الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 -
وعن عاصم بن بَهْدَلة قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَهُوَ يُؤَذِّنُ فَقَالَ: يَا أَبَا مَرْيَمَ أَتُؤَذِّنُ؟ إِنِّي لأَرْغَبُ بِكَ عَنِ الأَذَانِ. فَقَالَ زِرٌّ: أَتَرْغَبُ بِي عَنِ الفَضْلِ؟ وَالله لَا أُكَلِّمُكَ. أخرجه رزين.
ومعنى "لأَرْغَبُ بِكَ" أي: لأكره لك.
قوله: "وعن عاصم بن بهدلة" أقول: بفتح الموحدة وسكون الهاء فدال مهملة وهو عاصم المقرئ.
صدوق له أوهام، حجة في القراءة. قاله في "التقريب" (1). قال: وزر بكسر أوله وتشديد الراء بن حبيش بمهملة وموحدة ومعجمة مصغر ثقة جليل مخضرم.
قوله: "لأرغب بك عن الأذان" أقول: في "القاموس"(2): رغب بنفسه عنه رأى لنفسه عليه فضل، انتهى.
فمعنى ما هنا الإنكار على زر، وأنه أفضل من أن يؤذن. ولقد أحسن زر في حلفه أن لا يكلمه؛ لأنه على الأذان. وقد كان عمر يقول: لولا [الخليفاء](3) أي: الشغلة بأمور الخلافة لأذنت.
قوله: "أخرجه رزين"[407 ب] وبيض له ابن الأثير (4) على عادته.
الفرع الثاني: في بدئه
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ، وَلَيْسَ يُنَادَي بِهَا أَحَدٌ، فَتكلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ
(1)(1/ 383 رقم 3).
(2)
"القاموس المحيط"(ص 116).
(3)
في (ب): الخليف.
(4)
في "الجامع"(9/ 387).
نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخَذُوا قَرْناً مِثلَ قَرْنِ اليَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَوَلَا تَبْعَثونَ رَجُلاً ينَادِي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ". تحفة
أخرجه الخمسة إلا أبا داود (1). [صحيح]
"التَّحَيُّنُ" طلب الحين والوقت (2).
قوله: "الفرع الثاني في بدئه" أي: الأذان. أي: ابتداء شرعيته. زاد ابن الأثير (3) في الترجمة وكيفيته. وترجم البخاري (4) بباب بدء الأذان. فسره ابن حجر (5). أي: ابتدائه.
قوله: "فيتحينون" بالحاء المهملة بعدها مثناة تحتية ثم نون. أي: يقدرون أحيانها ليأتوا إليها والحين الوقت والزمان.
قوله: "ليس ينادي [بها] (6) أحد" أقول: قال الحافظ (7): بفتح الدال على البناء للمفعول.
قال ابن مالك (8): فيه جواز استعمال ليس حرفاً لا اسم لها ولا خبر.
(1) أخرجه البخاري رقم (604، 3540، 3541، 5670، 6352)، ومسلم رقم (377)، والترمذي رقم (190)، والنسائي رقم (626).
(2)
ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع"(5/ 269).
(3)
في "الجامع"(5/ 268).
(4)
في "صحيحه"(2/ 77 الباب رقم 10 - مع الفتح).
(5)
في "فتح الباري"(2/ 77).
(6)
في (أ): لنا.
(7)
في "فتح الباري"(2/ 80).
(8)
في "شواهد التوضيح والتصحيح" لابن مالك (ص 141 - 142) حيث قال: ولك أن تجعل "ليس" حرفاً لا اسم لها ولا خبر، وفي قول ابن عمر رضي الله عنهما:"ليس ينادَى لها" شاهد على استعمال "ليس" حرفاً، لا اسم لها ولا خبر، أشار إلى ذلك سيبويه، وحمل على ذلك قول بعض العرب: ليس الطيب إلا المسكُ بالرفع، =
وقد أشار إليه سيبويه (1). ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها. قلت: ورواية مسلم تؤيد ذلك، فإن لفظه:" [ليس] (2) ينادي لها أحد".
قوله: "ناقوساً" أقول: في "القاموس"(3): الناقوس: الذي يضرب به النصارى في أوقات صلاتهم، خشبة كبيرة طويلة، وأخرى قصيرة اسمها الوبيل، انتهى.
في رواية ابن ماجه (4): أنه صلى الله عليه وسلم كرهه من أجل النصارى، وسيأتي قريباً. بسط في رواية أبي داود (5).
قوله: "قرناً" أي: بل اتخذوا قرناً، وفي بعض نسخ البخاري (6):"بوقاً" وعليها شرح الحافظ (7) قال: والقرن رواية مسلم والنسائي. والقرن والبوق معروفان. ويقال: للبوق القنع بضم القاف وسكون النون فعين مهملة. والمراد: أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود، ويسمى أيضاً الشبور بالشين المعجمة المفتوحة [409 ب] والموحدة المضمومة الثقيلة.
= وأجاز في قولهم: ليس في خلق الله مثله، حرفية "ليس" وفعليتها، على أن يكون اسمها ضمير شأن، والجملة بعدها خبر، وإن جُوِّز الوجهان في "ليس ينادى لها" فغير ممتنع.
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 80).
وابن مالك في "شواهد التوضيح"(ص 141).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
"القاموس المحيط"(ص 746).
(4)
في "السنن" رقم (706).
(5)
في "السنن" رقم (498)، وهو حديث صحيح.
(6)
في "صحيحه" رقم (604).
(7)
في "الفتح"(2/ 81).
قوله: "أولاً" الهمزة فيها للاستفهام، والواو للعطف على مقدر كما في نظائره (1).
قوله: "يا بلال قم فناد بالصلاة" أقول: وهذا النداء دعاء إلى الصلاة غير الأذان كان قبل مشروعية الأذان.
وفي مرسل عند ابن سعد (2): أن بلالاً كان ينادي بقوله: "الصلاة جامعة"، ثم شرع الأذان. قيل: في السنة الثانية من الهجرة، وهو الراجح كما في "فتح الباري" (3). وقيل: في السنة الأولى بعد بنائه مسجده صلى الله عليه وسلم، والروايات المصرحة بأنه شرع في مكة لم يصح منها شيء.
2 -
وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهْتَمَّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا؟ فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، فَذُكِرَ لَهُ القُنْعُ، وَهُوَ شَبُّورُ اليَهُودِ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:"هذَا مِنْ أَمْرِ اليَهُودِ". فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ: "هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى". فَانْصَرَفَ عَبْدُ الله بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأُرِىَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ.
أخرجه أبو داود (4). [صحيح]
قوله: "وعن أبي عمير بن أنس" أقول: بالمهملة مصغراً في "التقريب"(5). قيل: اسمه عبد الله ثقة من الرابعة كان أكبر أولاد أنس بن مالك.
قوله: "عبد الله بن زيد"(6) أقول: ابن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو محمد
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 82).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 82).
(3)
(2/ 78 - 79)، وهو حديث صحيح.
(4)
في "السنن" رقم (498)، وهو حديث صحيح.
(5)
(2/ 456 رقم 192).
(6)
انظر: "التقريب"(1/ 417 رقم 318).
الذي أري النداء في الأذان، صحابي، مشهور، وهو غير عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري (1)، أبو محمد. وهو صحابي شهير يقال: أنه الذي قتل مسيلمة بخلاف الأول، فإنه قيل: استشهد بأحد، وقيل: مات سنة اثنين وثلاثين، وأما هذا الآخر فإنه قتل بالحرة أيام يزيد.
قوله: "فأري الأذان في منامه" هذا مجمل بينه ما يأتي بعده.
قوله: "أبو داود" قال المنذري (2): وأخرجه الترمذي (3)، وابن ماجه (4). وقال الترمذي (5): حسن صحيح.
قلت: أخرجه بقريب من ألفاظ أبي داود، ثم قال (6): حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح، ثم قال (7): وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه. ويقال: ابن عبد رب، ولا يعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان [424/ أ].
3 -
وفي أخرى له (8): جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي لمَّا رَجَعْتُ - لِمَا رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمَامِكَ - رَأَيْتُ رَجُلاً كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَامَ عَلَى المَسْجِدِ فَأَذَّنَ ثُمَّ قَعَدَ قَعْدةً ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا إِلَاّ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ لَقُلْتُ: إِنِّي
(1) انظر: "التقريب"(1/ 417 رقم 317).
(2)
في "مختصر السنن"(1/ 273) بإثر الحديث رقم (499)، وهو حديث حسن.
(3)
في "السنن" رقم (189).
(4)
في "السنن" رقم (706).
(5)
في "السنن"(1/ 359).
(6)
أي: الترمذي في "السنن"(1/ 359).
(7)
الترمذي في "السنن"(1/ 360).
(8)
في "السنن" رقم (499)، وهو حديث حسن.
كُنْتُ يَقْظَانًا غَيْرَ نَائِمٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ أَرَاكَ الله خَيْرًا، فَمُرْ بِلَالاً فَلْيُؤَذِّنْ". فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنِّي لمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ. وَقَالَ فِيهِ: فاستقبل القبلة، فقال: الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرّتينْ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ مَرّتيْن، الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، ثُمَّ أُمْهِلَ هُنَيَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَها، إلَّا أنَّهُ زَادَ بَعْدَ مَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَلاةُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: "لقِّنْهَا بِلَالاً" فَأَذّنَ بِهَا بِلَالٌ. [حسن]
"الشّبُّورَ" البُوقُ.
قوله: "وله" أقول: أي: لأبي داود جاء رجل من الأنصار اللفظ وذكر "الثوبين الأخضرين" في "سنن أبي داود"(1)[](2) ذلك في سنن ابن ماجه (3) عن عبد الله بن زيد: "رأيت رجلًا عليه ثوبان أخضران"، انتهى.
والثانية (4): فيه عن عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً بيده. فقلت: يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ إلى قوله قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فمَلت له: بلى. فقال: تقول [410 ب]: الله أكبر إلى آخر ما هنا.
فقوله: هنا "جاء رجل من الأنصار" أتى به أبو داود (5) بلفظ عبد الله بن زيد.
(1) في "السنن"(498، 499)، وليس فيه ذكر الثوبين الأخضرين.
(2)
في (ب): بياض.
(3)
في "السنن" رقم (706)، وهو حديث حسن.
(4)
لأبي داود في "السنن" رقم (499).
(5)
في "السنن" رقم (499)، وهو حديث حسن.
قوله: "فقعد" الذي في أبي داود: "ثم استأخر عني غير بعيد" وقوله: فقعد رواية فيه. قال: ثم تقول: إذا أقمت الصلاة الله أكبر، وسرد ألفاظ الإقامة.
قوله: "فقال عمر": "أما أنا فقد رأيت مثل الذي رأى" أقول: في "سنن أبي داود"(1): أن عمر كان قد أري الأذان قبل عبد الله بن زيد بعشرين يوماً. وفي "سنن ابن ماجه"(2): أن عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب رأياه في ليلة فطرق الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن به. فقال عمر: يا رسول الله! قد رأيت مثل الذي رأى، ولكنه سبقني. وفي "سنن ابن ماجه" (3) قال أبو عبيد: فأخبرني أبو بكر الحكمي أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال في ذلك.
أَحْمَدُ الله ذَا الجَلَالِ وَذَا الإِكْرَ
…
امِ حَمْدًا عَلَى الأَذَانِ كَثِيرًا
إِذْ أَتَانِي بِهِ البَشِيرُ مِنَ الله
…
فَأَكْرِمْ بِهِ لَدَيَّ بَشِيرًا
فِي لَيَالٍ وَالَى بِهِنَّ ثَلَاثٍ
…
كُلَّمَا جَاءَ زَادَنِي تَوْقِيرًا
انتهى.
قوله: "وقال فيه: فاستقبل القبلة" أقول: لم أجد هذا في هذه الرواية في "سنن أبي داود"(4)، وفي "التلخيص" (5): أنه قال الرافعي: وينبغي أنه يستقبل القبلة. قال ابن حجر (6): قال إسحاق في "مسنده": أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد
(1) في "السنن" رقم (498).
(2)
في "السنن" رقم (706)، وقد تقدم.
(3)
في "السنن" رقم (706)، وهو حديث حسن، وقد تقدم.
(4)
وهو كما قال.
(5)
(1/ 364).
(6)
في "التلخيص"(1/ 364).
الرحمن بن أبي ليلى، قال: جاء عبد الله بن زيد. فقال: يا رسول الله! إني رأيت رجلاً نزل من السماء، فقام على جذم حائط [411 ب] فاستقبل القبلة، فذكر الحديث ثم ذكر أن بلالاً كان إذا كبر بالأذان استقبل القبلة. انتهى.
قلت: واستقبالها ثابت في أبي داود وغيره من الستة، وما كان يحسن أن يعدل عنه ابن حجر في تخريجه.
4 -
وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: لمَّا أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ الله أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، حيَّ عَلَى الفَلَاحِ، الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ الله. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ الله. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ مَا رَأَيْتُ فَقَالَ:"إِنَّهَا على لَرُؤْيَا، حَقٍّ إِنْ شَاءَ الله، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَالقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتُ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ". فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ القِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، يَقُولُ: يا رَسُوْلَ الله! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي أُرِيَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَللهِ الحَمْدُ".
أخرجه أبو داود (1) والترمذي (2). [حسن]
وفي أخرى (3): "فَقَالَ عَبْدُ الله: أَنَا رَأَيْتَهُ وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ. قال: فَأَقِمْ أَنْتَ". [ضعيف]
وفي رواية للترمذي (4): "وَذَكَرَ قِصَّةَ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى، وَالإِقَامَةَ مَرَّةً". [حسن]
وفي أخرى له (5) قال: "كَانَ أَذَانُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شَفْعَاً شَفْعَاً فِي الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ". [بإسناد ضعيف]
قوله: "وعن عبد الله بن زيد" أقول: هذا لفظ رواية أبي داود دون الأولى.
قوله: "فإنه أندى (6) منك صوتاً" الندى بعد ذهاب الصوت. يقال: فلان أندى صوتاً من فلان إذا كان بعيد الصوت.
قوله: "يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى". قلت: وفي "الأوسط"(7) للطبراني: أن أبا بكر أيضاً رأى الأذان.
ولأبي داود في "المراسيل"(8) عن عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين: أن عمر لما رأى، جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك. فقال له صلى الله عليه وسلم: "سبقك بذلك
(1) في "السنن" رقم (499).
(2)
في "السنن" رقم (189)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث حسن.
(3)
أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (512)، وهو حديث ضعيف.
(4)
في "السنن" رقم (189)، وهو حديث حسن.
(5)
عند الترمذي في "السنن" رقم (194) بإسناد ضعيف.
(6)
تقدم نصه وتخريجه.
(7)
رقم (2020)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 329)، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من تكلم فيه وهو ثقة.
(8)
(ص 126 رقم 20).
الوحي" قيل: وبه يعرف أن العمل وقع بالوحي لا بمجرد الرؤيا من الصحابة.
قال السهيلي (1): وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم سمع الأذان ليلة الإسراء فوق سبع سموات. أخرجه البزار (2) وهو أقوى من الوحي، وإنما تأخر حتى أعلم الناس به على غير لسانه للتنويه به، ورفع ذكره بلسان غيره؛ ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه.
قوله: "فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به" أقول: كانت مساجد المدينة تسعة [مع](3) مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يصلون بأذان بلال. كذا قال بكر بن عبد الله بن الأشج فيما روى عنه أبو داود في "مراسيله"(4) والدارقطني (5) في "سننه"[412 ب] فمنها مسجد رابَح، ومسجد بني عبد الأشهل، ومنها مسجد بني [عمرو بن مبذول](6) ومسجد جهينة وأسلم، وأحسبه قال: ومسجد بني سلمة. وسائرها مذكورة في السنن، انتهى.
قوله: "فأقم أنت" أقول: قد عارضه "ومن أذن فهو يقيم" أخرجه أبو داود (7) في قصة الصدائي. وأجيب بأنه حديث ضعيف؛ لأنه لا يعرف إلا من رواية الأفريقي، والأفريقي ضعيف عند أهل الحديث. قاله الترمذي (8).
(1) انظر: "الروض الأنف"(2/ 253).
(2)
في "مسنده"(1/ 178 - 179 رقم 352 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 329)، وقال: رواه البزار، وفيه زياد بن المنذر، وهو مجمع على ضعفه.
(3)
في (ب): إلا.
(4)
(ص 121 - 122 رقم 15).
(5)
(2/ 85)، وهو مرسل حسن، والله أعلم.
(6)
في (أ): عمرو، وفي (ب): عمر. وما أثبتناه من "مراسيل أبي داود".
(7)
في "السنن" رقم (514)، وهو حديث ضعيف.
(8)
في "السنن"(1/ 384).
قوله: "وفي رواية للترمذي" وذكر قصة الأذان مثنى مثنى. أقول: لفظ "الجامع"(1) قال الترمذي (2): وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، وذكر قصة الأذان مثنى مثنى، والإقامة مرة، انتهى.
وبه يعرف أن الترمذي إنما ذكر أن محمد بن إسحاق (3) روى قصة الأذان إلى آخره، لا أنه روى ذلك عن عبد الله بن زيد كما هو ظاهر قول المصنف، وفي رواية له، وذكر قصة الأذان. الذاكر هو عبد الله بن زيد؛ لأن السياق [425/ أ] في رواياته، وليس كذلك فهذا لفظ الترمذي وهو بعينه الذي نقله في "الجامع"(4)، ويحتمل أن محمد بن إسحاق رواه عن عبد الله ابن زيد، ولكن ليس للمصنف أن ينسبه إليه بل الواجب عليه الإتيان بلفظ "الجامع"، ويعرف أن الترمذي لم يخرج هذه الرواية، إنما ذكر (5) أنه قد روى الحديث إبراهيم بن سعد إلى آخره.
قوله: "في رواية" أي: للترمذي أقول: وقال الترمذي (6): بعد سياقه لها عن عبد الله بن زيد ما لفظه قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد رواه وكيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام.
وقال شعبة: عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: "أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام".
(1)(5/ 279).
(2)
في "السنن"(1/ 360 - 361).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (499)، والترمذي رقم (189)، وابن ماجه رقم (706)، وهو حديث حسن.
(4)
(5/ 279).
(5)
في "السنن"(1/ 360).
(6)
في "السنن"(1/ 371).
وهذا أصح من حديث ابن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد.
قال (1): وبعض أهل العلم يقول: الأذان مثنى مثنى، والإقامة مثنى. وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة، انتهى. بلفظه، وقد عقد قبله (2) باب ما جاء في إفراد الإقامة [413 ب]، وذكر حديث أنس (3) بلفظ عن أنس: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. قال: وفي الباب عن ابن عمر.
قال أبو عيسى: حديث أنس حسن صحيح. وهو قول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وبه يقول مالك (4) والشافعي (5) وأحمد (6) وإسحاق، انتهى كلامه.
قلت: وقد بوب البخاري لذلك فقال: باب الأذان مثنى وساق حديث أنس.
5 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: لمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِّمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا. فَأَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلَالاً أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. أخرجه الخمسة (7). [صحيح]
(1) أي: الترمذي في "السنن"(1/ 372).
(2)
أي: الترمذي في "السنن"(1/ 369 الباب رقم 141).
(3)
رقم (194).
(4)
انظر: المدونة (1/ 58).
(5)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(3/ 100 - 102).
(6)
"مسائل أحمد وإسحاق"(1/ 41).
(7)
أخرجه البخاري رقم (606)، ومسلم رقم (378)، وأبو داود رقم (508)، والترمذي رقم (193)، والنسائي (2/ 3)، وابن ماجه رقم (730).
وأخرجه أحمد (3/ 103، 189)، والطيالسي رقم (2095). =
قوله في حديث أنس: "أن يعلموا" بضم أوله من الإعلام، وبفتحه من العلم، وبها وردت الرواية.
قوله: "يوروا ناراً" أقول: لفظ "الجامع"(1): "ينوروا ناراً" ولفظ البخاري (2): "يوروا ناراً" في "الفتح"(3)، أي: يوقدوها. يقال: ورى الزند: إذا خرجت ناره. وأوريته: إذا أخرجته. قال: وفي رواية مسلم (4): "أن ينوروا" أي: يظهر نورها، انتهى بلفظه.
"والناقوس"(5) خشبة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منها صوت، وهو من شعار النصارى.
قوله: "وأن يوتر الإقامة" أي: يأتي بلفظ: "قد قامت الصلاة" وبه احتج من قال بإفرادها.
قال الحافظ ابن حجر (6): والحديث الذي قبله حجة عليه، يريد: أنه قدم البخاري (7) رواية: "وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة" أي: فإنه يأتي بها مثناة فيقول: "قد قامت الصلاة، قد
= والدارمي (1/ 270)، وابن الجارود رقم (159)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 132 - 133)، والدارقطني في "السنن"(1/ 239)، والبيهقي (1/ 412، 413)، وأبو عوانة (1/ 326، 327، 328)، وابن خزيمة (1/ 190، 191)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 253، 254) من طرق وهو حديث صحيح.
(1)
(5/ 280 رقم 3357).
(2)
في "صحيحه" رقم (606).
(3)
(2/ 83).
(4)
في "صحيحه"(378).
(5)
قاله الحافظ في "الفتح"(2/ 83).
(6)
في "فتح الباري"(2/ 83).
(7)
في صحيحه رقم (605).
قامت الصلاة"، والأظهر أرجحية رواية تثنية كلمة الإقامة مع إفراد غيرها، وإلى هنا انتهت روايات عبد الله بن زيد ثم ذكرت روايات أبي محذورة.
6 -
وعن أبي محذورة رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رسَولَ الله! عَلِّمْنِى سُنَّةَ الأَذَانَ، قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِي، قَالَ:"تَقُولُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوُل الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوُل الله، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ الله". أخرجه الخمسة (1) إلا البخاري. [صحيح]
7 -
وفي رواية (2): وَعَلَّمَنِي الإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ: "الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ الله".
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (379)، وأبو داود رقم (500 ، 502 ، 503 ، 504، 505)، والترمذي رقم (192)، وابن ماجه رقم (709)، والنسائي رقم (630).
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 81) عقب الحديث: هكذا وقع هذا الحديث في "صحيح مسلم" في أكثر الأصول في أوله: الله أكبر مرتين فقط، ووقع في غير مسلم: أربع مرات.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(2/ 244): ووقع في بعض طرق الفارسي في "صحيح مسلم" أربع مرات.
(2)
أخرجها أبو داود رقم (501)، وهو حديث صحيح دون قوله: وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته
…
قال أبو داود (1) وقال عبد الرزاق: "وَإِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ فَقُلْهَا مَرَّتَيْنِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ" أَسَمِعْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وقَالَ: وَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لَا يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ وَلَا يَفْرَقُهَا؛ لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَيْهَا. [صحيح دون قوله: وكان أبو محذورة]
قوله [414 ب]: "وعن أبي محذورة" أقول: [اسمه (2) سلمة وقيل سمرة](3) وفي خبره: أنه لما سمع الأذان مع فتية من قريش خارج مكة أقبلوا يستهزئون ويحكون صوت المؤذن غيظاً، وكان أبو محذورة من أحسنهم صوتاً، فرفع صوته مستهزئاً، فسمعه صلى الله عليه وسلم فأمر به فمثل بين يديه، وهو يظن أنه مقتول فمسح ناصيته وصدره بيده صلى الله عليه وسلم قال: فامتلأ قلبي والله إيماناً ويقيناً، وعلمت أنه رسول الله. فألقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان وعلمه إياه وأمره أن يؤذن لأهل مكة، وهو ابن ستة عشر سنة، فكان مؤذنهم حتى مات، ثم عقبه بعده يتوارثون الأذان كابراً عن كابر، وفي أبي محذورة يقول الراجز:
أما ورب الكعبة المستورة
…
وما تلا محمد من سورة
والنفحات من أبي محذورة
…
لأفعلن فعلة مذكورة
قوله: "تقول: الله أكبر" أقول: ذكرها هنا أربعاً، وهي رواية الخمسة، ورواية مسلم (4): أن التكبير في أوله مرتين، كما قاله الحافظ في "بلوغ المرام"(5).
(1) في "السنن"(1/ 341).
(2)
قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(2/ 924): اسم أبي محذورة سمرة بن معير.
وقال ابن حجر في "التقريب"(2/ 469 رقم 22): أبو محذورة الجُمَحي المكي المؤذن صحابي مشهور، اسمه أوس، وقيل: سمرة، وقيل: سلمة، وقيل: سلمان
…
(3)
أخرجه النسائي في "السنن" رقم (632) بإسناد صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (379).
(5)
(1/ 47 الحديث رقم 4/ 170) بتحقيقي.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(1): التكبير أربع مرات في أول الأذان محفوظ من رواية الثقات من حديث أبي محذورة، ومن حديث عبد الله بن زيد، وهي زيادة يجب قبولها.
قوله: "تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادتين" أقول: هذا هو الترجيع. أقول: تخفض بها صوتك، قيل: المراد أن يسمع من يقربه، قالوا: والحكمة في ذلك أن يأتي بهما أولاً بتدبر وإخلاص ولا يأتي [415 ب] كمال ذلك إلا مع خفض الصوت، ثم يرفع بهما صوته.
وهذا الترجيع اختلف العلماء في أنه مشروع، فالجمهور (2) أنه مشروع لهذا الحديث الصحيح، وهو زيادة على حديث عبد الله بن زيد، وزيادة العدل مقبولة.
وذهب الهادوية (3) والحنفية (4) إلى عدم مشروعيته عملاً منهم بحديث عبد الله بن زيد، وهذا مشروع في حق المؤذن دون السامع، إلا أن يكون بقرب المؤذن بحيث يسمع ما أسرَّ به شرع له أن يقوله كما يقوله المؤذن، لعموم حديث (5) الأمر بأن يقول كما يقول. ويحتمل أن يخص هذا؛ لأنه قد فصل صلى الله عليه وسلم كيفية قول المجيب، وأنه يأتي عقب كل جملة قالها المؤذن بمثلها، ولم يذكر إجابته في الإسرار بالترجيع.
قوله: "وكان يقول في الفجر: الصلاة خير من النوم" ظاهره [426/ أ] أنه كان يقولها من تلقاء نفسه لا أنه صلى الله عليه وسلم أمره بها، ولكنه يأتي في حديث تعليمه صلى الله عليه وسلم له أنه ألقاها عليه. وظاهر الرواية أيضاً: أنه كان يقول ذلك في أذان فريضة الفجر، وقد روى الترمذي (6) وابن
(1)(4/ 13 - 14).
(2)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(3/ 100 - 101).
(3)
"البحر الزخار"(1/ 191).
(4)
"البناية في شرح الهداية"(2/ 90 - 91).
(5)
تقدم، وهو حديث صحيح.
(6)
في "السنن" رقم (198).
ماجه (1) وأحمد (2) من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تثوبن في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر" إلا أن فيه ضعيفاً وفيه انقطاع (3).
(1) في "السنن" رقم (715).
(2)
في "المسند"(6/ 14، 15).
قال الترمذي في "السنن"(1/ 379 - 380): حديث بلال، لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة قال: إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة.
وأبو إسرائيل اسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق، وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث.
قال العقيلي في "الضعفاء"(1/ 75): في حديث أبي إسرائيل وهم واضطراب. قلت: لم يتفرد أبو إسرائيل بالحديث وإن لم يعرف ذلك الترمذي.
فقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 424) من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنا شعبة عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أمر بلال أن يثوب في صلاة الصبح ولا يثوّب في غيرها".
ورجاله ثقات لكنه منقطع؛ لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلقَ بلالاً.
ثم أخرجه البيهقي (1/ 424)، وأحمد (6/ 14 - 15) من طريق علي بن عاصم ثنا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أثوِّب إلا في الفجر".
وقال البيهقي: وهذا مرسل؛ فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق بلالاً.
قلت: وفي سنده عطاء بن السائب: صدوق اختلط. "التقريب"(2/ 22 رقسم 191).
وعلي بن عاصم: ضعيف. "المغني"(2/ 450 رقم 4290).
ثم قال البيهقي (1/ 424): ورواه الحجاج بن أرطأة، عن طلحة بن مصرف وزبيد عن سويد بن غفلة: أن بلالاً كان لا يثوّب إلا في الفجر، فكان يقول في أذانه: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم. والحجاج مدلس.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
انظر التعليقة المتقدمة.
وفي رواية النسائي في سننه الكبرى (1) من جهة سفيان عن أبي جعفر عن أبي سليمان عن أبي محذورة قال: كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم.
قال ابن حزم (2): إسناده صحيح، ومثله في "سنن البيهقي الكبرى"(3) أنه كان أبو محذورة يثوب في الأذان الأول من الصبح بأمره صلى الله عليه وسلم.
إذا عرفت هذا؛ عرفت أن هذا مقيد [416 ب] لما أطلق من التثويب في أذان الفجر أن المراد به الأذان الأول الذي شرع قبل طلوع الفجر لإيقاظ وإزعاج النائم، لا أنه يؤذن بها في الأذان الذي هو للصلاة بعد دخول وقتها، فهو ليس من ألفاظ الدعاء إلى الصلاة والإعلام بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح (4) الأخير الذي يعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة في ديار الزيدية عوضاً عن الأذان الأول. وقد حققنا ذلك في شرحنا "سبل السلام على بلوغ المرام"(5).
(1) رقم (1623) وفي "المجتبى" رقم (647).
(2)
في صحيحه رقم (386).
(3)
(1/ 423) بسند صحيح.
(4)
قال الشقيري في "السنن والمبتدعات"(ص 49): وقولهم قبل الفجر على المنابر: يا رب عفواً بجاه المصطفى كرماً؛ بدعة وتوسل جاهلي، وكذا التسبيح، أو القراءة، أو الإشعار، بدع في الدين مغيّرة لسنة الأمين صلى الله عليه وسلم
…
وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 157): وقد رأينا من يقوم بالليل كثيراً على المنارة فيعظ ويذكر، ومنهم من يقرأ سوراً من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات.
(5)
(1/ 45 - 47 - مع سبل السلام) بتحقيقي.
واعلم أنه إنما خص خيرية الصلاة على النوم؛ لأن الساعة ساعة النوم، والمطلوب ترك النوم والقيام إلى الصلاة فخص بالذكر وإلا فهي خير من كل شيء من الطاعات فضلاً عن اللذات، وألفاظ رواية أبي محذورة كثيرة.
قوله: "فإن كانت صلاة الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم" هذه هي الرواية المرفوعة، ولكنها مقيدة بالأذان الأول كما قدمناه.
قوله: "وعلمني الإقامة مرتين مرتين" أقول: هذا تعارضه رواية ابن عمر: أن الإقامة كانت مرة مرة، ويأتي الكلام عليه.
8 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إِنَّمَا كَانَ الأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ مَرَّتيْنِ، وَالإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ يُثَنِّي، قَالَ: فَإِذَا سَمِعْنَا الإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. أخرجه أبو داود (1) والنسائي (2). [حسن]
قوله في حديث ابن عمر: "والإقامة مرة مرة" أي: يؤتى بكل لفظة تثبت في الأذن مفردة في الإقامة، ثم يبين أنه كان يكرر فيها لفظ:"قد قامت الصلاة مرتين".
وقد اختلف (3) العلماء في الجمع بين حديث ابن عمر هذا وحديث أبي محذورة الدال على تثنية ألفاظ الإقامة، فذهب جماعة إلى حديث أبي محذورة وقالوا: إنه ناسخ لما عداه. وأورد
(1) في "السنن" رقم (510).
(2)
في "السنن"(2/ 3، 20، 31).
وأخرجه أحمد (2/ 85، 87)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(1/ 442 رقم 519)، وأبو عوانة في مسنده (1/ 329)، والدارقطني في "السنن"(1/ 239)، وابن خزيمة رقم (374)، وابن حبان رقم (1674)، والحاكم (1/ 197 - 198)، والبغوي في "شرح السنن" رقم (406)، والدولابي في "الكنى"(2/ 106)، والدارمي (1/ 270) من طرق. وهو حديث حسن، والله أعلم.
(3)
انظر: "فتح الباري"(2/ 83).
عليهم أنه يلزمهم كل ما فيه وفيه التربيع والترجيع، وهم لا يقولون به، وبأنه أنكر أحمد (1) على من ادعى [417 ب] النسخ بحديث أبي محذورة، واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح وأقر بلال على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ، فأذن به بعده كما رواه الدارقطني (2) والحاكم (3).
وقال ابن عبد البر (4): ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح، فإن ربع التكبير في الأذان الأول أو ثناه أو رجع في التشهد أو لم يرجع، أو ثنى في الإقامة أو أفردها، كلها روايات قد قامت، فالجميع جائز.
قلت: وهو كلام حسن، وقد ذكر نحوه ابن القيم في "زاد المعاد"(5).
واعلم أنه استشكل عدم استثناء التكبير في الإقامة، فإنه مكرر، فكان حقه أن يستثنى مع الإقامة.
وأجيب: بأن تثنية التكبير في الإقامة بالنسبة إلى تربيعه في الأذان إفراد.
قلت: وهذا يتمشى عند من يرى التربيع في الأذان.
فائدة:
قيل: الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان إعلام للغائبين فيكرر ليكون أوصل إليهم بخلاف الإقامة، فإنها للحاضرين ومن [ثم](6) استحب أن يكون الأذان في
(1) انظر: "مسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ"(1/ 40 رقم 189).
(2)
في "السنن"(1/ 239).
(3)
في "المستدرك"(1/ 198).
(4)
"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(3/ 15).
(5)
(1/ 264 - 266).
(6)
في (أ): "ثمة".
مكانٍ عالٍ، بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتل والإقامة بسرعة، وكررت: قد قامت الصلاة؛ لأنها المقصودة من الإقامة بالذات.
قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" قلت: قال أبو داود (1) عقب إخراجه: قال شعبة: لم أسمع من أبي جعفر غير هذا الحديث، ثم قال: حدثنا شعبة عن أبي جعفر مؤذن مسجد العريان، قال: سمعت أبا المثنى مؤذن مسجد الأكبر يقول [418 ب]: سمعت ابن عمر وساق الحديث. انتهى كلام أبي داود.
وفي "التقريب"(2) أبو جعفر اسمه [محمد](3) بن إبراهيم بن مسلم بن مهران الليثي المؤذن الكوفي، صدوق [يخطئ من (4) السابعة](5).
وقال في [ابن](6) المثنى (7): إنه مسلم بن المثنى، أبو المثنى الكوفي المؤذن ثقة من الرابعة.
9 -
وعن مالك (8): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ المُؤَذِّنَ جَاءَ عُمَرَ رضي الله عنه يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا في نِدَاءِ الصُّبْحِ. [موقوف ضعيف]
(1) في "السنن"(1/ 351 رقم 511).
(2)
(2/ 141 رقم 15)، و (2/ 406 رقم 24).
(3)
في (أ. ب): "مسلم"، وما أثبتناه من "التقريب".
(4)
قاله ابن حجر في "التقريب"(2/ 141 رقم 15).
(5)
سقطت من (ب).
(6)
في (أ): "أبي".
(7)
أي ابن حجر في "التقريب"(2/ 246 رقم 1098).
(8)
في "الموطأ"(1/ 72 رقم 8) أثر ضعيف موقوف.
قوله: "وعن مالك: أنه بلغه" الحديث .. هذا يشعر بأنه لم يأت التثويب بهذه الكلمة إلا في أيام عمر، وقد سبق التحقيق وأنها مرفوعة، وأن محلها الأذان الأول. ثم هذا الحديث بلاغ. [427/ أ].
10 -
وعن مجاهد قال: دَخَلْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَسْجِداً وَقَدْ أُذِّنَ فِيْهِ وَنَحْنُ نُرِيْدُ أَنْ نُصَلِّيَ، فَثَوَّبَ المُؤَذِّنْ فَخَرَجَ عَبْدُ الله مِنَ المَسْجِدِ وقال: اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا المُبْتَدِعِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. أخرجه أبو داود (1) والترمذي (2). [حسن]
وقال (3): وقد روي عن ابن عمر أنهُ كانَ يَقُولُ في أذَانِ الفَجْرِ: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ".
11 -
وفي رواية أبي داود (4) قال: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَثَوَّبَ رَجُل فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، فَقَالَ: اخْرُجْ بِنَا فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ. [حسن]
"التَّثْوِيبُ": الرجوع في القول مرة بعد مرة، وكل داع مُثَوِّبٌ، والتثويب في أذان الفجر: قول المؤذن الصلاة خير من النوم مرتين، واحدة بعد أخرى (5).
قوله في حديث مجاهد: "فثوب المؤذن" أقول: قال الترمذي (6): وقد اختلف أهل العلم في تفسير التثويب، فقال بعضهم:[هو](7) التثويب أن يقول في أذان الفجر الصلاة خير من
(1) في "السنن" رقم (538)، وهو حديث حسن.
(2)
في "السنن" رقم (198) بلاغاً بصيغة التمريض.
(3)
أي الترمذي في "السنن"(1/ 381).
(4)
في "السنن" رقم (538).
(5)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(5/ 287 - 288).
(6)
في "السنن"(1/ 380).
(7)
زيادة من (أ)، وليست في "السنن".
النوم. وهو قول ابن المبارك وأحمد. وقال إسحاق في التثويب غير هذا، قال: هو شيء أحدثه الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم، قال: بين الأذان والإقامة، قد قامت الصلاة، حي على الصلاة حي على الفلاح. وهذا الذي قال إسحاق هو التثويب الذي كرهه أهل العلم، والذي أحدثوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي فسر (1) أحمد وابن المبارك: أن التثويب أن يقول المؤذن في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول صحيح. ويقال له التثويب أيضاً، وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه، وروي عن عبد الله بن عمر: أنه كان يقول في صلاة الفجر: "الصلاة خير من النوم".
وروي [419 ب] عن مجاهد (2) قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجد [و](3) قد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه، فثوب المؤذن، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد، وقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع ولم يصل فيه، وإنما كره عبد الله بن عمر التثويب الذي أحدثه الناس بعد. انتهى بلفظه.
وبه يعرف أن الذي أنكره ابن عمر شيئاً لم يكن قد ذكره المصنف، بل المتبادر من كلامه أنه تثويب الفجر. وقول مجاهد وقد أذن دال على أنه لم يرد به التثويب الذي في الفجر إذ ذلك يقال مع الأذان غير ما فسره المصنف به في آخر كلامه.
ويعرف أيضاً أن الترمذي لم يخرج رواية مجاهد، بل قال: وروي عن مجاهد بصيغة التمريض، فلا يصح أن يقال: أخرجه الترمذي (4). والمصنف تبع ابن الأثير، فإنه نسب
(1) ذكره الترمذي في "السنن"(1/ 381).
(2)
ذكره الترمذي في "السنن"(1/ 381).
(3)
سقطت من (ب).
(4)
في "السنن"(1/ 381).
إخراجه إلى الترمذي، ويعرف تعيين الصلاة من رواية أبي داود (1)، وأنها غير الفجر. ويعرف أن ابن عمر قائل بالتثويب في أذان الفجر.
نعم، أخرج رواية مجاهد أبو داود (2) بلفظ: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثني أبو يحيى القتات عن مجاهد، وذكره بلفظ في الظهر أو العصر بكلمة أو، وفي "الجامع"(3) و"التيسير" بالواو، وفيه دليل أنه يخرج من المسجد للبدعة فيه. وكان المتعين إنكارها على المبتدع لكنه يحمل أنه لم يستطع ابن عمر إنكارها عليه فخرج، وأخبر مجاهداً بأنها بدعة.
ويؤخذ منه إباحة ترك الصلاة في المسجد إذا كانت فيه بدعة، وإن كان هذا فعل صحابي.
هذا وأبو يحيى القتَّات لين الحديث، كما في "التقريب"(4).
12 -
وعن بلال رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تُثَوِّبَنَّ في شَيْءْ مِنَ الصَّلَاةِ إلَاّ في صَلَاةِ الفَجْرِ". أخرجه الترمذي (5). [ضعيف]
(1) في "السنن" رقم (538) عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فثوّب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة.
وهو أثر حسن.
(2)
في "السنن" رقم (538) عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فثوّب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة.
وهو أثر حسن.
(3)
(5/ 287).
(4)
(2/ 489 رقم 9).
(5)
في "السنن" رقم (198).
وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (715). وهو حديث ضعيف.
13 -
وعنه رضي الله عنه قال: "آخِرُ الأذَانِ الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ، لَا إلهَ إلَاّ الله". أخرجه النسائي (1). [صحيح]
قول [420 ب] في أذان بلال: "أخرجه الترمذي".
قلت: وقال بعد إخراجه: قال أبو عيسى (2): حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن [عتيبة] (3) قال (4): إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن [عتيبة](5)، وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق، وليس بذاك القوي عند أهل الحديث. انتهى بلفظه.
وفي "التقريب"(6) أن اسمه إسماعيل بن أبي خليفة. وفي "الميزان"(7) إسماعيل بن أبي إسحاق خليفة، ورأيتهما أنهما اثنان، بل منهم من ينسبه إلى اسم أبيه ومنهم من ينسبه إلى كنية أبيه. وفي "التقريب"(8) أنه صدوق سيء الحفظ، نسب إلى الغلو في التشيع.
قوله:
(1) في "السنن" رقم (649)، وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن"(1/ 379).
(3)
في (ب): "عتبة"، وما أثبتناه من (أ) و"سنن الترمذي".
(4)
أي الترمذي في "السنن"(1/ 379).
(5)
في (ب): "عتبة"، وما أثبتناه من (أ) و"سنن الترمذي".
(6)
(1/ 69 رقم 505)، والذي فيه: إسماعيل بن خليفة بالموحدة، أبو إسرائيل الملائي الكوفي، معروف بكنيته، وقيل: اسمه عبد العزيز، صدوق سيء الحفظ، نُسبَ إلى الغلو في التشيع.
(7)
في "الميزان"(1/ 222 رقم 849)، وفي "الكنى"(4/ 490 رقم 9955).
(8)
(2/ 69 رقم 505).