المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فإنهم العدد والأعوان - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌فإنهم العدد والأعوان

‌الباب الخامس عشر

‌في الاخوة

فيه ثلاث فصول

‌الفصل الأول من هذا الباب

‌في مدح اتخاذ الاخوان

‌فإنهم العدد والأعوان

قال الله تعالى حكاية عن قول الكفار في دركات النار في طلبهم الاغاثة من الصديق على إزالة ما مسهم من عذاب الحريق أو تخفيف ما نالهم من العذاب الأليم فمالنا من شافعين ولا صديق حميم قيل إنما سمي الصديق صديقاً لصدقه فيما يدعيه من المودة وسمي العدو عدواً لعدوه عليك إذا ظفر بك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا من الاخوان فإن الله حي كريم يستحي أن يعذب عبده بين اخوانه وقال عليه الصلاة والسلام المرء كثير بأخيه وقال عليكم باخوان الصدق فإنهم معونة على حوادث الزمان وشركاء في السراء والضراء وما أحسن قول من قال

ما دامت النفس على شهوة

ألذ من ودّ صديق أمين

من فاته ود أخ صالح

فذلك المقطوع منه الوتين

ص: 534

وقيل لحكيم ما أحسن العيش قال اقبال الزمان وعشرة السلطان وكثرة الاخوان

ما ضاع من كان له صاحب

يقدر أن يرفع من شأنه

وإنما الدنيا بسكانها

وإنما المرء باخوانه

ولعلي كرم الله وجهه في معناه

عليك باخوان الصفاء فإنهم

عماد إذا استنجدتهم وظهور

وليس كثيراً ألف خل وصاحب

وإنّ عدوّاً واحداً لكثير

وقال المغيرة بن شعبة التارك للاخوان متروك ويقال الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين وقال الشاعر

وما المرء إلا باخوانه

كما يقبض الكف بالمعصم

ولا خير في الكف مقطوعة

ولا خير في الساعد الأجذم

وقالوا من لم يرغب في الاخوان بلى بالعداوة والخذلان وقالوا اتخاذ الاخوان مسلاة للأحزان وقالوا مثل الصديق كاليد توصل باليد والعين تستعين بالعين الثعالبي الحاجة إلى الأخ المعين كالحاجة إلى الماء المعين وقال الصديق ثاني النفس وثالث العينين وقال في لقاء الاخوان روح الجنان وراحة الجبان وقال لا فاكهة أطيب من مفاكهة الاخوان ولا نسيم أروح من مناسمة الخلان وقيل لبعضهم أيما أعز عليك شقيقك أم صديقك قال شقيقي إذا كان صديقي وقالوا الأخ الصالح خير لك من نفسك لأن النفس أمارة بالسوء والأخ الصالح لا يأمرك إلا بالخير ولم يقل في احتياج الانسان إلى صديق يزينه في المشاهد ويعينه على بلوغ المقاصد مثل قول الفقيه منصور

لولا صدود الصديق عني

ما نال واش مناه مني

ولا أدمت البكاء حتى

قرح فيض الدموع جفني

وما جفاء الصديق إلا

هجوم خوف عقيب امن

ص: 535

وقالوا اصطف من الاخوان من كان ذا عقل موفور يهتدي به إلى مراشد الأمور فإن الأحمق لا يثبت له وصال ولا يدوم لصاحبه على حال وقالوا اصطف من الاخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب فإنه ردء لك عند حاجتك وركن عند نائبتك وأنس عند وحشتك وزين عند عاقبتك وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه

أخلاء الرجال همو كثير

ولكن في البلاء همو قليل

فلا يغررك خلة من تصافي

فمالك عند نائبة خليل

وكم خل يقول أنا وفيّ

ولكن ليس يفعل ما يقول

سوى خل له حسب ودين

فذاك لما يقول هو الفعول

وقد صرح الشاعر في اعتبار الأخلاق واختيار الأعراق بقوله

وإذا جهلت من امرئ أعراقه

وذكرتها فانظر إلى ما يصنع

إنّ النبات إذا استدام به الثرى

مرج النبات به فطاب المرتع

آخر

صافي الكريم فخير من صافيته

من كان ذا شرف وكان عفيفا

إنّ الكريم إذا تضعضع حاله

فالخلق منه لا يزال شريفا

وقال علي رضي الله عنه الأخ رقعة في ثوبك فانظر بم ترقعه وقال العتابي لا تستكثرن من الاخوان إلا أن كانوا أخياراً فإن الاخوان غير الأخيار بمنزلة النار قليلها متاع وكثيرها بوار وقد قال الشاعر

لا تركننّ إلى أهل الزمان ولا

تأمن إلى أحد واستشعر الحذرا

فإن شككت فجرّب من تعاشره

حتى يقول لك التجريب كيف ترى

آخر

تخير من الاخوان كل ابن حرّة

يسرّك عند النائبات بلاؤه

وقارن إذا قارنت حرّاً فإنما

يزين ويزري بالفتى قرناؤه

ص: 536

عدي بن زيد

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحب إلا ردى فتردى مع الردى

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدى

آخر

لا تك للجاهل خدناً فقد

يعتبر الصاحب بالصاحب

علامة الانسان في خدنه

تبين للشاهد والغائب

ولبعضهم

إذا اخترت أن يبقى لك الدهر صاحباً

فمن قبل أن يصفو لك الودّ فاغضبه

فإن كان في حال التباغض راضياً

وإلا فقد جربته فتجنبه

قال ابن مسعود ما شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب وقال حكيم كل انسان يأنس إلى شكله كما أن كل طير يطير مع جنسه ومن النوادر أن حكيماً رأى غراباً مع حمامة فعجب من تألفهما مع مباينتهما في الجنس فأثارهما فإذا كل منهما مكسورا الجناح فقال إنما جمع بينهما العلة وقالت الحكماء الأضداد لا تتفق والأشكال لا تفترق وقالوا على قدر تشاكل الأجناس تتألف قلوب الناس وأقربهما مشاكلة أحسنهما مواصلة وأكثرها تنافراً أطولها تهاجراً وحكى أن عبد الله بن جعفر جاء مكة ليلاً فبات خارجها فلما أصبح دخلها فقال يا أهل مكة عرفنا أخياركم من أشراركم في ليلة واحدة نزلنا ومعنا أخيار وأشرار فنزل أخيارنا على أخياركم وأشرارنا على أشراركم وقد نظم المتنبي هذا القول في بيت واحد فقال

وشبه الشيء منجذب إليه

واشبهنا بدنيانا الطغام

ص: 537

ولغيره

لكل امرئ شكل من الناس مثله

وأكثرهم شكلاً أقلهم عقلا

وكل أناس يألفون لشكلهم

وأكثرهم عقلاً أقلهمو شكلا

لأنّ كثير العقل ليس بواحد

له في فريق كل حين له مثلا

آخر

وقائل كيف تهاجرتما

فقلت قولاً فيه انصاف

لم يك من شكلي ففارقته

والناس أشكال وألاف

وقال الجاحظ من شأن الأجناس أن تتواصل ومن عادة الأشكال أن تتقاوم والشيء يتغلغل إلى معدنه ويحن إلى عنصره فإذا صادف منبته ولاقى عنصره وشج بعروقه وسبق بفروعه وتمكن على الاقامة وثبت ثبات الطينة وقال حاتم

وإني وحيد الفقر مشترك الغنى

وتارك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم بمثله

من الناس إلا كل ذي ثقة مثلي

ولي ملح في المجد والبذل لم يكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي وأستغني بما كان من فضلي

أبو سليمان الخطابي

وما غربة الانسان في شقة النوى

ولكنها والله في عدم الشكل

وإني غريب بين بست وأهلها

وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

ص: 538

ويقال المودة نسبة من غير رحم وصلة من غير قرابة شاعر

ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم

وبلوت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرب نائياً

وإذا المودّة أقرب الأنساب

آخر

ما القرب إلا لمن صحت مودته

ولم يخنك وليس القرب بالنسب

كم من قريب بعيد الودّ مظعن

ومن بعيد سليم الودّ مقترب

فنون شروط الأخاء وحقوقه

الواجبة على كل أحد لصديقه

والقول الجامع لحقوق الصديق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للمسلم على المسلم ست خصال واجبات فمن ترك واحدة منها فقد ترك حقاً واجباً لأخيه عليه أن يسلم عليه إذا لقيه ويشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض ويجيبه إذا دعاه وينصحه إذا غاب ويشيعه إذا مات وقال عمر بن الخطاب ثلاث يصفو بها ود أخيك تسلم عليه إذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه نظم بعض الشعراء هذه الكلمات

ثلاث بها تصفو بودّ أخيكا

إذا اجتمعت بعد الاخوة فيكا

تسلم عليه ضاحكاً متحبباً

إليه إذا لاقيته ولقيكا

وتوسع له بالود في كل مجلس

كما كنت يوماً موسعاً لأبيكا

وتدعوه من أسمائه بأحبها

إليه تكن بالود منه وشيكا

وداوم عليها مع أخيك فإنه

من السوء عند النائبات يقيكا

وسئل عبد الله بن عمر ما حق الصديق على صديقه قال لا تشبع ويجوع وتلبس ويعرى وإن تواسيه بالبيضاء والصفراء نظم شاعر هذه الكلمات

ص: 539

فقال

لخليلي عليّ مني ثلاث

واجبات أخصها اخواني

حفظه في المغيب إن غاب عني

ولقياه بالبشر إن لاقاني

ثم بذلي بما حوته يميني

مشفقاً في الخطوب إن ما دعاني

فمما يعتمد من شرائط الأخاء والمودة

رعاية الأخ أخاه في الرخاء والشدّة

قال علي رضي الله عنه لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث في نكبته وغيبته ووفاته وقال طاوس اليماني لا تواخين إلا الكريم الأبوه الكامل المروه الذي إن بعدت عنه خلفك وإن قربت إليه كنفك وقال الثعالبي ينبغي أن يكون الصديق لصديقه أسمع من خادم وأطوع من حاتم وقيل لابن السماك واسمه محمد بن صبيح أي الاخوان أخلق ببقاء المودة قال الوافر دينه الوافي عقله الذي لا يملك على القرب ولا ينساك عند البعد إن دنوت منه دعاك وإن بعدت عنه رعاك لا يقبضه عنك يسر ولا يقطعه عنك عسر إن استعنته عضدك وإن احتجت له رفدك وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله يستقل كثير المعروف من نفسه ويستكثر قليل المودة من صديقه وقال جعفر الصادق رضي الله عنه للصداقة خمس شروط فمن كانت فيه فأنسبوه إليها ومن لم تكن فيه فلا تنسبوه إلى شيء منها وهي أن يكون زين صديقه زينه وسريرته له كعلانيته وأن لا يغيره عليه مال وأن يراه أهلاً لجميع مودته ولا يسلمه عند النكبات وقال أبو بكر بن عبد الله المزني إذا انقطع شسع نعل أخيك ولم تواسه في الحفاء فقد ملت إلى جانب من الجفاء ومن حق الصداقة حفظ العهد وبذل المال واخلاص المودة ورعاية الغيب وتوقير المشهد ورفض الوحدة وكظم الغيظ واستعمال الحلم ومجانبة الخلاف واحتمال الكل وطلاقة الوجه وصدق اللسان والمشاركة في الباساء

ولقد كرم نجار

من قال في معرض الافتخار

لم يبق مني على الأيام باقية

إلا انقضت غير حفظ العهد والذمم

هذان خلقان أيام الحياة معي

لا يبرحان على الاكثار والعدم

ص: 540

أبو العتاهية

أحب من الاخوان كل مواتي

وكل غضيض الطرف من عثراتي

يوافقني في كل أمر أريده

ويحفظني حياً وبعد مماتي

ومن لي بهذا ليت إني وجدته

فقاسمته مالي من الحسنات

وقالوا خير الاخوان من يستر ذنبك فلم يقرعك به ويخفي معروفه عندك فلم يمن به عليك وقال أعرابي أصحب من ينسى معروفه عندك ويذكر حقوقك عليه وقال آخر أصحب من إذا صحبته زانك وإن خدمته صانك وإن أصابتك خصاصة مانك وإن رأى منك حسنة عدها وإن عثر على سيئة سدها لا تخاف بوائقه ولا تختلف عليك طرائقه أبو نصر الميكالي

أخوك من إن كنت في

نعمي وبؤسي عادلك

وإن بدا لك نقمة

بالبرّ منه عادلك

آخر

خير اخوانك المشارك في

المرّو أين الشريك في المراينا

الذي إن حضرت زانك في

الحيّ وإن غبت كان أذناً وعينا

آخر

لعمرك ما زان الفتى في أموره

ولا شأنه إلا طباع الخلائق

ولا صاحب الأقوام في كل حالة

كحرّ كريم أو خليل موافق

يواسيك في البلوى ويمنحك الهوى

ويصفيك ودّاً ماخضاً غير ماذق

يكون إذا نابتك يوماً عظيمة

سناناً لدى الهيجاء في كل مارق

آخر

إن أخا الصدق من كان معك

ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صدعك

شتت فيك شمله ليجمعك

ص: 541

وقيل لخالد بن صفوان أي اخوانك أوجب عليك حقاً قال الذي يسد خللي ويغفر زللي ويقبل عللي ويبسط عنده أملي وقال الثعالبي صديقك من يرضى خلتك ويسد خلتك وقال الحجاج لابن الفرية ما الكرم قال صدق الأخاء في الشدة والرخاء ويقال صديقك من ساعفك في أطوارك وقدم سعيه في قضاء أوطارك أبو تمام حبيب

من لي بانسان إذا أغضبته

وجهلت كان الجهل ردّ جوابه

وإذا صبوت إلى المدام شربت من

أخلاقه وسكرت من آدابه

وتراه يصغي للحديث بطرفه

وبقلبه ولعله أدرى به

وقال الخليل بن أحمد يجب على الصديق مع صديقه استعمال أربع خصال الصفح قبل الاستقالة وتقديم حسن الظن قبل التهمة والبذل قبل المسئلة ومخرج العذر قبل العتب وقال رجل لمطيع بن اياس جئتك خاطباً لمودتك قال قد زوجتكها على شرط أن تجعل صداقها أن لا تسمع في مقالة الناس وقالوا الستر لما عاينت أحسن من إذاعة ما ظننت شاعر

إذا شئت أن تدعي كريماً مهذباً

حليماً ظريفاً ماجداً فطناً حرا

فإن ما بدت من صاحب لك زلة

فكن أنت محتالاً لزلته عذرا

وقيل لبعض الأدباء من الرفيق قال من أحسن شغله وأوكد فرضه ونفله فقيل له من الشفيق قال من ان دهمتك محنة قذيت عينه لك وإن شملتك منحة قرت عينه بك فقيل له فمن الوفى قال من يحكي بالقصد كما لك ويرعى بلحظه جمالك قيل له فمن الصاحب قال الذي من إذا نأى ذكرك عند الناس وإن دنا خدمك في الكناس وقال بعض البلغاء إذا جاد لك أخوك بماله فقد جاد لك بنفسه لأنه قد بذل لك مالا قوام نفسه الا به وإذا بخل عليك برفده فلا تصدقه في وده ولله در القائل

إذا صاح بي صاحبي يا أخي

وقد عظه الدهر لبيته

أعلل بالوصل عرس الاخاء

ليزكو ما كنت ربيته

له الصفو مما حوته يدي

وبيتي إذا زارني بيته

ص: 542

آخر

أميل مع الصديق على ابن أمي

وآخذ للصديق من الشقيق

فإن أبصرتني حراً مطاعاً

فإنك واجدي عند الصديق

وقالوا لتكن معاونتك أخاك بمهجتك عند البلاء أكثر من معاونتك إياه عند الرخاء وقالوا اجعل حسنات أخيك له محسوبة وسيآته إلى الزمان منسوبة وقالوا من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً ولعدو صديقه عدواً وقالوا ليس من الحب أن تحب ما يبغض حبيبك السري الرفاء

وليس يكون المرء سلم صديقه

إذا لم يكن حرب العدوّ المخالف

آخر

صديق عدوّي داخل في عداوتي

وإني لمن ود الصديق ودود

آخر

تود عدوّي ثم تزعم أنني

صديقك إنّ الرأي منك لعازب

آخر من أبيات

إذا صافي صديقك من تعادي

فقد عاداك وانقطع الكلام

وقالوا يجب على الصديق أن يحتمل لصديقه ثلاث مظالم ظلم الغضب وظلم الدالة وظلم الهفوة وقالوا إذا صح الود سقطت شروط الأدب ويقال

ص: 543

إذا صح الاعتقاد ذهب الانتقاد وقال المأمون أحب الاخوان إلي من يكفيني مؤنة التحفظ

ومما يجب عليه من حسن الصنيع

رفض العتاب واجتناب التفريع

قال عيسى عليه السلام الصبر على أخ بعيب فيه خير من أخ تستأنف مودّته وقيل من عاتب في كل ذنب أخاه فحقيق أن يمله ويقلاه وقالوا قديم الحرمة وحديث التوبة يمحوان ما بينهما من الاساءة شاعر

زين أخاك بحسن وصفك فضله

وأثبت لما يأتي من الحسنات

وتجاف من عثراته واساته

من ذا الذي ينجو من العثرات

وقالوا العفو الذي يقوم مقام العتق ما سلم من تعداد السقطات وخلص من تذكار الفرطات وقالوا ليس من العدل سرعة العذل ويقال العتاب داعية الاجتناب وقالوا عتاب الأحباب داعية الهجر والسباب وقالوا العتاب آكد دواعي القطيعة بين الأحباب شاعر

لولا كراهية السباب وإنني

أخشى القطيعة إن ذكرت عتابا

لذكرت من عثراتكم وذنوبكم

ما لو يمرّ على الفطيم لشابا

آخر

تحمل من صديقك كل ذنب

وعد خطاه من نمط الصواب

ولا تعتب على ذنب حبيباً

فكم هجر تولد من عتاب

أحمد بن يوسف

وكم قد قلتمو قولاً لدينا

له لولا مهابتكم جواب

تركت عتابكم وعفوت إني

رأيت الهجر مبدؤه العتاب

ص: 544

آخر

إذا اعتذر الصديق إليك يوماً

من التقصير عذر أخ مقرّ

فصنه عن عتابك واعف عنه

فإن العفو شيمة كل حر

آخر

لا تجفونّ أخاً وإن أبصرته

لك جافياً ولما تحب منافيا

فالغصن يذبل ثم يصبح ناضراً

والماء يكدر ثم يرجع صافيا

آخر

أخلص الود لمن آخيته

واغفر العثرة منه إن عثر

وإذا زلت به النعل فلا

تلبسن من أجله جلد النمر

عد بحلم منك يطفي جهله

إنما الجهل كنار تستعر

آخر

إذا أنت عاتبت الملوك فإنما

تخط على جار من الماء أحرفا

وهبه ارعوى بعد العتاب ولم تكن

مودّته طبعاً فصارت تكلفا

آخر

وكم من قائل قد قال دعه

فلم يك ودّه لك بالسليم

فقلت إذا جزيت الغدر غدراً

فما فضل الكريم على اللئيم

وأين الألف يعطفني عليه

وأين رعاية الحق القديم

ويقال إذا انبسطت المكاتبة انقبضت المصاحبة وقال أبو بكر الخوارزمي لا خير في حب لا تحتمل أقذاؤه ولا يشرب على الكدر ماؤه وإنما العشرة مجاملة والمجاملة لا تسع الاستقصاء والكشف لا يحتمل الحساب والصرف

ص: 545

محمود الوراق

إن التجني قاطع الرفد

والغيظ يخرج كامن الحقد

فاقبل أخاك على تغيره

وارع الذي قد كان من عهد

آخر

ومن لم يغمض عينه عن صديقه

وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

ومن يتبع جاهداً كل عثرة

يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب

بشار بن برد

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه

وإن أنت لم تشرب مراراً على القذى

ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه

فصن واحداً أو صن أخاك فإنه

مقارف ذنب مرّة ومجانبه

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلاً إن تعدّ معايبه

آخر

أرض من المرء في مودّته

بما يودي إليك ظاهره

من يكشف الناس لم يجد أحداً

تصح منهم له سرائره

يوشك أنّ لا يتم وصل أخ

في كل زلاته تنافره

ابن الرومي

هم الناس في الدنيا فلا بدّ من قذى

يلمّ بعين أو يكدر مشربا

ومن قلة الانصاف أنك تبتغي ال

مهذب في الدنيا ولست المهذبا

ص: 546

العباس بن الأحنف

إنّ بعض العتاب يدعو إلى الهج

ر ويؤذي به المحب الحبيبا

وإذا ما القلوب لم تضمر الود

فلن يعطف العتاب القلوبا

وقالوا الاستقصاء أول الزهد وآخر الود ومن أمثالهم رب خطرة صغيرة عادت همة كبيرة وقال الشاعر

هذي مخايل برق خلفها مطر

جود وورى زناد خلفه لهب

وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه

وأوّل الغيث قطر ثم ينسكب

نصر بن سيار

أرى خلل الرماد وميض جمر

ويوشك أن يكون لها ضرام

فإنّ النار بالعودين تذكو

وإن الحرب أوّلها كلام

فإن لم يطفها عقلاء قوم

يكون وقودها جثث وهام

عبد الله بن طاهر

إذا ما صديقي ضرّني سوء فعله

ولم يك عما ساءني بمفيق

صبرت على أشياء منه تريبني

مخافة أن أبقى بغير صديق

ومنه قول الآخر

وكنت إذا الصديق أراد غيظي

وأشرفني على حنق بريقي

غفرت ذنوبه وعفوت عنه

مخافة أن أعيش بلا صديق

ص: 547

ومنهم من استحسن عتاب الأصحاب

فربما كان حضا على اكتساب المحابّ

قالوا معاتبة الأخ الصديق خير من فقده فلعلها تكون سبباً إلى صلاحه ورشده وقالوا ترك المعاتبة من علامات الاهمال والتواطئ على منهيات الأعمال وقالوا شر الأصحاب من لم ينجع فيه العتاب وقال علي رضي الله عنه عاتب أخاك بالاحسان إليه واردد شره بالافضال عليه وقال علي بن عبيدة الزنجاني العتاب حدائق الأحباب وثمار الود ودليل الظفر وحركات الشوق وراحة الواجد ولسان المشفق وقالوا العتاب يداوي القلوب ويترجم عن خفيات العيوب وما أحسن قول من قال

تواقف عاشقان على ارتعاب

أرادا الوصل من بعد اجتناب

فلا هذا يملّ عتاب هذا

ولا هذا يملّ من الجواب

فلا عيش كوصل بعد هجر

ولا شيء ألذ من العتاب

آخر

أعاتب من أهواه في كل حالة

ليجتنب الأمر الذي معه الذنب

فإني أرى التأنيب عند حدوثه

بمنزلة الغيث الذي قبله الجدب

ومن مستحسنات المعاتبات قول القائل

لا غرو إن كان من دوني يسركم

وأُنثنى عنكمو بالويل والحرب

يدنو الاراك فيمسي وهو ملتثم

ثغر الفتاة ويلقى العود في اللهب

ولبعضهم

سأنسيك نفسي إن نسيت مودّتي

كأنك لم تخطر ببالي ولا وهمي

وأكفيك إذ لم تبغ حمد مذمتي

فتبرأ من حمدي وتبرأ من ذمي

وأنساك نسيان القرون التي مضت

عليها الليالي من جديس ومن طسم

فإن قيل لي أين الذي كان بينكم

رددت عليه أنه كان في الحلم

ص: 548

جرير

فإن تك قد مللت الآن مني

فسوف ترى مجانبتي وبعدي

وسوف تلوم نفسك إن بقينا

وتبلو الناس والاخوان بعدي

فلا والله لا أنساك حتى

أوسد مضجعي وأزور لحدي

ابن الرومي

تخذتكمو حصناً منيعاً لتدافعوا

نبال العدا عني فكنتم نصالها

إذا كنتم لا تدفعون ملمة

عن النفس كونوا لا عليها ولا لها

إبراهيم بن العباس رحمه الله تعالى

وكنت أخي يا أخيّ الزمان

فلما نبا صرت حرباً عوانا

وكنت أعدك للنائبات

فها أنا أطلب منك الأمانا

وكنت أذم إليك الزمان

فها أنا أطلب فيك الزمانا

وقال بعض الأمويين يعاتب عيسى بن موسى

إن تكلمت لم يكن لكلامي

موقع والسكوت ليس بمجدي

وأراني إذا تأملت أمري

ناقص الحظ في دنوّي وبعدي

فابن لي أكل هذا التواني

في جميع الاخوان أم لي وحدي

أم ترى ما اصطنعته عند غيري

واجباً أن أعدّه لك عندي

قد لعمري أيست منك حياتي

ومحال أني أرجيك بعدي

وينبغي للفطن اللبيب أن لا يوغل في عتاب الحبيب فإنهم قالوا في كلام بعض الحكماء بعض المعاتبة حزم وكلها عزم كالخشبة المنصوبة في الشمس تمال فيزيد ظلها وتفرط في الامالة فتنقصه وقالوا الجواد إذا ضرب في غير وقته كبا والحسام إذا استكره نبا ولهذا قال بعض الأعراب أقل الناس عقلاً من أفرط في

ص: 549

اكتساب الاخوان وأقل عقلاً منه من ضيع من ظفر به منهم ويقال قارب الاخوان فإن المقاربة أقرب الأنساب ولا تتقص عليهم فإن التقصي أقطع الأشياء للأسباب ويقال بدقيق العتب على الأحباب تنفر وحشيات الخواطر والألباب وليعمل الصاحب في مصاحبة أخيه يقول القائل

صاف الصديق وأصفه صفو الصفا

واخصص صديقك بالصداقة تخصص

أو بقول الآخر وهو أليق بمن حسنت أخلاقه وكرمت أعراقه

خذ من صديقك مرأى غير مستمع

لا تعدونّ عيان المرء للخبر

إن كنت لا تصطفى ممن ترى أحداً

فاخلق لنفسك اخواناً على قدر

وقالوا كثرة العتاب تحيي مودات الضغائن وتثير كوامن الدفائن شاعر

كثر العتاب فقلت إن عاتبتها

كان العتاب لوصلها استهلاكا

ورجوت أن تبقى المودّة بيننا

موقوفة فتركت ذاك لذاكا

وما أظرف من قال

وأخ كأيام الحياة اخاؤه

تلوّن ألواناً عليّ خطوبها

إذا عبت منه خلة فكرهتها

دعتني إليه خلة لا أعيبها

وكتب يزيد بن معاوية لسالم بن زياد قليل العتاب يؤكد أواخي الأسباب وكثيره يقطع وصائل الأنساب

لا تكثرن في كل حادثة

عتب الصديق فإنه يهفو

هب مشرباً يصفو فتحمده

أترى المشارب كلها تصفو

آخر

لا يؤيسنك من صديقك نبوة

ينبو الفتى وهو الجواد الخضرم

فإذا نبا فاستبقه وتأنه

حتى يفئ به الطباع الأكرم

ص: 550

آخر

وأرى الصديق إذا استشاط تغيظاً

فالغيظ يخرج كامن الأحقاد

ولربما كان التغيظ باعثاً

لتناول الآباء والأجداد

آخر

كاف الخليل على الجميل بمثله

فإذا أساء فكافه بعتابه

وإذا عتبت على امرئ آخيته

فتوق طائر عتبه وسبابه

وألن جناحك ما استلان مودّة

وأجب دعاه إذا دعا بجوابه

ومن ذوي الأنفة من أطاع أمر عقله فكافأ المتكلف للهوى على فعله بمثله كقول الشاعر

إذا تاه الصديق عليك كبراً

فته كبراً على ذاك الصديق

وإن سلك الغرام به طريقاً

فخذ عرضاً سوى ذاك الطريق

فليجاب الحقوق بغير راع

حقوقك رأس تضييع الحقوق

آخر

وإذا الصديق نأى بجانب نفعه

وحماك صوب غمامه المتدفق

وازورّ عنك بجاهه وبماله

وببشره وجنى ولم يتخلق

فاعدده في الموتى فلا معنى له

وأرمي به الغرض البعيد وحلق

إن ظنني للنار منه شفاعة

يوم القيامة ساء ظنّ الأحمق

الكميت

ولست إذا ولي الصديق بودّه

بمكتئب أبكى عليه وأندب

ص: 551

ولكنه إن دام دمت وإن يكن

له مذهب عني فلي عنه مذهب

إلا أنّ خير الودّ ودّ تطوّعت

به النفس لا ودّ أتى وهو متعب

أبو العتاهية

ما أنا إلا كمن عناني

أرى خليلي كما يراني

لست أرى ما ملكت طراً

مكان من لا يرى مكاني

من ذا الذي يرتضي الأقاصي

إن لم ينل خيره إلا داني

آخر

ومن شيمتي أني إذا المرء ملني

وأظهر إعراضاً ومال إلى الغدر

أطلت له قيماً يحب عنانه

وتاركته في جس مس وفي سر

فإن عاد في ودّي رجعت لودّه

وإن لم يعد ألغيت ذاك إلى الحشر

محمد بن حازم

تمادى به الهجران واستحسن الغدرا

وإلى يميناً لا يكلمني الدهرا

فوالله ما استسننت بعد مودّة

صديقاً ولا أرهقت ذا زلة عسرا

فإن عاد في ودي رجعت لودّه

وإلا فإني لا أحمله اصرا

وإن مال عني خائباً نحو عذره

تسليت عنه واستعرت له صبرا

اعدّ لمن أبدى العداوة مثلها

وأجزى على الاحسان واحدة عشرا

سعيد

أشكو إلى الله حياء امرئ

ما كان بالجافي ولا بالملول

كان وصولاً دائماً عهده

خير الاخلاء الودود الوصول

ثم ثناه الدهر عن رأيه

فحال والدهر لقوم يحول

فإن يعد أشكو له ودّه

وإن يطل هجراً فإني حمول

ص: 552

آخر

في سعة الأرض وفي أهلها

مستبدل بالخل والجار

فمن دنا منك فأهلاً به

ومن تولى فإلى النار

ملح من مدح الأخلاء الأصفياء وصفات مودات الأصدقاء الأولياء مدح الصاحب بن عباد صديقاً له فقال تصفحت أوطار القلوب فلم أجد أحسن من قربه وتأملت أشخاص الخطوب فلم أرع بأفظع من بعده محاسنه أنوار لم تحجب بسجوف ومباسمه شموس لم تتصل بكسوف وألفاظه تذكرني بالشباب وريعانه بل بأفنان الصبا وفتيانه ومدح أعرابي صديقاً له فقال مجالسته غنيمة وصحبته سليمة ومواخاته كريمة هو كالمسك إن بعته نفق وإن تركته عبق شاعر يصف أخاً له

أخ وأب وابن وأم شفيقة

تفرق في الأحباب ما هو جامعه

سلوت به عن كل من كان قبله

وأذهلني عن كل ما هو تابعه

آخر

ولي صاحب أصفيه ودّي وإنه

لينصفني في ودّه ويزيد

أمنت صروف الدهر بيني وبينه

إذا دبّ بين الصاحبين حسود

وصف المأمون ثمامة بن أشرس فقال إنه كان يتصرف في القلوب تصرف السحاب مع الجنوب شاعر ولقد أحسن في وصفه لصديقه

خل بلغت برأيه شرف العلا

وأخ غنيت به عن الاخوان

ومتى طلبت عليه طالب حاجة

كفلت يداه بذمتي وضماني

ص: 553

آخر

موفق لسبيل الرشد متبع

يزينه كل ما يأتي ويجتنب

له خلائق بيض لا يغيرها

صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب

ومن كلام الثعالبي يصف صديقاً له فلان كريم ملء لباسه موفق مدد أنفاسه ذو جد كعلو الجد وهدى كحديقة الورد عشرته ألطف من نسيم الشمال على صفحات الماء الزلال وألصق بالقلب من علائق الحب

فتى قدّ قدّ السيف ما ناء عوده

ولا وهنت أعضاؤه ومفاصله

إذا جدّ عند الجدّ ألهاك جدّه

وذو باطل إن شئت ألهاك باطله

آخر

أخ لي لم يلده أبي وأمي

تراه الدهر مغموماً لغمي

يشاطرني سروري في ابتهاجي

ويأخذ عند همي شطر همي

يبصرني عيوبي حين تبدو

مخافة كاشح لهج بذمي

ويصفي الود منه أهل ودي

ويمنع من معاداتي وظلمي

وينفذ حكمه في كل مالي

كما في ماله يرضى بحكمي

فلو أحد من المحذور يفدي

إذا لفديته بدمي ولحمي

آخر

لي صديق إذا نبا بي صديقي

نبوة الدهر كان خير صديق

حقه واجب عليّ مقيم

لا يؤدي وقد قضى لي حقوقي

صادق الودّ والأخاء وما كل

صديق في ودّه بصدوق

فهو كالأم في اللطافة واللي

ن وكالوالد الشفيق الرفيق

والشقيق الوصول والبرّ إن كا

ن بعيداً مني وفوق الشفيق

قد جرى في مفاصل الحب منه

حيث لا يهتدي مجاري العروق

خف ثقلي على صديقي مذ أص

بح دون الاخوان وهو صديقي

هو جاري إن جار دهر وإن عق

زمان فماله من عقوق

ص: 554