المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر الفعل الرشيد - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌في ذكر الفعل الرشيد

شاعر

العلم من شرطه لمن خدمه

أن يجعل الناس كلهم خدمه

وواجب حفظه عليه كما

يحفظ ما عاش ماله ودمه

ومن حوى العلم ثم أودعه

غير محب له فقد ظلمه

وكان كالمبتنى البناء إذا

تمّ له ما أراده هدمه

‌الفصل الثاني من الباب الثالث

‌في ذكر الفعل الرشيد

في ذكر الفعل الرشيد

الدال على العقل المشيد

قالوا العقل أصل لكل محمود من الأخلاق فإذا عدم الأصل فلا بقاء للفرع مع عدم الأصل وقيل للحسن بن علي رضي الله عنهما متى يكون العاقل عاقلاً قال إذا عقله عقله عما لا ينبغي فهو عاقل وقال علي بن عبيدة الزنجاني العقل ملك والخصال الحسنة رعيته فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها وقال بعض الحكماء الملائكة روح وعقل والبهائم نفس وهوى والإنسان يجمع الكل ابتلاء فإن غلب الروح والعقل على النفس والهوى فضل الملائكة وإن غلبت النفس والهوى على الروح والعقل فضلت البهائم فالعاقل من ذاد عن مراتع الهوى نفسه وكفها عن شهوات تقرب إليه رمسه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك الشيء يعمى ويصم وقالوا الهوى خادع للألباب صارف عن الصواب صاحبه أعمى مبصر أصم سميع وقالوا الهوى أشأم دليل وألأم خليل وأغشم وال وأغش موال يكذب العيان ويقلب الأعيان ويجلب الهوان وقال أبو بكر بن دريد

وآفة العقل الهوى فمن علا

على هواه عقله فقد نجا

ص: 117

وقال بعض الصالحين الهوى مركب ذميم يسير بك في مضلات الفتن ومرتع وخيم يقعدك في مواطن المحن ويعلقك في حبائل الأحن ويقال من كان لعنان هواه أملك كان لطرق الرشاد أسلك ويقال بغلبة سلطان العقل على الهوى ينال السودد وقال شاعر

واعلم بأنك لن تسود ولن ترى

طرق الرشاد إذا اتبعت هواكا

آخر

إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى

إلى كلّ ما فيه عليك مقال

ويقال عبد الهوى أذل من عبد الرق وقالوا أعقل الناس من عصى مراده ولم يعط الهوى قياده شاعر

إنّ الردى تبع الهوى

ومن الهوى حلو ومرّ

اقنع بعيشك ترضه

واملك هواك وأنت حر

وقال علي بن الحسين المغربي

ما للمطيع هواه

من الملام ملاذ

فاختر لنفسك إمّا

عرض وإمّا التذاذ

وقال حكيم لولده اعص هواك وأطع من شئت قال بعضهم

إذا ما رأيت المرء يقتاده الهوى

فقد ثكلته عند ذاك ثواكله

وقد أشمت الأعداء حقاً بنفسه

وقد وجدت فيه مقالاً عواذله

ص: 118

آخر وأجاد

إذا ما دعتك النفس يوماً لشهوة

وكان عليها للحرام طريق

فخالف هواها ما استطعت فإنما

هواها عدوّ والخلاف صديق

وقالوا كم من عقل أسير عند هوى أمير شاعر

وعاص الهوى المردى فكم من محلق

إلى النجم لما أن أطاع الهوى هوى

ولبعضهم

وما يزع النفس اللجوج عن الهوى

من الناس الأحازم الرأي كامله

وقالوا أعدل الناس من أنصف عقله من هواه ومنع نفسه مما يكون سبباً لبلواه ولحظ الأشياء بعين فكره واضماره فعلم من ورود الأمور عاقبة إيراده وإصداره فيحسن بأفعاله حمد الأوداء ويأمن في ماله كيد الأعداء كما حكى أن نصيباً دخل على عبد الملك بن مروان فتغدى معه فلما رأى عبد الملك ظرفه وأدبه قال له هل لك فيما نتنادم عليه قال يا أمير المؤمنين لوني حائل وشعري مغلغل وخلقي مشوه ووجهي قبيح ولم أبلغ ما بلغت من اكرامك إياي لا لشرب أب ولا كرم أم وإنما بلغته بعقلي ولساني فأنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تحول ببني وبين ما بلغت به هذه المنزلة عندك فأعفاه وما أحسن قوتذ الحيرارزي مشيراً إلى قول نصيب

أرى الكأس تذهب عقل الفتى

فيذهل عن كل مستمتع

ولولا ابتهاجي بكم لم أكن

لأشرب أكثر من أربع

وقالوا سرور فقلت السرور

بأن تتركوني وعقلي معي

وقال آخر

رطلان لا أزداد فوقهما

في الشرب إن حضروا وإن وحدي

فليغتفر لي من ينادمني

إني أحث عواقب الرشد

وأريد ما يقوى به بدني

وأجانب الأمر الذي يردي

ص: 119

وعلى ذكر ما ينتج من شرب الخمر من زوال الذهن وذهاب العقل فحسن قول من قال الخمر مصباح السرور ولكنها مفتاح الشرور وقول أبي الفضل المنكالي

عيرتني ترك المدام وقالت

هل جفاها من الرجال لبيب

هي تحت الظلام نور وفي الأك

باد برد وفي الخدود لهيب

قلت يا هذه عدلت عن النص

ح وما للرشاد فيك نصيب

إنها للستور هتك وفي الأل

باب فتك وفي المعاد ذنوب

وقال رجل لابنه وهو يتعاطى الشراب احذره فإنه قئ في شدقك أو سلح على عقبك أو حد في ظهرك وقال الحصنكي ذاكراً لهذه العيوب

ونديم بت أعذله

ويرى عذلي من العبث

قلت إنّ الخمر مخبثة

قال حاشاها من الخبث

قلت منها القئ قال نعم

شرفت عن مخرج الخبث

قلت للأزمات تشربها

قال طيب العيش في الرفث

وقريب من هذا ما حكى إن الحجاج وفد على الوليد بن عبد الملك فلما كان بعد أيام وقد أخذا يتجاذبان أذيال المذاكرة فقال له الوليد هل لك في الشراب قال يا أمير المؤمنين ليس محظوراً مداخلة أمير المؤمنين ولكني أمنع أهل عملي منه وأكره أن أخالف قول العبد الصالح لقومه وما أريد أن أخالفكم إلى ما انهاكم عنه فاستحسن ذلك منه وأعفاه وقال إسحق ابن إبراهيم الموصلي دخلت على الهادي فقال غنني صوتاً أطرب منه ولك حكمك فغنيته

وإني لتعروني لذكراك هزة

كما انتفض العصفور بلله القطر

ص: 120

فقال أحسنت والله وضرب بيده إلى دراعته فشق منها ذراعاً فقال زدني فغنيته

فيا حبها زدني جوى كل ليلة

ويا سلوة الأحباب موعدك الحشر

فقال أحسنت ثم ضرب بيده إلى دراعته فشق منها ذراعاً آخر فقال له زدني فغنيته

هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى

وزرتك حتى قيل ليس له صبر

فقال أحسنت وشق باقي دراعته من شدة الطرب ثم رفع طرفه إلي وقال لي تمن واحتكم فقلت أتمنى عين مروان قال إسحق فرأيته وقد دارت عيناه في رأسه حتى خلتهما جمرتين ثم قال يا ابن اللخناء أتريد أن تشهرني بهذا المجلس وتجعلني سمراً وحديثاً يقول الناس أطربه فوهبه عين مروان أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحة عقلك لألحقتك بمن غبر من أهلك ثم أطرق اطراق الافعوان فرأيت ملك الملك بيني وبينه ينتظر أمره في ثم رفع رأسه ودعا بابراهيم بن ذكوان وقال له خذ بيد هذا الجاهل وأدخله بيت المال فإن أخذ ما فيه فدعه وإياه قال إسحق فدخلت وأخذت ما يساوي عين مروان أضعافاً وما أحسن ما قال بعض البلغاء يصف إنساناً بصيراً بالعواقب فلان يعرف من مبادئ الأحوال خواتيم الأعمال ومن صدور الأمور إعجاز ما في الصدور وقال آخر فلان يرى العواقب في مرآة فكره فلا يشتبه عليه نفعه بطمره نادرة قيل لبعض المجانين هل لك في الشراب فقال إن العاقل يشرب الخمر حتى يتشبه بي فأنا إذا شربته فبمن ذا أتشبه وأحسن منها ما يحكى إن أعرابياً راود امرأة عن نفسها فأنعمت له فلما قعد بين شعبتيها قام عنها ولم يقض وطرا ولا عفى من غرضه أثراً فقالت له يا هناه ما الذي عراك وقد بلغت مناك فقال إن رجلاً يبيع جنة عرضها السموات والأرض باصبعين بين فخذيك لقليل الخبرة بالمساحة والعاقل من اهتدى بمشورة نصحائه وكشف لهم عن مستور أغراضه وانحائه قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله فهذا الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ليعلم

ص: 121

أصحابه ما في المشورة من البركة لا لحاجة منه لرأيهم إذ هو للؤيد في حركاته وسكناته بالوحي من ربه والمستغني بما يلقي في روعه من الرأي المصيب عن آراء صحبه قال الحسن البصري إن الله عز وجل لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشورة أصحابه لحاجة به إلى رأيهم وإنما أراد أن يعرفهم ما بالمشورة من البركة وقال عليه الصلاة والسلام المشورة حصن من الندامة وأمن من الملامة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرجال ثلاثة رجل ينظر في الأمور قبل أن تقع فيصدرها مصادرها ورجل متوكل لا يتأمل فاذا نزلت به نازلة شاور أصحاب الرأي وقبل قولهم ورجل حائر بائر لا يأتم رشداً ولا يطيع مرشداً وقالوا مادة العقل من العقول كمادة الأنهار من السيول وقال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه نعم الموازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد وقال حكيم لولده يا بني إن رأيك إن احتجت إليه وجدته نائماً ووجدت هواك يقظان فإياك أن تستبد برأيك فيغلبك حينئذ هواك وقالوا الخطأ مع الاستشارة أحمد من الاصابة مع الاستبداد ويقال إذا استخار العبد ربه واستشار صديقه واجتهد رأيه فقد قضى ما عليه ويقضي الله في أمره ما أحب وقالوا من استغنى برأيه فقد خاطر بنفسه وقالوا عليك بالمشورة فانها تأمر بالتي هي أحسن وتهدي للتي هي أقوم وقالوا لا تستبد بتدبيرك ولا تستخف بأميرك فمن استبد بتدبيره زل ومن استخف بأميره ذل وقالوا من شاور الأخلاء أمن من كيد الأعداء ومن أمثالهم زاحم بعود أودع وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر من أبيات

وإن باب أمر عليك التوى

فشاور لبيباً ولا تعصه

وإن ناصح منك يوماً دنا

فلا تنأ عنه ولا تقصه

ولآلمعر

إنّ اللبيب إذا تفرّق أمره

فتق الأمور مناظراً ومشاوراً

وأخو التكبر يستبدّ برأيه

وتراه يعتسف الأمور مخاطراً

ص: 122

بشار بن برد

إذا بلغ الرأي المشورة فاستنر

برأي نصيح أو نصاحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

فإن الخوافي قوّة للقوادم

وما خير كف أمسك الغلّ أختها

وما خير سيف لم يؤيد بقائم

آخر

لا تحقرن الرأي وهو موافق

حكم الصواب إذا بدا من ناقص

فالدرّ وهو أجلّ شيء يقتنى

ما حط رتبته هوان الغائص

آخر

شاور سواك إذا نابتك نائبة

يوماً وإن كنت من أهل المشورات

فالعين تلقى كفاحاً ما دنا ونأى

ولا ترى نفسها إلا بمرآة

آخر

تأنّ وشاور فإنّ الأمو

ر منها مضئ ومستغمض

فرأيان أفضل من واحد

ورأي الثلاثة لا ينقض

قال بزرجمهر أفره الدواب لا غنى له عن السوط وأعقل النساء لا غنى لها عن الزوج وأدهى الرجال لا غنى له عن المشورة

فمن يعتمد عليه في المشورة

من تكون النفس بآرائه مسرورة

قالوا لا تدخل في مشورتك بخيلاً في عطاء فيقصر بك ولا جباناً في حرب فيخوفك ولا حريصاً في بذل فيصدك فان البخل والجبن والحرص طبيعة واحدة يجمعها سوء الظن بالله قيل استشار زياد رجلاً فقال حق المستشار أن يكون ذا عقل وافر واختبار متظاهر ولا أراني كذلك

ص: 123

قال الشاعر

خصائص من تشاوره ثلاث

فخذ منها جميعاً بالوثيقه

وداد خالص ووفور عقل

ومعرفة بحالك في الحقيقه

فمن حصلت له هذي المعاني

فتابع رأيه والزم طريقه

وقال آخر

إذا الأمر أشكل انفاذه

ولم تر منه سبيلاً نجيحا

فشاور لأمرك في ستره

أخاك اللبيب الشفيق النصيحا

آخر

وإذا الأمور عليك يوماً اشكلت

فاعمد لرأي أخ نصيح مرشد

واحفظ نصيحة من بدا لك ودّه

وبرأي أهل الخير جهدك فاهتد

آخر

فما كل ذي ودّ بموليك نصحه

ولا كل مؤت نصحه بلبيب

ولكن إذا ما استجمعا عند واحد

فحق له من طاعة بنصيب

وقال الأحنف بن قيس لا تشاور المعزول فإن رأيه مغلول وقالوا لا تشاور الجائع حتى يشبع ولا العطشان حتى يروى ولا الأسير حتى يطلق ولا المقل حتى يجد ولا الراغب حتى ينجح وقال أفلاطون إذا استشارك عدوك فجرد له النصيحة لأنه قد خرج بالاستشارة من عداوتك إلى موالاتك ولما نوى ابن أبي مريم قاضي مرو أن يزوج ابنه استشار جاراً له مجوسياً فقال سبحان الله يستفتونك وأنت تستفتيني قال لا بد أن تشير علي فقال إن كسرى رئيس

ص: 124

الفرس كان يختار المال وقيصر رئيس الروم كان يختار الجمال ورئيس العرب كان يختار النسب ومحمداً نبيكم كان يختار الدين فانظر بمن تقتدي وقالوا لا تشاور بخيلاً في صلة ولا جباناً في حرب ولا شاباً في جارية وقال بعض الحكماء عليكم بمشورة من حلب ضرع دهره ومرت عليه صروف خيره وشره وبلغ من العمر أشده ومن التجربة أورى زنده ولذلك كانت العرب تقتدي برأي الشيوخ وتعتمد في النوازل على مشورة الكهول لما يوجد فيهم من أصالة الرأي واصابة الحدس وصحة النظر مع ما منحوا من حسن الاختبار وسمت الوقار، وقد عدل قوم عن هذا المرتع ونزعوا غير هذا المنزع فجعلوا للشباب أيسر الأقسام من توقد الفطنة وأوفر السهام من نشاط النفس وقوة المنة فربما قصرت عن مقاومتهم الكهول ولجأت إليهم في كثير من تنقيح الفروع والأصول لتوفر غريزة العقل فيهم وحدة الخاطر التي ترشدهم إلى الصواب وتهديهم ولهذا قال الشاعر

رأيت العقل لم يكن انتهابا

ولا يقسم على عدد السنينا

ولو أن السنين تقسمته

حوى الآباء أنصبة البنينا

وكان بعض الحكماء يقول عليكم بآراء الأحداث ومشورة الشبان لان لهم اذهاناً تقد القواصل وتحطم الذوابل وقالوا آراء الشبان خضرة نضرة لم يهصر غصنها هرم ولا أذوى زهرها قدم ولا خبا من ذكائها بطول المدة ضرم وقال الشاعر

عليكم بآراء الشباب فانها

نتائج ما لم يبله قدم العهد

فروع ذكاء تستمد من النهى

بأنور في الآراء من قمر السعد

ومن أحسن ما قيل في مدح شاب غزير العقل كثير الفضل طاهر الفعل قول الشاعر

أدركت ما فات الكهول من الحجا

في عنفوان شبابك المستقبل

وإذا أمرت فلا يقال لك اتئد

وإذا قضيت فلا يقال لك اعدل

ص: 125

وقيل بل العاقل من أخذ بالاستبداد في الأمور وأجراها مختاراً على حكم القضاء المقدور قال المهلب بن أبي صفرة لو لم يكن في الاستبداد بالرأي الا صون السر وتوفير العقل لوجب التمسك به وقال بزرجمهر أردت نصيحاً أثق به فما وجدت غير فكري واستضأت بنور الشمس والقمر فلم أستضئ بشيء أضوأ من نور قلبي وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما الفكر مرآة ترى المؤمن سيآته فيقلع عنها وحسناته فيكثر منها فلا تقع مقرعة التقريع عليه ولا تنظر عين العواقب شزراً إليه وقال عبد الملك ابن صالح ما استشرت أحداً قط إلا تكبر علي وتصاغرت له ودخلته العزة ودخلتني الذلة فعليك بالاستبداد فان صاحبه جليل في العيون مهيب في الصدور وإنك متى استشرت تضعضع شأنك ورجفت بك أركانك وما عز سلطان لم يغنه عقله عن عقول وزرائه وآراء نصحائه فإياك والمشورة وإن ضاقت عليك المذاهب واشتبهت لديك المسالك وأنشد

فما كل ذي لبّ بمؤتيك نصحه

ولا كل مؤت نصحه بلبيب

وقال عبد الله بن طاهر ما حك ظهري مثل ظفري ولان أخطئ مع الاستبداد ألف خطا أحب إلي من أن أستشير فالحظ بعين النقص والتقصير وما أصدق قول القائل

ليس احتيال ولا عقل ولا أدب

يجدي عليك إذا لم يسعد القدر

ولا توان ولا عجز يضرّ إذا

جاء القضاء بما فيه لك الخير

وعلى المستبد أن يتروى في رأيه فإن أفضل الرأي ما أجادت الفكرة نقده وأحكمت التروية عقده وقالوا كل رأي لم تتمخض به الفكرة ليلة كاملة فهو مولود لغير تمام شاعر

إذا كنت ذا رأي فكن ذا اناءة

فإنّ فساد الرأي أن تتعجلا

وما العجز إلا أن تشاور عاجزاً

وما الحزم إلا أن تهم فتفعلا

ص: 126

وقال شاعر في مستبد

ذهب الصواب برأيه فكأنما

آراؤه خلقت من التأييد

وإذا دجا خطب تبلج رأيه

صبحا من التوفيق والتسديد

وقالوا فلان الخير معقود في نواصي آرأيه واليمن منقاد في نواحي أنحائه فلان إذا أذكى سراج الفكر أضاء ظلام الأمر وقال ابن العميد العاقل من استنتج في كل أمر خاتمته وعلم من كل بدء عاقبته وطالع بقلبه من كل غصن ما يخفى منه ومن كل زرع ما يحصد عنه ولله من قال مادحاً اصابة الرأي

وذو يقظات مستمرّ مريرها

إذا الدهر لاقاها اضمحلت نوائبه

بصير بأعقاب الأمور كأنما

يخاطبه من كل أمر عواقبه

وأين يفرّ الحزم منه وإنما

مرائي الأمور المشكلات تجاربه

وقال أبو عبادة البحتري في سليمان بن عبد الله

يريك بالظنّ ما فاق اليقين به

إذا تلبس دون الظن ايقان

كأن آراءه والحزم يتبعها

تريه كل خفيّ وهو اعلان

ما غاب عن عينه فالقلب يكلؤه

وإن تنم عينه فالقلب يقظان

ومنها

يرى العواقب في أثناء فكرته

كأنّ أفكاره بالغيب كهان

لا فكرة منه إلا تحتها عمل

كالدهر لا دورة ألا لهاشان

وله

يريك بالظنّ ما قلّ اليقين به

والشاهدان عليه العين والأثر

كأنه وزمام الدهر في يده

يرى عواقب ما يأتي وما يذر

ص: 127

آخر

بديهته وفكرته سواء

إذا ما نابه الحطب الخطير

واحزم ما يكون الدهر يوما

إذا عجز المشاور والمشير

والعاقل من نصب من تحيله الحبائل واقتنص بها شوارد المطالب والوسائل

قالوا بالحيلة يستنزل الطير من جو السماء ويستخرج الحوت من جوف الماء فمن المحي في ذلك ما ذكر إن رجلين وثبا على أحد مرازبة كسرى أنوشروان فقتلاه ولم يعرفا فخشى إن هو لم يقتلهما به كان ذلك عاراً عليه وعجزا ينسب إليه فقال في مجمع من الناس إن من قتل المرزبان لعظيم القدرة شديد البأس ولو ظهر لجازيناه بما يستحق ورفعناه على الناس فلما بلغهما كلامه ظهرا وأقرا فقال أنوشروان إني مجازيكما بما تستحقان فإنه لا يكون جزاء من قتل سيده وغدر به إلا القتل وأما رفعكما على الناس فإني أصلبكما على أطول جذع أجده ثم أمر ففعل بهما ذلك وأحسن منها حيلة عملت على الاسكندر فخفي عليه الصواب في التخلص منها وهي ما حكى عنه أنه كان لا يدخل مدينة عنوة إلا هدمها وقتل من فيها فقدم على مدينة كان فيها مؤدب له فخرج إليه فأعظمه وأكرمه وأكبره ثم قال له ما جاء بك قال أيها الملك إن أحق من زين لك أمرك وأعانك عليه لأنا وإن أهل هذه المدينة أبو اطاعتك وطمعوا فيك لمكاني منك وأحب أن لا تشفعني فيهم وأن تخالفني في كل ما أسألك فيه من أمرهم فلما سمع الاسكندر مقالته ظن ذلك نصحاً له وإن غرض المعلم وافق غرضه وسر بذلك فلما رأى المعلم سروره طلب منه العهد على ذلك فعاهده فلما استوثق منه ذلك قال أيها الملك إني أرى من الرأي أن تهدم هذه المدينة وتقتل أهلها فقال الاسكندر لا سبيل إلى ذلك ولا بد من مخالفتك قال فارتحل عنها إذاً فارتحل

ص: 128

أمر عمر بن الخطاب بقتل الهرمزان فشكا العطش فأتى بإناء فيه ماء فلما تناوله أظهر رعشة في يده يوهم أنها من خوف فقال عمر لا بأس عليك حتى تشرب فرمى الإناء من يده فكسره فأمر عمر بقتله قال أوليس قد أعطيتني الأمان قال متى قال ألست قلت لا بأس عليك حتى تشرب ولم أشرب فقال عمر قاتله الله أخذ منا الأمان ولم نشعر ومن ظريف الحيل ما حكى إن سلمان الفارسي خطب بنتاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجابه إلى تزويجه فشق ذلك على ولده عبد الله وشكاه إلى عمرو بن العاص فقال له أنا أرده عنك فقال إن رددته بما يكره غضب أمير المؤمنين فقال لك علي أن أرده راضيا ثم أتى سلمان فضرب بين كتفيه وقال هنيأً لك أبا عبد الله هذا أمير المؤمنين يتواضع بتزويجك بنته فالتفت إليه مغضباً وقال إني متواضع والله لا أتزوجها وأسر معاوية عمرو بن أوس الأودي وكان من أصحاب علي يوم صفين فقدمه للقتل فقال لا تقتلني فانك خالي فقال من أين أنا خالك ولم يكن بيننا وبين أود صهارة فقال إن أخبرتك يكن نافعي عندك قال نعم قال أليست أختك أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين قال بلى قال فأنا ابنها وأنت أخوها فاستظرف قوله وخلى سبيله وحاصر سعد بن أبي وقاص حصن تيماء فطلب من فيه الأمان فأجابهم إلى ذلك فلما تسلمه قتل كل من فيه الأرجلا واحداً وعزم معن بن زائدة على قتل جماعة من الاسراء فلما مثلوا بين يديه قام أصغر القوم وقال أيها الأمير أتقتل أسراك وقد جاعوا وعطشوا فأمر لهم بطعام وشراب فلما أكلوا وشربوا قام إليه وقال أيها الأمير أتقتل أضيافك فحلم عليهم وخلى سبيلهم ولما قبض على ابن المقنع وكل به رجل يعذبه في مال طلب منه فلما طال عليه ذلك وخشى على نفسه التلف اقترض من صاحب العذاب مائة ألف درهم فكان بعد ذلك يرفق به خوفاً على ماله واقتحم رجل على الأحنف بن قيس مجلسه فلطمه فقال له ما حملك على ما فعلت فقال لطمني رجل من تميم فأقسمت أن أقتص من سيدهم فقال له الأحنف لم تبر في يمينك ولست بسيد تميم وإنما سيدهم حارثة بن قدامة فذهب الرجل إليه فوجده بين قومه فلطمه فأمر بقطع يده فقطعت فيقال ما قطع يده إلا الأحنف الذي جرأه على غيره ولم يؤدبه على فعله وإن كانت هذه الحكاية

ص: 129

ليست جارية على المعهود من حلم الأحنف فإن النفوس الشريفة تأتي الاسترسال في الاحتمال لما يحصل في حقها من إهمال واجهال كما قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي معتذراً عمن أحوجه الذب عن سيأدته إلى الخروج عن عادته

إذا أحوجت ذا كرم تخطى

إليك ببعض أخلاق اللئام

وما خرق اللئيم وإن تعدّى

بأبلغ فيك من حقد الكرام

ولى عبد الملك بن مروان أخاه بشراً العراق وضم إليه روح بن زنباغ فلما دخل العراق أغرى بالشراب وثقل عليه ابن زنباغ فقال يوماً من يحتال لي فيه فقال ثمامة الباهلي أنا ثم صار إلى دهليز روح وكتب على حائطه

يا روح من لزنابير محرّشة

إذا يقال لأهل المغرب الباغي

إنّ الخليفة قد شالت نعامته

فاحتل لنفسك يا روح بن زنباغ

فلما قرأه ما ظن إلا أن بعض الجن كتبهما فعدا إلى بشر فاستأذنه في الرجوع إلى الشام فامتنع بشر من الاذن له وجعل يسأله أن يقيم فأبى فأذن له فلما دخل على عبد الملك قال الحمد لله على سلامتك يا أمير المؤمنين قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال له سخرك بشر وأهل العراق لما نقلت عليهم فاحتالوا للراحة منك وقدم قوم غريماً لهم إلى قاض وادعوا عليه بمال فصدقهم فأمره القاضي أن يدفع لكل ذي حق حقه فقال إن لي ريعاً وقد حان استغلاله فإن رأوا أن يؤجلوني أياماً حتى أستغله وأؤدي إليهم حقوقهم فلا بأس فسألهم القاضي ذلك فقالوا والله ما نعلم له سبداً ولا لبداً فقال له القاضي اذهب فقد فلسك غرماؤك وحكى أن رجلاً أراد الحج فأودع عند رجل مالاً فلما رجع طلبه منه فجحده إياه فأتى إياساً القاضي فأخبره فقال له لا تعلم أحداً أنك جئتني وعد إلي بعد يومين ثم دعا اياس ذلك الرجل المودع عنده وقال له إنه قد تحصل عندنا مال لأيتام وأريد دفعه إليك ليكون وديعة في حرزك فحصن بيتك

ص: 130

وانتخب أقواماً ثقات يحملونه معك فرجع الرجل وأصلح منزله ثم دعا اياس صاحب المال وقال له انطلق إلى صاحبك واطلب منه مالك وقل له إن أنت لم ترده علي شكوتك للقاضي فذهب الرجل إليه وطلب منه المال فرده عليه فأخبر الرجل اياساً بذلك فقال ربما كانت الحيلة وسيلة إلى درك المطلوب ولم يعاود اياساً ذلك الرجل المودع عنده فيما وعده به

والحازم من أضاف إلى تاج رياسته

عقوداً من جواهر سياسته

فانهم قالوا من طلب الرياسة فليصبر على مضض السياسية ويقال إذا صحت السياسة ثبتت الرياسة وصف أنوشروان سياسته فقال لم أهزل في أمر ولا نهي ولم أخلف في وعيد ولا وعد وأعاقب للأدب لا للغضب وأثيب للغنى لا للهوى فأودعت قلوب الرعية هيبة لا يشينها منهم هلع ومحبة لا يشوبها فيهم طمع وعممت بالقول وحذفت الفضول وقال أردشير لأصحابه وقد سعى عنده بانسان إنما أملك الظواهر لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر ومن كلامه لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وقالت الحكماء أسوس الملوك لرعيته من قاد أبدانها بقلوبها وقلوبها بخواطرها وخواطرها بأسبابها من الرغبة والرهبة وقالوا قلوب الرعيه خزائن ملكها فما أودعها من شيء فليعلم أنه فيها وقال بزرجمهر العقل حديقة سياجها الشريعة والشريعة سلطان يجب لها الطاعة والطاعة سياسة يقوم بها الملك والملك راع يعضده الجيش والجيش أعوان يكفلهم المال والمال رزق تجمعه الرعية والرعية سواد يستعبدهم العدل والعدل أساس به قوام العالم وقالوا ينبغي للملك أن يتفقد أمر رعيته في كل شهر وأمر خاصته في كل يوم وأمر نفسه في كل ساعة وقال أبو منصور الثعالبي إذا كان الملك واضح ميسم العدل فارش مهاد الفضل باسط جناح البر منبت نور المحبة ممتد ظل الهيبة مالك عنان السياسة فقد أرخ الزمان بحسن آثاره وشق على الملوك شق غباره ومن كلام بعض البلغاء خير الملوك من كفى وكف وعفا وعف وقال الشاعر في بعض ولاة بني مروان

إذا ما قضيتم ليلكم بمنامكم

وأفنيتم أيامكم بمدام

ص: 131

فمن ذا الذي يغشاكم في ملمة

ومن ذا الذي يلقاكم بسلام

رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة

بلثم غلام أو بشرب مدام

ألم تعلموا أن اللسان موكل

بمدح كرام أو بذم لئام

ويقال ينبغي للملك أن يعمل بخصال ثلاثة تأخير عقوبة المسئ وتعجيل ثواب المحسن والعمل بالأناة فيما حدث له فإن في تأخير العقوبة امكان العفو وفي تعجيل ثواب المحسن المسارعة بالطاعة وفي الأناة انفساح الرأي واتضاح الصواب وسأل المأمون رسول الروم لما قدم عليه عن سيرة ملكهم فقال بذل عرفه وسل سيفه فاجتمعت عليه القلوب رغبة ولجأت إليه رهبة سهل النوال حزن النكال فالرجاء والخوف معقودان في يده قال له فكيف حكمه قال يردع الظالم ويحنو على المظلوم فالرعية اثنان راض ومغتبط قال فكيف هيبته فيهم قال يتصور في القلوب فتخشع له الأبصار فقال له المأمون لله أبوك لقد أحسنت فيما وصفت وما أحسن قول معاوية المسلم بن زياد لما ولاه خراسان إن أباك كفاك أخاه عظيماً وقد استكفيتك صغيراً فلا تتكلن على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك وإياك مني قبل أن أقول إياي منك فإن الظن إذا أخلف مني فيك أخلف منك في وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه وقد أتعبك أبوك فلا ترين نفسك وقال أنوشروان الناس ثلاث طبقات نسوسهم ثلاث سياسات طبقة هم خاصة الأبرار نسوسهم بالعطف واللين والاحسان وطبقة هم خاصة الأشرار نسوسهم بالغلظة والعنف وطبقة هم العامة نسوسهم بالشدة واللين كيلا تخرجهم الشدة ولا يبطرهم اللين وقال عبد الله بن طاهر

إذا كنتم للناس أهل سياسة

فسوسوا كرام الناس بالرفق والبذل

وسوسوا لئام الناس بالذل يصلحوا

على الذل إن الذل أوفق للنذل

وقال معاوية بن أبي سفيان إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ولو أن بيني وبين العامة شعرة لما انقطعت قيل له وكيف ذاك قال إن جذبوها أرخيتها وإن أرخوها مددتها وكان زياد إذا ولى رجلاً عملاً قال خذ عهدك وسر إلى بلدك واعلم بأنك مصروف رأس سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك إن وجدناك أميناً ضعيفاً

ص: 132