمنين إن هذا الأعمى

ص: 513

الملحد قد هجاك قال وما قال قال يعفيني أمير المؤمنين من انشاد ذلك فلم يزل به حتى أنشده

خليفة يزني بعماته

يلعب بالدف وبالصولجان

أبدك الله به غيره

ودس موسى في حر الخيزران

فقال له وجه من يحمله فخاف يعقوب من أن يقدم على المهدي فيمدحه فيعفو عنه فوجه إليه من ألقاه في البطائح وقيل بل دس عليه من قتله في طريقه وقيل إنما قتل على الالحاد وكان يرى رأى الثنوية وذلك في سنة ثمان وستين ومائة وفي المحرم سنة تسع ومائتين مات المهدي وله من العمر اثنان وأربعون سنة وخمسة عشر يوماً وكانت مدة خلافته عشر سنين وشهراً واحداً

وممن شفي غيظه من العدوّ المخالف

ولم يغض له عن ذنبه المالف

الحجاج كان أيوب بن الفرية قد خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي كاتباً له لما خلع ربقة الطاعة وادعى الخلافة فحاربه الحجاج دفعات فكانت الدائرة عليه وأخذ أيوب مع من كان معه فلما قدم على الحجاج أسيراً قال له ما أعددت لهذا الموقف قال ثلاثة حروف كأنهن ركب صفوف دنيا واخرى ومعروف فقال له الحجاج بئس ما منتك به نفسك يا ابن الفرية أتراني ممن ينخدع بكلامك والله لأنت أقرب إلى الآخرة منك إلى موضع نعلي هذه قال أقلني عثرتي واسقني ريقي فإنه لا بد للجواد من كبوة وللحليم من هفوة فقال له أنت إلى السطوة أقرب منك إلى العفو عن الهفوة ألست القائل وأنت تحرض حزب الشيطان وعدو الرحمن تغدوا بالحجاج قبل أن يتعشى بكم ثم أمر بضرب عنقه فضربت وذلك في سنة أربع وثمانين ولما انهزم عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث لحق سعيد بن جبير بمكة وكان قد خرج معه فأخذه خالد بن عبد الله القسري فبعث به إلى الحجاج فلما دخل سعيد على الحجاج قال له سعيد قال نعم قال ألم أقدم العراق واتهمت إن قام الموالي فلما بلغني فقهك وحالك جعلتك امام قومك ووجدت عطاءك أربعين ديناراً فبلغت بك سبعين ديناراً قال بلى قال وسهلت اذنك

ص: 514

قال بلى واستقصيت أبا بردة من أبي موسى وهو فقيه ابن فقيه فجعلتك وزيره وكاتبه وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك قال بلى قال وأوفدت وفداً إلى أمير المؤمنين فجعلتك مثلهم ولا يوفد مثلك فاستعفيتني فأعفيتك وذلك كله بغير غضب من الحجاج ثم قال فما أخرجك علي قال كانت لابن الأشعث في عنقي بيعة فاستوى جالساً وقال يا عدو الله فبيعة أمير المؤمنين كانت في عنقك قبل بيعة عبد الرحمن يا حرسي اضرب عنقه فلما ضربت عنقه التبس على الحجاج عقله مكانه فجعل يقول قيوديا قيوديا فظنوا أنه يطلب القيود التي على سعيد فقطعوا رجليه من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود وقد أورد القصاص هذه الحكاية على غير هذا النمط والصحيح هو هذا والله أعلم ايقاع الرشيد بالبرامكة لما ولي الرشيد الخلافة قال ليحيى بن خالد يا أبت قد قلدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقي إليك فاحكم بما ترى واستعمل من رأيت وافرض لمن رأيت وأقطع من رأيت فإني غير ناظر معك في شيء ثم ولي في سنة ست وسبعين ومائة جعفر بن يحيى المغرب كله من الأنبار إلى أقصى بلاد أفريقية وولي الفضل المشرق كله من النهروان إلى أقصى بلاد الترك وكان يحيى يميل إلى الفضل والرشيد يميل إلى جعفر فكان يقول ليحيى أنت للفضل وأنا لجعفر وكان الرشيد يسمي جعفراً بأخيه ويدخله معه في ثوبه ولما وقع من جعفر الذنب لم يحتمله الرشيد ولا قدر على الاغضاء عنه وجعل يتردد في أعمال الحيلة على البرامكة ولا يرى منهم ذنباً ظاهراً بيناً يقتلهم به حتى لا يتوجه عليه لوم من الناس في قتلهم لما كان بينه وبينهم من اتحاد الود فتكلم الرشيد يوماً بكلمة نزع فيها جلساؤه كل منزع منهم من يحكي في نوعها حكاية ومنهم من ينشد شعراً فأنشد بعضهم أبياتاً في غير المعنى الذي هم بصدده فكان سبباً لامضاء عزمه في الايقاع بهم يقول فيها

ليت هنداً أنجزتنا ما تعد

وشفت أنفسنا مما نجد

واستبدت مرّة واحدة

إنما العاجز من لا يستبد

فاستعاد الرشيد الأبيات مرات فكان ذلك محرضاً له على الايقاع بهم وكان عندما تغير عليهم صرف الفضل عما كان بيده من ولاية الشرق أولاً فأولا من

ص: 515

سنة ثمانين إلى سنة ثلاث وثمانين ولم يزل جعفر مع الرشيد على الحالة المرضية إلى أن ركب في يوم الجمعة مستهل صفر سنة تسع وثمانين إلى الصيد وجعفر معه يسايره خالياً به وانصرف متمسياً إلى القصر الذي كان ينزله بالأنبار فلما وصل إليه ضمه واعتنقه وقال لولا إني أريد الجلوس الليلة مع النساء لما فارقتك وسار جعفر إلى منزله وواصله الرشيد بالألطاف إلى وجه السحر فبعث إليه مسروراً الخادم ومعه سالم وابن عصمة فهجموا عليه وأخذه مسرور وضرب عنقه ولقي الرشيد برأسه فانفذ الرشيد جثته إلى بغداد وقطعت نصفين وصلبا على الجسرين ولما انصرف الرشيد من الرقة سنة تسع وثمانين إلى بغداد مر بالجسر فرأى جثة جعفر فقال لئن مضى أثرك لقد بقي خبرك ولئن حط قدرك لقد علا ذكرك ثم أمر بها فأحرقت ولما قتل الرشيد جعفراً رحل إلى الرقة وحمل معه يحيى وولده الفضل فحبسهما فيها بعد أن ضرب الفضل مائتي سوط ولم يجد ليحيى إلا خمسة آلاف دينار وللفضل إلا أربعين ألف درهم ولم يجد لجعفر ولا لأخيه موسى شيأً ووجد لمحمد بن يحيى سبعمائة ألف درهم ويقال إنه وجد لجعفر في قصره سركة فيها أربعة آلاف دينار وزن كل دينار مائة دينار مكتوب على أحد جانبي الدينار

وأصفر من ضرب دار الملوك

يلوح على وجهه جعفرا

وعلى الوجه الآخر

يزيد على مائة واحداً

إذا ناله معسر تيسرا

ولما أوقع الرشيد بالبرامكة وقتل جعفراً وحبس يحيى أباه والفضل أخاه كتب يحيى إليه من السجن من عبد أسلمته ذنوبه وأوبقته عيوبه وخذله رفيقه ورفضه صديقه فحل في الضيق بعد السعة وعالج البؤس بعد الدعة فساعته شهر وليلته دهر قد عاين الموت وقارب الفوت فتذكر يا أمير المؤمنين كبر سني وضعف قوتي وارحم شيبتي وهب لي رضاك بعفو ذنب إن كان فإن من مثلي الزلل ومن مثلك الاقالة وليس أعتذر إلا باقراري حتى ترضى عني فإن رضيت رجوت أن يظهر لك من عذري وبراءة ساحتي ما لا يتعاظمك ما مننت به علي من رأفتك ورحمتك زاد الله في عمرك وجعل يومي قبل يومك

ص: 516

فرد عليه الرشيد من كتاب إن أمير المؤمنين لم يأت على ولدك اللعين ومن رأيه ترك الباقين ولم يأمر بحبسك وهو يريد بقاء نفسك إنما أخرك وإياهم لتعالج البؤس بعد النعيم ثم تصير إلى العذاب الأليم فابشر أيها المخادع الزنديق والمخالف الفسيق بما أعدلك أمير المؤمنين من تبديد شملك وخمول ذكرك واطفاء أمرك فتوقعه صباحاً ومساءً ووقع الرشيد عليه وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ثم تناساه هو وابنه الفضل في سجن الرقة حتى ماتا فيه فمات يحيى في المحرم سنة تسعين ومائة فجأة من غير علة وعمره أربع وستون سنة ومات الفضل في شهر رمضان سنة اثنين وتسعين ومائة ولما بلغ الرشيد موته قال أمري قريب من أمره وكذا كان فإنه توفي بعده بخمسة أشهر في المحرم سنة ثلاث وتسعين وقد بلغ من العمر سبعاً وأربعين سنة وكانت ولايته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وأياماً فإنه ولي سنة سبعين ومائة وكان الفضل ترب الرشيد ورضيعه أرضعته أم الفضل وأرضعت الفضل أم الرشيد وذكر إن الرشيد أقام يتردد في قتل جعفر سنين لا تطاوعه نفسه في قتله قال حسين الخادم أشهد بالله لقد رأيت الرشيد متعلقاً بأستار الكعبة قائلاً في مناجاته اللهم إني أستخيرك في قتل جعفر بن يحيى ورثاهم بعد موتهم من عامة الشعراء وغيرهم جم غفير وقد اخترنا أبياتاً من أحاسن قصائدهم أردنا أن نبين فيها محاسن مقاصدهم فمن ذلك أبيات لاشجع الأسلمي

ولي عن الدنيا بنو برمك

ولو تولى الخلق ما زادا

كأنما أيامهم كلها

كانت لأهل الأرض أعيادا

آخر

كأنّ أيامهم من حسن بهجتها

مواسم الحج والأعياد والجمع

ص: 517

آخر

يا بني برمك وأهالكم

ولأيامكم المتنقلة

كانت الدنيا عروساً بكم

فهي اليوم ثكول أرملة

وفيهم يقول الصيف بن إبراهيم من أبيات

هوت أنجم الجدوى وشلت يد الندى

وغارت بحور الجود بعد البرامك

هوت أنجم كانت لأبناء برمك

بها يعرف الساري وجوه المسالك

وللرقاشي

ألان استرحنا واستراحت ركابنا

وأمسك من يجدي ومن كان يجتدي

فقل للمطايا قد أرحت من السرى

وطي الفيافي فد فدا بعد فدفد

وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر

ولم تظفري من بعده بمسوّد

وقل للعطايا بعد فضل تعطليوقل للرزايا كل يوم تجددي ويقال إن الذي سعى بهم هو علي بن عيسى بن ماهان وذكر بعض المؤرخين إنه وجد على باب علي بن عيسى المذكور بعد قتل جعفر هذان البيتان ولا يعلم من كتبهما ولا من قائلهما

إنّ المساكين بنو برمك

صبت عليهم نوب الدهر

إنّ لنا في أمرهم عبرة

فليعتبر صاحب ذا القصر

وكانت نكبته قريباً من نكبتهم كان الايقاع بهم بعد رجوع الرشيد من الحج في المحرم سنة تسع وثمانين ومائة وعمر جعفر يومئذ خمس وأربعون سنة وكانت مدة دولتهم سبع عشرة سنة وسبعة أشهر وأياماً والله در أبي كلثوم بن عمرو العتابي حيث قال يعرض بالبرامكة ويذكر عاقبة صحبة السلطان وأن ما للمتعلق بها من غدر الزمان أمان

تلوم على ترك الغنى باهلية

طوى الدهر عنها كل طرف وتالد

ص: 518

رأت حولها النسوان يرفلن في الكسا

مقلدة أجيادها بالقلائد

أسرك أني نلت ما نال جعفر

من الملك أو ما نال يحيى بن خالد

وأنّ أمير المؤمنين أغصني

معصمها بالمرهفات البوارد

ذريني تجيني ميتة مطمئنة

ولم تج أهوال بتلك الموارد

فإن كريمات المعالي مشوبة

بمستودعات من بطون الأساود

وإن الذي يرقى من المجد والعلا

ملقى بأنواع الأذى والمكايد

ولله در المأمون إذ قال وكأنه يعتذر عن ايقاع أبيه بالبرامكة وإن لم يقصده لا يستطيع الناس أن ينصفوا الملوك من وزرائهم ولا يستطيعون أن ينظروا بالعدل بين ملوكهم وحماتهم وكفاتهم وذلك أنهم يرون ظاهر حرمتهم وخدمتهم ونصيحتهم ويرون ايقاع الملوك بهم ظاهراً ولا يزال الرجل يقول في ذلك ما أوقع به إلا رغبه في ماله أو رغبه فيما لا تجود النفوس به أو الحسد أو الملالة وشهوة الاستبداد لا والله ما هو هذا وإنما هي لجنايات في صلب الملك أو في تعرض الحرم فلا يستطيع الملك أن يكشف للعامة موضع العورة ويحتج لتلك العقوبة بما يستحق ذلك الذنب فلا يستطيع الملك ترك عقابه لما في ذلك من الفساد مع علمه بأن عذره غير مبسوط للعامة ولا معروف عند أكثر الخاصة ومن التشفي الشنيع ما حكي أن سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب كان يطعن على عبد الله بن المقفع أشياء كثيرة منها أنه كان يهزأ به ويسأله عن الشيء بعد الشيء تعنتاً فإذا أجابه قال له أخطأت ويضحك منه فلما كثر ذلك عليه غضب وافترى عليه فقال له ابن المقفع يا ابن المغتلمة والله ما اكتفت أمك برجال العراق حتى نفذتهم إلى رجال أهل الشام فحقدها عليه فآلى على نفسه إن أمكنه الله منه ليقتلنه شر قتلة فاتفق أن عيسى بن علي أمر ابن المقفع أن ينطلق إلى سفيان وكان إذ ذاك على شرطة بغداد برسالة كان المنصور أمره بها فقال له إني لا آمن سفيان فقال له انطلق إليه ولا تخف فإنه لم يكن ليعرض ذلك وهو يعلم مكانك مني فلم يجد ابن المقفع بداً من امتثال أمر عيسى فذهب حتى أتى باب سفيان فاستأذن فأذن له وكان في مجلسه العام فعدل به إلى مقصورة ثم قام سفيان من مجلسه إلى المقصورة فلما رأى ابن المقفع قال له وقعت والله فقال له أنشدك بالله تعالى فقال أمي مغتلمة كما قلت إن لم أقتلك قتلة لم

ص: 519

يقتل بها أحد قبلك وأمر بتنور فسجر ثم أمر به فقطع عضواً عضواً ويلقى ي التنور وهو ينظر حتى لم يبق منه عضو متصل بعضو ثم قال يا ابن الزنديقة لا حرقنك بنار الدنيا قبل نار الآخرة ثم أمر به فأحرق بعد ذلك وكان رافع بن الليث خلع هرون الرشيد ولبس البياض وتغلب على بلاد ما وراء النهر وذلك في سنة تسعين ومائة وكان علي بن عيسى إذ ذاك على خراسان فحاربه فلم يقدر عليه فخرج الرشيد إليه من بغداد سنة ثلاث وتسعين فلما بلغ طوس مرض واشتد به المرض فلما كان يوم موته أخذ المرآة بيده فنظر فيها وجهه فرأى عليه غبرة الموت فقال إنا لله وإنا إليه راجعون فبينما هو في تلك الحالة إذ دخل عليه أخو رافع بن الليث أسيراً فلما مثل بين يديه قال إني لأرجو إذ لم تفتني أن لا يفوتني أخوك والله لو لم يبق من عمري إلا أن أحرك شفتي بقتلك لقلت اقتلوه ثم دعا بقصاب وقال له لا تشحذ مديتك وفصله عضواً عضواً وعجل لئلا يحضرني أجلي وعضو من أعضائه في جسده ففصله ثم جعله أشلاء ثم قال له اعدد ما فصلت منه فإذا هو أربعة عشر عضواً فرفع يديه وقال اللهم كما أمكنتني منه فمكني من أخيه ثم مات من ساعته وكتب رجل كان في حبس المأمون إليه لما طال حبسه أغفلت يا أمير المؤمنين أمري وتناسيت ذكري ولم تتأمل حجتي وعذري وقد مل من صبري الصبر ومسني من حبسك الضر فأجابه المأمون ركوبك مطية الجهل صيرك أهلاً للقتل وبغيك علي وعلى نفسك نقلك عن سعة الدنيا إلى قبر من قبور الأحيا ومن جهل الشكر على المنن قل صبره على المحن فاصبر على عواقب هفواتك وموبقات زلاتك على قدر صبرك على كثير جناياتك فإن حصل في نفسك ف عن معصيتي وعزم على طاعتي وندم على مخالفتي فلن تعدم مع ذلك جميلاً من نيتي ولما ظفر أبو جعفر المنصور بعبد الله بن حسن قيده وحبسه في داره فلما أراد المنصور خروجه إلى الجيش جلست ابنة لعبد الله تسمى فاطمة على طريقه فلما بصرت به أنشدت

ارحم كبيراً سنه متهدما

في السجن بين سلاسل وقيود

ص: 520

وارحم صغار بني يزيد إنهم

قتموا لفقدك لا لفقد يزيد

إن جدت بالرحم القريبة بيننا

ما جدّنا من جدّكم ببعيد

فلما سمع المنصور أبياتها قال أدركتنيه ثم أمر به فحدر في المطبق فكان آخر العهد به ويزيد المذكور في شعر فاطمة هو أخو عبد الله بن حسن وأخذ عبد الله لأجل ولديه محمد وإبراهيم وكانا قد خرجا على المنصور وغلبا على المدينة ومكة والبصرة فبعث المنصور إليهما عيسى بن موسى فقتل محمد بالمدينة وكان قتل إبراهيم ومحمد بين البصرة والكوفة في رمضان سنة خمس وأربعين ومائة وقال أبو بكر الخطيب مات عبد الله بحبس الكوفة يوم الأضحى سنة خمس وأربعين ومائة وهو ابن ست وأربعين سنة وكان المنصور قل ما يظفر بأحد إلا قتله سواء كان مستوجباً للقتل أو غير مستوجب وهذا كان في أول خلافته فقال له عبد الصمد بن علي قد ضخمت في القتل والعقوبة حتى كان لم يسمع بالعفو فقال إن بني أمية لم تبل رممهم وآل أبي طالب لم تغمد سيوفهم ونحن قوم رأونا بالأمس سوقة واليوم خلفاء ولا تتمهد الهيبة في صدورهم إلا باطراح العفو عنهم واستعمال العقوبة فيهم ومن عجائب الطفر ما حكاه الصولي أن المتوكل قال ركبت إلى دار الواثق أزوره في مرضه في اليوم الذي مات فيه ولم أدر بذلك فدخلت الدار وجلست في الدهليز ليؤذن لي فسمعت بكاء نادبة بناحية تشعر بمونه فتجسست وإذا اتياخ ومحمد بن عبد الملك الزيات يأتمران في فقال محمد نلقيه في التنور وقال اتياخ بل ندعه في الماء البارد حتى يموت ولا يرى عليه أثر القتل فبينما هما كذلك إذ جاء أحمد بن أبي دواد وكان القاضي يومئذ فمنعه الخدام الدخول فدافعهم حتى دخل فجعل يحدثهما بما لا أعقله لما داخلني من الخوف واشغال القلب بأعمال الحيلة في الهرب والخلاص مما ائتمرا به في فبينا أنا كذلك إذ خرج الغلمان يتعادون إلي ويقولون انهض يا مولانا فما شككت أني أدخل وأبايع ولد الواثق وينفذ في ما قرر فدخلت فلقيني ابن أبي دواد فقبل يدي وأمسكها إلى أن صار بي إلى السرير وقال اصعد إلى المكان الذي أهلك الله فلما صعدت وجلست سلم علي بالخلافة وجاء محمد بن عبد الملك الزيات واتياخ فسلما علي أيضاً ثم استدعوا القواد فسلموا علي ثم الناس على طبقاتهم فلما انقضت المبايعة بقيت متعجباً مما اتفق مع ما سمعته من كلام ابن الزيات

ص: 521

واتياخ فسألت عن الحال وكيف جرت فقيل لي بينا محمد بن عبد الملك الزيات واتياخ في تقرير ما سمعته إذ دخل عليهما ابن أبي دواد فسلم عليهما وعزاهما وقال أنا رسول المسلمين إليكما وهم يقرؤن السلام عليكما ويقولون لكما قد بلغا وفاة امامنا وعند الله نحتسبه وأنتما المنظور إليكما في هذا الأمر فمن اخترتما لامامتنا فقالا ابنه محمد فقال بخ بخ ابن أمير المؤمنين إلا أنه صغير لا يصلح للامامة فمن غيره قالا فلان وفلان وعدا جماعة إلى أن قالا وجعفر بن المعتصم فقال رضى المسلمون اصفقا على يدي فصفقا ثم أرسل إلى أمير المؤمنين فكان ما رأى قال المتوكل فبقى ما قاله اتياخ وابن الزيات في نفسي فقتلتهما بما احتز ما عليه من قتلي فقتلت ابن الزيات في التنور واتياخاً بالماء البارد وكان ابن الزيات قد اتخذ التنور لابن أسباط المصري وهو صورة خابية مدورة وجعل لباطن جوانبه مسامير أطرافها إلى داخل فإذا وقف فيه الواقف لا يستطيع الحركة إلى جهة أخرى من جهاته إلا ضربته المسامير فلا يزال قائماً فيه حتى يموت فلما ألقى فيه ابن الزيات مر به عبادة المخنث فقال يا ابن الزيات أردت تخبز في التنور فخبزت فيه قال المسعودي أقام ابن الزيات في التنور أربعين يوماً إلى أن مات وكانت مدة وزارته للمتوكل أربعين يوماً وذكر أن الجاحظ كان من خواص ابن الزيات فلما قبض عليه هرب إلى البصرة فقيل له لم هربت قال خفت أن يقال لي ثاني اثنين إذ هما في التنور قتل ابن الزيات في الرابع من صفر سنة ثلاث وثمانين ومائتين وكان قد وزر لثلاث خلفاء المعتصم والواثق والمتوكل ولما قبض عليه قال يا نفس ألم يكفك التجارة واليسار والرغد من العيش حتى طلبت الوزارة وتعرضت للسباع في غيلها ذوقي الان ما جنيت على نفسك ومات الواثق بسر من رأى سنة اثنتين وثمانين ومائتين وله من العمر ستة وثلاثون سنة وكانت مدة خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وأياماً أتى الاسكندر بسارق فأمر بصلبه فقال أيها الملك إني فعلت ما فعلت وأنا كاره قال وتصلب أيضاً وأنت كاره

من راقب في العقوبة رجاء الخلاص

يوم الجزاء بالأعمال والقصاص

قال الله تعالى ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون قال بعض المفسرين هذا وعيد للظالم وتعزية للمظلوم

ص: 522

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن ارطاة إذا أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق عليك واعلم أن لك عند الله ما لرعيتك عندك وقال بعض الحكماء اذكر عند القدرة قدرة الله عليك وعند الظلم عدل الله فيك وفي المثل كما تدين تدان وقالوا لا يندمل من المظلوم جراحه حتى ينكسر من الظالم جناحه وقال أعرابي لمن جار عليه لئن هملجت إلى الباطل إنك لعطوف عن الحق وقال عبيدة بن أبي لبابة من طلب عزاً بباطل وجور أورثه الله ذلاً بانصاف وعدل وقال الشاعر

لا تعالج ذا الذنب بالانتقام

واحترس من تباعة الآثام

فكرام الأنام سيماهم العف

وقديماً عن الذنوب العظام

أتى سليمان بن عبد الملك برجل جنى جناية يجب عليه فيها التعزير لا غير فأمر بقتله فقال يا أمير المؤمنين اذكر يوم الآذان قال وما يوم الآذان قال اليوم الذي قال الله فيه فأذن مؤذن بينهم إن لعنة الله على الظالمين فبكى سليمان وأمر باطلاقه أتى الرشيد ببعض من خرج عليه فلما مثل بين يديه قال ما تريد ان أصنع بك قال الذي تريد أن يصنع الله بك إذا وقفت بين يديه أذل مني بين يديك فاطرق الرشيد ملياً ثم رفع رأسه وقال اذهب حيث شئت فلما خرج قال بعض من حضر يا أمير المؤمنين تفنى مالك وتقتل رجالك حتى تظفر بمثل هذا الباغي وتطلقه بكلمة واحدة انا لا نأمن أن تتسلط عليك الأشرار بالاحسان إليهم فأمر برده فلما مثل بين يديه علم إنه قد أغرى به فقال يا أمير المؤمنين لا تطعهم في فلو أطاع الله فيك خلقه ما استخلفك عليهم ساعة واحدة فأمر باطلاقه أخذ الحجاج محمد بن الحنفية بعد ما قتل عبد الله بن الزبير فقال بايع أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قال إذا اجتمع الناس عليه كنت كأحدهم قال والله لاقتلنك قال لعلك لا تدري قال مالي لا أدري قال محمد حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لله في كل يوم ثلثمائة وستين لحظة يقضي في كل لحظة ثلثمائة وستين قضية فلعله أن يكفيك في قضية من قضاياه

ص: 523

فانتفض الحجاج وقال لقد لحظك الله فاذهب حيث شئت وخلى سبيله وكتب الحجاج بهذا الكلام إلى عبد الملك بن مروان ووافق ذلك كتاب ملك الروم إلى عبد الملك يتوعده ويهدده فكتب إليه عبد الملك بهذا الكلام فكتب ملك الروم إليه ما أنت بأبي عذرة هذا الكلام ما هذا إلا كلام من أهل بيت نبوة وقال رجل لأمير غضب عليه أسألك بالذي أنت بين يديه غداً أذل مني بين يديك اليوم وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلا نظرت في أمري نظر من يرى برءي أحب إليه من سقمي وعدله في أولى به من ظلمي فعفا عنه وأطلقه ولما هجم ابن حمران على مصر في أيام المستنصر بالله واحرق دار الزيت وتخطف عسكره اجتمع الناس إلى أبي الفضل الجوهري الواعظ فشكوا حالهم إليه فكتب إلى المستنصر إن كنت خالقاً فارحم خلقك وإن كنت مخلوقاً فخف خالقك والسلام فرفع ذلك عنهم غضب محمد بن سليمان على رجل فأمر بطرحه في القصر فقال له رجل اتق الله في فقال خلوا سبيله فإني كرهت أن أكون كالذي إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم قدم إلى أحمد بن نصير مجوسي جنى جناية فأمر بضربه فقال أيها الأمير اضرب بقدر ما تقوى عليه يريد بذلك القصاص في الآخرة فتركه وترك العمل وأخذ مصعب رجلاً من أصحاب المختار بن أبي عبيدة فأمر بضرب عنقه فقال أيها الأمير ما أقبح بك ان أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة ووجهك الذي يستضاء به وأتعلق بأطرافك وأقول رب سل مصعباً فيم قتلني قال أطلقوه فقال أيها الأمير اجعل ما وهبت من حياتي في خفض عيش قال اعطوه مائة ألف درهم فقال أيها الأمير أشهد أن لابن قيس الرقيات منها خمسين الفاً قال ولم قال لقوله فيك

إنما مصعب شهاب من الل

هـ تجلت عن وجهه الظلماء

ملكه ملك رأفة ليس فيه

جبروت كلا ولا كبرياء

يتقي الله في الأمور وقد أف

لح من كان همه الاتقاء

ص: 524