المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

‌الباب التاسع

‌في السخاء

‌وفيه ثلاثة فصول

‌الفصل الأول من هذا الباب

‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجود من جود الله تعالى فجودوا يجد الله عليكم ألا إن السخا شجرة في الجنة أغصانها مدلاة في الأرض فمن تعلق بغصن منها أدخله الجنة ألا وإن السخاء من الايمان والايمان في الجنة رواه أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب باسناد متصل في كتاب البخلاء له وقال صلى الله عليه وسلم تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله آخذ بيده إذا عثر إن السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل وقال صلى الله عليه وسلم الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بأسرى من بني العنبر فأمر بقتلهم وأفرد منهم رجلاً فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله الرب واحد والدين واحد والذنب واحد فما بال هذا من بينهم فقال عليه الصلاة والسلام نزل علي جبريل صلى الله عليه وسلم فقال اقتل هؤلاء واترك هذا فإن الله شكر له سخاء فيه وقال صلى الله عليه وسلم أحب العباد إلى الله من حبب إليه المعروف وإنما سمي المعروف معروفاً لأن الكرام عرفته فألفته والسخاء

ص: 298

سخا آن سخاء نفس الرجل بما في يده يصون به عرضه عن ذم اللئام وتركه ما في أيدي الناس يغلق عنه باب الملام وهو إن جمعهما فقد وهب أشرف أخلاق الكرام وتواطأ على مدحه الخاص والعام ويقال في مدح مثل هذا فلان بماله متبرع وعن مال غيره متورع ويقال مراتب العطاء ثلاث سخاء وجود وإيثار فالسخاء إعطاء الأقل وإمساك الأكثر والجود إعطاء الأكثر وإمساك الأقل والإيثار أعطاء الكل من غير إمساك لشيء وهذه أشرف الرتب وأعلاها وأحقها بالمدح وأولاها فإن إيثار المرء غيره على نفسه أفضل من إيثار نفسه على غيره وكفى بهذه الخلة شرفاً مدح الله تعالى أهلها في قوله ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقالوا الجواد من لم يكن جوده لدفع الأعداء وطلب الجزاء كما قال عبد الله بن جعفر أمطر معروفك فإن أصاب الكرام كانوا له أهلاً وإن أصاب اللئام كنت له أهلاً فمما ورد عن ذوي الأفضال في الحث على العطاء والنوال ما ذكر عن عبد الملك بن مروان أنه كان يقول لبنيه يا بني أمية إن المؤمن الكريم يتقي عرضه بماله فلا تبخلوا إذا شئتم فإن خير المال ما أفاد حمداً أو نفى ذماً ولا يقولن أحدكم أبدأ بمن تعول فإنما الناس عيال الله تكفل بأرزاقهم فمن وسع وسع عليه ومن ضيق ضيق عليه ثم تلا قوله تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين فيا لله للعجب ما أشد ما بابن قول هذا الخليفة فعله وخالف سخاؤه بخله وكيف قسم خليقته بين الايجاب والسلب وخص لسانه بالمدح وقلبه بالثلب وقال زهير بن جذيمة لولده عليكم باصطناع المعروف واكتسابه وتلذذوا بطيب نسيمه ورضابه وارضوا مودات الرجال من أثمانه فرب رجل قد صفر من ماله فعاش هو وعقبه في الذكر الجميل وقال شاعر في مثل هذا

إذا كنت ذا حظ من المال فاكتسب

به الأجر وارفع ذكر أهل المقابر

ص: 299

الفقيه منصور يرثي

سألت رسوم القبر عمن ثوى به

لا علم ما لاقى فقالت جوانبه

أتسأل عمن عاش بعد وفاته

بمعروفه اخوانه وأقاربه

وقال أبو نصر الميكالي

الجود رأى موفق ومسدّد

والبذل فعل مؤيد ومعان

والبرّ أكرم ما وعته حقيبة

والشكر أفضل ما حوته يدان

وإذا الكريم مضى وولي عمره

كفل الثناء له بعمر ثان

وقال بعض العراب الدراهم مياسم تسم حمداً وذماً فمن حبسها كان لها ومن أنفقها كانت له أخذ شاعر هذا المعنى فقال

إذا المرء لم يعتق من المال نفسه

تملكه المال الذي هو مالكه

ألا إنما مالي الذي أنا منفق

وليس لي المال الذي أنا تاركه

وأوصى قيس بن معد يكرب بنيه فقال يا بني عليكم بهذا المال فاطلبوه أجمل الطلب ثم أخرجوه في أجمل مذهب فصلوا به الأرحام واصطنعوا به الكرام واجعلوه جنة لعراضكم ووسيلة تصلون بها إلى أغراضكم تحسن في النار مقالتكم فإن بذله تمام الشرف وثبات المروأة وإنه ليسود غير السيد ويقوي غير الأيد حتى يكون في الناس نبيلاً وفي القلوب مهيباً جليلاً وقال الجاحظ ليس شيء ألذ ولا أسر ولا أنعم من عز الأمر والنهي ومن الظفر بالأعداء ومن تقليد عقود المنن في أعناق الرجال لأن هذه الأمور هي نصيب الروح وحظ الذهن وقسمة النفس فإن أحببت أن يزاد في الاحسان إليك وأن يثبت لديك ما أنعم الله به عليك فاقض حاجة من قصدك وابسط له بالبشر وجهك وبالمعروف يدك وقال الحجاج في بعض خطبه لا يملن أحدكم المعروف فإن صاحبه يعوض خيراً منه أما شكراً في الدنيا وأما ثواباً في الآخرة وكان يقال المعروف كنز لا تأكله النار وثوب لا يدنسه العار وقال الأحنف بن

ص: 300

قيس ما ادخر الآباء للأبناء ولا أبقت الأموات للأحياء أفضل من المعروف عند ذوي الأحساب والآداب وكان يقال إنما مالك لك أو للحاجة أو للورثة فلا تكن أعجز الثلاثة وقال بشار بن برد من قصيدة مدح بها خالد بن برمك

أخالد إن المال يبقى لأهله

جمالاً ولا يبقى الكنوز مع الحمد

فأطعم وكل من عارة مستردّة

ولا تبقها إن العواري للردّ

المتنبي

وأحسن شيء في الورى وجه محسن

وأيمن كفّ فيهم كف منعم

وأشرفهم من كان أشرف همة

وأعظم اقداماً على كل معظم

لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها

سرور محب أو إساءة مجرم

بعضهم

إذا المال لم ينفع صديقاً ولم يصب

قريباً ولم يجبر به حال معدم

فعقباه أن تحتازه كف وارث

وللباخل الموروث عقبى التندم

محمود الوراق

تمتع بمالك قبل الممات

وإلا فلا مال إن أنت متا

شقيت به ثم خلفته

لغيرك سحقاً وبعداً ومقتا

يجود عليك بزور البكاء

وجدت له بالذي قد جمعتا

وأوهبته كل ما في يديك

وخلاك رهناً بما قد كسبتا

ص: 301

وينتظم في سلك هذه الأبيات

ما يروى من واعظ الحكايات

يحكى إن هشام بن عبد الملك لما احتضر رأى أهله يبكون عليه فقال لهم جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له بالبكاء وترك لكم ما كسب وتركتم عليه ما اكتسب يا سوء حال هشام إن لم يغفر الله له بعضهم

لا تجبهن بالرد وجه مؤمل

فلخير وقتك أن ترى مسؤلا

واعلم بأنك عن قليل صائر

خبراً فكن خبراً يروق جميلا

الشريف الرضي

أحق من كانت النعماء سابغة

عليه من أسبغ النعما على الأمم

وأجدر الناس أن تعنو لرقاب له

من يسترق رقاب الناس بالنعم

الحض على انتهاز فرصة الامكان

في إسداء المرجو من الاحسان لمن كان

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه وقال حكيم الدنيا غرارة إن بقيت لك لم تبق لها وقال عبد الله بن شداد لابنه يا بني عليك باصطناع المعروف فإن الدهر ذو صروف والأيام ذات نوائب تقضي على الشاهد والغائب كم من ذي رغبة صار مرغوباً إليه وكم من طالب صار مطلوباً ما لديه شاعر

ليس في كل ساعة وأوان

تتهيا صنائع الاحسان

فإذا أمكنت فبادر إليها

حذراً من تعذر الامكان

واغتنمها إذا قدرت عليها

حذراً من تغير الأزمان

أحزم الناس من إذا أحسن الده

ر تلقى الاحسان بالاحسان

ص: 302

ابن النقيب الكناني

الحمد أينع ما اجتناه المجتنى

والمجد ارفع ما ابتناه المبتنى

فإذا وليت وكان أمرك نافذاً

فادخر صنيعاً في الولاية وابتنى

من قبل أن يسعى لها فتفوته

وتقول عند فواته يا ليتني

ابن هندو

إذا هبت رياحك فاغتنمها

فإن لكل خافقة سكون

ولا تغفل عن الاحسان فيها

فما تدري السكون متى يكون

آخر

لا تقطعن عادة الاحسان عن أحد

ما دمت تقدر والأيام تارات

واذكر فضيلة صنع الله إذ جعلت

إليك لا لك عند الناس حاجات

ومن أحسن ما قيل من الأبيات في انتهاز الفرصة بالمعروف وإغاثة المكروب والملهوف قول سالم الأنباري

تمتع من الدنيا بساعتك التي

ظفرت بها ما لم تعقك العوائق

فما يومك الماضي عليك بعائد

ولا يومان الآتي به أنت واثق

احتجاج المتحجج بالمعروف

على السائل المجهول والمعروف

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظمت نعمة الله عنده عظمت مؤنة الناس إليه فإن لم يحمل تلك فقد عرض تلك النعمة للزوال وقيل لعبد الله ابن جعفر وكان جواداً اقتصد في العطاء فإن من ذهب ماله ذل فقال إن الله عودني بالأفضال علي وعودته بالأفضال على عباده فأخاف أن أقطع العادة فيقطع عني المادة ثم تلاقو له تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

ص: 303

وقيل أحسن الناس عيشاً من حسن عيش غيره في عيشه وقيل لعبد الله ابن طاهر وكان جواداً أنفق وأمسك بعض الامساك فقال إن سمن الكيس ونبل الذكر لا يجتمعان أبداً نظمه بعض الشعراء فقال

أراك تؤمل حسن الثناء

ولم يرزق الله ذك البخيلا

وكيف يسود أخو فطنة

يمن كثيراً ويعطي قليلا

آخر

ما اجتمع المال وحسن الثناء

مذ كانت الدنيا لانسان

وأيّ هذين تخيرته

ضنا به قاله عن الثاني

آخر

صون الفتى عرضه عما يدنسه

وصونه ما حواه ليس يجتمع

المال يتلفه دهراً ويرجعه

إليه والعرض لا يمضي فيرجع

أبو تمام من أبيات

ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد

ولا المجد في كف امرئ والدراهم

ولم أر كالمعروف يرعى حقوقه

مغارم في الأقوام وهي مغانم

وقال ابن عباس لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره فإنه يشكرك عليه من لم تصطنعه إليه شاعر

إني إذا أمكنتني ساعة سعة

زينت بالبذل أوصافي وأحوالي

أما شكور فزين لي إعانته

أو الكفور فعرضي صنت بالمال

ص: 304

آخر

يد المعروف غنم حيث كانت

تحملها شكوراً وكفور

ففي شكراً لشكور لها جزاء

وعند الله ما جحد الكفور

آخر

وأفضل ما دخرت على الليالي

صنائع عند مصطنع شكور

ومن المفاخر التي لا نزاع فيها ولا خلاف بسط الوجه وبذل القرى للأضياف أول من شرع سنة قرى الأضياف سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام كان إذا لم يجد من يأكل معه يخرج إلى الطرقات ليأتي بمن يأكل معه ثم تبعته العرب على سنته وأول من وضع الموائد على الطرق سيدنا عبد الله بن عباس وكانت نفقته في كل يوم خمسمائة دينار قال شاعر يمدح من هذه صفته

ابلج بين حاجبيه نوره

إذا تغذى رفعت ستوره

وفي مثله يقول الشاعر في خالد بن برمك

تأبى خلائق خالد وفعاله

أن لا يجيب لكل أمر غائب

وإذا حضرنا الباب عند غذائه

أذن الغذاء لنا برغم الحاجب

وقال بعضهم

أبيت خميص البطن غر ثان طاويا

وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي

وأمنحه فرشي وأفترش الثرى

وأجعل قرّا لليل من دونه لبسي

حذار مخازاة الأحاديث في غد

إذا ضمني وحدي إلى صدره رمسي

ص: 305

آخر

ضاحك ضيفي قبل انزال رحله

ويخصب عندي والزمان جديب

وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى

ولكنما وجه الكريم خصيب

آخر

أو قد فان الليل ليل قرّ

والريح ما سرّك ريح صر

عسى يرى نارك من يمّر

إن جلبت ضيفاً فأنت حر

آخر

يسترسل الضيف أنساً في منازلنا

فليس يعلم خلق أينا الضيف

والسيف إن قسته يوماً بناشبها

لم تدر من عزمنا من ذا هو السيف

آخر

قالت سليمى لحاك الله من رجل

ما تحفظ العهد والميثاق والذمما

وحرمة الضيف ما إن خنت عهدكم

وقد حلفت يميناً برّة قسما

لو يعلم الضيف عندي قدر منزله

لتاه حتى يرى لا يرجع الكلما

أقول للأهل والقربى وقد حضروا

قفوا قليلاً فإن الضيف قد قدما

آخر

لحا الله من يمسي بطينا وجاره

لفرط الخوى محنى الضلوع خميص

لعمرك ما ضيفي عليّ بهين

وإني على ما سره لحريص

ص: 306

إبراهيم بن هرمة

يبيتون في المشتى خماصاً وعندهم

من الزاد فضلات تعد لمن يقرى

إذا ضل عنهم ضيفهم رفعوا له

من النار في الظلماء ألوية حمرا

وتبعه ابن المعتز فقال

وليل يودّ المصطلون بناره

ولو أنهم حتى الصباح وقودها

رفعت به ناري لمن يبتغي القرى

على شرف حتى أتاها وفودها

آخر

ومستنبح بعد الهدوّ برقدة

بشقرا مثل البحر باد وقودها

فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً

بوارد نار منجد من يرومها

فإن شئت أويناك في الحي مكرماً

وإن شئت بلغناك أرضاً ترومها

آخر

لا تبعدن قومي وإن كانوا خوى

فلنعم مأوى الضيف والجيران

الضيف فيهم لا يحوّل رحله

والجار مضمون من الحدثان

آخر

الضيف أكرم ما استطعت محله

وتلقه بتودد وتهلل

واعلم بأنّ الضيف يوماً مخبر

بمبيت ليلته وإن لم يسئل

وصية كريم بالسودد عليم قال بعض البلغاء سودد بلا جود كملك بلا جنود وقالوا جود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده وما

ص: 307