الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني من الباب الخامس عشر
فيما يدين به أهل المحبة
من شرائع العوائد المستحبة
اعلم إن أول ما ينبغي أن نبدأ به ما يجب من الأدب على الجليس في مصاحبة الرئيس فمن واجب أدبه أن الداخل على الرئيس أحد رجلين أما خصيص به أو أجنبي عنه فإن كان أجنبياً فينبغي له إذا أذن له في الدخول إليه أن يقف حيث يراه وأن يبدأ بالسلام إذا دخل عليه وينظر بعين الاكبار إليه فإن استدناه دنا وإن أذن له في الجلوس فليجلس حيث انتهى به المجلس حتى يدنيه إن أراد اكرامه فإن في ذلك تبجيلاً لقدره وتأثيلاً لتحسين ذكره قال الأحنف بن قيس لأن أدعى من بعد أحب إلي من أن أبعد من قرب وإن كان خصيصاً به ممن يجلس إلى جانبه ويفشي إليه من سره ما يكتمه عن غيره فينبغي له وقت جلوسه أن يكون بينه وبين الرئيس فرجة لاحتمال أن يجئ من يجب عليه اكرامه ويرفع منزلته فيجلس في تلك الفرجة ومن أدب الرئيس قلة الخلاف والمعاملة بالانصاف وترك الجواب على فاحش الخطاب وستر العيب وحفظ الغيب وأن يحسن الحديث إذا حدث ويحسن الاستماع إذا حدث وليكن حرمة مجلسه إذا غاب كحرمته إذا حضر وقالوا إذا كلمك رئيسك فاصغ إليه بسمعك وأقبل عليه بوجهك ووكل بشفتيه ناظريك وأشغل بحديثه خاطرك واسمعه سماع مستبشريه مستظرف له وإن أحكمته علماً وأتقنته فهما وأن لا تفرط في الدلالة عليه فربما ساقت الانقباض إليه وفي كلام بعض الحكماء الاستماع بالعين فإذا رأيت عين من تحدثه مقبلة على غيرك فاصرف حديثك إلى غيره شاعر في بني العباس
إذا حدّثوا لم بخش سوء استماعهم
…
وإن حدثوا أبدوا بحسن بيان
وما أحسن قول من قال
إذا ما سيد أدناك فاعلم
…
بأن عليك عين الانتقاد
فكن عف الجوارح ذا حفاظ
…
فعين الانتقاد بلا رقاد
وقال العباس لولده عبد الله إن هذا الرجل يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستخليك ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من الصحابة وإني أوصيك
بخمس خلال لا تفشين له سراً ولا تغتابن عنده أحداً ولا تجرين عليه كذباً ولا تعصين له أمراً ولا تطلعنه منك على خيانة وقالوا من دخل على السلطان فعليه بتخفيف السلام وتقليل الكلام وتعجيل القيام ومن أدبه أن يكون مع رئيسه كما كان حارثة بن بدر مع زياد حكى أن زياد اليم على استئثاره حارثة ابن بدر فقال كيف أطرح رجلاً هو يسايرني منذ دخلت العراق لم يصكك ركابه ركابي ولا تقدمني فنظرت إلى قفاه ولا تأخر عني فلويت عنقي إليه ولا أخذ علي الشمس في شتاء ولا الروح في صيف ولا سألته عن شيء من العلوم إلا حسبت أنه لا يحسن غيره وقالوا لا يقدر على صحبة الملوك إلا من لا يستقل ما جملوه به ولا يغر بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يطغي إذا سلطوه ولا يبطر إذا أكرموه ولا يلحف إذا سألهم وقالوا اصحب الملوك بالحرمة والصديق بالتواضع والعدو بالحجة والعامة بحسن الخلق وقالوا من استخف بالاخوان أفسد مروأته ومن استخف بالعلماء أفسد دينه ومن استخف بالملوك أفسد دنياه وقال عبد الملك بن صالح لعبد الرحمن بن وهب الحمصي مؤدب ولده بعد أن استخلصه وأنزله فوق منزلته يا عبد الرحمن إني قد جعلتك جليساً مقرباً بعد أن كنت تابعاً مبعداً ومن لم يعرف نقصان ما خرج منه لم يعرف رجحان ما دخل فيه لا تطريني في وجهي فأنا أعلم بنفسي منك ولا تساعدني على شيء يقبح وإن لج بي الغضب فإنّ مرآة الرضا ترغبني عنه فينقص عندي دينك بالمساعدة عليه وكن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فقد قيل إذا أعجبك الصمت فتكلم ولا تردن علي في محفل وكلمني بقدر ما استطعمك واعلم أن الاستماع أحسن من القول وإذا حدثتك حديثاً فلا يفوتك منه شيء فإن قلة التفهم من القائل وضع له وأرني فهمك في طرفك فرب طرف أنطق من لسان ويجب على الرئيس في معاشرة الجليس الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أدبه قال أنس بن مالك ما بسط رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه بين يدي جليس قط ولا جلس إليه أحد فقام من عنده حتى يكون الرجل هو الذي يقوم ولا صافحه أحد قط فأخذ يده منه حتى يكون الرجل هو الذي يأخذ يده ولا رأيته قام مع أحد