الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تكلم رجل بين يدي المأمون فأحسن فقال له المأمون ابن من أنت قال ابن الأدب يا أمير المؤمنين فقال نعم الحسب الذي انتسبت إليه ولهذا قيل المرء من حيث يثبت لا من حيث ينبت ومن حيث يوجد لا من حيث يولد وبآدابه لا بثيابه وبفضيلته لا بفصيلته وبعقله لا بعقائله وبأنبائه لا بآبائه وبكماله لا بجماله قال الشاعر
كن ابن من شئت واتخذ أدبا
…
يغنيك محموده عن النسب
إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا
…
ليس الفتى من يقول كان أبي
وقال بزرجمهر من كثر أدبه كثر شرفه وإن كان وضيعاً وبعد صيته وإن كان خاملاً وساد وإن كان غريباً وكثرت حوائج الناس إليه وإن كان فقيراً وقالوا من دأب في طريق الأدب أدرك حاجته وملك ناصيته ونبل قدره ونبه ذكره قال الشاعر
لكل شيء زينة في الورى
…
وزينة المرء تمام الأدب
قد يشرف المرء بآدابه
…
فينا وإن كان وضيع الحسب
وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر
مالي عقلي وهمتي حسبي
…
ما أنا مولى ولا أنا عربي
وإذا انتمى منتم إلى أحد
…
فإنني منتم إلى أدبي
ويقال حسن الأدب يستر قبيح النسب وقالوا الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب ويقال الأدب ينوب عن الحسب ولا ينفع حسب بلا أدب شاعر
كم من خسيس وضيع القدر ليس له
…
في العز بيت ولا ينمى إلى نسب
قد صار بالأدب المحمود ذا شرف
…
عال وذا حسب محض وذا نشب
يعلى التأدب أقواماً ويرفعهم
…
حتى يساووا ذوي العلياء في الرتب
ذكر من دأب في طلب الأدب
…
فنال به أعلى المناصب والرتب
يكفي دليلاً على ما ذكرناه وانموذجاً لما وصفناه حال أحمد بن أبي دواد في ترقيه إلى بقاع المجد من الحضيض الوهد يحكي أنه كان يختلف إلى ملجس بشر المريسي في حالة رثة وهيئة رديئة وينصرف عنه في قائم الظهيرة معلقاً محبرته متأبطاً دفتره فيقيل عند أخل له فلما وجه المأمون المعتصم إلى مصر التمس من بشر رجلاً من أصحابه يكون في صحبة المعتصم يوليه على المظالم ويكتب إليه أخباره فقال يا أمير المؤمنين معنا قوم لهم فقه ولكن لم يجمعوا إليه الأدب ومعرفة أمور السلطان ثم وصف له أحمد ابن أبي دواد قال إنه جمع إلى فقه أدباً وبياناً وعقلاً فأرسل إليه وقلده المظالم ففعل ثم حل من المعتصم محلاً عظيماً لاختياره له أيام مقامه بمصر معه ومنهم الفضل بن سهل ذو الرياستين كان أهل بيته مجوساً وتجاراً وصناعاً فيهم الدهقان وبائع الخمر فبلغ به الأدب إلى أرفع الرتب ذكر عنه إنه كان يتقلد بسيفين أحدهما أحمر الجفر مكتوب عليه رياسة الحرب والآخر أسود الجفر مكتوب عليه رياسة التدبير ولهذا سمى ذو الرياستين وصحب الفضل المأمون في حداثته أيام أبيه الرشيد وهو مجوسي فغلب عليه وحمله على إيثار الأدب وطلب الحكمة وكان الفضل يعلم أحكام النجوم فأخبره إنه يرى في طالعه أنه يلي الخلافة سلباً وإن تدبيره يبعد عنه شرقاً وغرباً فبلغ الرشيد شأنه وخبره فهدر دمه فاستتر حيناً ثم بدا له أن يظهر فأتى الرشيد وهو في الحلبة فمثل بين يديه وهو يقول أعوذ يا أمير المؤمنين برضاك من سخطك واعترف بالذنب وأسلم لله على يدك فقال الرشيد من هذا قالوا المجوسي الذي هدرت دمه فقال قد وهبناك دمك إذا سلمت له فغياك ومعاودة ما بلغنا عنك ومنهم محمد بن عبد الملك الزيات قال له العلاء ابن أيوب يوماً وقد دارت بينهما محاورة في مناظرة ليس هذا كيل الزيت ولا عد الجوز قال له أبا التجارة تعيرني قد كنت تاجراً وكنت متأخراً فقدمني الله بالأدب وأصارني بعد التجارة إلى الوزارة وليس المعيب من كان خسيساً فارتفع وإنما هو من كان شريفاً فاتضع ولو كنت عاملتك معاملة الفضل ابن سهل وأذللتك كما أذلك لم تقدم علي بمثل هذا القول الذي لم ينفعك فقد كنت تدخل دار الخلافة تلوذ بالجدران
وتتبع الأفياء ناكس الرأس غضيض الطرف خوفاً منه لكني رفعتك في المجلس فوق من هو أرفع منك وقدمتك على من هو متقدم عليك فقال له العلاء مهلاً إنما قلت كلمة مقولة وتمثلت بمثل مضروب لم اعتمدك به فأما قولك إني كنت ألوذ بالجدران وأتبع الأفياء خوفاً من الفضل فقد كان ذلك ولكني لم أكن أراك هناك وإن أولى الناس أن لا يعير أحداً باستخفاف الفضل لانت فقال ابن الزيات هذا شر من ذلك ونهض من مجلسه وقال احجبوه عني فكان العلاء يأتي بابه كل يوم فيقف حتى ينصرف الناس ثم يمضي فلما رأى ابن الزيات صبره وأدبه صالحه وخالصه وأراد العلاء بقوله فإن أولى الناس أن لا يعير أحداً باستخفاف الفضل لانت إن الفضل رأى على ابن الزيات سواداً فأمر بتمزيقه عليه وقال لا تتشبه بأصحاب السلطان وأرباب المراتب ثم لم تطل مدة الأيام والليالي حتى قلد ابن الزيات الوزارة وجلس الفضل بن سهل بين يديه وكان ابن الزيات ملياً بعلم الأدب كاتباً شاعراً لا يشق في شيء منها غباره ولا تدرك آثاره يحكي في سبب تقدمه بعد أن كان يتولى قهرمة الدار ويسرف على المطبخ إنه ورد على المعتصم كتاب البريد يخبر فيه إن بلاد الجبل نزل بها مطر عظيم كثر منه الكلا فقال المعتصم لأحمد بن عمارة وكان متقلد العرض عليه ما الكلا قال لا أدري فقال المعتصم إنا لله وإنا إليه راجعون أخليفة أمي وكاتب عامي ثم قال من يقرأ لنا الكتاب فعرف بمكان محمد بن عبد الملك الزيات فطلبه فلما مثل بين يديه قال له ما الكلا قال النبات كله رطبه ويابسه فالرطب خاصة يقال له العشب واليابس خاصة يقال له الحشيش ثم اندفع في وصف النبات من ابتدائه إلى انتهائه فهذا هو السبب لما ذكرناه
ومن ممادح أهل هذه الصناعة
…
الآخذين بأعنة الفصاحة والبراعة
وصف مسلم بن بلال بني العباس وقد سئل عنهم فقال أولئك قوم بنور الخلافة يشرقون وبلسان النبوة ينطقون ومدح خالد بن صفوان رجلاً ببراعة المنطق فقال كان والله جزل الألفاظ عزيز مقال اللسان فصيح ما خذ البيان رقيق حواشي الكلام بليل الريق قليل الحركات ساكن الاشارات ومدح أعرابي رجلاً فقال فلان أخذ بزمام الكلام فقاده أسهل مقاد وسافه أجمل مساق