المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الفصل الثاني: في وجوبها والمحافظة عليها) - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٥

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الصاد

- ‌كتاب الصلاة

- ‌القسم الأول في الفرائض

- ‌الباب الأول: في فضل الصلاة

- ‌الباب الثاني: في وجوب الصلاة أداء وقضاء

- ‌الباب الثالث: في المواقيت

- ‌(وقت الفجر)

- ‌(وقت الظهر)

- ‌(وقت العصر)

- ‌[وقت المغرب]

- ‌(الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر)

- ‌أوقات الكراهة

- ‌الباب الرابع: في الأذان والإقامة وفيه فروع

- ‌الفرع الأول: في فضله

- ‌الفرع الثاني: في بدئه

- ‌الفرع الثالث: في أحكام تتعلق بالأذان والإقامة

- ‌فصل في استقبال القبلة

- ‌الباب الخامس: في كيفية الصلاة وأركانها

- ‌القراءة

- ‌القراءة بفاتحة الكتاب

- ‌فضلها

- ‌السورة

- ‌صلاة الظهر والعصر

- ‌القراءة في المغرب

- ‌صلاة المغرب

- ‌القراءة في صلاة العشاء [6 ب]

- ‌الجهر

- ‌الاعتدال

- ‌مقدار الركوع والسجود

- ‌هيئة الركوع والسجود

- ‌أعضاء السجود

- ‌القنوت

- ‌التشهد

- ‌[الجلوس]

- ‌السلام

- ‌أحاديث جامعة لأوصاف من أعمال الصلاة

- ‌في طول الصلاة وقصرها

- ‌شرائط الصلاة وهي ثمانية

- ‌أحدها: طهارة الحدث:

- ‌ثانيها: طهارة اللباس:

- ‌ثالثها: سترة العورة:

- ‌رابعها: أمكنة الصلاة وما يصلى فيه:

- ‌خامسها: ترك الكلام:

- ‌سادسها: ترك الأفعال:

- ‌سابعها: قبلة المصلي:

- ‌ثامنها: في أحاديث متفرقة:

- ‌حمل الصغير

- ‌من نعس في الصلاة

- ‌عقص الشعر

- ‌مدافعة الأخبثين

- ‌فصل في السجدات

- ‌سجود السهو

- ‌سُجُودُ التِّلَاوَةِ

- ‌[(تَفْصِيْلُ سُجُودِ القُرْآن)]

- ‌سُجُودُ الشُّكْر

- ‌الباب السادس: في صلاة الجماعة

- ‌الفصل الأول: في فضلها

- ‌(الفصل الثاني: في وجوبها والمحافظة عليها)

- ‌(الفصل الثالث: في تركها للعذر)

- ‌(الفصل الرابع: في صفة الإمام)

- ‌الفصل الخامس: عقده لأربعة: أحكام المأموم، وترتيب الصفوف، وشرائط الاقتداء، وآداب المأموم

- ‌الباب السابع: في صلاة الجمعة

- ‌الفصل الأول: في فضلها ووجوبها وأحكامها

- ‌الفصل الثاني: في الوقت والنداء

- ‌الفصل الثالث: في الخطبة وما يتعلق بها

- ‌الفصل الرابع: في القراءة في الصلاة والخطبة

- ‌الفصل الخامس: في آداب الدخول في الجامع والجلوس فيه

- ‌الباب الثامن: في صلاة المسافر

- ‌الفصل الأول: في القصر

- ‌الفصل الثاني: في الجمع بين الصلاتين

- ‌الفصل الثالث: في صلاة النوافل في السفر

- ‌القسم الثاني: من كتاب الصلاة في النوافل

- ‌الباب الأول: في النوافل المقرونة بالأوقات

- ‌الفصل الأول: في رواتب الفرائض الخمس والجمعة

- ‌(راتبة الظهر)

- ‌(راتبة العصر)

- ‌(راتبة المغرب)

- ‌(راتبة العشاء)

- ‌(راتبة الجمعة)

- ‌(الفصل الثاني: في صلاة الوتر)

الفصل: ‌(الفصل الثاني: في وجوبها والمحافظة عليها)

واستنبط منه بعضهم استحباب قصد المسجد البعيد، ولو كان بجنبه مسجد قريب، وإنما يتم ذلك إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هجر القريب، وإلاّ فإحياؤه بذكر الله أولى، وكذا إذا كان في البعيد مانع من الكمال كأن يكون إمامه مبتدعاً.

(الفصل الثاني: في وجوبها والمحافظة عليها)

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَتَى رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسولَ الله إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى المَسْجِدِ، وَسَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لهُ:"هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَأَجِبْ". أخرجه مسلم (1) والنسائي (2). [صحيح]

قوله: "في حديث أبي هريرة: رجل أعمى".

أقول: هو ابن أم مكتوم سأل: هل له رخصة يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره؟ فقال له صلى الله عليه وسلم ما قال، إمّا بوحي أو اجتهاد، واسم ابن أم مكتوم عمرو بن قيس بن زائدة القرشي العامري (3)، ابن خال خديجة أم المؤمنين، وسمي به لكتمان نور عينيه.

قوله: "هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب". أي: الإقامة كما ثبت بلفظها عند ابن خزيمة (4)، وأحمد (5) والحاكم (6):

(1) في صحيحه رقم (255/ 653).

(2)

في "السنن" رقم (85).

وأخرجه أبو عوانة (2/ 6)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 57). وهو حديث صحيح.

(3)

انظر: "التقريب"(2/ 77 رقم 760).

(4)

في "صحيحه" رقم (1480).

(5)

في "المسند"(3/ 423، 367).

(6)

في "المستدرك"(1/ 247). =

ص: 598

عن ابن أم مكتوم (1): "أن رسول الله [144 ب]صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال: لقد هممت أن آتي هؤلاء الذين يتخلفون في الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم، فقام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله! قد علمت ما بي وليس لي قائد".

زاد أحمد (2): "وإنّ بيني وبين المسجد شجراً ونخلاً، ولا أقدر على قائد كل ساعة، قال صلى الله عليه وسلم: "تسمع الإقامة؟ قال: نعم، قال: فاحضرها"، ولم يرخص له.

ولابن حبّان (3) من حديث جابر قال: "أتسمع الأذان؟ قال: نعم، قال: فأتها ولو حبواً".

وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده ككثير من العميان.

واعتمد ابن خزيمة وغيره حديث ابن أم مكتوم على فريضة الجماعة الصلوات كلها، ورجّحوه بحديث الهم بتحريق من تخلّف عن الصلاة، كما في البخاري (4).

واستدلوا أيضاً بالأحاديث الدالة على الرخصة في التخلف عن الجماعة قالوا: لأنّ الرخصة لا تكون إلاّ عن واجب.

= وأخرجه أبو داود رقم (552)، وابن ماجه رقم (792)، والطبراني في "الصغير"(2/ 34 رقم 732 - الروض الداني)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (796)، وهو حديث صحيح.

(1)

أي: عمرو بن أم مكتوم.

(2)

في "المسند"(3/ 367).

(3)

في "صحيحه" رقم (2063) من حديث جابر رضي الله عنه.

(4)

في "صحيحه" رقم (657).

وأخرجه مسلم رقم (252/ 651) كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد تقدم.

ص: 599

والبخاري (1) رجّح الوجوب فقال في ترجمته: باب وجوب [صلاة](2) الجماعة.

قال ابن حجر (3): هكذا أثبت الحكم في هذه المسألة، وكأنه لقوة دليلها عنده، لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية.

قال (4): وظاهر حديث الباب يريد به حديث التحريق لمن تخلف عن الجماعة، وهو حديث أبي هريرة (5) الآتي قريباً، فإنها لو كانت سنة لم يتهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية، لكانت قد حصلت بصلاته صلى الله عليه وسلم ومن معه.

وإلى القول: بأنها فرض عين ذهب أحمد (6) والأوزاعي (7) وجماعة من محدثي الشافعية (8)[491/ أ] كأبي ثور (9)، وابن خزيمة (10)، وابن المنذر (11)، وابن حبان (12).

(1) في "صحيحه"(2/ 125 الباب رقم (29 - مع الفتح).

(2)

سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "الفتح".

(3)

في "فتح الباري"(2/ 125).

(4)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2/ 125 - 126).

(5)

وهو حديث صحيح وقد تقدم.

(6)

"المغني" لابن قدامة (3/ 6).

(7)

قال الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات سمع النداء أو لم يسمع. قاله البغوي في "شرح السنة"(3/ 350).

(8)

انظر: "المجموع شرح المهذب"(4/ 84 - 85). روضة الطالبين (1/ 339).

(9)

انظر: "المغني"(3/ 6).

(10)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 126).

(11)

انظر: "المغني"(3/ 6)، "المحلى"(4/ 194 - 195).

(12)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 126).

ص: 600

وبالغ داود (1) ومن تبعه فجعلها شرطاً في صحة الصلاة.

وأشار ابن دقيق (2) العيد إلى أنه مبني على أنَّ ما كان واجباً في العبادة كان شرطاً فيها، فلما كان الهم المذكور دليلاً على لازمه وهو الحضور، ووجوب الحضور دليلاً على لازمه، وهو الاشتراط ثبت الاشتراط بهذه الوسيلة.

إلاّ أنه [145 ب] لا يتم إلا بعد تسليم أنّ ما وجب في الفريضة كان شرطاً فيها، وقد قيل: أنه الغالب.

ولمّا كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية، قال أحمد (3): إنها واجبة غير شرط.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر (4) أجوبة ثمانية عن حديث التحريق الدال على الوجوب عيناً وتعقبها كلها.

ثم قال (5): والذي يظهر لي أنّ الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الآتي إن شاء الله بعد أربعة أبواب - يريد في "صحيح البخاري"(6) -: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر .. " الحديث.

ولقوله: "لو يعلم (7) أحدهم

" إلى آخره، ولأنّ هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية، لا نفاق الكفر بدليل قوله في حديث أبي هريرة

(1) انظر: "المحلى"(4/ 194 - 195).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 126).

(3)

"المغني" لابن قدامة (3/ 6).

(4)

في "الفتح"(2/ 126 - 128).

(5)

في "الفتح"(2/ 127).

(6)

(2/ 141 الباب رقم 34 الحديث رقم (657).

(7)

تقدم وهو حديث صحيح.

ص: 601

عند أبي داود (1): "ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة" فهذا يدل على أنّ نفاقهم نفاق معصية لا كفر؛ لأنّ الكافر لا يصلي في بيته، إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلى في بيته، كان كما وصفه الله به من الكفر بالاستهزاء، نبّه عليه القرطبي (2).

ثم قال (3): وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر، فلا يدل على عدم الوجوب؛ لأنه يتضمن أنّ ترك الجماعة من صفات المنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم.

وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها.

انتهى بتلخيص من "الفتح"(4)، وذكر جوابين فكانت عشرة أجوبة عن حديث الباب.

وأقول: قد دار الكلام على أنّ الحديث محمول على المنافقين نفاق كفر أو نفاق معصية، وقد علم أنّ نفاق الكفر لا عقاب على أهله في الدنيا، بل قد عصموا دماءهم وأموالهم بقول: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله [146 ب]صلى الله عليه وسلم، وصار لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وحينئذٍ فالهم بالتحريق ليس إلاّ لتأخرهم عن الصلاة، فلا يتم القول بأنّ التحريق الذي همّ به لأجل نفاق الكفر.

وإن أريد نفاق المعصية فهو أيضاً دليل على أنّ ذلك لأجل عدم شهود [الصلوات](5) إذ عدم شهودها هو الذي به صاروا منافقين نفاق معصية.

فعلى التقديرين لا يتم الجواب عن الاستدلال بالحديث على وجوب الجماعة عيناً.

(1) في "السنن" رقم (549)، وهو حديث صحيح دون قوله: ليست بهم علة.

(2)

في "المفهم"(2/ 276 - 277).

(3)

الحافظ في "فتح الباري"(2/ 127).

(4)

(2/ 126 - 128).

(5)

في (ب): "الصلاة".

ص: 602

فإذا عرفت هذا فأقرب الأجوبة ما قاله الباجي (1) وغيره (2): من أنّ الخبر خرج مخرج الزجر، وحقيقته غير مرادة، وهذا بعد تمام قيام الأدلة على معارضة الحديث بها هو أنهض منه، أو القول: بأنّ فريضة الجماعة كان في صدر الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ، حكاه عياض (3).

قال الحافظ (4): ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار كما سيأتي إن شاء الله تعالى واضحاً في كتاب الجهاد (5).

وكذلك ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال، ويدل على النسخ، الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ (6). انتهى.

وممّا ذكره الحافظ (7): أنّ الوعيد يختص بمن تخلف عن صلاة العشاء والفجر.

قال (8): لأنّ غيرهما مظنة الشغل بالتكسب وغيره، أمّا العصران فظاهر، وأمّا المغرب فلأنها في الغالب وقت الرجوع إلى البيوت والأكل لا سيما للصائم مع ضيق الوقت بخلاف العشاء والفجر، فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم.

(1) انظر: "المنتقى" للباجي (1/ 228 - 229).

(2)

انظر: "التمهيد"(4/ 221)، "فتح الباري"(2/ 126).

(3)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(2/ 622 - 623).

(4)

في "الفتح"(2/ 126).

(5)

تقدم ذكره في الجهاد.

(6)

تقدم آنفاً.

(7)

في "فتح الباري"(2/ 126).

(8)

في "الفتح"(2/ 129).

ص: 603

وفي المحافظة عليهما في الجماعة انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار، وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة، ويفتتحوه كذلك، انتهى.

قال أبو محمد بن حزم (1)[147 ب]: ليس في ذكر العشاء في آخر الحديث دليل على أنه المتوعد عليها دون غيرها، بل هما قصتان متغايرتان [492/ أ].

وقال في حديث (2): "إنّ صلاة الجماعة تفل صلاة الفذ": أنّ المراد بالفذ: المعذور عن حضور الجماعة، وهو من ليس به علة كما أفاده حديث التحريق لمن تخلف عن الجماعة، في بيته ليس به علة (3).

ثم قال: فصحّ أنّ هذا التفاضل إنما هو على صلاة المعذور التي تجوز وهي دون صلاة الجماعة في الفضل.

قلت: ولا يخفى أنّ التخلف لعذر منعه عن الجماعة له فضيلة الجماعة لما ثبت من حديث أنه قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ أقواماً تخلفوا في المدينة حبسهم العذر"، فقال صلى الله عليه وسلم فيهم:"ما هبطتم وادياً ولا علوتم ثنية إلا وهم معنا"(4). قاله في غزوة تبوك.

وكذلك ما ثبت من قوله أنه "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يفعل صحيحاً مقيماً"(5). ومنه: صلاته في جماعة حال صحته.

(1) في "المحلى"(4/ 195 - 196).

(2)

انظر: "المحلى"(4/ 191 - 192).

(3)

تقدم. وهو حديث صحيح دون قوله: ليست بهم علة.

(4)

تقدم وهو حديث صحيح.

(5)

أخرجه أحمد (4/ 410)، والبخاري رقم (2996)، وأبو داود رقم (3091)، من حديث أبي موسى الأشعري. وهو حديث صحيح.

ص: 604

وكذلك [ما](1) ثبت في رجلين: "رجل آتاه الله مالاً فسلّطه على هلكته في الحق، ورجل لم يؤته الله مالاً فهو يقول: لو أعطيت ما أعطي فلان لعملت فيه مثل عمله، فهما في الأجر سواء"(2).

ومثله ورد فيمن أتاه الحكمة فهو يعمل بها ويقضي، ورجل يقول: لو أوتيت ما أوتي فلان لعملت عمله فهما في الأجر سواء" (3).

فهذا المعذور بعدم إيتاء الله إياه ما أتاه غيره، سواء في أجره بالنية لأجل عذره.

وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} (4) الآية، فاستثنى أولي الضرر وجعلهم كالمجاهدين بأموالهم وأنفسهم؛ لأنه حبسهم عن ذلك عذر الضرارة.

والأدلة في هذا واسعة جداً فكيف يقال: تحمل صلاة الفذ على المعذور عن [148 ب] الجماعة؟ بل المعذور عنها له أجر الجماعة، كيف وقد ثبت "أنه من أتى المسجد ليصلي جماعة

(1) سقطت من (أ. ب) وهي من مستلزمات النص.

(2)

أخرجه أحمد (4/ 230)، وابن ماجه رقم (4228)، والطبراني في "الكبير"(22/ 345 رقم 868) من حديث أبي كبشة الأنماري.

قال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف على الأطراف"(9/ 274): "لم يسمع سالم من أبي كبشة، وقد أخرجه أبو عوانة في "صحيحه" من طريق جرير، عن منصور، عن سالم قال: حدثت عن أبي كبشة" اهـ.

- وأخرجه أحمد في "المسند"(4/ 230)، وفيه تصريح سالم بالسماع لهذا الحديث من أبي كبشة.

وهو حديث صحيح. والله أعلم.

(3)

انظر: ما تقدم فهو جزء من حديث أبي كبشة. وهو حديث صحيح.

(4)

سورة النساء الآية (95).

ص: 605

فوجد الناس قد صلوا كتب له أجر الجماعة إن صلّى فرادى وأجر الجماعة كاملة إن أدرك بعض صلاته مع الجماعة". ما ذاك إلاّ لأنه معذور.

وأمّا من لا عذر له فصلى في منزله فصلاته صحيحة، وتفضلها صلاة الجماعة سبعة وعشرين صلاة.

ويراد بالمعذور الذي نيته حضور الجماعة لولا العذر الذي منعه، ولعلّ هذا هو الذي يصدق عليه أنه معذور، وأمّا المعذور الذي لا يخطر بباله أنه لولا العذر لحضر فلعله لا يضاعف له أجر الصلاة كحاضر الجماعة.

قوله: "أخرجه مسلم والنسائي" وأخرجه آخرون كما قدمناه.

2 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ المُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنِ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلاةُ الَّتِي صَلَاّهَا. قِيلَ: وَمَا العُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ". أخرجه أبو داود (1). [ضعيف]

قوله: "وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء، فلم يمنعه من اتّباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاّها".

(1) في "السنن" رقم (551)، وهو حديث ضعيف بهذا السياق، فيه أبو جناب وهو ضعيف وفي حديثه مناكير.

- وأخرجه ابن ماجه رقم (793)، والدارقطني في "السنن"(1/ 420 رقم 4)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (2064)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 245)، قال الحاكم: هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهشيم وقراد أبو نوح - هو عبد الرحمن بن غزوان ثقتان، فإذا وصلاه، فالقول فيه قولهما.

وأخرجه البغوي في "شرح السنة" رقم (795)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 57)، وهو حديث صحيح.

ص: 606

ولفظ حديث أبي داود (1) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاّها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً".

هذا من أدلة فرضية الجماعة عيناً، بناء على أنّ نفي القبول يستلزم نفي الصحة كما نختاره.

إلاّ أنه هنا يصرفه عن هذا المعنى حديث صحة صلاة الفذ، فيراد بنفي القبول نفي كمال الإثابة كما قالوه في حديث (2):"إنّ الآبق لا تقبل له صلاة" وكذلك شارب الخمر.

وقوله: "قيل: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض" يحتمل قصر العذر عليهما [149 ب] أو أنه تمثيل.

قوله: "أخرجه أبو داود"(3).

قلت: قال المنذري في "مختصر السنن"(4): فيه أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي، وهو ضعيف، وأخرجه ابن ماجه (5) بنحوه وإسناده أمثل وفيه نظر، انتهى.

(1) في "السنن" رقم (564)

وأخرجه أحمد (2/ 380)، والنسائي رقم (855)، وهو حديث صحيح.

(2)

أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (940) وابن حبان في "صحيحه" رقم (5355)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 1074)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 389).

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في "السنن" رقم (551)، وهو ضعيف.

(4)

(1/ 291).

(5)

في "السنن" رقم (793)، وهو حديث صحيح.

ص: 607

3 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِما لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ". أخرجه الستة (1). [صحيح]

"الحَبْوُ": المشي على الأيدي والركب.

قوله: "وعن أبي هريرة

الحديث" تقدم الكلام عليه.

4 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَاّ مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ إِنْ كَانَ المَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ. وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلاةَ فِي المَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ". أخرجه مسلم (2) وأبو داود (3). [صحيح]

5 -

زاد أبو داود (4): "وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ، وَلَوْ صلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ ترَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لكَفرْتُمْ". [صحيح]

قوله: "وعن ابن مسعود" هذا الحديث موقوف على ابن مسعود وله حكم الرفع.

(1) أخرجه البخاري رقم (657)، ومسلم رقم (252/ 651)، ومالك في "الموطأ"(1/ 129 رقم 3)، وأبو داود رقم (548، 549)، والنسائي (2/ 107)، وابن ماجه رقم (791).

وأخرجه أحمد (2/ 531)، والبيهقي (3/ 55)، وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

(2)

في "صحيحه" رقم (257/ 654).

(3)

في "السنن" رقم (550).

وأخرجه أحمد (1/ 382)، والنسائي رقم (849)، وابن ماجه رقم (777)، وهو حديث صحيح.

(4)

في "السنن" رقم (550)، وهو حديث صحيح.

ص: 608

وقوله: "لكفرتم" معناه: أنه يؤول بكم إلى الكفر بأن تتركوا أشياء من السنن حتى تخرجوا عن الملة.

[و](1) قوله: "يهادى"(2) بضم المثناة التحتية، وفتح الدال المهملة فألف مقصورة، أي: يرفد من جانبيه، ويؤخذ بعضديه، ويمشي به إلى المسجد.

6 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَصُوْمُ النَّهَارَ؟ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَا يَشْهَدُ الجْمَاعَةَ، وَلَا الجُمْعَةَ، فَقَالَ:"هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ". أخرجه الترمذي (3). [إسناده ضعيف]

قوله: "في حديث ابن عباس، أخرجه الترمذي".

قلت: قال هكذا، وقال مجاهد (4): سئل ابن عباس عن الرجل يصوم النهار

الحديث، ثم قال: حدثنا بذلك هنّاد قال: حدثنا المحاربيُّ عن ليث عن مجاهد.

قال: ومعنى الحديث: أن لا يشهد الجمعة والجماعة رغبة عنها واستخفافاً بحقها وتهاوناً بها. انتهى.

7 -

وعن أم الدرداء قالت: دَخَلَ عَلَىَّ أَبو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه وَهْوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَالله مَا أَعْرِفُ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا. أخرجه البخاري (5). [صحيح]

(1) زيادة من (أ).

(2)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(5/ 570) جاء الرجل يُهادى بين رجلين: إذا جاء متكئاً عليهما في مشيته.

(3)

في "السنن" رقم (218) بإسناد ضعيف.

(4)

قاله الترمذي في "السنن"(1/ 424).

(5)

في "صحيحه" رقم (650).

ص: 609

قوله: "عن أم الدرداء"(1) هي خيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية فراء، بنت أبي حدرد بفتح المهملة وسكون المهملة الأولى، وفتح الراء بينهما، الأسلمية الصحابية العالمة الفقيهة، ماتت [150 ب] بالشام في خلافة عثمان.

قوله: "من أمر محمد شيئاً" أي: من شريعته شيئاً لم يتغير عمّا كان عليه إلاّ [الصلاة عن وقتها](2)، وهو نظير حديث أنس عند البخاري (3): أنّ أنسًا قال: " [ما أحفظ] (4) شيئاً ممّا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: الصلاة. قال: أليس: قد صنعتم ما صنعتم فيها؟ ".

ويفسّره حديثه الآخر في البخاري (5) بلفظ: قال الزهري: "دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي! قلت: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلاّ هذه الصلاة [493/ أ]، وهذه الصلاة قد ضُيّعت"، انتهى.

يريد: أخّرها الأمراء عن وقتها كما روى ابن سعد في "الطبقات"(6) أنّ سبب قول أنس هذا عن ثابت البناني قال: "كنّا مع أنس بن مالك فأخّر الحَجَّاج الصلاة، فقام أنس يريد أن يكلمه فنهاه إخوانه [شفقةً](7) عليه منه فخرج وركب دابته، فقال في مسيره ذلك: والله ما

(1) ذكرها ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(1/ 369 - قسم التراجم).

وانظر:

(2)

كذا في (أ، ب) والذي في "الفتح"(2/ 138) إلا الصلاة في جماعة.

(3)

في "صحيحه" رقم (529).

(4)

كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "صحيح البخاري": ما أعرف.

(5)

في "صحيحه" رقم (530).

(6)

(5/ 339 - 340).

(7)

في (ب): خيفة.

ص: 610