الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالوا المنع بالعذر الجميل خير من المطل الطويل وقالوا المطل مرض المعروف والانجاز برؤه والمنع تلفه وقالوا المسؤل حر حتى يعدو مسترق بالوعد حتى ينجز وقالوا من مروأة المطلوب إليه أن لا يلجئ إلى الالحاح عليه وقالوا الاسراع بالرد خير من الابطاء بالوعد أبو تمام
وخير عداة المرء مختصراتها
…
كما أن خير الليالي قصارها
وإن الليالي الصالحات كبارها
…
إذا وقعت تحت المطال صغارها
وما العرف بالتسويف إلا كخلة
…
تسليت عنها حين شط مزارها
آخر
إذا قلت في شيء نعم فاتمه
…
فإن نعم دين على الحرّ واجب
وإلا فقل لا واسترح وأرح بها
…
لكيلا يقول الناس إنك كاذب
وقالوا لولا أن انجاز الوعد فضيلة معدومة في أكثر الناس لما وصف الله سبحانه وتعالى نبيه إسمعيل بصدق الوعد شاعر
إنّ الحوائج ربما أودى بها
…
متطلب يقضي له ممطولها
فإذا قصدت لطالب لك حاجة
…
فاعلم بأنّ تمامها تعجيلها
الفصل الثاني من الباب التاسع
في منح الأماجد الأجواد
وملح الوافدين والقصاد
فمما يجب أن يقدم فيما يممناه
…
تلطف الراغب لينال ما تمناه
يقال التلطف في السؤال سبب لتحصيل النوال وقالت الحكماء لطف الاستماح سبب النجاح وقال العتابي إذا طلبت حاجة إلى ذي سلطان فأجمل في الطلب إليه وإياك والالحاح عليه فإن اللحاحة تكلم عرضك وتريق ماء
وجهك فلا تأخذ عوضاً مما أخذ منك ولعل الالحاح يجمع عليك أخلاق الوقاح وحرمان النجاح ولقد أحسن الأدب القائل
وإذا طلبت إلى كريم حاجة
…
فلقاؤه يكفيك والتسليم
فإذا رآك مسلماً عرف الذي
…
حملته فكأنه ملزوم
نقض بعضهم هذا بقوله
حث الجواد على الندى وتقاضه
…
بالوعد واحمله على الانجاز
ودع الوثوق بطبعه فلربما
…
نشط الجواد بشوكة المهماز
وقال بعضهم مقيماً عذر من منع
وإذا طلبت إلى كريم حاجة
…
فأبى فلا تقعد عليه بحاجب
فلربما ضن الجواد وما به
…
بخل ولكن سوء حظ الطالب
فمن أحاسن بدائع ما تلطف به من استماح
…
من الكلام الخادع لذوي السماح
ما حكى أن زياد بن أبيه نظر إلى أعرابي يأكل على مائدته أكلاً ذريعاً وهو من أقبح الناس وجهاً فقال يا أعرابي كم عيالك قال سبع بنات أنا أجمل منهن وهن آكل مني فضحك زياد وقال لله درك ما ألطف جوابك افرضوا لكل واحدة منهن مائة دينار وعجلوا لهن ذلك وقد روى الأصمعي هذه الحكاية وذكر أنها جرت لسعيد بن المحسن مع زياد وأنه لما وصله ووصل أولاده خرج وهو ينشد
إذا كنت مرتاد السماحة والندى
…
فبادر زياداً أو أخاً لزياد
يجبك امرؤ يعطي على الحمد ماله
…
إذا ضن بالمعروف كل جواد
ومالي لا أثني عليه وإنما
…
طريقي من معروفه وتلادي
وحكى أن نصيباً قال لعبد الملك بن مروان يا أمير المؤمنين إن لي بنات نفضت عليهن من سوادي فضحك منه وأمر له بصلة وقال المأمون للعتابي سلني فقال يداك بالنوال انطق من لساني بالسؤال وقصد بعض الشعراء معن بن زائدة الشيباني يستجديه فأذن عليه فلم يأذن له الحاجب وكان معن في بستان له فعمد الشاعر إلى قطعة خشب وكتب عليها
أيا جود معن ناج معنا بحاجتي
…
فمالي إلى معن سواك رسول
وأرسلها في ساقية تصل إليه فلما وصلت إليه وقرأها أذن له ووصله بعشرة آلاف درهم وأمر المأمون محمد بن حازم أن يرتجل بيتين من الشعر فقال
أنت سماء ويدي أرضها
…
والأرض قد تأمل غيث السماء
فازرع يداً عندي محمودة
…
تحصد بها مني حسن الثناء
فاستحسن ذلك منه وأعطاه عشرة آلاف درهم سأل أعرابي عبد الملك ابن مروان فقال له سل الله تعالى فقال قد سألته فأحالني عليك فضحك منه وأعطاه وقدم على مخلد بن يزيد بن المهلب رجل كان قد ازدراه فأجازه فقال ألم تكن قد أتيتنا فأجزناك قال بلى قال فما ردك قال قول الكميت فيك
سألناه الجزيل فما تلكى
…
وأعطى فوق منيتنا وزادا
وأحسن ثم أحسن ثم عدنا
…
فأحسن ثم أحسن ثم عادا
مراراً لا أعود إليه إلا
…
تبسم ضاحكاً وثنى الوسادا
فاضعف له ما كان أعطاه وقد نسب ابن عبدوس هذه الأبيات لزياد بن عمرو العتكي في عبد الرحمن بن زياد في كتاب الوزراء له ودخل أعرابي على
خالد ابن عبد الله القسري فقال
أخالد إني لم أزرك لحاجة
…
سوى إنني عاف وأنت جواد
أخالد بين الحمد والأجر حاجتي
…
فأيهما تأتي فأنت عماد
فقال له خالد سل حاجتك قال مائة ألف درهم قال خالد أسرفت فاحططنا منها قال حططتك ألفاً فقال خالد ما أعجب ما سألت وما حططت فقال لا يعجب الأمير سألته على قدره وحططته على قدري فضحك منه وأمر له بما طلب وسأل رجل أسد بن عبد الله فقال إني لا أسألك من حاجة ولكني رأيتك تحب من أعطيت فأحببت أن تحبني فأعطاه عشرة آلاف درهم وقصد تمام بن حبيب ابن أوس الطائي عبد الله بن طاهر بعد موت أبيه أبي تمام فاستنشده فانشده
حياك رب الناس حياكا
…
إذ بجمال الوجه رواكا
بغداد من نورك قد أشرقت
…
وأورق العود بجدواكا
فأطرق عبد الله ساعة ثم قال
حياك رب الناس حياكا
…
إنّ الذي أملت أخطاكا
أتيت شخصاً قد خلا كيسه
…
ولو حوى شيأً لأعطاكا
فقال أيها الأمير إن بيع الشعر بالشعر ربا فاجعل بينهما فضلاً من المال فضحك منه وقال لئن فاتك شعر أبيك فما فاتك ظرفه وأمر له بصلة وقف رجل لعبد الله بن طاهر في طريقه فناشده أن يقف له حتى ينشده ثلاثة أبيات فوقف وقال له قل فأنشده
إذا قيل أيّ فتى تعلمون
…
أهش إلى البائس والنائل
واضرب للهام يوم الوغى
…
واطعم في الزمن الماحل
أشار إليك جميع الأنام
…
اشارة غرقى إلى الساحل
فأمر له بخمسين ألف درهم وكتب أحمد بن أبي طاهر إلى إسمعيل بن بلبل رقعة يذكر فيها اختلال حاله وفي آخر الرقعة
يا سيداً لم يزل
…
غيثاً لكل مؤمليه
إن كنت أملك درهماً
…
فكفرت بالمنقوش فيه
فبعث إليه بثلاثة آلاف دينار حكى أن أعرابياً وفد على معن بن زائدة فلما مثل بين يديه قال ممن الرجل قال رجل من العرب وهم أصلك وقومك فلا تشغلني بالسؤال عما هم فيه من سوء الحال قال فما حاجتك قال نأي بلدي وكثرة ولدي وضعف جلدي وقلة ذات يدي فأتيتك يا مغيث اللهيف وجابر الضعيف آملاً لجودك راجياً لزودك قال فهل من قرابة تمت بها أو يد تتوسل بمثلها قال أنت أفضل من أن يبتدئ مثلي يداً إلى مثلك أو يتوسل إليك بغير فضلك أو تتمحل الحيل عليك بذلك وقد قلت في ذلك شعراً قال هاته فأنشد
أيا جود معن ناج معنا بحاجتي
…
فمالي إلى معن سواك شفيع
قال إذا لا أشفعه فيك فقال الأعرابي ما أنت بالبخيل فأوجه الذم إليك ولا أوليت ما يحسن ثنائي عليك ثم انصرف وهو يقول
بأيّ الخصلتين عليك أثنى
…
فإني عند منصرفي سؤل
أيا لحسنى وليس لها ضياء
…
عليّ فمن يصدّق ما أقول
أم الأخرى تكون فتلك عار
…
على من دأبه الفعل الجميل
فرق له وأجزل صلته وفد على أبي دلف قاسم بن عيسى العجلي مستجدياً فأقام ببابه مدة لا يصل إليه فكتب في رقعة هذه الأبيات
ماذا أقول إذا أتيت معاشراً
…
صفراً يدي من عند أروع مفضل
إن قلت أعطاني كذبت وإن أقل
…
ضنّ الجواد بماله لم يجمل
أم ما أقول إذا سئلت وقيل لي
…
ماذا أفدت من الأمير المجزل
ولأنت أعلم بالمكارم والعلا
…
من أن أقول فعلت ما لم تفعل
فاختر لنفسك ما أقول فإنني
…
لا بدّ أعلمهم وإن لم أسأل
ودفعها فلما وقف عليها أبو دلف أمر له عن كل يوم أقامه ألف درهم وكتب خلف الرقعة
أعجلتنا فأتاك عاجل برّنا
…
نزراً ولو أمهلتنا لم نقلل
فخذ القليل وكن كأنك لم تسل
…
ونكون نحن كأننا لم نسأل
ويحكى أن أبا دلامة دخل على المنصور فأنشده
باتت تعاتبني من بعد رقدتها
…
أمّ الدلامة لما هاجها الجزع
وقالت ابتع لنا نخلاً ومزدرعاً
…
كما لجيراننا نخل ومزدرع
خادع خليفتنا عنها بمسئلة
…
إن الخليفة للتسآل ينخدع
فأمر أن يقطع ألف جريب عامرة وألف جريد غامرة فقال أبو دلامة أما العامرة فقد عرفته فما الغامرة قال ما لا يدركه الماء ولا يسقى إلا بالكلفة والمؤنة فقال أبو دلامة أشهدك يا أمير المؤمنين ومن حضر أني أقطعت عبد الملك بادية بني أسد فضحك المنصور وقال يا عبد الملك اكتب عامرة فقال أبو دلامة للمنصور ائذن لي في تقبيل يدك فلم يفعل فقال ما منعتني شيأً هو أهون على عيالي من هذا وكان المنصور يدخل البصرة في أيام بني أمية متستراً فيجلس في حلقة أزهر السمان المحدث فلما أفضت الخلافة إليه قدم عليه أزهر الكوفة فرحب به وقرب منزله وقال له ما الذي أقدمك علينا قال جئت طالباً فأمر له بعشرة آلاف درهم وقال له قد قضيت حاجتك فأخذها وانصرف ثم عاد إليه في قابل فلما رآه قال له ما جاء بك قال جئت مسلماً فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال لا تأتنا طالباً ولا مسلماً فأخذها وانصرف ثم رجع إليه بعد عام فقال له ما الذي أقدمك علينا قال عائداً فوصله بعشرة
آلاف درهم وقال لا تأتنا طالباً ولا مسلماً ولا عائداً فأخذها وانصرف ثم عاد بعد سنة فلما رآه قال له ما الذي أتى بك قال دعاء كنت سمعته من أمير المؤمنين جئت لأكتبه فضحك المنصور وقال إنه غير مستجاب لأني دعوت الله به أن لا يريني وجهك فلم يستجب لي وقد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم وتعال متى أردت فقد أعيتنا فيك الحيلة وكان المنصور مبخلاً جداً وسنذكر شيأً من أخباره في باب البخلاء إن شاء الله تعالى وقصد الحكم بن عبدك الشاعر أسماء بن خارجة فأنشده
أغفيت قبل الصبح نوم مسهد
…
في ساعة ما كنت قبل أنامها
فرأيت أنك رعتني بوليدة
…
مغناجة حسن لديّ قيامها
وببدرة حملت إليّ وبغلة
…
شهباء ناجبة تصك لجامها
فسالت ربي أن يثيبك جنة
…
عوضاً يصيبك بردها وسلامها
فقال له أصبت كل شيء رأيته عندنا إلا البغلة فإنها دهماء فقال أذكرتني أيها الأمير فإني ما رأيتها إلا دهماء فضحك منه أسماء وأمر له بكل ما سأل وحكى أبو الفرج الأصفهاني أن هذه الحكاية جرت لابن عبدك مع بشر بن مروان أخي عبد الملك والله أعلم بالصحيح من ذلك ودخلت امرأة من هوازن على عبيد الله بن أبي بكرة فوقفت بين السماطين وجعلت تلحظه وجهها مرة وتستره أخرى فلما أبصرها علم أن لها حاجة فقال لجلسائه ما عليكم أن تقوموا حتى تقول هذه المرأة حاجتها فتقدمت وقالت اصلح الله الأمير إني أتيتك من أرض شاسعة ترفعني رافعة وتخفضني واضعه لملمات قد أكلن لحمي وبرين عظمي وتركنني أغص بالجريض فضاق بي من البلد العريض وقد جئت بلداً لا أعرف فيها أحداً لا قرابة تكنفني ولا عشيرة تعرفني بعد أن سألت أحياء العرب من المرجو نائله المعطي سائله فأرسلت إليك ودللت عليك وأنا أصلحك الله امرأة قد هلك عنها الوالد وذهب عنها الطارف والتالد ومثلك يسد الخلة ويزيح العلة فأما أن تحسن صفدي وتقيم أودي وإما أن تردني إلى بلدي
فقال بل أجمع لك كل ما ذكرت ثم أمر لها بعشرة آلاف درهم وزاد وكسوة وراحلة أصاب الناس مجاعة على عهد هشام بن عبد الملك فدخل عليه درواس بن حبيب العجلي مع جماعة من قومه فقال يا أمير المؤمنين تتابعت علينا وعلى الناس سنون ثلاثة أما الأولى فأكلت اللحم وأما الثانية فأذابت الشحم وأما الثالثة فمصت العظم وفي أيديكم فضول أموال فإن تكن لله فاعطفوا بها على عباده وإن تكن لهم فعلام تحبسونها عنهم وتنفقونها اسرافاً وبداراً والله لا يحب المسرفين وإن تكن لكم فتصدقوا بها عليهم إن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين فقال هشام لله أبوك ما تركت لنا واحدة من ثلاث وأمر بمائة ألف فقسمت في الناس وأمر لدرواس بمائة ألف درهم فقال يا أمير المؤمنين لكل واحد من المسلمين مثلها قال لا ولا يقوم بذلك بيت المال قال فلا حاجة لي بما يبعث على ذمك فالزمه بها فلما عاد إلى منزله قسم تسعين ألفاً في أحياء العرب وحبس عشرة آلاف له ولقومه فبلغ ذلك هشاماً فقال لله دره إن الصنيعة عند مثله تبعث على مكارم الأخلاق ومثلها ما يحكي أن عبد الملك بن مروان حبس عن الناس العطاء فدخل عليه أعرابي فقال يا أبا الوليد بلغني أن عندك مالاً فإن كان لله فاقسمه على عباده وإن يكن لك فتفضل به عليهم وإن يكن لهم فادفع إليهم أموالهم وإن يكن بينك وبينهم فقد أسأت شركتهم ثم ولي فقال عبد الملك اطلبوا الرجل فطلبوه فلم يقدر عليه فأمر للناس باعطياتهم
وممن أبرع من القصاد في المدح وأجاد
…
فاستحق به الصلة ممن سمح وجاد
دخل النابغة على النعمان بن المنذر بن ماء السما بن امرئ القيس بن عمرو ابن عدي اللخمي فحياه تحية الملوك ثم قال أيفاخرك ذو فائش وأنت سائس العرب وغرة الحسب واللات لأمسك أيمن من يومه ولعبدك أكرم من قومه ولقفاك أحسن من وجهه وليسارك أجود من يمينه ولظنك أصدق من يقينة ولوعدك أبلج من رفده ولخالك أشرف من جده ولنفسك امنع من جنده
وليومك أزهر من دهره ولفترك أبسط من شبره ثم أنشد
أخلاق مجدك جلت مالها خطر
…
في البأس والجود بين الحلم والخفر
متوّج بالمعالي فوق مفرقه
…
وفي الوغى ضيغم في صورة القمر
إذا دجا الخطب جلاه بصارمه
…
كما يجلي زمان المحل بالمطر
فتهلل وجه النعمان سروراً ثم أمر أن يحشي فوه دراً ويكسي أثواب الرضا وهي جباب أطواقها الذهب في قضب الزمرذ ثم قال النعمان هكذا فلتمدح الملوك وذو فائش المذكور هو سلامة بن يزيد بن سلامة من ولد يحصب بن مالك وكان النابغة متصلاً به قبل اتصاله بالنعمان وله فيه مدائح كثيرة مذكورة في ديوانه وفائش مشتق من المفايشة وهي المفاخرة قاله الأصمعي في اشتقاقه ودخل أبو العتاهية إسمعيل بن قاسم بن سويد العنبري العتبي على عمرو ابن العلاء مولى عمرو بن حريث الذي يقول فيه بشار بن برد من أبيات
إذا أرقتك جسام الأمور
…
فنبه لها عمراً ثم نم
فتى لا يبيت على دمنة
…
ولا يشرب الماء إلا بدم
فأنشده أبياتاً يقول منها
إني أمنت من الزمان وريبه
…
لما علقت من الأمير حبالا
لو يستطيع الناس من إحلاله
…
لحذوا له حرّ الوجوه نعالا
إن المطايا تشتكيك لأنها
…
قطعت إليك سباسبا ورمالا
فإذا أتين بنا أتين مخفة
…
وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا
فأمر عمرو من حضر مجلسه أن يخلعوا عليه فخلعوا عليه حتى لم يقدر على النهوض لما عليه من الثياب فلما خرج حسده من كان ببابه من الشعراء
فبلغ عمراً الخبر فقال علي بهم فلما دخلوا عليه ومثلوا بين يديه قال لهم ما أحسد بعضكم لبعض يا معشر الشعراء إن أحدكم يريد مدحنا فينسب في قصيدته بخمسين بيتاً فما يبلغ مدحنا حتى تذهب حلاوة شعره وتعرى طلاوة رونقه وأبو العتاهية بدأ بذكرنا وختم بمدحنا ثم أرسل إلى أبي العتاهية أن أقم حتى أنظر في أمرك فأقام أياماً فلم ير شيأً وكان عمرو ينتظر ما لا يجئ إليه من بعض أعماله فابطأ عليه فكتب إليه أبو العتاهية هذه الأبيات
يا ابن العلا ويا ابن القرم مرداس
…
إني مدحتك في صحبي وجلاسي
أثنى عليك ولي حال تكذبني
…
فيما أقول فاستحيي من الناس
حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد
…
طأطأت من سوء حال عندها راسي
فقال عمرو لحاجبه اكففه عني أياماً ففعل فلما طال على أبي العتاهية الانتظار كتب إليه يستحثه
أصابت علينا جودك العين يا عمرو
…
فنحن لها نبغي التمائم والنشر
أصابتك عين من سخائك صلبة
…
ويا رب عين صلبة تفلق الحجر
سنرقيك بالأشعار حتى تملها
…
وإن لم تفق منها رقيناك بالسور
فضحك عمرو وقال لصاحب بيت ماله كم عندك قال سبعون ألفاً قال ادفعها له واعذرني عنده ولا تدخله علي فإني أستحي منه ولقد أحسن ابن الرومي في مدح من رأى إنه قصر في عطائه فاعتذر منه
يعطي عطاء المحسن الخضل الندي
…
عفواً ويعتذر اعتذار المذنب
وما وقفت فيما طالعت من كتب الأدب على أحسن من قول القائل معتذراً من تقصيره في معروف أسداه
لو انبسطت فيما تؤمله يدي
…
لجدت به عفواً ولو أنه الدنيا
ولكنني والله والله والذي
…
إليه الحجيج يقطعون الفلا سعيا
طويت هموماً لو أصيب ببعضها
…
يد الدهر ما اسطاعت لا يسر هاطيا
خذ العفو واعذر صاحباً لو بنفسه
…
يبرو بالدنيا غلامك لاستحيا
آخر
خلّ إذا جئته يوماً لتسأله
…
أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا
يخفي صنائعه والله يظهرها
…
إنّ الجميل إذا أخفيته ظهرا
وحكى جحظة البرمكي قال أنشد مقدس الخلوقي طاهر بن الحسين بن مصعب ابن زريق مولى طلحة الطلحات الخزاعي فمدحه فلم يثبه وتغافل عنه حتى ركب في حراقته فعارضه وقال له بحق رأس أمير المؤمنين ألا سمعت مني ثلاثة أبيات فأمر بإيقاف الحراقة وقال هات الأبيات فأنشده
عجبت لحراقة بن الحسي
…
ن كيف تسير ولا تغرق
وبحران من فوقها واحد
…
وآخر من تحتها مطبق
وأعجب من ذاك عيدانها
…
إذا مسها كيف لا تورق
فأمر له عن كل بيت بألف دينار وكان طاهر بن الحسين من الأجواد ذكر إنه جلس في مجلسه يوماً فنظر في قصص ورقاع فوقع عليها بصلات أحصيت فكانت ألف ألف درهم ركب الرشيد في بعض أسفاره ناقة فطلع عليه أعرابي فناشده
أغيثا تحمل الناق
…
ة أم تحمل هرونا
أم الشمس أم البدر
…
أم الدنيا أم الدينا
الأكل الذي قلت
…
هـ قد أصبح مأمونا
فأمر له بعشرة آلاف درهم قام رجل بين يدي خالد بن عبد الله القسري فقال أصلح الله الأمير قد قلت فيك بيتين ولست أنشدهما حتى تعطيني قيمتهما
قال وكم قيمتهما قال عشرون ألفاً قال أنشدهما فأنشد
قد كان آدم قبل حين وفاته
…
أوصاك حين تجود بالحوباء
ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم
…
فكفيت آدم عيلة الآباء
فأمر له بعشرين ألفاً وأن يجلد خمسين سوطاً وأن ينادي عليه هذا جزاء من لا يحسن قيمة الشعر وقف أعرابي لمعن بن زائدة في طريقه فأنشده
يا واحد العرب الذي
…
أضحى وليس له نظير
لو كان مثلك في الورى
…
ما كان في الدنيا فقير
فأمر له بألفي درهم ومن حكاياته أن رجلاً قال له إني جعلت فضلك سببي إليك وكرمك وسيلتي عندك قال سل قال ألف درهم قال معن قد أربحتني أربعة آلاف درهم وإني حدثت نفسي أن أعطيك خمسة آلاف فقال أنت أكبر من أن تربح على مؤملك فأعطاه خمسة آلاف درهم وأنشد أعرابي
كتبت نعم ببابك حين تدعو
…
إليك الناس مسفرة النقاب
وقلت الا عليك بباب غيري
…
فإنك لن ترى أبداً ببابي
فأعطاه ألف دينار وحدث بعضهم قال كنا مع يزيد بن مزيد فإذا بصائح في الليل يا يزيد بن مزيد فقال علي بهذا الصائح فلما جئ به قال له ما حملك على أن ناديت بهذا الاسم فقال نقبت دابتي ونفدت نفقتي وسمعت قول الشاعر فتمنيت به فقال له وما قال الشاعر فأنشد
إذا قيل من للمجد والجود والندى
…
فناد بصوت يا يزيد بن مزيد
فلما سمع مقاله هش له وقال له أتعرف يزيد بن مزيد قال لا والله قال أنا هو وأمر له بفرس أبلق كان معجباً به وبمائة قام أعرابي بين يدي داود بن المهلب وقال إني قد مدحتك فاسمع قال على رسلك ثم دخل بيته فتقلد
سيفه وخرج ثم قال قل فإن أحسنت حملناك وإن أسأت قتلناك فأنشد
أمنت بداود وجود يمينه
…
من الحدث المخشي والبؤس والفقر
وأصبحت لا أخشى بداود كبوة
…
من الدهر لما أن شددت به أزري
له حكم دواد وصورة يوسف
…
وملك سليمان وعدل أبي بكر
فتى تفرق الأموال من جود كفه
…
كما يفرق السلطان من ليلة القدر
فقال له قد حملناك فإن شئت على قدرنا وإن شئت على قدرك قال بل على قدري فأعطاه خمسين فقال له جلساؤه هلا احتكمت على قدر الأمير قال لم يكن في ماله ما يفي بقدره فقال له داود أنت في هذا أشعر منك في شعرك وأمر له بمثل ما أعطاه وفد رجل على بعض الأمراء فسأله حاجة فقضاها ثم سأله أخرى فقضاها حتى قضى له سبع حاجات فلما خرج من عنده قيل له ما فعل بك قال ما أدري ثم قال
لكن أخبركم عنه بنادرة
…
لم يأتها قبله عرب ولا عجم
قرأ عليه كتاباً منه كاتبه
…
إلى أخ وجبت منه له نعم
حتى إذا ما مضت لا في رسالته
…
قال استمع ثم لا يمضي بك الصمم
لا تكتبن بلافيها إلى أحد
…
شق الكتاب ومر فليكسر القلم
وفد أعرابي على مالك بن طوق وكان زري الحال رث الهيئة فمنع من الدخول إليه فأقام بالرحبة أياماً فخرج مالك ذات يوم يريد النزهة حول الرحبة فعارضه الأعرابي فمنعه الشرطة ازدراء به فلم ينثن عنه حتى أخذ بعنان فرسه ثم قال أيها الأمير أنا عائذ بك من شرطك فنهاهم عنه وأبعدهم منه ثم قال له هل من حاجة قال نعم أصلح الله الأمير قال وما هي قال أن تصغي إلي بسمعك وتنظر إلي بطرفك وتقبل علي بوجهك قال نعم فأنشده
ببابك دون الناس أنزلت حاجتي
…
وأقبلت أسعى نحوه وأطوف
ويمنعني الحجاب والليل مسبل
…
وأنت بعيد والرجال صفوف
يطوفون حولي بالقلوس كأنهم
…
ذئاب جياع بينهنّ خروف
فأمّا وقد أبصرت وجهك مقبلاً
…
واصرف عنه إنني لضعيف
ومالي من الدنيا سواك وما لمن
…
تركت ورائي مربع ومصيف
وقد علم الحيان قيس وخندف
…
ومن هو فيها نازل وحليف
تخطيت أعناق الملوك ورحلتي
…
إليك وقد أخنت عليّ صروف
فجئتك أبغي الخير منك فهزني
…
ببابك من ضرب العبيد صنوف
فلا يجعلن لي نحو بابك عودة
…
فقلبي من ضرب العبيد مخوف
فاستضحك مالك حتى كاد يسقط عن فرسه ثم قال لمن حوله من يعطيه درهماً بدرهمين وثوباً بثوبين فنثرت الدراهم ووقعت الثياب عليه من كل جانب حتى تحير الأعرابي واختلط عقله لكثرة ما أعطى فقال هل بقيت لك حاجة يا أعرابي قال أما إليك فلا قال فإلى من قال إلى الله أن يبقيك للعرب فإنها لا تزال بخير ما بقيت لها وحكى أبو بكر المارداني قال كنت أساير الأمير أبا الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون وكان قد خرج إلى الصيد بدمشق إذ تلقاه أعرابي فأخذ بعنان فرسه وقال
إن السنان وحد السيف لو نطقا
…
لأخبرا عنك في الهيجاء بالعجب
أقبلت مالك تعطيه وتنهبه
…
يا آفة الفضة البيضاء والذهب
فقال يا غلام اعطه ما معك فأعطاه خمسمائة دينار فقال يا أمير المؤمنين زدني فقال لمن معه من غلمانه اطرحوا له ما معكم من المناطق والسيوف فحصل له منهم ما عجز عن حمله وقال علقمة بن عبد الرزاق العليمي قصدت بدراً الجمالي بمصر فرأيت اشراف الناس وكبراءهم وشعراءهم قد طال مقامهم على بابه ولم يؤذن لأحد منهم فبينما هم جلوس إذ خرج يريد الصيد فأقمت حتى رجع من صيده فلما قارب دخول البلد خرجت إليه ووقفت على نشز عال من الأرض وآومأت إليه برقعة فوقف
فأنشدته
نحن التجار وهذه أعلاقنا
…
در وجود يمينك المبتاع
قلد وفتشها بسمعك إنما
…
هي جوهر تختاره الأسماع
كسدت علينا بالشآم وكلما
…
كسدت المتاع تعطل الصناع
فأتتك تحملها إليك تجارها
…
ومطيها الآمال والأطماع
حتى أناخوا نحو بابك والرجا
…
من دونك السمسار والبياع
فبذلت ما لم يعطه في دهره
…
هرم ولا كعب ولا القعقاع
وطلبت هذا الخلق في طلب العلى
…
والناس بعدك كلهم أتباع
فلما فرغت من انشادها سار قليلاً ثم وقف فاستعادها مني فلما دخل داره واستقر به الجلوس استدعاني فأعدتها فقال لمن كان عنده من خواصه وغلمانه واتباعه من أحبني فليخلع عليه فخلع علي مائة خلعة ووصلني بعشرة آلاف درهم وحبس الحجاج بن يوسف يزيد بن المهلب لباق عليه كان بخراسان وأقسم ليستأدينه كل يوم مائة ألف درهم فبينما هو قد جباها له ذات يوم إذ دخل عليه الأخطل فأنشده
أيا خالداً ضاقت خراسان بعدكم
…
وقال ذوو الحاجات أين يزيد
وما قطرت بالشرق بعدك قطرة
…
ولا أخضر بالمرين بعدك عود
وما لسرير بعد بعدك بهجة
…
وما لجواد بعد جودك جود
فقال يا غلام أعطه المائة ألف درهم فإنا نصبر على عذاب الحجاج ولا نخيب الأخطل فبلغت الحجاج فقال لله در يزيد لو كان تاركاً للسخاء يوماً لتركه اليوم وهو يتوقع الموت ومن أخبار يزيد أن الفرزدق دخل عليه وهو محبوس
فلما رآه مقيداً قال له
أصبح في قيدك السماحة والس
…
جود وحمل الديات والحسب
لا بطران ترادفت نعم
…
وصابر في البلاء محتسب
فقال له يزيد ويحك ما أردت بمدحتي وأنا على هذه الحالة فقال الفرزدق وجدتك رخيصاً فأحببت أن أسلفك بضاعتي فرمى إليه بخاتم كان في اصبعه قيمته ألف دينار وقال هو ربحك أمسكه إلى أن يأتيك رأسك المال ودخل جعيفران واسمه جعفر بن علي كركري على أبي دلف فأنشده
يا أكرم الأمّة موجودا
…
ويا أعز الناس مفقودا
لما سألت الناس عن سيد
…
أصبح بين الناس محمودا
قالوا جميعاً إنه قاسم
…
أشبه آباء له صيدا
لو عبد الناس سوى ربهم
…
لكنت في العالم معبودا
فقال له أحسنت يا غلام أعطه ألف درهم فقال أيها الأمير وما أصنع بها مر الغلام يأخذها ويعطيني منها كل يوم عشرة دراهم إلى أن تنفد فقال أبو دلف أعطوه الألف ومتى جاءكم أعطوه ما سأل فأكب جعيفران على يده يقبلها وقال
يموت هذا الذي أراه
…
وكل شيء له نفاد
لو أنّ خلقا له خلود
…
عمر ذا المفضل الجواد
المختار من غرر نوعي الكلام
…
في استنجاز ما تأخر من صلات الكرام
يحكى أن الأحنف بن قيس قدم على معاوية فأقام شهراً لا يسأله فيما جاء فقال يا أمير المؤمنين إنك ترعيني مرعى وبيلاً وتوردني ظمأ طويلاً
أفيأس ورواح أم حبس ونجاح فقضى حاجته ووقف أعرابي على رجل يستجديه فقال إني امتطيت إليك الرجاء وسرت على الأمل ووفدت بالشكر وتوسلت بحسن الظن فحقق الأمل وأحسن المثوبة وأقم الأود وعجل السراح وقال بعض الشعراء يستنجز
جعلت فداك قد وجب الزمام
…
وقد طال التلبث والمقام
وقد أزف الرحيل إلى بلادي
…
فرأيك لأعدمتك والسلام
المتنبي
لقد نظرتك حتى حان مرتحلي
…
وذا الوداع فكن أهلاً لما شئتا
وكتب آخر يستجدي بنا إلى معروفك حاجة ولك على صلتنا قوة فانظر في ذلك بما أنت له أهل ونحن له أهل وطلب العتابي من صديق له حاجة فقضى له نصفها ومطله بباقيها فكتب إليه
بسطت لساني ثم أمسكت نصفه
…
فنصف لساني بامتداحك مطلق
فإن أنت لم تنجز عداتي تركتني
…
وباقي لسان الشكر باليأس مطلق
وقال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي
إن ابتدا المعروف مجد باسق
…
والمجد كل المجد في استتمامه
هذا الهلال يروق أبصار الورىحسناً وليس كحسنه لتمامه وكتب بعضهم يستنجز حقيق على من أزهر بقول أن يثمر بفعل والسلام وفد بشار بن برد على يحيى بن خالد فامتدحه فوعده خالد ومطله فتصدى له في
طريقه وهو يريد الجامع وأخذ بعنان بغلته وأنشد
أظلت علينا منك يوماً سحابة
…
أضاء لها برق وأبطا رشاشها
فلا غيمها يجلي فييأس طامع
…
ولا غيثها يهمي فتروى عطاشها
فقال لن تنصرف السحابة حتى تبلك يا أبا معاذ وأمر له بعشرة آلاف درهم ولبشار أيضاً يستنجز
هززتك لا إني وجدتك ناسياً
…
لأمرئ ولكني أردت التقاضيا
ولكن رأيت السيف من بعد سله
…
إلى الهز محتاجاً وإن كان ماضيا
ولبشار أيضاً
فيك للمجد شيمة قد كفتني
…
منك عند اللقاء بالمتقاضي
فإذا المجد كان عوني على المر
…
ء تقاضيته بترك التقاضي
المفجع البصري يستنجز
أيها السيد عش في غبطة
…
ما تغنى طائر الأيك الغرد
لي وعد منك لا تنكره
…
فاقضه أنجز حرّ ما وعد
أنت أحييت بمبذول الندى
…
سنن الجود وقد كان همد
فإذا صال زمان أوسطا
…
فعلى مثلك مثلي يعتمد
أبو الحسن بن أبي البغل
وعدت فأنجز ولا تبلني
…
بكدّ التقاضي وذلّ السؤال
وصن وجه حر براه الزمان
…
بأنيابه مثل بري الخلال
فإن ضاق مالك عن رفده
…
فجاهك أوسع من كل مال
ابن الرومي
يا من تزينت الدنيا بطلعته
…
وأصبحت منه في حلي وفي حلل
أوراد بحركم مثلي ومنصرفي
…
في الواردين بلا عل ولا نهل
وأنت تعلم أن الصبر من صبر
…
فامزجه بالنجح إن النجح من عسل
قصد أحمد بن الجليل سليمان بن حبيب بن المهلب مستجدياً فأخر عنه مدة فكتب إليه مستنجزاً
ورد العفاة المعطشون فأصدروا
…
رياً وطاب لهم لديك المكرع
وأراك تمطر جانباً عن جانب
…
وفناء أرضي من سمائك بلقع
ألنقص منزلتي تؤخر حاجتي
…
أم ليس عندك لي لخير مطمع
أبو تمام الطائي
سحاب خطاني جوده وهو صيب
…
وبحر عداني سيله وهو مفعم
وبدر أضاء الأرض شرقاً ومغربا
…
وموضع رجلي منه أسود مظلم
آخر
مالي ظمئت وبحر جودك زاخر
…
سهل مشارعه على الوراد
ما كان أجمل بالتجمل ملبسي
…
وأعف في طلب القناعه زادي
لولا زمان أزمنت حالي له
…
نوب تراوح تارة وتغادي
وأرى فراخاً ضاق بي أوكارها
…
وكذا البغاث كثيرة الأولاد
آخر
أمرت بأن أقيم على انتظار
…
لرأيك إنه الرأي الأصيل
وراقبت الرسول وقلت إني
…
سيأتيني فما جاء الرسول
فليس لغير أمرك لي مقام
…
ولا عن غير ذاتك لي رحيل
وقد أوقفت عزمي والمطايا
…
فقل شيأً لافعل ما تقول
المعري
عليك مؤيد الدين اعتمادي
…
فلا تحتج إلى كذب الأعادي
تمادي المطل والآمال درع
…
وطول الانتظار من الحداد
وقد أزف الرحيل وأنت كهفي
…
ومن جدواك راحلتي وزادي
زففت إليك أبكار المعاني
…
فزف إليّ أبكار الأيادي
آخر
يا جابر العظم إذا العظم انكسر
…
وناعش الجدّ إذا الجد عثر
أنت ربيعي والربيع ينتظر
…
وخير أنواع الربيع ما بكر
أبو تمام
علمي بفضلك قاد نحوك حاجتي
…
فأتت مسيئلتي عقيب ثنائي
فامنن عليّ بنجح ما أملته
…
يا سيدي ومعوّلي ورجائي
آخر
أجرني لاعدمتك من مطالك
…
ودعني من صدودك واعتلالك
لقد كثرت عداتك ثم طالت
…
فهل وعد يكون لها فدلك
ابن الرومي
كم ظهر ميت مقفر جاوزته
…
فحللت ربعاً منك ليس بمقفر
جود كجود السيل إلا أن ذا
…
كدروان نداك غير مكدر
الفطر والأضحى قد انسلخا ولي
…
أمل ببابك صائم لم يفطر
عام ولم ينتج نداك وإنما
…
تتوقع الحبلى لتسعة أشهر
حسر لي ببحر واحد أغرقك في
…
بحر أحيس به بسبعة أبحر
ومن أحسن ما استجدى به الأجواد وبلغ به غاية الأمل والمراد ما كتب به كلثوم بن عمرو العتابي إلى صديق له يستمنحه أما بعد أطال الله بقاءك وجعله يمتد بك إلى رضوانه والجنة فإنك كنت عندنا روضة من رياض الكرم تبتهج النفوس بها وتستريح القلوب إليها وكنا نعفيها من النجعة استتماماً لزهرتها وشفقة على خضرتها وادخاراً لثمرتها حتى أصابتنا سنة كأنها من سني يوسف فكذبتنا غيومها وأخلفتنا بروقها فانتجعتك وإني بانتجاعي إياك شديد المقة بك عظيم الشفقة عليك مع علمي بأنك غاية أمل القصاد وأعذب مناهل الوراد وأقول ما قال حماد عجرد
ظل اليسار على العباس ممدود
…
وحظه أبداً بالسعد معقود
إن الكريم ليخفي عنك عسرته
…
حتى تراه غنياً وهو مجهود
وللبخيل على أمواله علل
…
زرق العيون عليها أوجه سود
إذا تكرمت عن بذل القليل ولم
…
تقدر على سعة لم يظهر الجود
بث النوال فلا تمنعك قلته
…
فكل ما سدّ فقراً فهو محمود
قال فشاطره ماله حتى إحدى نعليه ونصف قيمة خاتمه وكتب آخر الوعد أيسر مغارم الجود وأخف محمول على عاتق الكرم المرفود والمتقنع به قد أسلف المطل آماله وأوسع لخطو الندى محاله وارتوى ببارق المزن قبل المطر واكتفى بورق الغصن دون الثمر فأي عذر للسماح إذا خرمه طالبه وحمى عنه جانبه وقد وجد المسلك إلى المطلوب سهلاً والطالب لما يتعلق به الوعد
أهلا شاعر
لا أقتضيك إلى السماح لأنه
…
لك عادة لكنما أنا مذكر
وكن السحاب إذا تمسك بالحيا
…
ورغبوا إليه بالدعاء فيمطر
أتى علي بن الجهم رجل فسلم عليه وقال له وعدتني وعداً إن رأيت أن تنتجه فافعل فقال ما أذكر هذا الوعد فقال له الرجل صدقت فأنت لا تذكر لأن من قصدك مثلي كثير وأنا لا أنسى لأن من أسأله مثلك قليل فاعجبه كلامه وقضى حاجته فأنشد
فلقد قصدتك راجياً في حاجتي
…
ما يرتجيه الطالب الملهوف
فسررتني وبررتني بنجاحها
…
وكذا يكون الجود والمعروف
آخر
بدأت بتسهيل وثنيت بالرضا
…
وثلثت بالحسنى وربعت بالكرم
وحققت لي ظني وأنجزت موعدي
…
وأبعدت لا عني وقربت لي نعم
آخر
يا من سهرت الليالي في الدعاء له
…
حتى انتهى أمره السامي على الأمم
انظر إليّ بعين لو نظرت بها
…
إلى الليالي نجت من قبضة الظلم
حتى أقول لصرف الدهر كيف ترى
…
تقابل السادة الأحرار بالخدم
آخر
إن أنت لم تحدث إلي يدا
…
حتى أقوم بشكر ما سلفا
لم أحظ منك بنائل أبدا
…
ورجعت بالحرمان منصرفا
وفيما ذكرناه من هذه الملح كفاية إذا المحاسن لا يفضي الباحث عنها إلى غاية ولو استقصينا ذكر ما أمطرته أكف الأجواد من سحائب الجود لخرجنا مما نحوناه عن الغرض المقصود ومما يحن الحاقه بهذا الفصل اطلاق اللسان بشكر أهل الاحسان والفضل " قال الله تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم " قال بعض المفسرين إنه شكر اصطناع المعروف وفي الحديث المشهور والنبأ المأثور من ذكر معروفاً فقد شكره ومن ستره فقد كفره وقال عليه الصلاة والسلام من كانت عنده نعمة فليكافئ عليها فإن لم يقدر فليثن فإن لم يفعل فقد كفر النعمة وقال لقمان لابنه يا بني المعروف غل لا يفكه إلا شكر أو مكافأة وقالوا المعروف رق والمكافأة عتق وقال الشاعر
كلما قلت أعتق الشكر رقي
…
صيرتني لك المكارم عبدا
فاثن عمر الزمان حتى أؤدّي
…
شكر احسانك الذي لا يؤدّى
ويقال الشكر وإن قل ثمن كل نوال وإن جل ويقال الشكر تميمة لتمام النعمة وقال أبو بكر الخوارزمي إذا قصرت يدك بالمكافأة فليطل لسانك بالشكر وقالوا موقع الشكر من النعمة موقع القرى من الضيف إن وجده لم يرم وإن فقده لم يقم وما أحسن قول من قال الشكر غرس إذا أودع أذن الكريم أثمر بالزيادة وحفظ العادة والسعيد من إذا أظلته نعمة لم يلته بسكرها عن شكرها وقالوا لا بقاء للنعمة إذا كفرت ولا زوال لها إذا شكرت ابن المعتز شكرك نعمة سالفة يقيض لك نعمة مستأنفة وقال أبو بكر الخوارزمي قد اراحني الشيخ ببدره لكن أتعبني بشكره وخفف ظهري من ثقل المحن لا بل أثقله بأعباء المنن وأحياني بتحقيق الرجاء لا بل أماتني بفرط الحياء فأناله عتيق بل رقيق