المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه - غرر الخصائص الواضحة

[الوطواط]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في الكرم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني في اللؤم وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث في العقل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع في الحمق وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس في الفصاحة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس في العي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السابع في الذكاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثامن في التغفل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب التاسع في السخاء وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الأول

- ‌الباب العاشر في البخل وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الحادي عشر في الشجاعة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثاني عشر في الجبن وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الثالث عشر في العفو وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الرابع عشر في الانتقام وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب الخامس عشر في الاخوة وفيه ثلاثة فصول

- ‌الباب السادس عشر في العزلة وفيه ثلاثة فصول

- ‌في الكرم

- ‌في وصف الأخلاق الحسان

- ‌المتخلقة بها نفوس الأعيان

- ‌وعلى ذكر الحجاب وإن لم يكن من الباب

- ‌وصف أخلاق أهل الوفاق

- ‌عيون من مكارم الأخلاق الدالة على طيب الأعراق

- ‌من روائع عادات السادات ووشائع سادات العادات

- ‌جوامع ممادح الأخلاق والشيم

- ‌المتحلية بها ذوو الأصالة والكرم

- ‌الأسباب المانعة من السيادة سبعة

- ‌شرح ما ذكر من الأمثال الواقعة في هذا المثال

- ‌الفصل الثاني من الباب الأول

- ‌في ذكر الصنائع والمآثر المفصحة عن أحساب الأكابر

- ‌فمن مآثر ذوي الكرم في النجار

- ‌الذب عن النزيل وحفظ الجار

- ‌من صنيع من زكت في الكرم أرومه

- ‌صون المضيم بنفسه من عدو يرومه

- ‌من أمتن أسباب الحسب والديانة وفاء العهد وأداء الأمانة

- ‌من أحاسن فعلات الأشراف الاتصاف بالعدل والإنصاف

- ‌ومما اتفق على مدحه الأوائل والأواخر تواضع من حاز الفضائل والمفاخر

- ‌مما يدل على شرف الأبوة إلزام النفس بأنواع المروة

- ‌الفصل الثالث من الباب الأول

- ‌في ذم التخلق بالإحسان

- ‌إذا لم يوافق القلب اللسان

- ‌ومما يلحق بهذا أنّ عمل الرياء سالب عن صاحبه جلباب الحياء

- ‌الباب الثاني

- ‌في اللؤم

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم من ليس له خلاق

- ‌وما اتصف به من الأخلاق

- ‌من مساوئ أخلاقهم الذميمة

- ‌نقل الأقدام بالسعاية والنميمة

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني

- ‌في ذكر الفعل والصنيع

- ‌الدالين على لؤم الوضيع

- ‌من الصنيع الدال على لؤم الأصول

- ‌من كان بسيف جوره على العباد يصول

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني

- ‌في أنّ من تخلق باللؤم انتفع

- ‌الباب الثالث

- ‌في العقل

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح العقل وفضله

- ‌شوارد مجموعة في احتياج ذوي العقل والحلم

- ‌إلى اكتساب فضيلتي الأدب والعلم

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث

- ‌في ذكر الفعل الرشيد

- ‌العاقل من شغله عيبه عن عيب من سواه

- ‌ولم يطع في جواب السفيه أمير هواه

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث

- ‌في هفوات العقال

- ‌الباب الرابع

- ‌في الحمق

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع

- ‌في ذكر النوادر

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع

- ‌في احتجاج الأريب المتحامق

- ‌ومن احتجاج من أطلق نفسه من عقال العقل

- ‌وألقى عصاه عامداً في بيداء الجهل

- ‌من أحاسن أقوالهم في أنّ العقل طريق إلى العنا

- ‌وسدّ يمنع صاحبه من الوصول للغنى

- ‌مما ذكر إنّ الحظ أجدى لصاحب الحجا

- ‌الباب الخامس

- ‌في الفصاحة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌وما أحسن قول بعض الأعاجم يفتخر ويعتذر

- ‌ولأبي إسحق الصابي في الوزير أبي محمد المهلبي رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس

- ‌في يتحلى به ألباب الأدباء

- ‌ولنذكر من كلام الخطباء ذوي البراعة واللسن ما كان ذا لفظ بديع

- ‌ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الخطب التي حكمت فصاحتها بالعي لقس

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس

- ‌في إنّ معرفة حرفة الأدب مانعة من ترقى أعالي الرتب

- ‌وربما أعدت حرفة الأدب أهل الوراقة

- ‌الباب السادس

- ‌في العي

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌فيما ورد عن ذوي النباهة في ذم العي والفهاهة

- ‌لبعضهم فيمن يلثغ بالراء

- ‌قد يكون البليغ عيياً عند سؤال مطلوبه

- ‌ولبعض الصوفية

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس

- ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس

- ‌في أنّ اللسن المكثار لا يأمن آفة الزلل والعثار

- ‌احتجاج من أمسك عن الكلام من غير خرس

- ‌الباب السابع

- ‌في الذكاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الفطن والاذهان

- ‌المعظمة من قدر المهان

- ‌وعلى أثر قبح الصورة يقول بعض الشعراء في جحظة

- ‌وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان

- ‌من اخترع من الأوائل حكمة بثاقب فكره

- ‌الفصل الثاني من الباب السابع

- ‌في ذكر بداهة الأذكياء البديعة

- ‌وأجوبتهم المفحمة السريعة

- ‌الفصل الثالث من الباب السابع

- ‌فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته

- ‌منهم من ارتقى بادعائه النبوة مرتقى صعبا

- ‌الباب الثامن

- ‌في التغفل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل

- ‌وقد اخترت من مدام المتغفلين مما حسن وراق

- ‌الفصل الثاني من الباب الثامن

- ‌فيمن تأخرت منه المعرفة

- ‌ونوادر أخبارهم المستظرفة

- ‌الفصل الثالث من الباب الثامن

- ‌في أن أنواع التغفل والبله ستور على الأولياء مسبله

- ‌الباب التاسع

- ‌في السخاء

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أن التبرع بالنائل من أشرف الخلال والشمائل

- ‌ذكر الأجواد المعروفين ببذل الأموال

- ‌النوع الثاني

- ‌الفصل الثاني من الباب التاسع

- ‌في منح الأماجد الأجواد

- ‌وملح الوافدين والقصاد

- ‌ذكر من تبجح بذكر المعروف الذي أسدى إليه

- ‌الفصل الثالث من الباب التاسع

- ‌في ذم السرف والتبذير

- ‌إذ فلهما من سوء التدبير

- ‌الباب العاشر

- ‌في البخل

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الإمساك والشح

- ‌وما فيهما من الشين والقبح

- ‌الفصل الثاني من الباب العاشر

- ‌في ذكر نوادر المبخلين

- ‌من الأراذل والمبجلين

- ‌من صان درهمه ولم يسمح به للعطاء

- ‌الفصل الثالث من الباب العاشر

- ‌في مدح القصد في الإنفاق

- ‌خوف التعيير بالإملاق

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌في الشجاعة

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح الشجاعة والبسالة

- ‌وما فيها من الرفعة والجلالة

- ‌الفصل الثاني من الباب الحادي عشر

- ‌في ذكر ما وقع في الحروب

- ‌من شدائد الأزمات والكروب

- ‌يوم كربلاء

- ‌يوم الحرة

- ‌وصف النزال والقتلى

- ‌الفصل الثالث من الباب الحادي عشر

- ‌في ذم التصدي للهلكة

- ‌ممن لا يستطيع بها ملكة

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌في الجبن

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في أنّ خلتي الجبن والفرار مما يشين بني الأحرار

- ‌الفصل الثاني من البال الثاني عشر

- ‌في ذكر من جبن عند اللقاء

- ‌خوف الموت ورجاء البقاء

- ‌الفصل الثالث من الباب الثاني عشر

- ‌فيمن ليم على الفرار والإحجام

- ‌فاعتذر بما ينفي عنه الملام

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌في العفو

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح من اتصف بالعفو

- ‌عن الذنب المتعمد والسهو

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث عشر

- ‌فيمن حلم عند الاقتدار

- ‌وقبل من المسئ الاعتذار

- ‌ولنعقب هذا الفصل من لطيف الاعتذار

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث عشر

- ‌في ذم العفو عمن أساء

- ‌وانتهك حرمات الرؤساء

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌في الانتقام

- ‌وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في التشفي والانتقا

- ‌ممن أحضر قسراً في المقام

- ‌ما اخترناه من كلام الحكماء وأقوال الكرام الأماجد

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع عشر

- ‌في ذكر من ظفر فعاقب

- ‌بأشدّ العقوبة ومن راقب

- ‌الفصل الثالث من الباب الرابع عشر

- ‌في أن الانتقام بحدود الله خير فعلات من حكمه الله وولاه

- ‌ما الدية فيه كاملة من جوارح الانسان وحواسه

- ‌ما تختص به المرأة دون الرجل

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌في الاخوة

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في مدح اتخاذ الاخوان

- ‌فإنهم العدد والأعوان

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس عشر

- ‌فيما يدين به أهل المحبة

- ‌من شرائع العوائد المستحبة

- ‌ومما يثني عطف الصديق إلى التألف

- ‌اعتذار من لم يهد شيأً

- ‌الفصل الثالث من الباب الخامس عشر

- ‌في ذم الثقيل والبغيض

- ‌بما استحسن من النثر والقريض

- ‌الباب السادس عشر

- ‌في العزلة

- ‌فيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول من هذا الباب

- ‌في ذم الاستئناس بالناس

- ‌لتلون الطباع وتنافي الأجناس

- ‌الفصل الثاني من الباب السادس عشر

- ‌فيما يحض على الاعتزال

- ‌من ذميم الخلائق والخلال

- ‌الفصل الثالث من الباب السادس عشر

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب

الفصل: ‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

بيتاً ليتعلم فيه النحو فأقام فيه ستة أشهر ثم خرج منه أجهل من يوم دخل وكان بشر المريسي ممن شهر باللحن دعا لقوم فقال قضى الله لكم الحوائج على خير الوجوه وأهنأها فأنكروا عليه لحنه فقال قاسم التمار يصح هذا على قول الشاعر

إنّ سليمى والله يكلاها

ضنت بشي ما كان يرزاها

فكان احتجاج قاسم أظرف من لحن بشر وكان خالد بن عبد الله القسري لحنة وفيه يقول ابن نوفل من أبيات

وألحن الناس كل الناس قاطبة

وكان يولع بالتشديق والخطب

قرأ سابق الأعمى ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا فقال بعض المجان ولا إن آمنوا ترافع إلى زياد رجل وأخوه في ميراث فقال إن أبوه مات وإن أخينا وثب على مال أبانا فأكله فقال زياد الذي أضعت من نفسك أضر عليك مما أضعت من مالك وأما القاضي فقال لا رحم الله أباك ولا جبر عظم أخيك قم في لعنة الله وحرسقره وقال رجل للأعمش من أين أقبلت قال من السوق قال وما اشتريت قال عسل قال هلا زدت ألف فقال له الأعمش وهلا زدت في ألفك ألفاً وعكسها ما حكى إن رجلاً قال لسعيد بن عبد الملك تأمرنا بشيأً قال نعم بتقوى الله وإسقاط الألف ويحكي إن خالد بن صفوان دخل الحمام يوماً وفي الحمام رجل معه ابنه فأراد الرجل أن يعرف خالداً ما عنده من البيان فقال لولده يا بني اغسل يداك قبل وجهك والتفت إلى خالد وقال يا أبا صفوان هذا كلام قد ذهب أهله فقال خالد هذا كلام ما خلق الله له أهلاً قط

‌الفصل الثاني من الباب السادس

‌في ذكر من قصر باع لسانه عن ترجمة ما في جنانه

قيل لابن المقفع وكان مفحماً عن نظم الشعر لم لا تقول الشعر قال

ص: 223

الذي أرضاه لا يجئ والذي يجئ لا أرضاه

وزهدني في الشعر أنّ قريحتي

بما تستجيد الناس ليس تجود

وقال ابن عبدون الكاتب

قلبي من العلم مملوء جوانبه

وذا اللسان كليل لا يواتيني

فمن أرتج عليه من خطباء المحافل

وفرسان المنابر والجحافل

يزيد بن أبي سفيان كان أبو بكر رضي الله عنه ولاه ربعاً من أرباع الشأم فلما رقى المنبر ارتج عليه فقطع الخطبة وقال سيجعل الله بعد عسر يسراً وبعد عي بياناً وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال ثم نزل وروى هذا الكلام لعثمان بن عفان وعليه أكثر المؤرخين وصعد عبد الله بن عامر منبر البصرة في يوم عيد الأضحى فحصر فقال لا أجمع عليكم عياً وبخلاً ادخلوا سوق الغنم فمن أخذ شاة فهي له وعلى ثمنها ثم صعد مرة أخرى فحصر فالتفت يميناً وشمالاً فرأى عتاب بن ورقاء وكان شيخاً أصلع فقال إما بعد يا أصلع فوالله ما غلطني غيرك فلعنها الله من صلعة علي به فلما مثل بين يديه أمر أن يضرب عشرين سوطاً ومنعه من دخول المسجد الجامع بعدها وصعد عدي بن أرطاة المنبر فلما رأى جمع الناس أرتج عليه فقال الحمد لله الذي يطعم هؤلاء ويسقيهم ثم نزل وصعد روح بن حاتم المنبر فلما رأى الناس قد أصغوا إليه بأسماعهم ورمقوه بأبصارهم قال نكسوا رؤسكم وغضوا أبصاركم فإن المنبر مركب صعب وإذا الله يسر فتح قفلاً تعسر ثم نزل وخطب مصعب ابن حيان أخو مقاتل بن حيان خطبة نكاح فحصر فقال لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله فقالت أم الجارية عجل الله موتك وأراح منك الهذا دعوناك وصعد وازع اليشكري المنبر يوم جمعة فلما رأى جمع الناس هابهم فحصر فقال لولا أن امرأتي حملتني على إتيان الجمعة ما جمعت وأنا أشهدكم إنها طالق ثلاثاً ثم نزل وخطب ثابت مولى يزيد بن المهلب فارتج عليه فنزل

ص: 224

وهو يقول

فالا أكن فيكم خطيباً فإنني

بسيفي إذا جد الوغى لخطيب

فبلغ ذلك المهلب فقال لو قال هذا على المنبر لكان من أخطب الناس وخطب خالد بن عبد الله القسري فارتج عليه فقال إن هذا الكلام يجئ أحياناً ويعسر أحياناً وربما كوبر فأبى وعولج فنبا والتأني لمجيئه خير من التعاطي لأبيه وتركه عند تنكره أفضل من طلبه عند تعذره وقد يختلط من الجرئ جنانه وينقطع من الذرب لسانه وسأعود فأقول ثم نزل وارتج على أبي العباس السفاح فنزل ثم صعد وقال أيها الناس إن اللسان بضعة من الانسان يكل لكلاله ويرتجل لارتجاله ونحن أمراء الكلام بنا تفرعت فروعه وعلينا تهدلت غصونه وإنا لا نتكلم هدراً ولا نسكت حصراً بل نسكت معتبرين وننطق مرشدين وذكر المسعودي إن المعتضد خرج يوم الفطر وكان يوم الاثنين سنة تسع وسبعين ومائتين إلى مصلى أحدثه بالقرب من داره ليصلي بالناس فكبر في الركعة الأولى ست تكبيرات وفي الثانية تكبيرة واحدة فلما فرغ من الصلاة صعد المنبر فحصر ولم يسمع له خطبة وفي ذلك يقول الشاعر يعتذر عنه في هذا المقام

حصر الامام ولم يبين خطبة

للناس في حل ولا احرام

ما ذاك إلا من حياء لم يكن

ما كان من عي ولا افحام

وخطب داود بن علي فارتج عليه فقال اتقوا الله وافعلوا ما أمركم به وانتهوا عما نهاكم عنه ثم نزل ولقد جمع في هذه الكلمات بين الحكمة وفصل الخطاب وأحسن لهم في النصيحة وأطاب صعد بعض الخطباء المنبر فحصر بعد الحمدلة فكررها مراراً فقال بعض من حضره على ما أبلانا منك فإنه لا يحمد على المكروه غيره ثم ولي وهو ينشد

ختم الإله على لسان عذافر

ختماً فليس على الكلام بقادر

فإذا أراد النطق خلت لسانه

لحماً تحرّكه لصقر نافر

ص: 225

قال ابن ذولاق في أخبار ولاة مصر لم يكن الناس يصلون بالجامع العتيق صلاة العيد حتى كانت سنة ست وثلثمائه أو ثمان صلى فيه العيد أحمد بن عبد الملك الفهمي المعروف بابن أبي سجر صلاة عيد الفطر ويقال إنه خطب يومئذ في دفتر فكان مما حفظ منه إن قال اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مشركون فقال فيه الشاعر

وقام في العيد لنا خاطباً

يحرّض الناس على الكفر

وممن أرتج عليه من الأئمة في محرابه

وكان تركه للصلاة خوف الخجل أحرى به

رجل صلى بقوم فقرأ فإذا قرأت القرآنف استعذ بالله من الشيطان الرجيم وارتج عليه فجعل يكررها فقال له مزيد والله إنك لا تحسن القرآن فما ذنب الشيطان وصلى سيفويه القاص بقوم فقرأ سورة الاخلاص فارتج عليه عند رأس آيتين منها فالتفت إلى من خلفه وقال من أراد أن يسمع باقي السورة فليحضر مسجد بني فلان ثم خرج وتركهم وصلت أعرابية مع قوم فقرأ الامام وأنكحوا الأيامى منكم ثم ارتج عليه فجعل يرددها مراراً فخرجت المرأة تعد وحتى لحقت بأختها وقالت يا أختاه لم يزل لامام يأمرهم بنكاحنا حتى خشيت أن يقعوا علي وحرج رجل من بيته مغلساً فمر بمسجد يصلي فيه الصبح فدخل ليصلي فقرأ الامام الفاتحة وابتدأ سورة يوسف فلما انتهى إلى قوله تعالى فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي فرددها مراراً فقال الرجل من خلفه فإن لم يأذن لك أبوك إلى الظهر يطول مقامي معك ويفوتني قضاء حاجتي ثم مضى وتركه وأرتج على الحجاج في صلاته فلم يجسر أحد أن يهديه لما ضل عنه فتلى قوله تعالى ردوها علي فردت عليه فلله دره ما أحسن ما أجال فكره حتى أدرك به الفهم العازب ولم تبطل صلاته بكلامه بل كان من أشرف المواهب وأحسن منها ما حكى أن المهدي لما ولي الخلافة صلى بالناس من الغداة في داره فارتج عليه فهيب أن يلقن ما نسي فلما طال عليه انتظار من يرشده تلى

ص: 226

قوله تعالى أليس منكم رجل رشيد فرد الراشد الشارد على الناشد اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت صلاة المغرب فتقدم الكسائي فصلي فارتج عليه في سورة قل يا أيها الكافرون فلما سلم قال اليزيدي قارئ الكوفة يرتج عليه في سورة قل يا أيها الكافرون فحضرت صلاة العشاء فتقدم اليزيدي فارتج عليه في سورة الفاتحة فلما سلم قال له

احفظ لسانك أن تقول فتبتلي

إنّ البلاء موكل بالمنطق

حدث أبو الحسن بن راهويه قال صلى يحيى بن المعلى الكاتب فقرأ قل هو الله أحسد فغلط فيها وارنج عليه وكان في المجلس أبو نواس والعباس بن الأحنف والخليع وصريع الغواني فقال أبو نواس

أكثر يحيى غلطاً

في قل هو الله أحد

فقال الأحنف

قام طويلاً ساكتاً

حتى إذا أعيا سجد

فقال الخليع

يزحر في محرابه

زحير حبلى لولد

فقال الصريع

كأنما لسانه

شدّ بحبل من مسد

واتصلت هذه الحكاية بأبي علي بن رشيق فقال

ونسى الحمد فما

مرت له على خلد

ص: 227

هذا ما أورده ابن رشيق في كتاب العمدة ثم إني عثرت عند مطالعتي لكتاب بدائع البدائه على زيادة وجب ذكرها وهو ما حكى إن أبا العباس بن الحطيئة لما سمع هذه قال

ورام شيأً غير ذا

يقرؤه فما وجد

وممن أخذ العي بعنان قلمه

وظهر كلف التكلف في صفحات كلمه

ما حكى أن بعضهم كتب إلى بعض العمال على مدينة حلب يخبره أن سلند بين من شواني المسلمين غرقاً ما مناله اعلم أيها الأمير أعزه الله إن سلند بين أي مركبين صفقاً أي غرقاً فهلك من فيهما أي تلفوا فكتب إليه العامل كتاباً على الحكاية يستخف به ورد كتابك أي وصبل وفضضناه أي فتحناه وفهمنا ما فيه أي علمناه فأدب كاتبك أي اصفعه واصرفه أي أعزله واستبدل به أي غيره فإنه مائق أي أحمق والسلام أي قد نقضي الكتاب وكتب بعض عمال طاهر بن الحسين إليه كتاباً وفيه وقد وجهت إلى الأمير ثوب ديباج أحمر أحمر أحمر فكتب طاهر إليه قد قرأت كتابك فعلمت أنك أحمق أحمق أحمق فاقدم اقدم اقدم والسلام ومما عابه ابن الأثير من كلام المترسلين القدماء وادعى أنه قصور وعي في صناعة الانشاء وهو أشبه شي بالأقواء والإيطاء قال في فصل من كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر إذا وردت في كلام المترسل سجعتان يدلان على معنى واحد كانت إحداهما كافية في الدلالة عليه والأخرى من حشو الكلام الذي لا يحتاج إليه وقد وجدت كثيراً من ذلك في كلام المفلقين من أهل هذا الشأن كالصابي وابن العميد فمن ذلك قول الصابي في تحميده الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بألحاظها ولا تحده الألسن بألفاظها ولا تخلقه العصور بمرووها ولا تهرمه الدهور بكرورها ثم انتهى إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لم ير للكفر أثراً إلا طمسه ومحاه ولا رسماً إلا أزاله وعفاه فلا فرق بين مرور العصور وكرور الدهور وكذلك لا فرق بين محو الأثر وتعفية الرسم ومن كلامه أيضاً من كتاب وقد علمت إن الدولة العباسية لم تزل على سالف الأيام وتعاقب الأعوام تعتل طوراً وتصح أطواراً وتلتاث مرة وتستقل مراراً من حيث أصلها راسخ لا يتزعزع وبنيانها ثابت لا

ص: 228

يتضعضع فمعلوم أن الاعتلال والالتياث بمعنى والطور والمرة بمعنى والرسوخ والثبوت بمعنى وله من كتاب وصلني كتابه مفتتحاً من الاعتزاء إلى إمارة المؤمنين والتقليد لأمور المسلمين بما إغراقه الزكية مجوزة لاستمراره وأرومته العلية مسوغة لاستقراره ومنه فلا بد من اتفاق أشراف كل قطر وأفاضله وأعيان كل صقع وأماثله فهذا السجع كله متساوي الألفاظ والمعاني فإن إمارة المؤمنين وتقليد أمور المسلمين بمعنى وكذلك الأعراق والأرومة بمعنى والتجويز والتسويغ بمعنى وكذلك الأعيان والأماثل والقطر والصقع ومن كلام ابن العميد في كتاب وهو لا يوجه همته إلى أعظم مرغوب إلا طاع ودان ولا تمتد عزيمته إلى مطلوب إلا كان واستكان وكل هذه الألفاظ مستوية المعاني قلت وفيما ذكرناه من هذا الفن كفاية ومقنع على أن الخاطر إذا انشرح انقاد وإذا كل تمنع ورأيت صواباً إلحاق هذه الحكاية بهذا الفصل وهي ما حكاه دعبل الخزاعي قال خرجت أنا ورفيقان لي من قرية تسمى طهياثاً وهي من قرى بغداد للتنزه فيها فأقمنا بها يوماً فلما أردنا الانصراف قلت لرفيقي ليقل كل منا في صفة يومنا شيأً قالا فابتدئ أنت فقلت تلنا لذيذ العيش في طهياثا فقال أحدهما لما حثثنا القدح احتثاثا

وأرتج على الآخر فقال وأم عمرو طالق ثلاثا

فقلنا له ويحك ما ذنب المرأة فقال والله مالها ذنب إلا أنها قعدت على طريق القافية

ص: 229