الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس عشر
في الاخوة
فيه ثلاث فصول
الفصل الأول من هذا الباب
في مدح اتخاذ الاخوان
فإنهم العدد والأعوان
قال الله تعالى حكاية عن قول الكفار في دركات النار في طلبهم الاغاثة من الصديق على إزالة ما مسهم من عذاب الحريق أو تخفيف ما نالهم من العذاب الأليم فمالنا من شافعين ولا صديق حميم قيل إنما سمي الصديق صديقاً لصدقه فيما يدعيه من المودة وسمي العدو عدواً لعدوه عليك إذا ظفر بك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا من الاخوان فإن الله حي كريم يستحي أن يعذب عبده بين اخوانه وقال عليه الصلاة والسلام المرء كثير بأخيه وقال عليكم باخوان الصدق فإنهم معونة على حوادث الزمان وشركاء في السراء والضراء وما أحسن قول من قال
ما دامت النفس على شهوة
…
ألذ من ودّ صديق أمين
من فاته ود أخ صالح
…
فذلك المقطوع منه الوتين
وقيل لحكيم ما أحسن العيش قال اقبال الزمان وعشرة السلطان وكثرة الاخوان
ما ضاع من كان له صاحب
…
يقدر أن يرفع من شأنه
وإنما الدنيا بسكانها
…
وإنما المرء باخوانه
ولعلي كرم الله وجهه في معناه
عليك باخوان الصفاء فإنهم
…
عماد إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيراً ألف خل وصاحب
…
وإنّ عدوّاً واحداً لكثير
وقال المغيرة بن شعبة التارك للاخوان متروك ويقال الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين وقال الشاعر
وما المرء إلا باخوانه
…
كما يقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة
…
ولا خير في الساعد الأجذم
وقالوا من لم يرغب في الاخوان بلى بالعداوة والخذلان وقالوا اتخاذ الاخوان مسلاة للأحزان وقالوا مثل الصديق كاليد توصل باليد والعين تستعين بالعين الثعالبي الحاجة إلى الأخ المعين كالحاجة إلى الماء المعين وقال الصديق ثاني النفس وثالث العينين وقال في لقاء الاخوان روح الجنان وراحة الجبان وقال لا فاكهة أطيب من مفاكهة الاخوان ولا نسيم أروح من مناسمة الخلان وقيل لبعضهم أيما أعز عليك شقيقك أم صديقك قال شقيقي إذا كان صديقي وقالوا الأخ الصالح خير لك من نفسك لأن النفس أمارة بالسوء والأخ الصالح لا يأمرك إلا بالخير ولم يقل في احتياج الانسان إلى صديق يزينه في المشاهد ويعينه على بلوغ المقاصد مثل قول الفقيه منصور
لولا صدود الصديق عني
…
ما نال واش مناه مني
ولا أدمت البكاء حتى
…
قرح فيض الدموع جفني
وما جفاء الصديق إلا
…
هجوم خوف عقيب امن
وقالوا اصطف من الاخوان من كان ذا عقل موفور يهتدي به إلى مراشد الأمور فإن الأحمق لا يثبت له وصال ولا يدوم لصاحبه على حال وقالوا اصطف من الاخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب فإنه ردء لك عند حاجتك وركن عند نائبتك وأنس عند وحشتك وزين عند عاقبتك وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه
أخلاء الرجال همو كثير
…
ولكن في البلاء همو قليل
فلا يغررك خلة من تصافي
…
فمالك عند نائبة خليل
وكم خل يقول أنا وفيّ
…
ولكن ليس يفعل ما يقول
سوى خل له حسب ودين
…
فذاك لما يقول هو الفعول
وقد صرح الشاعر في اعتبار الأخلاق واختيار الأعراق بقوله
وإذا جهلت من امرئ أعراقه
…
وذكرتها فانظر إلى ما يصنع
إنّ النبات إذا استدام به الثرى
…
مرج النبات به فطاب المرتع
آخر
صافي الكريم فخير من صافيته
…
من كان ذا شرف وكان عفيفا
إنّ الكريم إذا تضعضع حاله
…
فالخلق منه لا يزال شريفا
وقال علي رضي الله عنه الأخ رقعة في ثوبك فانظر بم ترقعه وقال العتابي لا تستكثرن من الاخوان إلا أن كانوا أخياراً فإن الاخوان غير الأخيار بمنزلة النار قليلها متاع وكثيرها بوار وقد قال الشاعر
لا تركننّ إلى أهل الزمان ولا
…
تأمن إلى أحد واستشعر الحذرا
فإن شككت فجرّب من تعاشره
…
حتى يقول لك التجريب كيف ترى
آخر
تخير من الاخوان كل ابن حرّة
…
يسرّك عند النائبات بلاؤه
وقارن إذا قارنت حرّاً فإنما
…
يزين ويزري بالفتى قرناؤه
عدي بن زيد
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
…
ولا تصحب إلا ردى فتردى مع الردى
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
…
فكل قرين بالمقارن يقتدى
آخر
لا تك للجاهل خدناً فقد
…
يعتبر الصاحب بالصاحب
علامة الانسان في خدنه
…
تبين للشاهد والغائب
ولبعضهم
إذا اخترت أن يبقى لك الدهر صاحباً
…
فمن قبل أن يصفو لك الودّ فاغضبه
فإن كان في حال التباغض راضياً
…
وإلا فقد جربته فتجنبه
قال ابن مسعود ما شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب وقال حكيم كل انسان يأنس إلى شكله كما أن كل طير يطير مع جنسه ومن النوادر أن حكيماً رأى غراباً مع حمامة فعجب من تألفهما مع مباينتهما في الجنس فأثارهما فإذا كل منهما مكسورا الجناح فقال إنما جمع بينهما العلة وقالت الحكماء الأضداد لا تتفق والأشكال لا تفترق وقالوا على قدر تشاكل الأجناس تتألف قلوب الناس وأقربهما مشاكلة أحسنهما مواصلة وأكثرها تنافراً أطولها تهاجراً وحكى أن عبد الله بن جعفر جاء مكة ليلاً فبات خارجها فلما أصبح دخلها فقال يا أهل مكة عرفنا أخياركم من أشراركم في ليلة واحدة نزلنا ومعنا أخيار وأشرار فنزل أخيارنا على أخياركم وأشرارنا على أشراركم وقد نظم المتنبي هذا القول في بيت واحد فقال
وشبه الشيء منجذب إليه
…
واشبهنا بدنيانا الطغام
ولغيره
لكل امرئ شكل من الناس مثله
…
وأكثرهم شكلاً أقلهم عقلا
وكل أناس يألفون لشكلهم
…
وأكثرهم عقلاً أقلهمو شكلا
لأنّ كثير العقل ليس بواحد
…
له في فريق كل حين له مثلا
آخر
وقائل كيف تهاجرتما
…
فقلت قولاً فيه انصاف
لم يك من شكلي ففارقته
…
والناس أشكال وألاف
وقال الجاحظ من شأن الأجناس أن تتواصل ومن عادة الأشكال أن تتقاوم والشيء يتغلغل إلى معدنه ويحن إلى عنصره فإذا صادف منبته ولاقى عنصره وشج بعروقه وسبق بفروعه وتمكن على الاقامة وثبت ثبات الطينة وقال حاتم
وإني وحيد الفقر مشترك الغنى
…
وتارك شكل لا يوافقه شكلي
وشكلي شكل لا يقوم بمثله
…
من الناس إلا كل ذي ثقة مثلي
ولي ملح في المجد والبذل لم يكن
…
تأنقها فيما مضى أحد قبلي
وأجعل مالي دون عرضي جنة
…
لنفسي وأستغني بما كان من فضلي
أبو سليمان الخطابي
وما غربة الانسان في شقة النوى
…
ولكنها والله في عدم الشكل
وإني غريب بين بست وأهلها
…
وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
ويقال المودة نسبة من غير رحم وصلة من غير قرابة شاعر
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم
…
وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب نائياً
…
وإذا المودّة أقرب الأنساب
آخر
ما القرب إلا لمن صحت مودته
…
ولم يخنك وليس القرب بالنسب
كم من قريب بعيد الودّ مظعن
…
ومن بعيد سليم الودّ مقترب
فنون شروط الأخاء وحقوقه
…
الواجبة على كل أحد لصديقه
والقول الجامع لحقوق الصديق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للمسلم على المسلم ست خصال واجبات فمن ترك واحدة منها فقد ترك حقاً واجباً لأخيه عليه أن يسلم عليه إذا لقيه ويشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض ويجيبه إذا دعاه وينصحه إذا غاب ويشيعه إذا مات وقال عمر بن الخطاب ثلاث يصفو بها ود أخيك تسلم عليه إذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه نظم بعض الشعراء هذه الكلمات
ثلاث بها تصفو بودّ أخيكا
…
إذا اجتمعت بعد الاخوة فيكا
تسلم عليه ضاحكاً متحبباً
…
إليه إذا لاقيته ولقيكا
وتوسع له بالود في كل مجلس
…
كما كنت يوماً موسعاً لأبيكا
وتدعوه من أسمائه بأحبها
…
إليه تكن بالود منه وشيكا
وداوم عليها مع أخيك فإنه
…
من السوء عند النائبات يقيكا
وسئل عبد الله بن عمر ما حق الصديق على صديقه قال لا تشبع ويجوع وتلبس ويعرى وإن تواسيه بالبيضاء والصفراء نظم شاعر هذه الكلمات
فقال
لخليلي عليّ مني ثلاث
…
واجبات أخصها اخواني
حفظه في المغيب إن غاب عني
…
ولقياه بالبشر إن لاقاني
ثم بذلي بما حوته يميني
…
مشفقاً في الخطوب إن ما دعاني
فمما يعتمد من شرائط الأخاء والمودة
…
رعاية الأخ أخاه في الرخاء والشدّة
قال علي رضي الله عنه لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث في نكبته وغيبته ووفاته وقال طاوس اليماني لا تواخين إلا الكريم الأبوه الكامل المروه الذي إن بعدت عنه خلفك وإن قربت إليه كنفك وقال الثعالبي ينبغي أن يكون الصديق لصديقه أسمع من خادم وأطوع من حاتم وقيل لابن السماك واسمه محمد بن صبيح أي الاخوان أخلق ببقاء المودة قال الوافر دينه الوافي عقله الذي لا يملك على القرب ولا ينساك عند البعد إن دنوت منه دعاك وإن بعدت عنه رعاك لا يقبضه عنك يسر ولا يقطعه عنك عسر إن استعنته عضدك وإن احتجت له رفدك وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله يستقل كثير المعروف من نفسه ويستكثر قليل المودة من صديقه وقال جعفر الصادق رضي الله عنه للصداقة خمس شروط فمن كانت فيه فأنسبوه إليها ومن لم تكن فيه فلا تنسبوه إلى شيء منها وهي أن يكون زين صديقه زينه وسريرته له كعلانيته وأن لا يغيره عليه مال وأن يراه أهلاً لجميع مودته ولا يسلمه عند النكبات وقال أبو بكر بن عبد الله المزني إذا انقطع شسع نعل أخيك ولم تواسه في الحفاء فقد ملت إلى جانب من الجفاء ومن حق الصداقة حفظ العهد وبذل المال واخلاص المودة ورعاية الغيب وتوقير المشهد ورفض الوحدة وكظم الغيظ واستعمال الحلم ومجانبة الخلاف واحتمال الكل وطلاقة الوجه وصدق اللسان والمشاركة في الباساء
ولقد كرم نجار
…
من قال في معرض الافتخار
لم يبق مني على الأيام باقية
…
إلا انقضت غير حفظ العهد والذمم
هذان خلقان أيام الحياة معي
…
لا يبرحان على الاكثار والعدم
أبو العتاهية
أحب من الاخوان كل مواتي
…
وكل غضيض الطرف من عثراتي
يوافقني في كل أمر أريده
…
ويحفظني حياً وبعد مماتي
ومن لي بهذا ليت إني وجدته
…
فقاسمته مالي من الحسنات
وقالوا خير الاخوان من يستر ذنبك فلم يقرعك به ويخفي معروفه عندك فلم يمن به عليك وقال أعرابي أصحب من ينسى معروفه عندك ويذكر حقوقك عليه وقال آخر أصحب من إذا صحبته زانك وإن خدمته صانك وإن أصابتك خصاصة مانك وإن رأى منك حسنة عدها وإن عثر على سيئة سدها لا تخاف بوائقه ولا تختلف عليك طرائقه أبو نصر الميكالي
أخوك من إن كنت في
…
نعمي وبؤسي عادلك
وإن بدا لك نقمة
…
بالبرّ منه عادلك
آخر
خير اخوانك المشارك في
…
المرّو أين الشريك في المراينا
الذي إن حضرت زانك في
…
الحيّ وإن غبت كان أذناً وعينا
آخر
لعمرك ما زان الفتى في أموره
…
ولا شأنه إلا طباع الخلائق
ولا صاحب الأقوام في كل حالة
…
كحرّ كريم أو خليل موافق
يواسيك في البلوى ويمنحك الهوى
…
ويصفيك ودّاً ماخضاً غير ماذق
يكون إذا نابتك يوماً عظيمة
…
سناناً لدى الهيجاء في كل مارق
آخر
إن أخا الصدق من كان معك
…
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
…
شتت فيك شمله ليجمعك
وقيل لخالد بن صفوان أي اخوانك أوجب عليك حقاً قال الذي يسد خللي ويغفر زللي ويقبل عللي ويبسط عنده أملي وقال الثعالبي صديقك من يرضى خلتك ويسد خلتك وقال الحجاج لابن الفرية ما الكرم قال صدق الأخاء في الشدة والرخاء ويقال صديقك من ساعفك في أطوارك وقدم سعيه في قضاء أوطارك أبو تمام حبيب
من لي بانسان إذا أغضبته
…
وجهلت كان الجهل ردّ جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من
…
أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه
…
وبقلبه ولعله أدرى به
وقال الخليل بن أحمد يجب على الصديق مع صديقه استعمال أربع خصال الصفح قبل الاستقالة وتقديم حسن الظن قبل التهمة والبذل قبل المسئلة ومخرج العذر قبل العتب وقال رجل لمطيع بن اياس جئتك خاطباً لمودتك قال قد زوجتكها على شرط أن تجعل صداقها أن لا تسمع في مقالة الناس وقالوا الستر لما عاينت أحسن من إذاعة ما ظننت شاعر
إذا شئت أن تدعي كريماً مهذباً
…
حليماً ظريفاً ماجداً فطناً حرا
فإن ما بدت من صاحب لك زلة
…
فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
وقيل لبعض الأدباء من الرفيق قال من أحسن شغله وأوكد فرضه ونفله فقيل له من الشفيق قال من ان دهمتك محنة قذيت عينه لك وإن شملتك منحة قرت عينه بك فقيل له فمن الوفى قال من يحكي بالقصد كما لك ويرعى بلحظه جمالك قيل له فمن الصاحب قال الذي من إذا نأى ذكرك عند الناس وإن دنا خدمك في الكناس وقال بعض البلغاء إذا جاد لك أخوك بماله فقد جاد لك بنفسه لأنه قد بذل لك مالا قوام نفسه الا به وإذا بخل عليك برفده فلا تصدقه في وده ولله در القائل
إذا صاح بي صاحبي يا أخي
…
وقد عظه الدهر لبيته
أعلل بالوصل عرس الاخاء
…
ليزكو ما كنت ربيته
له الصفو مما حوته يدي
…
وبيتي إذا زارني بيته
آخر
أميل مع الصديق على ابن أمي
…
وآخذ للصديق من الشقيق
فإن أبصرتني حراً مطاعاً
…
فإنك واجدي عند الصديق
وقالوا لتكن معاونتك أخاك بمهجتك عند البلاء أكثر من معاونتك إياه عند الرخاء وقالوا اجعل حسنات أخيك له محسوبة وسيآته إلى الزمان منسوبة وقالوا من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً ولعدو صديقه عدواً وقالوا ليس من الحب أن تحب ما يبغض حبيبك السري الرفاء
وليس يكون المرء سلم صديقه
…
إذا لم يكن حرب العدوّ المخالف
آخر
صديق عدوّي داخل في عداوتي
…
وإني لمن ود الصديق ودود
آخر
تود عدوّي ثم تزعم أنني
…
صديقك إنّ الرأي منك لعازب
آخر من أبيات
إذا صافي صديقك من تعادي
…
فقد عاداك وانقطع الكلام
وقالوا يجب على الصديق أن يحتمل لصديقه ثلاث مظالم ظلم الغضب وظلم الدالة وظلم الهفوة وقالوا إذا صح الود سقطت شروط الأدب ويقال
إذا صح الاعتقاد ذهب الانتقاد وقال المأمون أحب الاخوان إلي من يكفيني مؤنة التحفظ
ومما يجب عليه من حسن الصنيع
…
رفض العتاب واجتناب التفريع
قال عيسى عليه السلام الصبر على أخ بعيب فيه خير من أخ تستأنف مودّته وقيل من عاتب في كل ذنب أخاه فحقيق أن يمله ويقلاه وقالوا قديم الحرمة وحديث التوبة يمحوان ما بينهما من الاساءة شاعر
زين أخاك بحسن وصفك فضله
…
وأثبت لما يأتي من الحسنات
وتجاف من عثراته واساته
…
من ذا الذي ينجو من العثرات
وقالوا العفو الذي يقوم مقام العتق ما سلم من تعداد السقطات وخلص من تذكار الفرطات وقالوا ليس من العدل سرعة العذل ويقال العتاب داعية الاجتناب وقالوا عتاب الأحباب داعية الهجر والسباب وقالوا العتاب آكد دواعي القطيعة بين الأحباب شاعر
لولا كراهية السباب وإنني
…
أخشى القطيعة إن ذكرت عتابا
لذكرت من عثراتكم وذنوبكم
…
ما لو يمرّ على الفطيم لشابا
آخر
تحمل من صديقك كل ذنب
…
وعد خطاه من نمط الصواب
ولا تعتب على ذنب حبيباً
…
فكم هجر تولد من عتاب
أحمد بن يوسف
وكم قد قلتمو قولاً لدينا
…
له لولا مهابتكم جواب
تركت عتابكم وعفوت إني
…
رأيت الهجر مبدؤه العتاب
آخر
إذا اعتذر الصديق إليك يوماً
…
من التقصير عذر أخ مقرّ
فصنه عن عتابك واعف عنه
…
فإن العفو شيمة كل حر
آخر
لا تجفونّ أخاً وإن أبصرته
…
لك جافياً ولما تحب منافيا
فالغصن يذبل ثم يصبح ناضراً
…
والماء يكدر ثم يرجع صافيا
آخر
أخلص الود لمن آخيته
…
واغفر العثرة منه إن عثر
وإذا زلت به النعل فلا
…
تلبسن من أجله جلد النمر
عد بحلم منك يطفي جهله
…
إنما الجهل كنار تستعر
آخر
إذا أنت عاتبت الملوك فإنما
…
تخط على جار من الماء أحرفا
وهبه ارعوى بعد العتاب ولم تكن
…
مودّته طبعاً فصارت تكلفا
آخر
وكم من قائل قد قال دعه
…
فلم يك ودّه لك بالسليم
فقلت إذا جزيت الغدر غدراً
…
فما فضل الكريم على اللئيم
وأين الألف يعطفني عليه
…
وأين رعاية الحق القديم
ويقال إذا انبسطت المكاتبة انقبضت المصاحبة وقال أبو بكر الخوارزمي لا خير في حب لا تحتمل أقذاؤه ولا يشرب على الكدر ماؤه وإنما العشرة مجاملة والمجاملة لا تسع الاستقصاء والكشف لا يحتمل الحساب والصرف
محمود الوراق
إن التجني قاطع الرفد
…
والغيظ يخرج كامن الحقد
فاقبل أخاك على تغيره
…
وارع الذي قد كان من عهد
آخر
ومن لم يغمض عينه عن صديقه
…
وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتبع جاهداً كل عثرة
…
يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
بشار بن برد
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
…
خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه
وإن أنت لم تشرب مراراً على القذى
…
ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه
فصن واحداً أو صن أخاك فإنه
…
مقارف ذنب مرّة ومجانبه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
…
كفى المرء نبلاً إن تعدّ معايبه
آخر
أرض من المرء في مودّته
…
بما يودي إليك ظاهره
من يكشف الناس لم يجد أحداً
…
تصح منهم له سرائره
يوشك أنّ لا يتم وصل أخ
…
في كل زلاته تنافره
ابن الرومي
هم الناس في الدنيا فلا بدّ من قذى
…
يلمّ بعين أو يكدر مشربا
ومن قلة الانصاف أنك تبتغي ال
…
مهذب في الدنيا ولست المهذبا
العباس بن الأحنف
إنّ بعض العتاب يدعو إلى الهج
…
ر ويؤذي به المحب الحبيبا
وإذا ما القلوب لم تضمر الود
…
فلن يعطف العتاب القلوبا
وقالوا الاستقصاء أول الزهد وآخر الود ومن أمثالهم رب خطرة صغيرة عادت همة كبيرة وقال الشاعر
هذي مخايل برق خلفها مطر
…
جود وورى زناد خلفه لهب
وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه
…
وأوّل الغيث قطر ثم ينسكب
نصر بن سيار
أرى خلل الرماد وميض جمر
…
ويوشك أن يكون لها ضرام
فإنّ النار بالعودين تذكو
…
وإن الحرب أوّلها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم
…
يكون وقودها جثث وهام
عبد الله بن طاهر
إذا ما صديقي ضرّني سوء فعله
…
ولم يك عما ساءني بمفيق
صبرت على أشياء منه تريبني
…
مخافة أن أبقى بغير صديق
ومنه قول الآخر
وكنت إذا الصديق أراد غيظي
…
وأشرفني على حنق بريقي
غفرت ذنوبه وعفوت عنه
…
مخافة أن أعيش بلا صديق
ومنهم من استحسن عتاب الأصحاب
…
فربما كان حضا على اكتساب المحابّ
قالوا معاتبة الأخ الصديق خير من فقده فلعلها تكون سبباً إلى صلاحه ورشده وقالوا ترك المعاتبة من علامات الاهمال والتواطئ على منهيات الأعمال وقالوا شر الأصحاب من لم ينجع فيه العتاب وقال علي رضي الله عنه عاتب أخاك بالاحسان إليه واردد شره بالافضال عليه وقال علي بن عبيدة الزنجاني العتاب حدائق الأحباب وثمار الود ودليل الظفر وحركات الشوق وراحة الواجد ولسان المشفق وقالوا العتاب يداوي القلوب ويترجم عن خفيات العيوب وما أحسن قول من قال
تواقف عاشقان على ارتعاب
…
أرادا الوصل من بعد اجتناب
فلا هذا يملّ عتاب هذا
…
ولا هذا يملّ من الجواب
فلا عيش كوصل بعد هجر
…
ولا شيء ألذ من العتاب
آخر
أعاتب من أهواه في كل حالة
…
ليجتنب الأمر الذي معه الذنب
فإني أرى التأنيب عند حدوثه
…
بمنزلة الغيث الذي قبله الجدب
ومن مستحسنات المعاتبات قول القائل
لا غرو إن كان من دوني يسركم
…
وأُنثنى عنكمو بالويل والحرب
يدنو الاراك فيمسي وهو ملتثم
…
ثغر الفتاة ويلقى العود في اللهب
ولبعضهم
سأنسيك نفسي إن نسيت مودّتي
…
كأنك لم تخطر ببالي ولا وهمي
وأكفيك إذ لم تبغ حمد مذمتي
…
فتبرأ من حمدي وتبرأ من ذمي
وأنساك نسيان القرون التي مضت
…
عليها الليالي من جديس ومن طسم
فإن قيل لي أين الذي كان بينكم
…
رددت عليه أنه كان في الحلم
جرير
فإن تك قد مللت الآن مني
…
فسوف ترى مجانبتي وبعدي
وسوف تلوم نفسك إن بقينا
…
وتبلو الناس والاخوان بعدي
فلا والله لا أنساك حتى
…
أوسد مضجعي وأزور لحدي
ابن الرومي
تخذتكمو حصناً منيعاً لتدافعوا
…
نبال العدا عني فكنتم نصالها
إذا كنتم لا تدفعون ملمة
…
عن النفس كونوا لا عليها ولا لها
إبراهيم بن العباس رحمه الله تعالى
وكنت أخي يا أخيّ الزمان
…
فلما نبا صرت حرباً عوانا
وكنت أعدك للنائبات
…
فها أنا أطلب منك الأمانا
وكنت أذم إليك الزمان
…
فها أنا أطلب فيك الزمانا
وقال بعض الأمويين يعاتب عيسى بن موسى
إن تكلمت لم يكن لكلامي
…
موقع والسكوت ليس بمجدي
وأراني إذا تأملت أمري
…
ناقص الحظ في دنوّي وبعدي
فابن لي أكل هذا التواني
…
في جميع الاخوان أم لي وحدي
أم ترى ما اصطنعته عند غيري
…
واجباً أن أعدّه لك عندي
قد لعمري أيست منك حياتي
…
ومحال أني أرجيك بعدي
وينبغي للفطن اللبيب أن لا يوغل في عتاب الحبيب فإنهم قالوا في كلام بعض الحكماء بعض المعاتبة حزم وكلها عزم كالخشبة المنصوبة في الشمس تمال فيزيد ظلها وتفرط في الامالة فتنقصه وقالوا الجواد إذا ضرب في غير وقته كبا والحسام إذا استكره نبا ولهذا قال بعض الأعراب أقل الناس عقلاً من أفرط في
اكتساب الاخوان وأقل عقلاً منه من ضيع من ظفر به منهم ويقال قارب الاخوان فإن المقاربة أقرب الأنساب ولا تتقص عليهم فإن التقصي أقطع الأشياء للأسباب ويقال بدقيق العتب على الأحباب تنفر وحشيات الخواطر والألباب وليعمل الصاحب في مصاحبة أخيه يقول القائل
صاف الصديق وأصفه صفو الصفا
…
واخصص صديقك بالصداقة تخصص
أو بقول الآخر وهو أليق بمن حسنت أخلاقه وكرمت أعراقه
خذ من صديقك مرأى غير مستمع
…
لا تعدونّ عيان المرء للخبر
إن كنت لا تصطفى ممن ترى أحداً
…
فاخلق لنفسك اخواناً على قدر
وقالوا كثرة العتاب تحيي مودات الضغائن وتثير كوامن الدفائن شاعر
كثر العتاب فقلت إن عاتبتها
…
كان العتاب لوصلها استهلاكا
ورجوت أن تبقى المودّة بيننا
…
موقوفة فتركت ذاك لذاكا
وما أظرف من قال
وأخ كأيام الحياة اخاؤه
…
تلوّن ألواناً عليّ خطوبها
إذا عبت منه خلة فكرهتها
…
دعتني إليه خلة لا أعيبها
وكتب يزيد بن معاوية لسالم بن زياد قليل العتاب يؤكد أواخي الأسباب وكثيره يقطع وصائل الأنساب
لا تكثرن في كل حادثة
…
عتب الصديق فإنه يهفو
هب مشرباً يصفو فتحمده
…
أترى المشارب كلها تصفو
آخر
لا يؤيسنك من صديقك نبوة
…
ينبو الفتى وهو الجواد الخضرم
فإذا نبا فاستبقه وتأنه
…
حتى يفئ به الطباع الأكرم
آخر
وأرى الصديق إذا استشاط تغيظاً
…
فالغيظ يخرج كامن الأحقاد
ولربما كان التغيظ باعثاً
…
لتناول الآباء والأجداد
آخر
كاف الخليل على الجميل بمثله
…
فإذا أساء فكافه بعتابه
وإذا عتبت على امرئ آخيته
…
فتوق طائر عتبه وسبابه
وألن جناحك ما استلان مودّة
…
وأجب دعاه إذا دعا بجوابه
ومن ذوي الأنفة من أطاع أمر عقله فكافأ المتكلف للهوى على فعله بمثله كقول الشاعر
إذا تاه الصديق عليك كبراً
…
فته كبراً على ذاك الصديق
وإن سلك الغرام به طريقاً
…
فخذ عرضاً سوى ذاك الطريق
فليجاب الحقوق بغير راع
…
حقوقك رأس تضييع الحقوق
آخر
وإذا الصديق نأى بجانب نفعه
…
وحماك صوب غمامه المتدفق
وازورّ عنك بجاهه وبماله
…
وببشره وجنى ولم يتخلق
فاعدده في الموتى فلا معنى له
…
وأرمي به الغرض البعيد وحلق
إن ظنني للنار منه شفاعة
…
يوم القيامة ساء ظنّ الأحمق
الكميت
ولست إذا ولي الصديق بودّه
…
بمكتئب أبكى عليه وأندب
ولكنه إن دام دمت وإن يكن
…
له مذهب عني فلي عنه مذهب
إلا أنّ خير الودّ ودّ تطوّعت
…
به النفس لا ودّ أتى وهو متعب
أبو العتاهية
ما أنا إلا كمن عناني
…
أرى خليلي كما يراني
لست أرى ما ملكت طراً
…
مكان من لا يرى مكاني
من ذا الذي يرتضي الأقاصي
…
إن لم ينل خيره إلا داني
آخر
ومن شيمتي أني إذا المرء ملني
…
وأظهر إعراضاً ومال إلى الغدر
أطلت له قيماً يحب عنانه
…
وتاركته في جس مس وفي سر
فإن عاد في ودّي رجعت لودّه
…
وإن لم يعد ألغيت ذاك إلى الحشر
محمد بن حازم
تمادى به الهجران واستحسن الغدرا
…
وإلى يميناً لا يكلمني الدهرا
فوالله ما استسننت بعد مودّة
…
صديقاً ولا أرهقت ذا زلة عسرا
فإن عاد في ودي رجعت لودّه
…
وإلا فإني لا أحمله اصرا
وإن مال عني خائباً نحو عذره
…
تسليت عنه واستعرت له صبرا
اعدّ لمن أبدى العداوة مثلها
…
وأجزى على الاحسان واحدة عشرا
سعيد
أشكو إلى الله حياء امرئ
…
ما كان بالجافي ولا بالملول
كان وصولاً دائماً عهده
…
خير الاخلاء الودود الوصول
ثم ثناه الدهر عن رأيه
…
فحال والدهر لقوم يحول
فإن يعد أشكو له ودّه
…
وإن يطل هجراً فإني حمول
آخر
في سعة الأرض وفي أهلها
…
مستبدل بالخل والجار
فمن دنا منك فأهلاً به
…
ومن تولى فإلى النار
ملح من مدح الأخلاء الأصفياء وصفات مودات الأصدقاء الأولياء مدح الصاحب بن عباد صديقاً له فقال تصفحت أوطار القلوب فلم أجد أحسن من قربه وتأملت أشخاص الخطوب فلم أرع بأفظع من بعده محاسنه أنوار لم تحجب بسجوف ومباسمه شموس لم تتصل بكسوف وألفاظه تذكرني بالشباب وريعانه بل بأفنان الصبا وفتيانه ومدح أعرابي صديقاً له فقال مجالسته غنيمة وصحبته سليمة ومواخاته كريمة هو كالمسك إن بعته نفق وإن تركته عبق شاعر يصف أخاً له
أخ وأب وابن وأم شفيقة
…
تفرق في الأحباب ما هو جامعه
سلوت به عن كل من كان قبله
…
وأذهلني عن كل ما هو تابعه
آخر
ولي صاحب أصفيه ودّي وإنه
…
لينصفني في ودّه ويزيد
أمنت صروف الدهر بيني وبينه
…
إذا دبّ بين الصاحبين حسود
وصف المأمون ثمامة بن أشرس فقال إنه كان يتصرف في القلوب تصرف السحاب مع الجنوب شاعر ولقد أحسن في وصفه لصديقه
خل بلغت برأيه شرف العلا
…
وأخ غنيت به عن الاخوان
ومتى طلبت عليه طالب حاجة
…
كفلت يداه بذمتي وضماني
آخر
موفق لسبيل الرشد متبع
…
يزينه كل ما يأتي ويجتنب
له خلائق بيض لا يغيرها
…
صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب
ومن كلام الثعالبي يصف صديقاً له فلان كريم ملء لباسه موفق مدد أنفاسه ذو جد كعلو الجد وهدى كحديقة الورد عشرته ألطف من نسيم الشمال على صفحات الماء الزلال وألصق بالقلب من علائق الحب
فتى قدّ قدّ السيف ما ناء عوده
…
ولا وهنت أعضاؤه ومفاصله
إذا جدّ عند الجدّ ألهاك جدّه
…
وذو باطل إن شئت ألهاك باطله
آخر
أخ لي لم يلده أبي وأمي
…
تراه الدهر مغموماً لغمي
يشاطرني سروري في ابتهاجي
…
ويأخذ عند همي شطر همي
يبصرني عيوبي حين تبدو
…
مخافة كاشح لهج بذمي
ويصفي الود منه أهل ودي
…
ويمنع من معاداتي وظلمي
وينفذ حكمه في كل مالي
…
كما في ماله يرضى بحكمي
فلو أحد من المحذور يفدي
…
إذا لفديته بدمي ولحمي
آخر
لي صديق إذا نبا بي صديقي
…
نبوة الدهر كان خير صديق
حقه واجب عليّ مقيم
…
لا يؤدي وقد قضى لي حقوقي
صادق الودّ والأخاء وما كل
…
صديق في ودّه بصدوق
فهو كالأم في اللطافة واللي
…
ن وكالوالد الشفيق الرفيق
والشقيق الوصول والبرّ إن كا
…
ن بعيداً مني وفوق الشفيق
قد جرى في مفاصل الحب منه
…
حيث لا يهتدي مجاري العروق
خف ثقلي على صديقي مذ أص
…
بح دون الاخوان وهو صديقي
هو جاري إن جار دهر وإن عق
…
زمان فماله من عقوق