الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر
وأكرم نفسي إنني إن أهنتها
…
وجدّك لم تكرم على أحد بعدي
واعتذر متكبر عن كبره بقوله
ومالي وجه في اللئام ولا بد
…
ولكنّ وجهي في الكرام عريض
أهش إذا لاقيتهم وكأنني
…
إذا أنا لاقيت اللئام مريض
الفصل الثالث من الباب الثاني
في أنّ من تخلق باللؤم انتفع
في أنّ من تخلق باللؤم انتفع
…
وعلا على الكرام وارتفع
قال سعيد بن المسيب الدنيا نذلة تميل إلى الأنذال وقال لو لم يزهد في الدنيا إلا لأنها في يد الأنذال لكان ينبغي لنا ذلك لهوانها على الله وقال الشافعي في ذم الدهر وسوء معاملته لسراته وسقياه لهم أكواب حسراته
محن الزمان كثيرة لا تنقضي
…
وسروره يأتيك كالأعياد
ملك الأكابر فاسترقّ رقابهم
…
وتراه رقا في يد الأوغاد
ابن الرومي
رأيت الدهر يرفع كل وغد
…
ويخفض كل ذي شيم شريفه
كمثل البحر يغرق كل حيّ
…
ولا ينفك يطفو فيه جيفه
أو الميزان تخفض كل واف
…
وترفع كل ذي زنة خفيفه
آخر
رأيت الدهر بالأشراف يكبو
…
ويرفع راية القوم اللئام
كأنّ الدهر موتور خفور
…
يطالب حقه عند الكرام
وقال أسامة بن منقذ
شغل الزمان بأهل النقص يرفعهم
…
حتى يثمر للورّاث ما خزنوا
ألهاه رفع لئام الناس فهو على
…
ذوي المكارم والأفضال مضطغن
آخر
يا دهر صافيت اللئام ولم تزل
…
أبداً لأبناء الكرام معاندا
وعرفت كالميزان ترفع ناقصاً
…
أبداً وتخفض لا محالة زائدا
آخر
قل لدهر من المكارم عطل
…
يا قبيح الفعال جهم المحيا
كم رفيع حططته في حضيض
…
ووضيع ألحقته بالثريا
آخر
عجباً للزمان يرفع حرّاً
…
ما لديه ويمنح المال نذلا
فهو مثل الميزان يرفع ما خف
…
ويهوى في الوزانة سفلا
ولقد أحسن الآخر في قوله
سألت زماني وهو بالخفض مولع
…
وبالجهل محفوف وبالنقص مختص
فقلت له هل من طريق إلى العلا
…
فقال طريقان الوقاحة والنقص
ويقال اتضاع الأعالي بارتفاع الأسافل وإذا ارتفعت الأراذل هلكت الأفاضل وقال قيس بن زهير أربعة لا يطاقون عبد ملك ونذل شبع وأمة ورثت وقبيحة تزوجت وقال أردشير ما شيء في انتقال الدول أمر من رفع
وضيع إلى مرتبة شريف فإن الوضيع إذا ارتفع تكبر وإذا تمول استطال وإذا تمكن صال وقالوا سوء القتل ولا رياسة النذل ولنرجع إلى خبرائي بكر الخوارزمي الذي ورد به شرعة الانصاف وحسم فيه بين العقلاء مادة الخلاف قال لا صغير في الولاية والعمالة ولا كبير مع العطلة والبطالة وإنما الولاية أنثى تصغر وتكبر بواليها ومطية تحسن وتقبح بممتطيها والصدر بمن يليه والدست بمن يجلس فيه والأعمال بالعمال كما أن النساء بالرجال ويؤيد قوله هذا أن الرشيد بلغه أن موسى بن عيسى الهادي وكان أميراً على مصر من قبله عازم على خلعه فقال والله لا عزلنه بأخس من على بابي وقال ليحيى بن خالد اطلب لي كاتباً عفيفاً يصلح لعمل مصر واكتم خبره فلا يشعر به موسى حتى يفجأه فقال قد وجدته قال من هو قال عمر بن مهران وكتب له بخطه كتاباً إلى موسى بتسليم العمل إليه فسار وليس معه غير غلام أسود اسمه أبو درة على بغل استأجره ومعه خرج فيه قميص ومبطنة وشاش وطيلسان وخف فلما وصل إلى مصر نزل خاناً فأقام فيه ثلاثة أيام يبحث عن أخبار البلد وعمن فيه من العمال وأخبر من كان بجواره في الخان إنه قد ولي مصر واستعمل منهم كاتباً وحاجباً وصاحباً شرطياً وقلد آخر بيت المال وأمر من تبعه ووثق به أن يدخل معه على موسى فإذا سمعوا حركة في دار الامارة قبضوا على الديوان فلما أبرم أمره بكر إلى دار الامارة فأذن موسى للناس إذناً عاماً فدخل في جملتهم ومن اتفق معه وموسى جالس في دسته والقواد بين يديه وكل من قضيت حاجته ينصرف وعمر جالس والحاجب ساعة بعد ساعة يسأله عن حاجته وهو يتغافل حتى خف الناس فتقدم وأخرج كتاب الرشيد ودفعه لموسى فقبله ووضعه على رأسه ثم فتحه وقرأه فانتقع لونه وقال السمع والطاعة ثم قال أقرئ أبا حفص السلام وقل له كن بموضعك حتى نتخذ لك منزلاً ونأمر الجند يستقبلونك قال أنا عمر بن مهران وقد أمرني أمير المؤمنين أن أقيمك للناس وأنصف المظلوم منك وأنا فاعل ما أمرني به أمير المؤمنين فقال له موسى أنت عمر بن مهران قال نعم قال لعن الله فرعون حيث قال أليس لي ملك مصر واضطرب المجلس فقبض على الديوان فبلغ موسى الخبر فنزل عن فرشه وقال لا إله إلا الله هكذا تقوم الساعة ما ظننت أن أحداً بلغ من الحيلة والحزم ما بلغت تسلمت مني العمل وأنت في مجلسي ثم
نهض عمر إلى الديوان ونظر فيه وأمر ونهى وعزل وولي وكان بمصر قوم يدافعون الخراج فأحضر أشدهم مدافعة فطالبه فاستمهله ثم طالبه الثانية فاستمهله فلما كان في الثالثة فاستمهله فحلف أيماناً مؤكدة لا يستأديه إلا في بيت المال ببغداد ووكل به من أشخصه إلى بغداد فخاف الناس من مثل ذلك فلم ينكسر من الخراج بعدها درهم وإنما ذكرنا هذه الحكاية لما فيها من التنبيه على أن الرتبة النفيسة إذا وليها ذو القدر الحقير والنفس الخسيسة لا يكون ذلك قادحاً في جلالتها ولا مغيراً لها عن حالتها وإنما ذلك بحسب ما ينظر إليها الزمان فربما نظر إليها بسعد أو نظر إليها بحرمان فإن سعدت وليها من هو أكبر منها وإن حرمت تولاها من يصرف السعد عنها
ذكر من نال المراتب السنية
…
من ذوي الأعراق الدنية
ونقتصر منهم على ذكر ثلاثة وهم زياد والحجاج بن يوسف وأبو مسلم وإنما اقتصرنا على هؤلاء لأنهم أقاموا دول من كانوا نوابهم من الخلفاء فزياد لمعاوية والحجاج لعبد الملك بن مروان وأبو مسلم لبني العباس فأما زياد فقيل فيه زياد ابن أبيه وقيل زياد بن عبيد الثقفي وقيل زياد بن سمية وقيل زياد بن أبي سفيان وإنما قيل ابن أبيه لاختلاف الناس فيمن ينسب إليه وسمية كانت عند كسرى فوهبها لأبي الخير قيل من أقيال حمير فدخل بها الطائف فمرض فطبه الحرث بن كلدة طبيب العرب فنجع فيه طبه فوهب له سمية فولدت له نقيعاً ويكنى أبا بكرة ونافعاً ثم كانت تحت عبد لصفية بنت عبيد الله بن أسد بن علاج الثقفي وكان يسمى عبيداً فولدت له زياداً ويقال إن أبا سفيان واقعها على كره منها في حال سكره وكانت بغياً فحملت منه بزياد وقيل لعبيد إنه لفراشك فكان عبيد يكنى به وروى ابن عبد البر في الاستيعاب إن زياداً اشترى عبيداً بألف درهم وأعتقه فكان يغبط بذلك وأما السبب في إضافة أبي سفيان زياد إلى نفسه وإلحاقه به ما ذكر أن عمر بن الخطاب بعث زياداً في إصلاح فساد وقع في اليمن فلما رجع من وجهته خطب خطبة لم يسمع الناس مثلها فقال عمرو بن العاصي لو كان هذا الغلام قرشياً لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان والله إني لاعرف من وضعه في رحم أمه
فقال له أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ومن هو يا أبا سفيان قال أنا فقال له علي رضي الله عنه مهلاً يا أبا سفيان فقام وأنشد
أما والله لولا خوف شخص
…
يرائي يا عليّ من الأعادي
لاظهر أمره صخر بن حرب
…
ولم تكن المقالة عن زياد
ولكني أحاذر خيف كف
…
لها نقم ولفتى عن بلادي
فقد طالت مجاملتي ثقيفاً
…
وتركي فيهم ثمر الفؤاد
وكانت من أبي سفيان فلتة فذلك الذي حمل معاوية على إلحاق زياد بأبي سفيان وذلك في سنة أربع وأربعين وشهد عنده زياد بن أسماء وملك بن ربيعة والمنذر بن الزبير على إقرار أبي سفيان بأنه ولده وكان أبو بكرة يقول ما رأت سمية أبا سفيان قط ولما ألحق معاوية زياداً بأبيه دخل مروان بن الحكم عليه فأنشده قول أخيه عبد الرحمن فيه
ألا أبلغ معاوية بن صخر
…
فقد ضاقت بما يأتي اليدان
أتغضب أن يقال أبوك عفّ
…
وترضى أن يقال أبوك زاني
فاشهد أنّ آلك من زياد
…
كآل الفيل من ولد الاتان
وأشهد أنها حملت زياداً
…
وصخر من سمية غير ماني
وهذا الشعر يؤيد قول أبي بكرة ويروى أنها ليزيد بن مقرع الحميري وأولها
ألا أبلغ معاوية بن صخر
…
مغلغلة من الرجل اليماني
وقال يزيد
إنّ زياداً ونافعاً وأبا
…
بكرة عندي من أعجب العجب
هم رجال ثلاثة خلقوا
…
في رحم أنثى وكلهم لأب
ذا قرشي كما يقول وذا
…
مولى وهذا بزعمه عربي
وهذا يشير إلى أن الثلاثة أولاداً لحرث بن كلدة وليزيد يهجو عباد بن زياد
أعباد ما للؤم عنك محوّل
…
ولا لك أمّ من قريش ولا أب
وقل لعبيد الله مالك والد
…
بحق ولا يدري امرؤ كيف ينسب
وسأل رجل الشعبي هل تجوز الصلاة خلف ولد الزنا فقال نحن منذ ثلاثين سنة نصلي خلفه ونرجو من الله القبول يعني زياداً وقال زياد لرجل يا ابن الزانية فقال أتسبني بشيء شرفت به أنت وآباؤك قال المدايني قدم زياد البصرة مع أخويه أبي بكرة ونافع وهو غلام وكان يكتب بالقلمين العربي والفارسي فاستكتبه المغيرة بن شعبة وأجرى له كل يوم درهمين درهم عن القلم العربي ودرهم عن القلم الفارسي ثم ترقت به الحال وظهرت مراتبه وانتهى أمره إلى أن ادعاه معاوية أخاً وولي فارس لعلي رضي الله عنه ثم احتمل مالاً وهرب إلى معاوية وجمع له معاوية العراقين وهو أول من جمعا له وجمعا بعده لابنه عبيد الله ولمصعب بن الزبير ولمسلمة بن عبد الملك ولعمر بن هبيرة وليزيد بن عمر بن هبيرة ولم يجمعا لأحد غير هؤلاء في أيام بني أمية
ومنهم كليب ثقيف الحجاج
…
ذو المراء في سفك الدماء واللجاج
ولؤم الحجاج من قبل رضاعه ومكاسب آبائه قيل إن أم الحجاج واسمها الفارعة بنت مسعود الثقفية كانت قبل أن يتزوجها يوسف عند المغيرة بن شعبة فدخل عليها يوماً حين أقبل من صلاة الغداة وهي تتخلل فقال يا فارعة لئن كان هذا التخلل من أكل اليوم إنك لنهمه وإن كان من أكل البارحة فإنك لقذرة انصرفي فأنت طالق فقالت سخنت عينك ما هو من ذا ولا من ذاك ولكني استكت فتخللت من سواكي فاسترجع ثم خرج فلقي يوسف بن الحكم ابن عقيل فقال إني قد نزلت اليوم عن خير نساء بني ثقيف وحدثه بالقصة فتزوجها فولدت له الحجاج مشوهاً لا دبر له فثقب دبره وأبى أن يقبل الثدي من المراضع وأعياهم أمره فيقال إن ابليس تصور لهم على صورة الحرث بن كلدة وأشار
عليهم أن يذبح جدي أسود ويولغوه دمه يومين وفي الثالث يذبح له تنين ويولغوه من دمه ويطلوا وجهه بما بقي منه فإنه يقبل الثدي ففعلوا ذلك فأقبل على ثدي أمه فأكسبه الرضاع الأول لؤماً والرضاع بغير الطباع فكان في كبره سفاكاً للدماء فلما بلغ أشده صار هو وأخوه معلمين بالطائف وفيه يقول مالك بن الخريت يهجو الحجاج
فلولا بنو مروان كان ابن يوسف
…
كما كان عبداً من عبيد زياد
زمان هو العبد المقرّ بذله
…
يراوح صبيان القرى ويغادي
وقال آخر يذكر تعليمه الصبيان
أينسى كليب زمان الهزال
…
وتعليمه سورة الكوثر
رغيف له فلكة ما ترى
…
وآخر كالقمر الأزهر
هكذا رواه جميع الأخباريين والصواب ما ذكره الحموي في كتاب البلدان له قال الكوثر قرية في الطائف كان الحجاج معلماً بها وأنشد شاهداً على ذلك
أينسى كليب زمان الهزال
…
وتعليمه صبية الكوثر
وعلى هذا يكون اسمه كليباً وهو الأولى به وقد تقدم منه الولوغ وقال آخر
كليب تعاظم في أرضكم
…
وقد كان فينا صغير الحضر
ورأيت في بعض كتب التواريخ إن الحجاج لما احتضر قال لمنجم كان عنده هل ترى ملكاً يموت قال نعم ولست به إني أرى ملكاً يموت يسمى كليباً قال أنا والله كليب بذلك كانت أمي تسميني ومما يؤيد ما ذكرنا من لؤمه ما كتب به إليه عبد الملك بن مروان لما أراد قتل أنس بن مالك رضي الله عنه أما بعد فإنك طفت لك الأمور وعلوت فيها
حتى تعديت طورك وتجاوزت قدرك وركبت داهية دهماء أردت أن تزورني بها فإن سوغتكها نصبت قدماً وإن لم افعل رجعت القهقري فلعنك الله أخفش العينين منقوص الجاعرتين ممسوح الساعدين أصك الرجلين أراك قد نسيت ما كنت عليه أنت وآباؤك من الدناءة واللؤم فأذكر مكاسب آبائك بالطائف إذ كانوا ينقلون الحجارة على ظهورهم ويحفرون الآبار بأيديهم وأيم الله يا ابن المستقرية بعجم الزبيب لأغمرنك غمر الليث الثعلب ولأركضن بك ركضة تدخل بها في جعس أمك فإذا أتاك كتابي هذا فكن لأنس أطوع من عبد لسيده وإلا أصابك مني سهم مشكل ولكل نبا مستقر وسوف تعلمون وصف الحسن البصري الحجاج فقال أتانا أخيفش أعيمش يخطر في مشيته ويصعد المنبر فيقوم عليه حتى تفوته الصلاة لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون لا يقول له قائل الصلاة أيها الرجل هيهات دون ذلك السيف والسوط وفيه يقول الأحمر بن سالم وأحسن
ثقيف بقايا من ثمود وما لهم
…
أب ماجد من قيس عيلان ينسب
وأنت دعيّ يا ابن يوسف فيهم
…
زنيم إذا ما حصلوا متذبذب
ويقال إن الحجاج طلبه فهرب إلى هيت فأخذه عامله عليها فقتله وأحرقه وذراه في الريح وجرى بينه وبين بعض الخوارج مشاجرة فقال له الخارجي لو لم يكن من لؤم أبيك إلا أنه ولد مثلك لكفاه فأمر به فقتل وقال الحجاج يوماً لعبد الملك لو كان رجل من ذهب لكنته قال وكيف ذلك قال لأني لم تلدني أمة بيني وبين حواء إلا هاجر فقال له عبد الملك لولا هاجر كنت كلباً من الكلاب وأول ولاية تولاها تبالة فلما رآها استقلها فرجع عنها فقالوا في المثل أهون من تبالة على الحجاج وأول أمره ومصيره إلى روح بن زنباع وتضمن ما اتفق من أمره معه وكيفية وصوله إلى عبد الملك في المجلدة الثالثة من التذكرة
وفي كتاب أخبار القدماء وذخائر الحكماء لأبي حيان التوحيدي في سبب تولية الحجاج العراق قال العتبي لما اشتدت شوكة أهل العراق على عبد الملك بن مروان خطب الناس وقال إن نيران أهل العراق قد علا لهبها وكثر حطبها فجمرها حار وشهابها وار فهل من رجل ذي سلاح عتيد وقلب حديد أبعثه لها فقام الحجاج وقال أنا يا أمير المؤمنين قال ومن أنت قال الحجاج بن يوسف بن الحكم بن عامر فقال له اجلس ثم أعاد الكلام فلم يقم أحد غير الحجاج فقال كيف تصنع إن وليتك قال أخوض الغمرات وأقتحم الهلكات فمن نازعني حاربته ومن هرب مني طلبته ومن لحقته قتلته أخلط عجله بتأن وصفواً بكدر وشدة بلين وتبسماً بازورار وعطاء بحرمان ولا على أمير المؤمنين أن يجرب فإن كنت للأوصال قطاعاً وللأرواح نزاعاً وللأموال جماعاً وإلا فليستبدل بي فقال عبد الملك من تأدب وجد بغيته اكتبوا له كتابه
ومنهم ذو الأصل الدنئ والنفس الأبية
…
أبو مسلم صاحب الدعوة العباسية
كان أبو مسلم واسمه عبد الرحمن بن مسلم عبداً لعيسى بن معقل فباعه لأخيه ادريس جد أبي دلف واسمه قاسم بن عيسى بن ادريس العجلي وكان قهرماناً فجلس ادريس في الكوفة وأبو مسلم معه يخدمه فرأى بكر بن هامان من أبي موسى حذقاً وكيساً فقال لادريس ما هذا الغلام فقال مملوك لي قال بعه لي قال هو لك قال لا بد من ثمنه قال هو لك بما شئت فأعطاه أربعمائة درهم وأخذه وبعث به إلى إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس المنعوت بالامام فدفعه إبراهيم إلى موسى السراج فسمع منه وحفظ عنه وما زال قدره ينبل حتى أرسله إبراهيم بالدعوة لبني العباس وذلك في سنة ثمان وعشرين ومائة وله من العمر إحدى وعشرون سنة وقدم إلى خراسان يدعو الناس إلى طاعتهم في أول يوم من رمضان سنة تسع وعشرين فنزل قرية من قرى مرو ووثب دعاته فقال الناس رجل من بني هاشم قد ظهر له حلم ورواء ووقار وسكينة فانطلق فتية من أهل مر ونساك وكانوا يبطلون الفتنة فأتوا أبا مسلم في عسكره فسألوه عن نسبه فقال خبري خير لكم من نسبي ثم سألوه عن أشياء
من الفقه قال إن أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر خير لكم من هذا ونحن إلى دعوتكم أحوج منا إلى إجابة مسئلتكم فاعفونا فقالوا والله ما نعرف لك نسباً وما نظنك إلا تبقى قليلاً وتقتل وكان كذلك ومن الدليل على لؤم أصله ما نقم عليه به أبو جعفر المنصور وهو أنه كتب إليه يخطب منه أمينة بنت علي بن عبد الله بن عباس وزعم أنه ابن سليط بن عبد الله فقال له المنصور عند تقريعه بذنوبه لما أراد قتله لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعباً تقر على نفسك إنك دعى ثم ترغب في بنات العباس ونقم عليه أيضاً أنه كتب إليه أيام خلافته عافانا الله وإياك فبدأ بنفسه في الدعاء ولما أراد المنصور قتله استشار مسلم بن قتيبة في ذلك فقال لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فقال حسبك يا أبا مية قد أصبت الغرض ثم استدعاه ولم يأذن لأحد معه فلما دخل عليه وأخذ مجلسه سأله أن يريه سيفه فلما تناوله منه جعل يذكره فعلاته التي نقمها عليه وهو يعتذر عنها ثم ركضه برجله فوثب عليه المرصدون لقتله فقتلوه وأخرج إلى قواده وجنوده بالجوائز والخلع فقسمت بينهم ثم رمى برأسه إليهم فتفرقوا ورجعوا قائلين مضى مولانا بالدراهم إنا لله وإنا إليه راجعون وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائة وكان مولده على رأس المائة وفيه يقول أبو دلامة واسمه زيد بن الجون يهجوه
أبا مجرم ما غير الله نعمة
…
على عبده حتى يغيرها العبد
أفي دولة المهديّ حاولبّ غدره
…
ألا إنّ أهل الغدر آباؤك الكرد
أبا مجرم خوّفتني بك فانتحى
…
عليك بما خوّفتني الأسد الورد
وقد تقدمت ترجمته وكيفية ما قتله المنصور في المجلدة الثالثة من التذكرة التوحيدية وخطب المنصور لما قتله فقال بعد حمد الله والثناء عليه أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ولا تسروا غش الأئمة فإن أحداً لا يسر سريرة إلا ظهر ذلك عليه في فلتات لسانه وصفحة وجهه وبوادر نظره إنا لم نبخسكم حقوقكم ولن نبخس الدين حقه إنه من نازعنا عروة هذا القميص أوطأناه خبء هذا الغمد وإن أبا مسلم بايع لنا على أنه من نكث بيعتنا
فقد أباح دمه لنا ثم نكث هو فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيرها ولم يمنعنا رعاية الحق له من إقامة الحق عليه وإنما اقتصرت على ذكر هؤلاء الثلاثة دون غيرهم لعظيم ما ارتكبوه من الجرائم التي نهى الله عن فعلها وأكد في التحذير منها وبالغ في الوعيد عليها وهي قتل النفس بغير حق واستباحة حريم مالها التي حرمته كحرمتها وهذا لا يرضي فعله كفرة أهل الكتاب ولا من يعتقد أن إلى الله المرجع والمآب
ومما ينبغي أن يلحق بهذا الفصل
…
تسلى من خفضه الزمان من أهل الفضل
بقلة الكرام وكثرة اللئام
…
وتقلب الأحوال على مدى الأيام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كابل مائة لا يكاد يوجد فيها راحلة وقالوا الكرام في اللئام كالغرة في جبهة الفرس أو كالرقمة في يد الدابة ويقال لا يكاد يوجد كريم حتى يخاض إليه ألف لئيم قال السموأل بن عادياً اليهودي
تعيرنا أنا قليل عديدنا
…
فقلت لها إنّ الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
…
عزيز وجار الأكثرين ذليل
وقال ابن المعتز إذا خرفت الدولة وقرب زوالها هبطت بالأخيار ورفعت درج الأشرار وقال أبو طالب يحيى بن أبي الفرج المعروف بابن زيادة البغدادي الكاتب
باضطراب الزمان ترتفع الأن
…
ذال فيه حتى يعمّ البلاء
وكذا الماء ساجياً وإذا حرّك
…
ثارت من قعره الأقذاء
وكان علي بن الحسين بن علي الوزير المغربي لمح هذا المعنى بقوله
إذا ما الأمور اضطربن اعتلى
…
سفيه يضام العلا باعتلائه
كذا الماء إن حرّكته يد
…
طفا عكر راسب في إنائه
ومن أحسن ما ورد في هذا الباب ما حكى أن المعتصم لما أراد أن يشرف أشناس التركي عقب فتح بابك أمر أصحاب المراتب أن يترجلوا له فكان فيمن ترجل الحسين بن سهل فرآه حاجبه يمشي ويعثر فبكى رحمة له فقال له لا يهمنك ما تراه إن الملوك شرفتنا ثم شرفت بنا ولما عزل قتيبة بن مسلم وكيعاً عن رياسة بني تيم قال شاعرهم
فإن تك قد عزلت فلا عجيب
…
ضياء الشمس يمحوه الظلام
وقال آخر يسلي معزولاً
عزلوه كالذب المصفى لا ترى
…
حالاً مغيرة له عن حال
لم يعزلوا الأعمال عنه وإنما
…
عزلوا العفاف به عن الأعمال
آخر
إنّ الولاية لا تتمّ لواحد
…
إن كنت تنكر ذا فأين الأوّل
لا تجزعن فلكل وال معزل
…
فكما عزلت فعن قليل تعزل
ومن أحسن ما قيل في تسلي معزول قول محمد بن يزيد الأموي في مالك بن طوق
ليهنك إن أصبحت مجتمع الحمد
…
وراعى المحامي والمعالي عن المجد
وإنك صنت الناس فيما وليته
…
وفرّقت ما بين الغواية والرشد
فلا تحسب الأعداء عزلك مغنماً
…
فإنّ إلى الأحرار عاقبة الورد
وما كنت إلا السيف جرّد في الوغى
…
بأحمد سلا ثم ردّ إلى الغمد
آخر
ما اختلف الليل والنهار ولا
…
دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل النعيم من ملك
…
قد انقضى ملكه إلى ملك
علي بن الجهم
للدّهر إدبار وإقبال
…
وكل حال بعدها حال
وصاحب الآثام في غفلة
…
وليس للأيام إغفال
كم أبلت الدنيا وكم جدّدت
…
مني وكم تغني وتغتال
تشهد أعدائي بأني فتى
…
قطاع أسياف ووصال
لا يملك الشدّة عزمي ولا
…
يبطرني جاه ولا مال
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حقاً على الله أن لا يرفع شيأً من هذه الدنيا إلا وضعه ولا يضع شيأً إلا رفعه كتب مفلس على خاتمه اصبر فالدهر دول راجز
وإنما الدنيا دولكراحل قيل نزلونازل قيل رحل
وقال علي رضي الله عنه ما قال الناس لشيء طوبى إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء وقال مطرف لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك وطيبه ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم وأنشدت لابن الأعرابي
ربّ قوم رتعوا في نعمة
…
زمناً والعيش ريان غدق
سكت الدهر طويلاً عنهم
…
ثم أبكاهم دماً حين نطق
ويقال لا يقوم عزاً لولاية بذل العزل ويقال العزل طلاق الرجال قال ابن المعتز
وذلّ العزل يضحك كل يوم
…
وينقر في قفا الوالي المدلّ
وله
كم تائه بولاية
…
وبعزله ركض البريد
سكراً لولاية طيب
…
وخمارها صعب شديد
ابن زياد
لا تغبطنّ وزيراً للملوك وإن
…
أحله الدهر منهم فوق رتبته
واعلم بأنّ له يوماً تمور به الأرض
…
اطربا كما مارت لهيبته
هرون وهو أخو موسى وناصره
…
لولا الوزارة ألم يأخذ بلحيته
ولآخر
تنح عن الوزارة لا تردها
…
فكل الخير فيما لا تريد
ألست ترى وزيراً كل يوم
…
يباع متاعه فيمن يزيد
ومن أعجب ما يحكى في تنقل الأحوال أن ثقل الفضل بن الربيع كان يحمل على ألف بعير ثم رؤى ثقله في زنبيل وفيه أدوية لعلته تنقل من مكان إلى مكان ورؤى ثقل الحسن بن سهل في زنبيل فيه نعلان وقميصان واصطرلاب ثم
رؤى ثقله على ألف بعير قال بعضهم
هي المقادير تجري في أعنتها
…
فاصبر فليس لها صبر على حال
يوماً تريش خسيس الحال ترفعه
…
إلى السماك وطوراً تخفض العالي
وتغير أبو جعفر المنصور على وزيره أبو أيوب المرزباني فقال
ألا ليتني لم ألق ما قد لقيته
…
وكنت بأدنى عيشة الناس راضيا
رأيت علوّ المرء يدعو انحطاطه
…
ويضحى وسيط الحال من كان ناجيا
ولهذا قيل الفقر مع الأمن خير من الغنى مع الخوف وقال بعضهم مسلياً عن العطلة
لعمرك ما طول التعطل ضائر
…
ولا كل شغل فيه للمرء منفعه
إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى
…
عليك سواء فاغتنم لذة الدعه
وإن ضقت فاصبر يفرج الله ما ترى
…
ألا ربّ ضيق في عواقبه سعه
آخر
كن بخمول النفوس قانع
…
لا تطلب الذكر في المجامع
فلن يزال الفتى بخير
…
ما لم تشر نحوه الأصابع
ابن مقلة يقول عندما نكب
زمان يمرّ وعيش يمر
…
ودهر يكرّ بما لا يسر
وحال يذوب وهمّ ينوب
…
ودنيا تناديك أن ليس حرّ
آخر
وأحسن ما استشعر المسلمو
…
ن عند النوائب حلم وصبر
ولله في كلّ ما يأتني
…
وأبلى به منه حمد وشكر
سمع أعرابي يقول هذا غنى لولا أنه فناء وعلا لولا أنه بلاء وبقاء لولا أنه شقاء وقيل لابن الجهم بعدما صودر ما تفكر في زوال نعمتك قال لا بد من الزوال فلان تزول وأبقى خير من أن أزول وتبقى وقيل لأعرابي صف لنا الدهر فقال الدهر سلوب لما وهب وهوب لما سلب كالصبي إذا لعب