الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شاعر
العلم من شرطه لمن خدمه
…
أن يجعل الناس كلهم خدمه
وواجب حفظه عليه كما
…
يحفظ ما عاش ماله ودمه
ومن حوى العلم ثم أودعه
…
غير محب له فقد ظلمه
وكان كالمبتنى البناء إذا
…
تمّ له ما أراده هدمه
الفصل الثاني من الباب الثالث
في ذكر الفعل الرشيد
في ذكر الفعل الرشيد
…
الدال على العقل المشيد
قالوا العقل أصل لكل محمود من الأخلاق فإذا عدم الأصل فلا بقاء للفرع مع عدم الأصل وقيل للحسن بن علي رضي الله عنهما متى يكون العاقل عاقلاً قال إذا عقله عقله عما لا ينبغي فهو عاقل وقال علي بن عبيدة الزنجاني العقل ملك والخصال الحسنة رعيته فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها وقال بعض الحكماء الملائكة روح وعقل والبهائم نفس وهوى والإنسان يجمع الكل ابتلاء فإن غلب الروح والعقل على النفس والهوى فضل الملائكة وإن غلبت النفس والهوى على الروح والعقل فضلت البهائم فالعاقل من ذاد عن مراتع الهوى نفسه وكفها عن شهوات تقرب إليه رمسه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك الشيء يعمى ويصم وقالوا الهوى خادع للألباب صارف عن الصواب صاحبه أعمى مبصر أصم سميع وقالوا الهوى أشأم دليل وألأم خليل وأغشم وال وأغش موال يكذب العيان ويقلب الأعيان ويجلب الهوان وقال أبو بكر بن دريد
وآفة العقل الهوى فمن علا
…
على هواه عقله فقد نجا
وقال بعض الصالحين الهوى مركب ذميم يسير بك في مضلات الفتن ومرتع وخيم يقعدك في مواطن المحن ويعلقك في حبائل الأحن ويقال من كان لعنان هواه أملك كان لطرق الرشاد أسلك ويقال بغلبة سلطان العقل على الهوى ينال السودد وقال شاعر
واعلم بأنك لن تسود ولن ترى
…
طرق الرشاد إذا اتبعت هواكا
آخر
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى
…
إلى كلّ ما فيه عليك مقال
ويقال عبد الهوى أذل من عبد الرق وقالوا أعقل الناس من عصى مراده ولم يعط الهوى قياده شاعر
إنّ الردى تبع الهوى
…
ومن الهوى حلو ومرّ
اقنع بعيشك ترضه
…
واملك هواك وأنت حر
وقال علي بن الحسين المغربي
ما للمطيع هواه
…
من الملام ملاذ
فاختر لنفسك إمّا
…
عرض وإمّا التذاذ
وقال حكيم لولده اعص هواك وأطع من شئت قال بعضهم
إذا ما رأيت المرء يقتاده الهوى
…
فقد ثكلته عند ذاك ثواكله
وقد أشمت الأعداء حقاً بنفسه
…
وقد وجدت فيه مقالاً عواذله
آخر وأجاد
إذا ما دعتك النفس يوماً لشهوة
…
وكان عليها للحرام طريق
فخالف هواها ما استطعت فإنما
…
هواها عدوّ والخلاف صديق
وقالوا كم من عقل أسير عند هوى أمير شاعر
وعاص الهوى المردى فكم من محلق
…
إلى النجم لما أن أطاع الهوى هوى
ولبعضهم
وما يزع النفس اللجوج عن الهوى
…
من الناس الأحازم الرأي كامله
وقالوا أعدل الناس من أنصف عقله من هواه ومنع نفسه مما يكون سبباً لبلواه ولحظ الأشياء بعين فكره واضماره فعلم من ورود الأمور عاقبة إيراده وإصداره فيحسن بأفعاله حمد الأوداء ويأمن في ماله كيد الأعداء كما حكى أن نصيباً دخل على عبد الملك بن مروان فتغدى معه فلما رأى عبد الملك ظرفه وأدبه قال له هل لك فيما نتنادم عليه قال يا أمير المؤمنين لوني حائل وشعري مغلغل وخلقي مشوه ووجهي قبيح ولم أبلغ ما بلغت من اكرامك إياي لا لشرب أب ولا كرم أم وإنما بلغته بعقلي ولساني فأنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تحول ببني وبين ما بلغت به هذه المنزلة عندك فأعفاه وما أحسن قوتذ الحيرارزي مشيراً إلى قول نصيب
أرى الكأس تذهب عقل الفتى
…
فيذهل عن كل مستمتع
ولولا ابتهاجي بكم لم أكن
…
لأشرب أكثر من أربع
وقالوا سرور فقلت السرور
…
بأن تتركوني وعقلي معي
وقال آخر
رطلان لا أزداد فوقهما
…
في الشرب إن حضروا وإن وحدي
فليغتفر لي من ينادمني
…
إني أحث عواقب الرشد
وأريد ما يقوى به بدني
…
وأجانب الأمر الذي يردي
وعلى ذكر ما ينتج من شرب الخمر من زوال الذهن وذهاب العقل فحسن قول من قال الخمر مصباح السرور ولكنها مفتاح الشرور وقول أبي الفضل المنكالي
عيرتني ترك المدام وقالت
…
هل جفاها من الرجال لبيب
هي تحت الظلام نور وفي الأك
…
باد برد وفي الخدود لهيب
قلت يا هذه عدلت عن النص
…
ح وما للرشاد فيك نصيب
إنها للستور هتك وفي الأل
…
باب فتك وفي المعاد ذنوب
وقال رجل لابنه وهو يتعاطى الشراب احذره فإنه قئ في شدقك أو سلح على عقبك أو حد في ظهرك وقال الحصنكي ذاكراً لهذه العيوب
ونديم بت أعذله
…
ويرى عذلي من العبث
قلت إنّ الخمر مخبثة
…
قال حاشاها من الخبث
قلت منها القئ قال نعم
…
شرفت عن مخرج الخبث
قلت للأزمات تشربها
…
قال طيب العيش في الرفث
وقريب من هذا ما حكى إن الحجاج وفد على الوليد بن عبد الملك فلما كان بعد أيام وقد أخذا يتجاذبان أذيال المذاكرة فقال له الوليد هل لك في الشراب قال يا أمير المؤمنين ليس محظوراً مداخلة أمير المؤمنين ولكني أمنع أهل عملي منه وأكره أن أخالف قول العبد الصالح لقومه وما أريد أن أخالفكم إلى ما انهاكم عنه فاستحسن ذلك منه وأعفاه وقال إسحق ابن إبراهيم الموصلي دخلت على الهادي فقال غنني صوتاً أطرب منه ولك حكمك فغنيته
وإني لتعروني لذكراك هزة
…
كما انتفض العصفور بلله القطر
فقال أحسنت والله وضرب بيده إلى دراعته فشق منها ذراعاً فقال زدني فغنيته
فيا حبها زدني جوى كل ليلة
…
ويا سلوة الأحباب موعدك الحشر
فقال أحسنت ثم ضرب بيده إلى دراعته فشق منها ذراعاً آخر فقال له زدني فغنيته
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى
…
وزرتك حتى قيل ليس له صبر
فقال أحسنت وشق باقي دراعته من شدة الطرب ثم رفع طرفه إلي وقال لي تمن واحتكم فقلت أتمنى عين مروان قال إسحق فرأيته وقد دارت عيناه في رأسه حتى خلتهما جمرتين ثم قال يا ابن اللخناء أتريد أن تشهرني بهذا المجلس وتجعلني سمراً وحديثاً يقول الناس أطربه فوهبه عين مروان أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحة عقلك لألحقتك بمن غبر من أهلك ثم أطرق اطراق الافعوان فرأيت ملك الملك بيني وبينه ينتظر أمره في ثم رفع رأسه ودعا بابراهيم بن ذكوان وقال له خذ بيد هذا الجاهل وأدخله بيت المال فإن أخذ ما فيه فدعه وإياه قال إسحق فدخلت وأخذت ما يساوي عين مروان أضعافاً وما أحسن ما قال بعض البلغاء يصف إنساناً بصيراً بالعواقب فلان يعرف من مبادئ الأحوال خواتيم الأعمال ومن صدور الأمور إعجاز ما في الصدور وقال آخر فلان يرى العواقب في مرآة فكره فلا يشتبه عليه نفعه بطمره نادرة قيل لبعض المجانين هل لك في الشراب فقال إن العاقل يشرب الخمر حتى يتشبه بي فأنا إذا شربته فبمن ذا أتشبه وأحسن منها ما يحكى إن أعرابياً راود امرأة عن نفسها فأنعمت له فلما قعد بين شعبتيها قام عنها ولم يقض وطرا ولا عفى من غرضه أثراً فقالت له يا هناه ما الذي عراك وقد بلغت مناك فقال إن رجلاً يبيع جنة عرضها السموات والأرض باصبعين بين فخذيك لقليل الخبرة بالمساحة والعاقل من اهتدى بمشورة نصحائه وكشف لهم عن مستور أغراضه وانحائه قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله فهذا الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ليعلم
أصحابه ما في المشورة من البركة لا لحاجة منه لرأيهم إذ هو للؤيد في حركاته وسكناته بالوحي من ربه والمستغني بما يلقي في روعه من الرأي المصيب عن آراء صحبه قال الحسن البصري إن الله عز وجل لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشورة أصحابه لحاجة به إلى رأيهم وإنما أراد أن يعرفهم ما بالمشورة من البركة وقال عليه الصلاة والسلام المشورة حصن من الندامة وأمن من الملامة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرجال ثلاثة رجل ينظر في الأمور قبل أن تقع فيصدرها مصادرها ورجل متوكل لا يتأمل فاذا نزلت به نازلة شاور أصحاب الرأي وقبل قولهم ورجل حائر بائر لا يأتم رشداً ولا يطيع مرشداً وقالوا مادة العقل من العقول كمادة الأنهار من السيول وقال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه نعم الموازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد وقال حكيم لولده يا بني إن رأيك إن احتجت إليه وجدته نائماً ووجدت هواك يقظان فإياك أن تستبد برأيك فيغلبك حينئذ هواك وقالوا الخطأ مع الاستشارة أحمد من الاصابة مع الاستبداد ويقال إذا استخار العبد ربه واستشار صديقه واجتهد رأيه فقد قضى ما عليه ويقضي الله في أمره ما أحب وقالوا من استغنى برأيه فقد خاطر بنفسه وقالوا عليك بالمشورة فانها تأمر بالتي هي أحسن وتهدي للتي هي أقوم وقالوا لا تستبد بتدبيرك ولا تستخف بأميرك فمن استبد بتدبيره زل ومن استخف بأميره ذل وقالوا من شاور الأخلاء أمن من كيد الأعداء ومن أمثالهم زاحم بعود أودع وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر من أبيات
وإن باب أمر عليك التوى
…
فشاور لبيباً ولا تعصه
وإن ناصح منك يوماً دنا
…
فلا تنأ عنه ولا تقصه
ولآلمعر
إنّ اللبيب إذا تفرّق أمره
…
فتق الأمور مناظراً ومشاوراً
وأخو التكبر يستبدّ برأيه
…
وتراه يعتسف الأمور مخاطراً
بشار بن برد
إذا بلغ الرأي المشورة فاستنر
…
برأي نصيح أو نصاحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
…
فإن الخوافي قوّة للقوادم
وما خير كف أمسك الغلّ أختها
…
وما خير سيف لم يؤيد بقائم
آخر
لا تحقرن الرأي وهو موافق
…
حكم الصواب إذا بدا من ناقص
فالدرّ وهو أجلّ شيء يقتنى
…
ما حط رتبته هوان الغائص
آخر
شاور سواك إذا نابتك نائبة
…
يوماً وإن كنت من أهل المشورات
فالعين تلقى كفاحاً ما دنا ونأى
…
ولا ترى نفسها إلا بمرآة
آخر
تأنّ وشاور فإنّ الأمو
…
ر منها مضئ ومستغمض
فرأيان أفضل من واحد
…
ورأي الثلاثة لا ينقض
قال بزرجمهر أفره الدواب لا غنى له عن السوط وأعقل النساء لا غنى لها عن الزوج وأدهى الرجال لا غنى له عن المشورة
فمن يعتمد عليه في المشورة
…
من تكون النفس بآرائه مسرورة
قالوا لا تدخل في مشورتك بخيلاً في عطاء فيقصر بك ولا جباناً في حرب فيخوفك ولا حريصاً في بذل فيصدك فان البخل والجبن والحرص طبيعة واحدة يجمعها سوء الظن بالله قيل استشار زياد رجلاً فقال حق المستشار أن يكون ذا عقل وافر واختبار متظاهر ولا أراني كذلك
قال الشاعر
خصائص من تشاوره ثلاث
…
فخذ منها جميعاً بالوثيقه
وداد خالص ووفور عقل
…
ومعرفة بحالك في الحقيقه
فمن حصلت له هذي المعاني
…
فتابع رأيه والزم طريقه
وقال آخر
إذا الأمر أشكل انفاذه
…
ولم تر منه سبيلاً نجيحا
فشاور لأمرك في ستره
…
أخاك اللبيب الشفيق النصيحا
آخر
وإذا الأمور عليك يوماً اشكلت
…
فاعمد لرأي أخ نصيح مرشد
واحفظ نصيحة من بدا لك ودّه
…
وبرأي أهل الخير جهدك فاهتد
آخر
فما كل ذي ودّ بموليك نصحه
…
ولا كل مؤت نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند واحد
…
فحق له من طاعة بنصيب
وقال الأحنف بن قيس لا تشاور المعزول فإن رأيه مغلول وقالوا لا تشاور الجائع حتى يشبع ولا العطشان حتى يروى ولا الأسير حتى يطلق ولا المقل حتى يجد ولا الراغب حتى ينجح وقال أفلاطون إذا استشارك عدوك فجرد له النصيحة لأنه قد خرج بالاستشارة من عداوتك إلى موالاتك ولما نوى ابن أبي مريم قاضي مرو أن يزوج ابنه استشار جاراً له مجوسياً فقال سبحان الله يستفتونك وأنت تستفتيني قال لا بد أن تشير علي فقال إن كسرى رئيس
الفرس كان يختار المال وقيصر رئيس الروم كان يختار الجمال ورئيس العرب كان يختار النسب ومحمداً نبيكم كان يختار الدين فانظر بمن تقتدي وقالوا لا تشاور بخيلاً في صلة ولا جباناً في حرب ولا شاباً في جارية وقال بعض الحكماء عليكم بمشورة من حلب ضرع دهره ومرت عليه صروف خيره وشره وبلغ من العمر أشده ومن التجربة أورى زنده ولذلك كانت العرب تقتدي برأي الشيوخ وتعتمد في النوازل على مشورة الكهول لما يوجد فيهم من أصالة الرأي واصابة الحدس وصحة النظر مع ما منحوا من حسن الاختبار وسمت الوقار، وقد عدل قوم عن هذا المرتع ونزعوا غير هذا المنزع فجعلوا للشباب أيسر الأقسام من توقد الفطنة وأوفر السهام من نشاط النفس وقوة المنة فربما قصرت عن مقاومتهم الكهول ولجأت إليهم في كثير من تنقيح الفروع والأصول لتوفر غريزة العقل فيهم وحدة الخاطر التي ترشدهم إلى الصواب وتهديهم ولهذا قال الشاعر
رأيت العقل لم يكن انتهابا
…
ولا يقسم على عدد السنينا
ولو أن السنين تقسمته
…
حوى الآباء أنصبة البنينا
وكان بعض الحكماء يقول عليكم بآراء الأحداث ومشورة الشبان لان لهم اذهاناً تقد القواصل وتحطم الذوابل وقالوا آراء الشبان خضرة نضرة لم يهصر غصنها هرم ولا أذوى زهرها قدم ولا خبا من ذكائها بطول المدة ضرم وقال الشاعر
عليكم بآراء الشباب فانها
…
نتائج ما لم يبله قدم العهد
فروع ذكاء تستمد من النهى
…
بأنور في الآراء من قمر السعد
ومن أحسن ما قيل في مدح شاب غزير العقل كثير الفضل طاهر الفعل قول الشاعر
أدركت ما فات الكهول من الحجا
…
في عنفوان شبابك المستقبل
وإذا أمرت فلا يقال لك اتئد
…
وإذا قضيت فلا يقال لك اعدل
وقيل بل العاقل من أخذ بالاستبداد في الأمور وأجراها مختاراً على حكم القضاء المقدور قال المهلب بن أبي صفرة لو لم يكن في الاستبداد بالرأي الا صون السر وتوفير العقل لوجب التمسك به وقال بزرجمهر أردت نصيحاً أثق به فما وجدت غير فكري واستضأت بنور الشمس والقمر فلم أستضئ بشيء أضوأ من نور قلبي وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما الفكر مرآة ترى المؤمن سيآته فيقلع عنها وحسناته فيكثر منها فلا تقع مقرعة التقريع عليه ولا تنظر عين العواقب شزراً إليه وقال عبد الملك ابن صالح ما استشرت أحداً قط إلا تكبر علي وتصاغرت له ودخلته العزة ودخلتني الذلة فعليك بالاستبداد فان صاحبه جليل في العيون مهيب في الصدور وإنك متى استشرت تضعضع شأنك ورجفت بك أركانك وما عز سلطان لم يغنه عقله عن عقول وزرائه وآراء نصحائه فإياك والمشورة وإن ضاقت عليك المذاهب واشتبهت لديك المسالك وأنشد
فما كل ذي لبّ بمؤتيك نصحه
…
ولا كل مؤت نصحه بلبيب
وقال عبد الله بن طاهر ما حك ظهري مثل ظفري ولان أخطئ مع الاستبداد ألف خطا أحب إلي من أن أستشير فالحظ بعين النقص والتقصير وما أصدق قول القائل
ليس احتيال ولا عقل ولا أدب
…
يجدي عليك إذا لم يسعد القدر
ولا توان ولا عجز يضرّ إذا
…
جاء القضاء بما فيه لك الخير
وعلى المستبد أن يتروى في رأيه فإن أفضل الرأي ما أجادت الفكرة نقده وأحكمت التروية عقده وقالوا كل رأي لم تتمخض به الفكرة ليلة كاملة فهو مولود لغير تمام شاعر
إذا كنت ذا رأي فكن ذا اناءة
…
فإنّ فساد الرأي أن تتعجلا
وما العجز إلا أن تشاور عاجزاً
…
وما الحزم إلا أن تهم فتفعلا
وقال شاعر في مستبد
ذهب الصواب برأيه فكأنما
…
آراؤه خلقت من التأييد
وإذا دجا خطب تبلج رأيه
…
صبحا من التوفيق والتسديد
وقالوا فلان الخير معقود في نواصي آرأيه واليمن منقاد في نواحي أنحائه فلان إذا أذكى سراج الفكر أضاء ظلام الأمر وقال ابن العميد العاقل من استنتج في كل أمر خاتمته وعلم من كل بدء عاقبته وطالع بقلبه من كل غصن ما يخفى منه ومن كل زرع ما يحصد عنه ولله من قال مادحاً اصابة الرأي
وذو يقظات مستمرّ مريرها
…
إذا الدهر لاقاها اضمحلت نوائبه
بصير بأعقاب الأمور كأنما
…
يخاطبه من كل أمر عواقبه
وأين يفرّ الحزم منه وإنما
…
مرائي الأمور المشكلات تجاربه
وقال أبو عبادة البحتري في سليمان بن عبد الله
يريك بالظنّ ما فاق اليقين به
…
إذا تلبس دون الظن ايقان
كأن آراءه والحزم يتبعها
…
تريه كل خفيّ وهو اعلان
ما غاب عن عينه فالقلب يكلؤه
…
وإن تنم عينه فالقلب يقظان
ومنها
يرى العواقب في أثناء فكرته
…
كأنّ أفكاره بالغيب كهان
لا فكرة منه إلا تحتها عمل
…
كالدهر لا دورة ألا لهاشان
وله
يريك بالظنّ ما قلّ اليقين به
…
والشاهدان عليه العين والأثر
كأنه وزمام الدهر في يده
…
يرى عواقب ما يأتي وما يذر
آخر
بديهته وفكرته سواء
…
إذا ما نابه الحطب الخطير
واحزم ما يكون الدهر يوما
…
إذا عجز المشاور والمشير
والعاقل من نصب من تحيله الحبائل واقتنص بها شوارد المطالب والوسائل
قالوا بالحيلة يستنزل الطير من جو السماء ويستخرج الحوت من جوف الماء فمن المحي في ذلك ما ذكر إن رجلين وثبا على أحد مرازبة كسرى أنوشروان فقتلاه ولم يعرفا فخشى إن هو لم يقتلهما به كان ذلك عاراً عليه وعجزا ينسب إليه فقال في مجمع من الناس إن من قتل المرزبان لعظيم القدرة شديد البأس ولو ظهر لجازيناه بما يستحق ورفعناه على الناس فلما بلغهما كلامه ظهرا وأقرا فقال أنوشروان إني مجازيكما بما تستحقان فإنه لا يكون جزاء من قتل سيده وغدر به إلا القتل وأما رفعكما على الناس فإني أصلبكما على أطول جذع أجده ثم أمر ففعل بهما ذلك وأحسن منها حيلة عملت على الاسكندر فخفي عليه الصواب في التخلص منها وهي ما حكى عنه أنه كان لا يدخل مدينة عنوة إلا هدمها وقتل من فيها فقدم على مدينة كان فيها مؤدب له فخرج إليه فأعظمه وأكرمه وأكبره ثم قال له ما جاء بك قال أيها الملك إن أحق من زين لك أمرك وأعانك عليه لأنا وإن أهل هذه المدينة أبو اطاعتك وطمعوا فيك لمكاني منك وأحب أن لا تشفعني فيهم وأن تخالفني في كل ما أسألك فيه من أمرهم فلما سمع الاسكندر مقالته ظن ذلك نصحاً له وإن غرض المعلم وافق غرضه وسر بذلك فلما رأى المعلم سروره طلب منه العهد على ذلك فعاهده فلما استوثق منه ذلك قال أيها الملك إني أرى من الرأي أن تهدم هذه المدينة وتقتل أهلها فقال الاسكندر لا سبيل إلى ذلك ولا بد من مخالفتك قال فارتحل عنها إذاً فارتحل
أمر عمر بن الخطاب بقتل الهرمزان فشكا العطش فأتى بإناء فيه ماء فلما تناوله أظهر رعشة في يده يوهم أنها من خوف فقال عمر لا بأس عليك حتى تشرب فرمى الإناء من يده فكسره فأمر عمر بقتله قال أوليس قد أعطيتني الأمان قال متى قال ألست قلت لا بأس عليك حتى تشرب ولم أشرب فقال عمر قاتله الله أخذ منا الأمان ولم نشعر ومن ظريف الحيل ما حكى إن سلمان الفارسي خطب بنتاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجابه إلى تزويجه فشق ذلك على ولده عبد الله وشكاه إلى عمرو بن العاص فقال له أنا أرده عنك فقال إن رددته بما يكره غضب أمير المؤمنين فقال لك علي أن أرده راضيا ثم أتى سلمان فضرب بين كتفيه وقال هنيأً لك أبا عبد الله هذا أمير المؤمنين يتواضع بتزويجك بنته فالتفت إليه مغضباً وقال إني متواضع والله لا أتزوجها وأسر معاوية عمرو بن أوس الأودي وكان من أصحاب علي يوم صفين فقدمه للقتل فقال لا تقتلني فانك خالي فقال من أين أنا خالك ولم يكن بيننا وبين أود صهارة فقال إن أخبرتك يكن نافعي عندك قال نعم قال أليست أختك أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين قال بلى قال فأنا ابنها وأنت أخوها فاستظرف قوله وخلى سبيله وحاصر سعد بن أبي وقاص حصن تيماء فطلب من فيه الأمان فأجابهم إلى ذلك فلما تسلمه قتل كل من فيه الأرجلا واحداً وعزم معن بن زائدة على قتل جماعة من الاسراء فلما مثلوا بين يديه قام أصغر القوم وقال أيها الأمير أتقتل أسراك وقد جاعوا وعطشوا فأمر لهم بطعام وشراب فلما أكلوا وشربوا قام إليه وقال أيها الأمير أتقتل أضيافك فحلم عليهم وخلى سبيلهم ولما قبض على ابن المقنع وكل به رجل يعذبه في مال طلب منه فلما طال عليه ذلك وخشى على نفسه التلف اقترض من صاحب العذاب مائة ألف درهم فكان بعد ذلك يرفق به خوفاً على ماله واقتحم رجل على الأحنف بن قيس مجلسه فلطمه فقال له ما حملك على ما فعلت فقال لطمني رجل من تميم فأقسمت أن أقتص من سيدهم فقال له الأحنف لم تبر في يمينك ولست بسيد تميم وإنما سيدهم حارثة بن قدامة فذهب الرجل إليه فوجده بين قومه فلطمه فأمر بقطع يده فقطعت فيقال ما قطع يده إلا الأحنف الذي جرأه على غيره ولم يؤدبه على فعله وإن كانت هذه الحكاية
ليست جارية على المعهود من حلم الأحنف فإن النفوس الشريفة تأتي الاسترسال في الاحتمال لما يحصل في حقها من إهمال واجهال كما قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي معتذراً عمن أحوجه الذب عن سيأدته إلى الخروج عن عادته
إذا أحوجت ذا كرم تخطى
…
إليك ببعض أخلاق اللئام
وما خرق اللئيم وإن تعدّى
…
بأبلغ فيك من حقد الكرام
ولى عبد الملك بن مروان أخاه بشراً العراق وضم إليه روح بن زنباغ فلما دخل العراق أغرى بالشراب وثقل عليه ابن زنباغ فقال يوماً من يحتال لي فيه فقال ثمامة الباهلي أنا ثم صار إلى دهليز روح وكتب على حائطه
يا روح من لزنابير محرّشة
…
إذا يقال لأهل المغرب الباغي
إنّ الخليفة قد شالت نعامته
…
فاحتل لنفسك يا روح بن زنباغ
فلما قرأه ما ظن إلا أن بعض الجن كتبهما فعدا إلى بشر فاستأذنه في الرجوع إلى الشام فامتنع بشر من الاذن له وجعل يسأله أن يقيم فأبى فأذن له فلما دخل على عبد الملك قال الحمد لله على سلامتك يا أمير المؤمنين قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال له سخرك بشر وأهل العراق لما نقلت عليهم فاحتالوا للراحة منك وقدم قوم غريماً لهم إلى قاض وادعوا عليه بمال فصدقهم فأمره القاضي أن يدفع لكل ذي حق حقه فقال إن لي ريعاً وقد حان استغلاله فإن رأوا أن يؤجلوني أياماً حتى أستغله وأؤدي إليهم حقوقهم فلا بأس فسألهم القاضي ذلك فقالوا والله ما نعلم له سبداً ولا لبداً فقال له القاضي اذهب فقد فلسك غرماؤك وحكى أن رجلاً أراد الحج فأودع عند رجل مالاً فلما رجع طلبه منه فجحده إياه فأتى إياساً القاضي فأخبره فقال له لا تعلم أحداً أنك جئتني وعد إلي بعد يومين ثم دعا اياس ذلك الرجل المودع عنده وقال له إنه قد تحصل عندنا مال لأيتام وأريد دفعه إليك ليكون وديعة في حرزك فحصن بيتك
وانتخب أقواماً ثقات يحملونه معك فرجع الرجل وأصلح منزله ثم دعا اياس صاحب المال وقال له انطلق إلى صاحبك واطلب منه مالك وقل له إن أنت لم ترده علي شكوتك للقاضي فذهب الرجل إليه وطلب منه المال فرده عليه فأخبر الرجل اياساً بذلك فقال ربما كانت الحيلة وسيلة إلى درك المطلوب ولم يعاود اياساً ذلك الرجل المودع عنده فيما وعده به
والحازم من أضاف إلى تاج رياسته
…
عقوداً من جواهر سياسته
فانهم قالوا من طلب الرياسة فليصبر على مضض السياسية ويقال إذا صحت السياسة ثبتت الرياسة وصف أنوشروان سياسته فقال لم أهزل في أمر ولا نهي ولم أخلف في وعيد ولا وعد وأعاقب للأدب لا للغضب وأثيب للغنى لا للهوى فأودعت قلوب الرعية هيبة لا يشينها منهم هلع ومحبة لا يشوبها فيهم طمع وعممت بالقول وحذفت الفضول وقال أردشير لأصحابه وقد سعى عنده بانسان إنما أملك الظواهر لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر ومن كلامه لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وقالت الحكماء أسوس الملوك لرعيته من قاد أبدانها بقلوبها وقلوبها بخواطرها وخواطرها بأسبابها من الرغبة والرهبة وقالوا قلوب الرعيه خزائن ملكها فما أودعها من شيء فليعلم أنه فيها وقال بزرجمهر العقل حديقة سياجها الشريعة والشريعة سلطان يجب لها الطاعة والطاعة سياسة يقوم بها الملك والملك راع يعضده الجيش والجيش أعوان يكفلهم المال والمال رزق تجمعه الرعية والرعية سواد يستعبدهم العدل والعدل أساس به قوام العالم وقالوا ينبغي للملك أن يتفقد أمر رعيته في كل شهر وأمر خاصته في كل يوم وأمر نفسه في كل ساعة وقال أبو منصور الثعالبي إذا كان الملك واضح ميسم العدل فارش مهاد الفضل باسط جناح البر منبت نور المحبة ممتد ظل الهيبة مالك عنان السياسة فقد أرخ الزمان بحسن آثاره وشق على الملوك شق غباره ومن كلام بعض البلغاء خير الملوك من كفى وكف وعفا وعف وقال الشاعر في بعض ولاة بني مروان
إذا ما قضيتم ليلكم بمنامكم
…
وأفنيتم أيامكم بمدام
فمن ذا الذي يغشاكم في ملمة
…
ومن ذا الذي يلقاكم بسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة
…
بلثم غلام أو بشرب مدام
ألم تعلموا أن اللسان موكل
…
بمدح كرام أو بذم لئام
ويقال ينبغي للملك أن يعمل بخصال ثلاثة تأخير عقوبة المسئ وتعجيل ثواب المحسن والعمل بالأناة فيما حدث له فإن في تأخير العقوبة امكان العفو وفي تعجيل ثواب المحسن المسارعة بالطاعة وفي الأناة انفساح الرأي واتضاح الصواب وسأل المأمون رسول الروم لما قدم عليه عن سيرة ملكهم فقال بذل عرفه وسل سيفه فاجتمعت عليه القلوب رغبة ولجأت إليه رهبة سهل النوال حزن النكال فالرجاء والخوف معقودان في يده قال له فكيف حكمه قال يردع الظالم ويحنو على المظلوم فالرعية اثنان راض ومغتبط قال فكيف هيبته فيهم قال يتصور في القلوب فتخشع له الأبصار فقال له المأمون لله أبوك لقد أحسنت فيما وصفت وما أحسن قول معاوية المسلم بن زياد لما ولاه خراسان إن أباك كفاك أخاه عظيماً وقد استكفيتك صغيراً فلا تتكلن على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك وإياك مني قبل أن أقول إياي منك فإن الظن إذا أخلف مني فيك أخلف منك في وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه وقد أتعبك أبوك فلا ترين نفسك وقال أنوشروان الناس ثلاث طبقات نسوسهم ثلاث سياسات طبقة هم خاصة الأبرار نسوسهم بالعطف واللين والاحسان وطبقة هم خاصة الأشرار نسوسهم بالغلظة والعنف وطبقة هم العامة نسوسهم بالشدة واللين كيلا تخرجهم الشدة ولا يبطرهم اللين وقال عبد الله بن طاهر
إذا كنتم للناس أهل سياسة
…
فسوسوا كرام الناس بالرفق والبذل
وسوسوا لئام الناس بالذل يصلحوا
…
على الذل إن الذل أوفق للنذل
وقال معاوية بن أبي سفيان إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ولو أن بيني وبين العامة شعرة لما انقطعت قيل له وكيف ذاك قال إن جذبوها أرخيتها وإن أرخوها مددتها وكان زياد إذا ولى رجلاً عملاً قال خذ عهدك وسر إلى بلدك واعلم بأنك مصروف رأس سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك إن وجدناك أميناً ضعيفاً