الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع
في السخاء
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول من هذا الباب
في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجود من جود الله تعالى فجودوا يجد الله عليكم ألا إن السخا شجرة في الجنة أغصانها مدلاة في الأرض فمن تعلق بغصن منها أدخله الجنة ألا وإن السخاء من الايمان والايمان في الجنة رواه أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب باسناد متصل في كتاب البخلاء له وقال صلى الله عليه وسلم تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله آخذ بيده إذا عثر إن السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل وقال صلى الله عليه وسلم الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بأسرى من بني العنبر فأمر بقتلهم وأفرد منهم رجلاً فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله الرب واحد والدين واحد والذنب واحد فما بال هذا من بينهم فقال عليه الصلاة والسلام نزل علي جبريل صلى الله عليه وسلم فقال اقتل هؤلاء واترك هذا فإن الله شكر له سخاء فيه وقال صلى الله عليه وسلم أحب العباد إلى الله من حبب إليه المعروف وإنما سمي المعروف معروفاً لأن الكرام عرفته فألفته والسخاء
سخا آن سخاء نفس الرجل بما في يده يصون به عرضه عن ذم اللئام وتركه ما في أيدي الناس يغلق عنه باب الملام وهو إن جمعهما فقد وهب أشرف أخلاق الكرام وتواطأ على مدحه الخاص والعام ويقال في مدح مثل هذا فلان بماله متبرع وعن مال غيره متورع ويقال مراتب العطاء ثلاث سخاء وجود وإيثار فالسخاء إعطاء الأقل وإمساك الأكثر والجود إعطاء الأكثر وإمساك الأقل والإيثار أعطاء الكل من غير إمساك لشيء وهذه أشرف الرتب وأعلاها وأحقها بالمدح وأولاها فإن إيثار المرء غيره على نفسه أفضل من إيثار نفسه على غيره وكفى بهذه الخلة شرفاً مدح الله تعالى أهلها في قوله ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقالوا الجواد من لم يكن جوده لدفع الأعداء وطلب الجزاء كما قال عبد الله بن جعفر أمطر معروفك فإن أصاب الكرام كانوا له أهلاً وإن أصاب اللئام كنت له أهلاً فمما ورد عن ذوي الأفضال في الحث على العطاء والنوال ما ذكر عن عبد الملك بن مروان أنه كان يقول لبنيه يا بني أمية إن المؤمن الكريم يتقي عرضه بماله فلا تبخلوا إذا شئتم فإن خير المال ما أفاد حمداً أو نفى ذماً ولا يقولن أحدكم أبدأ بمن تعول فإنما الناس عيال الله تكفل بأرزاقهم فمن وسع وسع عليه ومن ضيق ضيق عليه ثم تلا قوله تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين فيا لله للعجب ما أشد ما بابن قول هذا الخليفة فعله وخالف سخاؤه بخله وكيف قسم خليقته بين الايجاب والسلب وخص لسانه بالمدح وقلبه بالثلب وقال زهير بن جذيمة لولده عليكم باصطناع المعروف واكتسابه وتلذذوا بطيب نسيمه ورضابه وارضوا مودات الرجال من أثمانه فرب رجل قد صفر من ماله فعاش هو وعقبه في الذكر الجميل وقال شاعر في مثل هذا
إذا كنت ذا حظ من المال فاكتسب
…
به الأجر وارفع ذكر أهل المقابر
الفقيه منصور يرثي
سألت رسوم القبر عمن ثوى به
…
لا علم ما لاقى فقالت جوانبه
أتسأل عمن عاش بعد وفاته
…
بمعروفه اخوانه وأقاربه
وقال أبو نصر الميكالي
الجود رأى موفق ومسدّد
…
والبذل فعل مؤيد ومعان
والبرّ أكرم ما وعته حقيبة
…
والشكر أفضل ما حوته يدان
وإذا الكريم مضى وولي عمره
…
كفل الثناء له بعمر ثان
وقال بعض العراب الدراهم مياسم تسم حمداً وذماً فمن حبسها كان لها ومن أنفقها كانت له أخذ شاعر هذا المعنى فقال
إذا المرء لم يعتق من المال نفسه
…
تملكه المال الذي هو مالكه
ألا إنما مالي الذي أنا منفق
…
وليس لي المال الذي أنا تاركه
وأوصى قيس بن معد يكرب بنيه فقال يا بني عليكم بهذا المال فاطلبوه أجمل الطلب ثم أخرجوه في أجمل مذهب فصلوا به الأرحام واصطنعوا به الكرام واجعلوه جنة لعراضكم ووسيلة تصلون بها إلى أغراضكم تحسن في النار مقالتكم فإن بذله تمام الشرف وثبات المروأة وإنه ليسود غير السيد ويقوي غير الأيد حتى يكون في الناس نبيلاً وفي القلوب مهيباً جليلاً وقال الجاحظ ليس شيء ألذ ولا أسر ولا أنعم من عز الأمر والنهي ومن الظفر بالأعداء ومن تقليد عقود المنن في أعناق الرجال لأن هذه الأمور هي نصيب الروح وحظ الذهن وقسمة النفس فإن أحببت أن يزاد في الاحسان إليك وأن يثبت لديك ما أنعم الله به عليك فاقض حاجة من قصدك وابسط له بالبشر وجهك وبالمعروف يدك وقال الحجاج في بعض خطبه لا يملن أحدكم المعروف فإن صاحبه يعوض خيراً منه أما شكراً في الدنيا وأما ثواباً في الآخرة وكان يقال المعروف كنز لا تأكله النار وثوب لا يدنسه العار وقال الأحنف بن
قيس ما ادخر الآباء للأبناء ولا أبقت الأموات للأحياء أفضل من المعروف عند ذوي الأحساب والآداب وكان يقال إنما مالك لك أو للحاجة أو للورثة فلا تكن أعجز الثلاثة وقال بشار بن برد من قصيدة مدح بها خالد بن برمك
أخالد إن المال يبقى لأهله
…
جمالاً ولا يبقى الكنوز مع الحمد
فأطعم وكل من عارة مستردّة
…
ولا تبقها إن العواري للردّ
المتنبي
وأحسن شيء في الورى وجه محسن
…
وأيمن كفّ فيهم كف منعم
وأشرفهم من كان أشرف همة
…
وأعظم اقداماً على كل معظم
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها
…
سرور محب أو إساءة مجرم
بعضهم
إذا المال لم ينفع صديقاً ولم يصب
…
قريباً ولم يجبر به حال معدم
فعقباه أن تحتازه كف وارث
…
وللباخل الموروث عقبى التندم
محمود الوراق
تمتع بمالك قبل الممات
…
وإلا فلا مال إن أنت متا
شقيت به ثم خلفته
…
لغيرك سحقاً وبعداً ومقتا
يجود عليك بزور البكاء
…
وجدت له بالذي قد جمعتا
وأوهبته كل ما في يديك
…
وخلاك رهناً بما قد كسبتا
وينتظم في سلك هذه الأبيات
…
ما يروى من واعظ الحكايات
يحكى إن هشام بن عبد الملك لما احتضر رأى أهله يبكون عليه فقال لهم جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له بالبكاء وترك لكم ما كسب وتركتم عليه ما اكتسب يا سوء حال هشام إن لم يغفر الله له بعضهم
لا تجبهن بالرد وجه مؤمل
…
فلخير وقتك أن ترى مسؤلا
واعلم بأنك عن قليل صائر
…
خبراً فكن خبراً يروق جميلا
الشريف الرضي
أحق من كانت النعماء سابغة
…
عليه من أسبغ النعما على الأمم
وأجدر الناس أن تعنو لرقاب له
…
من يسترق رقاب الناس بالنعم
الحض على انتهاز فرصة الامكان
…
في إسداء المرجو من الاحسان لمن كان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه وقال حكيم الدنيا غرارة إن بقيت لك لم تبق لها وقال عبد الله بن شداد لابنه يا بني عليك باصطناع المعروف فإن الدهر ذو صروف والأيام ذات نوائب تقضي على الشاهد والغائب كم من ذي رغبة صار مرغوباً إليه وكم من طالب صار مطلوباً ما لديه شاعر
ليس في كل ساعة وأوان
…
تتهيا صنائع الاحسان
فإذا أمكنت فبادر إليها
…
حذراً من تعذر الامكان
واغتنمها إذا قدرت عليها
…
حذراً من تغير الأزمان
أحزم الناس من إذا أحسن الده
…
ر تلقى الاحسان بالاحسان
ابن النقيب الكناني
الحمد أينع ما اجتناه المجتنى
…
والمجد ارفع ما ابتناه المبتنى
فإذا وليت وكان أمرك نافذاً
…
فادخر صنيعاً في الولاية وابتنى
من قبل أن يسعى لها فتفوته
…
وتقول عند فواته يا ليتني
ابن هندو
إذا هبت رياحك فاغتنمها
…
فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الاحسان فيها
…
فما تدري السكون متى يكون
آخر
لا تقطعن عادة الاحسان عن أحد
…
ما دمت تقدر والأيام تارات
واذكر فضيلة صنع الله إذ جعلت
…
إليك لا لك عند الناس حاجات
ومن أحسن ما قيل من الأبيات في انتهاز الفرصة بالمعروف وإغاثة المكروب والملهوف قول سالم الأنباري
تمتع من الدنيا بساعتك التي
…
ظفرت بها ما لم تعقك العوائق
فما يومك الماضي عليك بعائد
…
ولا يومان الآتي به أنت واثق
احتجاج المتحجج بالمعروف
…
على السائل المجهول والمعروف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظمت نعمة الله عنده عظمت مؤنة الناس إليه فإن لم يحمل تلك فقد عرض تلك النعمة للزوال وقيل لعبد الله ابن جعفر وكان جواداً اقتصد في العطاء فإن من ذهب ماله ذل فقال إن الله عودني بالأفضال علي وعودته بالأفضال على عباده فأخاف أن أقطع العادة فيقطع عني المادة ثم تلاقو له تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
وقيل أحسن الناس عيشاً من حسن عيش غيره في عيشه وقيل لعبد الله ابن طاهر وكان جواداً أنفق وأمسك بعض الامساك فقال إن سمن الكيس ونبل الذكر لا يجتمعان أبداً نظمه بعض الشعراء فقال
أراك تؤمل حسن الثناء
…
ولم يرزق الله ذك البخيلا
وكيف يسود أخو فطنة
…
يمن كثيراً ويعطي قليلا
آخر
ما اجتمع المال وحسن الثناء
…
مذ كانت الدنيا لانسان
وأيّ هذين تخيرته
…
ضنا به قاله عن الثاني
آخر
صون الفتى عرضه عما يدنسه
…
وصونه ما حواه ليس يجتمع
المال يتلفه دهراً ويرجعه
…
إليه والعرض لا يمضي فيرجع
أبو تمام من أبيات
ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد
…
ولا المجد في كف امرئ والدراهم
ولم أر كالمعروف يرعى حقوقه
…
مغارم في الأقوام وهي مغانم
وقال ابن عباس لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره فإنه يشكرك عليه من لم تصطنعه إليه شاعر
إني إذا أمكنتني ساعة سعة
…
زينت بالبذل أوصافي وأحوالي
أما شكور فزين لي إعانته
…
أو الكفور فعرضي صنت بالمال
آخر
يد المعروف غنم حيث كانت
…
تحملها شكوراً وكفور
ففي شكراً لشكور لها جزاء
…
وعند الله ما جحد الكفور
آخر
وأفضل ما دخرت على الليالي
…
صنائع عند مصطنع شكور
ومن المفاخر التي لا نزاع فيها ولا خلاف بسط الوجه وبذل القرى للأضياف أول من شرع سنة قرى الأضياف سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام كان إذا لم يجد من يأكل معه يخرج إلى الطرقات ليأتي بمن يأكل معه ثم تبعته العرب على سنته وأول من وضع الموائد على الطرق سيدنا عبد الله بن عباس وكانت نفقته في كل يوم خمسمائة دينار قال شاعر يمدح من هذه صفته
ابلج بين حاجبيه نوره
…
إذا تغذى رفعت ستوره
وفي مثله يقول الشاعر في خالد بن برمك
تأبى خلائق خالد وفعاله
…
أن لا يجيب لكل أمر غائب
وإذا حضرنا الباب عند غذائه
…
أذن الغذاء لنا برغم الحاجب
وقال بعضهم
أبيت خميص البطن غر ثان طاويا
…
وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي
وأمنحه فرشي وأفترش الثرى
…
وأجعل قرّا لليل من دونه لبسي
حذار مخازاة الأحاديث في غد
…
إذا ضمني وحدي إلى صدره رمسي
آخر
ضاحك ضيفي قبل انزال رحله
…
ويخصب عندي والزمان جديب
وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى
…
ولكنما وجه الكريم خصيب
آخر
أو قد فان الليل ليل قرّ
…
والريح ما سرّك ريح صر
عسى يرى نارك من يمّر
…
إن جلبت ضيفاً فأنت حر
آخر
يسترسل الضيف أنساً في منازلنا
…
فليس يعلم خلق أينا الضيف
والسيف إن قسته يوماً بناشبها
…
لم تدر من عزمنا من ذا هو السيف
آخر
قالت سليمى لحاك الله من رجل
…
ما تحفظ العهد والميثاق والذمما
وحرمة الضيف ما إن خنت عهدكم
…
وقد حلفت يميناً برّة قسما
لو يعلم الضيف عندي قدر منزله
…
لتاه حتى يرى لا يرجع الكلما
أقول للأهل والقربى وقد حضروا
…
قفوا قليلاً فإن الضيف قد قدما
آخر
لحا الله من يمسي بطينا وجاره
…
لفرط الخوى محنى الضلوع خميص
لعمرك ما ضيفي عليّ بهين
…
وإني على ما سره لحريص
إبراهيم بن هرمة
يبيتون في المشتى خماصاً وعندهم
…
من الزاد فضلات تعد لمن يقرى
إذا ضل عنهم ضيفهم رفعوا له
…
من النار في الظلماء ألوية حمرا
وتبعه ابن المعتز فقال
وليل يودّ المصطلون بناره
…
ولو أنهم حتى الصباح وقودها
رفعت به ناري لمن يبتغي القرى
…
على شرف حتى أتاها وفودها
آخر
ومستنبح بعد الهدوّ برقدة
…
بشقرا مثل البحر باد وقودها
فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً
…
بوارد نار منجد من يرومها
فإن شئت أويناك في الحي مكرماً
…
وإن شئت بلغناك أرضاً ترومها
آخر
لا تبعدن قومي وإن كانوا خوى
…
فلنعم مأوى الضيف والجيران
الضيف فيهم لا يحوّل رحله
…
والجار مضمون من الحدثان
آخر
الضيف أكرم ما استطعت محله
…
وتلقه بتودد وتهلل
واعلم بأنّ الضيف يوماً مخبر
…
بمبيت ليلته وإن لم يسئل
وصية كريم بالسودد عليم قال بعض البلغاء سودد بلا جود كملك بلا جنود وقالوا جود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده وما