الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد الصادق دخل على المهدي وقد امتلأ غضباً على إنسان فقال يا أمير المؤمنين إنك لا تغضب إلا لله فلا تغضب له أكثر من غضبه لنفسه وقد قال بعض الحكماء إياكم والغضب فرب غضب استحق به الغضبان غضب الله عز وجل عليه ويقال إن في التوراة يا ابن آدم لا تغضب فاغضب عليك يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق وقالوا إياك وغرة الغضب فإنها تفضي بك إلى ذلة الاعتذار وقالوا الغضب على من لا تملك لؤم وعلى من تملك شؤم وقال بعض الأعراب الغضب عد والعقل فإنه يحول بين صاحبه وبين العقل والفهم فيستولي عليه سلطان الهوى فيصرفه عن الحسن وهو الاحتمال إلى القبيح وهو الغضب ومن عصى الحق غمره الباطل وقال ابن المعتز الغضب يصدئ القلب حتى لا يرى صاحبه شيأً حسناً فيفعله ولا قبيحاً فيجتنبه ويقال ما ترك شيأً من الأحوال الذميمة ولا تأخر عن سبب من الأسباب اللئيمة من أنفذ غضبه وأساء في الانتقام أدبه واستطاب فعله واستعذبه وقالوا ليس من عادات الكرام سرعة الغضب والانتقام وقالوا ثلاثة يعدون في المجانين وإن كانوا عقلاء الغضبان والسكران والغيران وقال عمر بن عبد العزيز ثلاثة من كن فيه فقد استكمل الايمان من إذا غضب لم يخرجه غضبه إلى الباطل وإذا رضي لم يخرجه رضاه عن الحق وإذا قام جدال لا يأخذ ما ليس له وإذا تمكن منه الغضب على أحد حبسه ثلاثة أيام حتى يسكن غضبه ثم يحضره فإن وجب عليه العقوبة عاقبه وإلا أطلقه
ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد
في ذم التشفي من العدو والمعاند قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله تعالى فينتقم لله بها وقالوا أقبح المكافأة المكافأة بالاساءة وقال معاوية إن أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وقالوا الاقتدار يمنع الحر من الانتصار وقال علي رضي الله عنه أنا إلى العفو والرحمة أقرب مني إلى العقوبة والنقمة وقال جعفر الصادق لان أندم على العفو
عشرين مرة أحب إلي من أن أندم على العقوبة مرة واحدة وحكي أن رجلاً من قريش كان يطلب رجلاً يدخل في الجاهلية فلما ظفر به قال لولا إن القدرة تذهب الحفيظة لانتقمت منك وتركه ولهذا يقال كل عزيز دخل تحت القدرة واتضح بالتنصل عذره فهو ذليل حقه على من قدره بالقدرة جليل أن يتعمد اساءته بالاحسان إليه ويفك اساره بالامتنان عليه وينزله من اكرامه منزلة المطيع من خدامه ويعفيه من عتبه وملامه كما أعفاه من سخطه وانتقامه وقيل أقبح أفعال ذوي التمكن والاقتدار عقوبة من التجأ إلى الاعتذار شاعر
ليست الأحلام في حال الرضا
…
إنما الأحلام في حال الغضب
وقال المنصور في كلام لولده المهدي لذة العفو أطيب من لذة التشفي وذلك أن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة ولذة التشفي يلحقها ذم الندم ويحكي عن عنان بن خريم أنه دخل على المنصور وقد قدم بين يديه جماعة كانوا قد خرجوا عليه ليقتلهم فقال أحدهم يا أمير المؤمنين من انتقم فقد شفي غيظه وأخذ حقه ومن شفي غيظه وأخذ حقه لم يجب شكره ولم يحسن في العالمين ذكره وإنك إن انتقمت فقد انتصفت وإذا عفوت فقد تفضلت على أن اقالتك عثار عباد الله موجبة لاقالته عثرتك وعفوك عنهم موصول بعفوه عنك فقبل قوله وعفا عنهم وقال الشاعر
لذة العفو ان نظرت بعين ال
…
عدل أشفى من لذة الانتقام
هذه تكسب المحامد والمج
…
د وهذه تجئ بالآثام
والعرب تقول لا سودد مع الانتقام وقالوا سرعة العقوبة من لؤم الظفر وقيل ليس من الكرم عقوبة من لا يجد امتناعاً من السطوة وأسر على رجلاً من أصحاب عائشة رضي الله عنها يوم وقعة الجمل فقيل له ويلك وأنت ممن ألب علينا فقام الأشتر فقال دعني أضرب عنقه يا أمير المؤمنين فقال الرجل يا أمير المؤمنين لان تلقى الله وقد عفوت عني خير لك من أن تلقاه وقد شفيت غيظك وانتصرت لنفسك فقال اذهب حيث شئت وانشد للمأمون
يخشى عدوّي من بعيد سطوتي
…
فإذا قدرت على العدوّ عفوت
وقال بعض الحكماء التزين بالعفو خير من التقبح بالانتقام وقال علي رضي الله عنه ليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه وكل شيء في الدنيا سماعه أعظم من عيانه وكل شيء في الاخرة عيانه أعظم من سماعه ويقال التشفي طرف من العجز ومن رضي به لا يكون بينه وبين الظالم الأستر رقيق وحجاب ضعيف ولان يثنى عليك بسعة الصدر خير من أن تذم بضيقه وقال ابن المعتز مبالغة المقتدر في العقوبة تقربه من غضب الله وتبعده من انتساب الكرم إليه وقال كفى بالظفر شفيعاً للمذنب إلى القادر وقال بعض الحكماء لا يحملنك الحنق على اقتراف اثم يشفي غيظك ويسقم دينك ويقال لا تشن حسن الظفر بقبح الانتقام وقالوا عقوبة المقتدر تبدأ به تقبح صورته وتثلم حسبه وتعجل ندمه شاعر
إذا أنت لم تصبر على الحقد لم تفز
…
بمجد ولم تسعد بتقريظ مادح
آخر
رأيت انتقام المرء يزري بعقله
…
وإن لم يقع إلا يأهل الجرائم
وقال الفضيل بن عياض لا يكون العبد من المتقين حتى يأمن عدوه بوائقه وقلت إذم مسرفاً في الانتقام فلان منزوع الرحمة من قلبه مصروف الوجه عن المعترف بذنبه يرى العفو مغرماً والعقوبة مغنماً إن ضحكت في وجهه عبس وإن تخاضعت له شمس لا يرقب في المسئ إلا ولا ذمة ولو شفع فيه سواد الأمة ومن رسالة للبديع الهمداني يصف ملكاً عظيم الشان يحسبه المتأمل إنساناً وهو شيطان وفلان سماء إذا تغيم لم يرج صحوه وإذا تغير لم يشرب صفوه وإذا سخط لم ينتظر غيره ليس بين رضاه والسخط عوجة كما ليس بين غضبه والسيف فرجة وليس من سخطه مجاز كما ليس بين الموت والحياة معه حجاز
يغضبه الجرم الخفي ولا يرضيه العذر الجلي وتكفيه الجناية وهي ارجاف ثم لا يشفيه العقوبة وهي حجاف حتى إنه يرى الذنب وهو أضيق من ظل الرمح ويعمي عن العذر وهو أبين من عمود الصبح وهو ذو اذنين يسمع بهذه القول وهو بهتان ويحجب بهذه العذر وهو برهان وذو يدين يبسط أحدهما إلى السفك والسفح ويقبض الاخرى عن العفو والصفح وذو عينين يفتح أحدهما إلى الجرم ويغمض الاخرى عن الحلم فمزحه بين القد والقطع وحده بين السيف والنطع ومراده بين الظهور والكمون وأمره بين الكاف والنون ثم لا يعرف من العقاب إلا ضرب الرقاب ولا من التأديب غير اراقة الدماء ولا يهتدي إلا إلى إزالة النعماء ولا يحلم عن الهفوة كوزن الهبوة ولا يغضي عن السقطة بجرم النقطة ثم إن النقم بين لفظه وقلمه والأرض تحت يده وقدمه فلا يلقاه الولي إلا يغمه ولا العدو الا يذمه فالأرواح بين حبسه واطلاقه كما أن الأجسام بين حله ووثاقه
ومما ينتظم في سلك هذا المقول
…
مدح التراحم الراضي به أرباب العقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وقال عليه الصلاة والسلام لا ينزع الله الرحمة إلا من قلب شقي وقالوا من كرم أصله لان قلبه وقيل من أمارات الكريم الرحمة ومن أمارات اللئيم القسوة وقالوا من شكر الظفر الصفح عن الذنوب والستر للعيوب وفي الحديث إن الله رحيم يحب من عباده الرحماء وقال الأقرع بن حابس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه يقبل الحسن إن لي عشرة أولاد ما قبلت أحداً منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم