الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ للهِ تَعَالَى سَجْدَةً إِلَاّ رَفَعَكَ الله بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً".
قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَالتُهُ، فَقَالَ: مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ. أخرجه مسلم (1) والترمذي (2) والنسائي (3). [صحيح]
الباب الثاني: في وجوب الصلاة أداء وقضاء
1 -
عن أنس رضي الله عنه قال: سَأَلَ رَجُلٌ نَبيَّ الله صلى الله عليه وسلم: فقَالَ: يا رسولَ الله! كَمِ افْتَرَضَ الله عَلَى عِبَادِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ؟ قَالَ: "افْتَرَضَ الله عَلَى عِبَادِهِ صَلَوَاتٍ خَمْساً". قَالَ: يا رسولَ الله هَلْ قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ شيءٍ؟ قَالَ: "افْتَرَضَ الله عَلَى عِبَادِهِ صَلَوَاتٍ خَمْسًا"، فَحَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ". أخرجه مسلم (4) والترمذي (5) والنسائي (6)، وهذا لفظ النسائي. [صحيح]
وقد أخرجه مسلم والترمذي في جملة حديث طويل مذكور في كتاب الإيمان.
[.............................................................................](7).
(1) في "صحيحه" رقم (225/ 488).
(2)
في "السنن" رقم (388).
(3)
في "السنن" رقم (1139).
وأخرجه ابن ماجه رقم (1423) وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 51).
(4)
في "صحيحه" رقم (12).
(5)
في "السنن" رقم (619).
(6)
في "السنن" رقم (2091، 2093).
وأخرجه البخاري رقم (63) بنحوه، وأخرجه ابن ماجه رقم (1402).
(7)
في (ب) بياض بمقدار ستة أسطر.
(الباب الثاني في وجوب الصلاة أداءً وقضاءً)
قوله: "رجل" تقدم أنه ضمام بن ثعلبة الذي وقع له نحو هذا فلعله هو، واعلم أنه قال الحربي (1): إن الصلاة قبل الإسراء.
قوله: "صلوات خمساً" أقول: في "الجامع"(2) قال: يا رسول الله! قبلهن أو بعدهن من شيء؟ قال: "افترض الله على عباده صلوات خمساً" وهكذا لفظه في النسائي (3) في باب كم فرضت في اليوم والليلة، وذكر حديث ضمام بن ثعلبة ولم يصرح باسمه، بل قال رجل: رواه من حديث طلحة (4) بن عبيد الله، ثم أخرج هذا الحديث من حديث أنس (5) إلا أنه في الأول ذكر الفرائض ما عدا الحج.
وقال في آخره: "والله لا أزيد على هذا ولا [أنقص] (6) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق" فأول حديث أنس مقتطع من ذلك، فرواه طلحة كاملاً ورواه أنس مختصراً.
قوله: "وهذا لفظ النسائي" أقول: هو كما قال، إلا أن لفظ الزيادة التي ذكرناها [322 ب] لعلها سقطت على المصنف أو على غيره.
2 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: فُرِضَتْ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُوديَ:"يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الخَمْسِ خَمْسِينَ".
(1) انظر: "فتح الباري"(1/ 463 - 464).
(2)
(5/ 183).
(3)
في "السنن" رقم (458، 459).
(4)
رقم (458) وهو حديث صحيح.
(5)
رقم (459) وهو حديث صحيح.
(6)
في (أ): انتقص.
أخرجه الخمسة (1) إلا أبا داود. [صحيح]
وهذا لفظ للترمذي.
قوله في حديث أنس: "فرضت [الصلاة] (2) خمسين" أقول: الحديث بعضه وطوله مذكور في أحاديث الإسراء.
قال ابن الأثير (3): هنا بعد ذكر رواية الترمذي هذه، وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي في حديث طول يتضمن ذكر الإسراء، والحديث بطوله مذكور في كتاب النبوة من حرف النون.
قوله: "وإن لك بهذه الخمس خمسين". أقول: أي: أجر خمسين صلاة، الصلاة بعشر صلوات كغيرها من الحسنات.
قوله: "وهذا لفظ الترمذي" قلت: وقال (4): وفي الباب عن عبادة بن الصامت، وطلحة ابن عبيد الله وأبي قتادة، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي سعيد الخدري. قال أبو عيسى (5): حديث أنس حسن صحيح غريب.
(1) أخرجه البخاري رقم (349) ومسلم رقم (263/ 163)، والنسائي (1/ 217) والترمذي رقم (213) وقال: حديث حسن صحيح غريب.
وأخرجه أحمد (3/ 161) وأبو عوانة (1/ 118 - 120 رقم 354)، وابن حبان رقم (7406) وابن منده رقم (714) والبغوي رقم (3754).
(2)
في (أ): الصلوات.
(3)
في "الجامع"(5/ 184).
(4)
في "السنن"(1/ 418).
(5)
في "السنن"(1/ 418).
3 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فَرَضَ الله الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الخَوْفِ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (1) وأبو داود (2) والنسائي (3). [صحيح]
قوله في حديث ابن عباس: "في الحضر أربعاً" أقول: يريد أنه استقر فرضها كذلك، وإلا ففي حديث عائشة (4): أنها فرضت الصلوات ركعتين ركعتين ثم أقرت في [السفر وزيدت في الحضر](5).
قوله: "وركعتين في السفر" أقول: ظاهره أنها فرضت أي: أوجبت كذلك قال النووي في "شرح مسلم"(6): اختلف العلماء في القصر في السفر. فقال الشافعي (7) ومالك بن أنس (8) وأحمد (9) وأكثر العلماء: يجوز القصر والإتمام والقصر أفضل، ولنا قول: أن الإتمام أفضل، ووجه أنهما سواء، والصحيح المشهور القصر.
(1) في "صحيحه" رقم (5/ 687).
(2)
في "السنن" رقم (1247).
(3)
في "السنن" رقم (1532).
وهو حديث صحيح.
(4)
عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: "فرضت الصلاة ركعتين، فأقرّت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر".
[أخرجه أحمد (6/ 234) والبخاري رقم (1090) ومسلم رقم (1/ 685)].
(5)
في (أ) الحضر وزيدت في السفر. وهو خطأ.
(6)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(5/ 196).
(7)
"الأم"(4/ 224)، "المجموع شرح المهذب"(2/ 356 - 357).
(8)
في "المدونة"(1/ 119).
(9)
المغني (3/ 142 - 143).
وقال أبو حنيفة (1): وكثير [من أهل العلم](2) أن القصر واجب، ولا يجوز الإتمام، ويحتجون بهذا الحديث، وبأن أكثر فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان القصر.
واحتج الشافعي (3) وموافقوه بالأحاديث المشهورة في "صحيح مسلم"(4) وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم القاصر ومنهم [323ب] المتم، ومنهم المفطر ومنهم الصائم لا يعيب بعضهم على بعض، وبأن عثمان كان منهم وعائشة وغيرهما، وهو ظاهر قول الله:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (5)، وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة.
وأما أحاديث: "فرضت الصلاة ركعتين"، فمعناه: فرضت لمن أراد الاقتصار عليها فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار.
وثبتت دلائل جواز الإتمام، فوجب المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع، انتهى. وقد كنت كتبت رسالة في جواز القصر (6) والإتمام واستوفيت فيها الكلام.
قوله: "وفي الخوف ركعة" أقول: قال أيضاً في "شرح مسلم"(7): هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم: الحسن البصري، والضحاك، وإسحاق بن راهويه.
(1)"البناية في شرح الهداية"(3/ 40).
(2)
زيادة من شرح "صحيح مسلم"(5/ 197).
(3)
انظر: المجموع شرح المهذب (4/ 224).
(4)
(5/ 194 - 195).
(5)
سورة النساء الآية (101).
(6)
وهي الرسالة رقم (78) من "عون القدير" من فتاوى ورسائل ابن الأمير - بتحقيقي. ط: ابن كثير - دمشق.
(7)
(5/ 197).
وقال الشافعي ومالك والجمهور: إن صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات، إن كانت في الحضر وجب أربع، وإن كانت في السفر وجب ركعتان، ولا يجوز الاقصار على ركعة واحدة في حالٍ من الأحوال. وقالوا: حديث ابن عباس هذا بأن المراد ركعة مع الإمام، وركعة أخرى يأتي بها منفرداً، كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صلاة الخوف، وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة. انتهى.
4 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فَرضَ الله الصَّلَاةَ حِينَ فَرضَهَا رَكْعَتَيْن، ثم أتمها في الحضر، وأقرت صلاة المسافر على الفريضة الأولى. أخرجه الستة (1) إلا الترمذي [صحيح]
قوله في حديث عائشة: "ثم أتمها في الحضر" أقول: في رواية "الجامع" عن عائشة بلفظ: "ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعاً، فأفاد وقت فريضة صلاة الحضر".
5 -
وعن عمر رضي الله عنه قال: "صَلَاةُ النَّحْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ". أخرجه النسائي (2). [صحيح]
قوله في حديث عمر: "تمام غير قصر"[324 ب] أقول: هذا حال من قوله: "وصلاة المسافر ركعتان"؛ لأن صلاة السفر هي التي تسمى قصراً وفي القرآن: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ
(1) أخرجه البخاري رقم (1090، 3935) ومسلم رقم (2/ 685) وأبو داود رقم (1198) والنسائي رقم (453 - 455) ومالك في الموطأ (1/ 146). وهو حديث صحيح.
(2)
في السنن رقم (1420).
وأخرجه أحمد (1/ 37) وابن ماجه (1063) وأبو يعلى (241) وابن حبان (2783) والطيالسي (48)، (136) وعبد الرزاق رقم (4278) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 421) وابن أبي شيبة (2/ 188، 477) وعبد بن حميد رقم (29) والبيهقي (3/ 199 - 200) وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 353 - 354) والبزار في المسند (331). وهو حديث صحيح.
الصَّلَاةِ} (1) على القول: بأنها من صلاة السفر. ومراد عمر أن أجرها [394/ أ] أجر الصلاة التامة. أو مراده أن الركعتين هي الفريضة الأصلية، وإن زيدت في الحضر.
وقوله: "على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كأنه يريد [فرضت](2) هذه الصلوات المذكورة على هذا العدد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحربي: إن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها، ويشهد له {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)} (3)، ثم فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء قبل الهجرة بعام.
فعلى هذا يحتمل حديث عائشة فزيد في صلاة الحضر أي: زيد فيها حتى كملت خمساً، فتكون الزيادة في الركعات وفي عدد الصلوات ويكون قولها (4):"فرضت الصلاة ركعتين" أي: قبل الإسراء. وقد قال بهذا طائفة من السلف، منهم ابن عباس.
ويجوز أن يكون قولها: "فرضت الصلاة" أي: ليلة الإسراء ثم زيد في صلاة الحضر بعد ذلك، وهذا هو المروي عن بعض رواة هذا الحديث عن عائشة. وقد رويت زيادة في حديث عائشة عند أحمد في "مسنده" (5):"إلا المغرب فإنها كانت ثلاثاً".
ولابن خزيمة (6) وابن حبان (7): "فلما قدم المدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان، وتركت
(1) سورة النساء الآية (101).
(2)
في (ب) صفة.
(3)
سورة غافر الآية (55).
(4)
انظر "فتح الباري"(2/ 464).
(5)
(1/ 36).
(6)
في صحيحه (367).
(7)
في صحيحه رقم (2738).
صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب؛ لأنها وتر النهار". انتهى.
6 -
وعن عبد الله بن فضالة عن أبيه رضي الله عنه قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ فِيمَ عَلَّمَنِي:"وَحَافِظْ عَلَى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ". قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ سَاعَاتٌ لِي فِيهَا أَشْغَالٌ، فَمُرْنِي بِأَمْرٍ جَامِعٍ إِذَا أَنَا فَعَلْتُهُ أَجْزَأَ عَنِّي؟ فَقَالَ:"حَافِظْ عَلَى العَصْرَيْنِ". وَمَا كَانَتْ مِنْ لُغَتِنَا، قُلْتُ: وَمَا العَصْرَانِ؟ فَقَالَ: "صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا". أخرجه أبو داود (1). [منكر].
قوله في حديث عبد الله بن فضالة: "فقلت: وما العصران"[325 ب] أقول: المراد بهما صلاة الفجر وصلاة العصر سماهما عصرين؛ لأنهما يقعان في طرفي العصرين: وهما الليل والنهار، والأشبه أنه غلب أحد الاسمين على الآخر كالعمرين لأبي بكر وعمر والقمرين للشمس والقمر، قاله في "النهاية"(2) وليس المراد أنه أذن صلى الله عليه وسلم له بتأخير الصلوات بل حثه على هاتين الصلاتين زيادة في حثه على غيرهما؛ لأنهما وقت النوم ووقت الاشتغال في الأسواق.
7 -
وعن سبرة بن معبد رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا".
أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4): ولفظه: "عَلِّمُوا الصَّبيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابن عَشْرٍ". [حسن]
(1) في "السنن" رقم (428) وهو حديث منكر.
(2)
في "غريب الحديث"(5/ 186 - 187).
(3)
في "السنن" رقم (494).
(4)
في "السنن"(407). =
قوله: "عن سبرة بن معبد" هو أبو ثرية مضمومة وفتح الراء، وتشديد المثناة التحتية، وهو ابن معبد. ويقال: ابن عوسجة الجهني، سكن المدينة، روى عنه ابنه الربيع (1).
قوله: "مروا الصَّبي بالصلاة" أقول: الأمر للأولياء بأنهم يأمروا الصبيان بالصلوات الخمس إذا بلغوا في السن سبع سنين، وهذا أمر بغير ضرب، فإذا بلغوا عشر من السنين وجب ضربهم على الإتيان بها، وفي الأمر بضربهم دليل على أنه قد صار ابن العشر مكلف بالصلاة، إذ لو كانت مندوبة في حقه لما جاز إيلامه بالضرب.
والصلاة شأنها عظيم، لا يبعد التكليف بها قبل التكليف بغيرها من الواجبات، وقد ذكرنا هذا في حواشي ضوء النهار" (2).
8 -
وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجعِ". أخرجه أبو داود (3). [حسن]
9 -
وله (4) في أخرى: أَنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ". [ضعيف]
= وأخرجه الدارمي (1/ 333) والطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 231) والحاكم (1/ 201) والبيهقي (2/ 14)(3/ 83 - 84) وأحمد (3/ 201) من طرق، وهو حديث حسن، والله أعلم.
(1)
ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(1/ 434 - قسم التراجم).
(2)
في "منحة الغفار"(2/ 10 - 11 - مع ضوء النهار) بتحقيقي.
(3)
في "السنن" رقم (495).
وأخرجه الحاكم (1/ 197) والدارقطني (1/ 230 رقم 2، 3) والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 94). وهو حديث حسن.
(4)
أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (497). وهو حديث ضعيف.
قوله في حديث ابن عمرو: "وفرقوا بينهم في المضاجع"[أقول](1): قيدوه ببين الذكور والإناث. والظاهر عدم التقييد.
قوله: "وله" أي: أبي داود في رواية ظاهره أنها رواية عن ابن عمرو، وليس كذلك، بل أخرجها أبو داود (2) عن معاذ (3) بن عبد الله بن حبيب الجهني. قال: رواية: دخلنا عليه فقال لامرأته [326 ب]: متى يصلي الصبي؟ قالت: [نعم](4) كان رجل منا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك؟ فقال: "إذا عرف يمينه من شماله الصلاة" هكذا في "الجامع"(5) ولا يخفى أن فيه رجلاً مجهولاً (6). وفيه دلالة على أنه إذا عرف يمينه من شماله، وإن لم يبلغ سبعاً فإنَّه يؤمر بالصلاة.
10 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عَرَضَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي. قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الحَدَّ مَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَاجْعَلُوهُ فِي العِيَالِ.
(1) زيادة من (أ).
(2)
في "السنن" رقم (497) وهو حديث ضعيف.
(3)
وهو كما قال.
(4)
ليست في نسخة "سنن أبي داود" التي بين أيدينا.
(5)
(5/ 188 رقم 3244).
(6)
قال ابن القطان في "الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام"(3/ 339 - 340 رقم 1084): لا تعرف هذه المرأة ولا الرجل الذي روت عنه.
أخرجه الخمسة (1). [صحيح]
قوله في حديث ابن عمر: "فلم يجزني" أقول: [من](2) الإجازة (3): الإذن في الخروج معهم للحرب. ومن قال: المراد لم يعطني من الغنيمة فهو باطل؛ لأن أُحداً لم تكن فيه غنيمة، والخندق لا غنيمة فيه. فالمراد: أنه أذن له في الخندق بحضور الجهاد، ولم يأذن له بذلك في أحد. [395/ أ].
قوله: " [إن] (4) هذا الحد ما بين الصغير والكبير" أقول: هذا أخذ من الحديث بطريق الاستخراج منه وإلا فإنه ليس فيه تصريح بذلك، ولذا قيل: إن الخمسة عشر ليست سن البلوغ، وإنما هذا منه صلى الله عليه وسلم في الرد والإذن؛ لأن مدار الجهاد على القوة والجلادة (5).
[و](6) قوله: "أن يفرضوا" أي: من مال بيت المال والغنائم.
11 -
وعن أنس رضي الله عنه: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لهَا إِلَاّ ذَلِكَ". أخرجه الخمسة (7). [صحيح]
(1) أخرجه البخاري رقم (2664) ومسلم رقم (91/ 1868)، وأبو داود رقم (4406) والنسائي رقم (3431) والترمذي رقم (1361) وابن ماجه رقم (2543)، وهو حديث صحيح.
(2)
زيادة من (أ).
(3)
انظر: "النهاية"(1/ 260)"غريب الحديث" للهروي (1/ 56).
(4)
زيادة من (أ).
(5)
انظر: "فتح الباري"(5/ 278 - 279).
(6)
زيادة من (أ).
(7)
أخرجه البخاري رقم (597) ومسلم رقم (314/ 684).
وأبو داود رقم (4406)، (442) والنسائي رقم (613، 614)، وابن ماجه رقم (696)، والترمذي رقم (178) دون قوله:"لا كفارة لها إلا ذلك" وهو حديث صحيح.
12 -
وفي أخرى للشيخين (1): "إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ الله عز وجل يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (2) ". [صحيح]
قوله في حديث أنس: "فليصل" قال الحافظ (3): كذا في جميع الروايات بحذف المفعول. ورواه مسلم (4) من رواية هداب بن خالد عن همام بلفظ: "فليصلها" وهو أبين للمراد. انتهى.
قول: "إذا ذكرها" أقول: في بعض ألفاظه "لا وقت لها إلا ذلك" فيفيد وجوب الإتيان بها عند الذكر لا يؤخرها. وقال بعضهم (5): إنه محمول على الاستحباب، وأنه يجوز تأخيرها لعذر. [قال (6)] (7): وشد بعض الظاهرية فقال: لا يجب قضاء الفائتة لغير عذر، يريد المتروكة عمداً، ويأتي البحث في ذلك.
قوله: "لا كفارة لها إلا ذلك" أقول: زاد في [327 ب]"الجامع"(8) في هذه الرواية وتلا قتادة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (9).
قوله: "وفي أخرى" أقول: عن أنس.
(1) أخرجه مسلم رقم (316/ 648)، ولم يخرجه البخاري.
(2)
سورة طه الآية (14).
(3)
في "فتح الباري"(2/ 71).
(4)
في "صحيحه" رقم (314/ 684).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 71).
(6)
أي: الحافظ في "الفتح"(2/ 71).
(7)
سقطت من (ب).
(8)
(5/ 189).
(9)
سورة طه الآية (14).
وقوله: "للذكرى" بلامين، وفتح الراء بعدها ألف مقصورة، زاد وكان الزهري يقرؤها (1) كذلك قال في "التوشيح": قلت: وهي المتعينة؛ [لأنها](2) التي تصلح للاستدلال، فإن [معناها حين يذكرها بخلاف القراءة المشهورة فإن](3) معناها لذكري فيها. ومن إعجاز القرآن تنوع قراءته بحيث أن لكل قراءة معنى، فيكون بمنزلة تعدد الآيات، انتهى.
قوله: "أو غفل عنها" وذلك بالنسيان لها.
13 -
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سِرْنَا مَعَ رَسولِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ". فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ. فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ:"يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ ". فَقَالَ: مَا القِيَتْ عَلَىَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ: "إِنَّ الله قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ! قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ، فَتَوَضَّأَ، فَلَّمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً".
(1) قرأ في الوصل بفتح ياء الإضافة نافع وأبو عمرو وأبو جعفر والزهري واليزيدي "لذكريَ إن".
وقرأ بإسكانها حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر وابن كثير وابن عامر.
وقرأ السلمي والنخعي وأبو رجاء وابن مسعود وأبي بن كعب وابن السميفع "لِلّذكرَى" بلام التعريف وألف التأنيث.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو رجاء والشعبي والزهري: "لِذكْرَى" بألف التأنيث وبغير لام التعريف.
انظر: "النشر"(2/ 323) الكشف عن وجوه القراءات (2/ 110).
"روح المعاني"(16/ 172)، "البحر المحيط"(6/ 232).
(2)
في (ب): لا.
(3)
سقطت من (ب).
أخرجه الخمسة (1)، واللفظ للبخاري والنسائي. [صحيح]
قوله في حديث أبي قتادة: "سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة" أقول: في سفر. أقول: جزم ابن القيم (2) أن ذلك كان في رجوعه صلى الله عليه وسلم من خيبر.
[و](3) قوله: "فقال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله" التعريس: نزول آخر [الليل](4) للاستراحة والنوم، وحذف جواب لو، أي: لكان أسهل لنا.
وقوله: "أخاف أن تناموا عن الصلاة" أي: صلاة الفجر جاء في رواية (5): أنه صلى الله عليه وسلم قال: ["اكْلْأ لنَا الليلَ"](6).
قوله: "فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم " أقول: وكان أولهم استيقاظاً كما في مسلم (7)[328 ب].
وقوله: "قبض أرواحكم" هو من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} (8) ومن قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (9).
(1) أخرجه البخاري رقم (2595، 7471) ومسلم رقم (681)، وأبو داود رقم (437، 438، 439، 440، 441) والترمذي رقم (177) وابن ماجه رقم (698) والنسائي رقم (616).
(2)
في "زاد المعاد"(3/ 315 - 316).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
سقطت من (ب).
(5)
أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (309/ 680).
(6)
في (أ. ب): اكلأنا يا بلال. وما أثبتناه من "صحيح مسلم".
(7)
في "صحيحه" رقم (309/ 680).
(8)
سورة الأنعام الآية (60).
(9)
سورة الزمر الآية (42).
وقوله: "ابياضت"(1) أي: صفت وكمل بياضها. ويأتي "أنه لم يوقظهم إلا حر الشمس".
قوله: "قم فأذن" في "الفتح"(2) كذا هو بتشديد ذال أذن وبالموحدة فيهما.
قوله: "بالناس" وعند الكشميهني (3): "فآذن [بالناس] (4) " بالمد وبحذف الموحدة [من (بالناس) وآذن](5) معناه أعلم.
قوله: "فتوضأ" زاد أبو نعيم في "المستخرج"(6) فتوضأ الناس.
قوله: "واللفظ للبخاري" أقول: آخره فيه "فصلى" زاد أبو داود (7): "بالناس".
قال الحافظ (8): وفي الحديث فوائد جواز التماس الأتباع ما يتعلق بمصالحهم الدنيوية وغيرها، لكن بصيغة العرض لا بصيغة الاعتراض، وأن على الإمام أن يراعي المصالح الدينية والاحتراز عما يحتمل فوات العبادة عن وقتها بسببه، وجواز التزام الخادم القيام بمراقبة ذلك والاكتفاء في الأمور المهمة بالواحد. وقبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ. وتسويغ المطالبة بالوفاء وبالالتزام، وإنما بادر بلال بقوله:"أنا أوقظكم" اتباعاً لعادته في الاستيقاظ في مثل
(1) قال الحافظ في "الفتح"(2/ 67): "وابياضت" وزنه افعال بتشديد اللام مثل احمار وابهار، أي: صفت، وقيل: إنما يقال ذلك في كل لون بين لونين، فأما الخالص من البياض مثلاً فإنما يقال له أبيض.
(2)
(2/ 67).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 67).
(4)
في (أ): الناس.
(5)
زيادة يستلزمها النص والمعنى وهي من "فتح الباري".
(6)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 67).
(7)
في "السنن" رقم (439).
(8)
في "فتح الباري"(2/ 67 - 68).
ذلك الوقت؛ لأجل الأذان إلى أن قال: وفي الحديث ما ترجم له وهو الأذان للفائتة، وبه قال الشافعي في القديم وأحمد وأبو ثور وابن المنذر.
وقال الأوزاعي ومالك والشافعي في الجديد: لا يؤذن لها. والمختار عند كثير من أصحابه أنه يؤذن لها لصحة الحديث.
واستدل بالحديث بعض المالكية على عدم قضاء السنة الراتبة؛ لأنها لم تذكر فيه أنهم صلوا ركعتي الفجر. ولا دلالة فيه؛ لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم وقوع [329 ب] لا سيما وقد ثبت أنه ركعها في حديث أبي قتادة هذا عند مسلم (1).
قلت: وكذلك ثبت صلاتهما عند النسائي (2) من حديث جبير بن مطعم.
ويأتي قريباً أنهم صلوا ركعتي الفجر، وفيه روايات أنه أذن بلال وأقام.
قوله: "واللفظ للبخاري" قلت: لكنه ليس فيه لفظ: "بالناس جماعة" بل آخره فيه: "قام فصلى" ولم أجده في النسائي ولفظ "الجامع"(3): أخرجه البخاري والنسائي ولم يقل: واللفظ للبخاري [396/ أ].
14 -
وعند أبي داود (4): فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَاّ حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَامُوا فَسَارُوا هُنيَةً، ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا، وَأَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الفَجْرَ وَرَكِبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ فرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إِنَّما التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ، فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا، وَمِنَ الغَدِ لِلْوَقْتِ". [صحيح]
(1) في "صحيحه" رقم (310/ 680).
(2)
في "السنن" رقم (624) بإسناد صحيح.
(3)
(5/ 191).
(4)
في "السنن" رقم (437) و (441).
وأخرجه ابن ماجه رقم (698)، والترمذي رقم (177)، والنسائي (615)، وهو حديث صحيح.
قوله: "ولأبي داود" أوله في "الجامع"(1): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وملت معه فقال: "انظر" قلت: هذا راكب [هذان](2) راكبان، هؤلاء ثلاثة، حتى صرنا سبعة. قال:"احفظوا علينا صلاتنا" - يعني صلاة الفجر - فضرب على آذانهم، فما أيقظهم إلا حر الشمس
…
الحديث. والجمع بينه وبين ما تقدم أن بلالاً هو الذي قال: أنا أوقظكم. يحتمل أنه أحد السبعة وكان الخطاب منه.
قوله: "فتوضئوا" هذا يناسب ما ذكرناه عن المستخرج في "شرح مسلم"(3) فإن قيل: كيف نام صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، مع قوله:"إن عيناي تنامان ولا ينام قلبي؟ ".
فجوابه من وجهين أصحهما وأشهرهما: أنه لا منافاة بينهما؛ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقات به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة وإن كان القلب يقظان.
والثاني: أنه كان له صلى الله عليه وسلم حالان. أحدهما: ينام فيه القلب، وصادف هذا الموضع.
والثاني: [لا ينام](4) وهذا هو الغالب من أحواله. وهذا التأويل ضعيف، والصحيح المعتمد هو الأول. انتهى.
قوله: "إنما التفريط في اليقظة" هو دليل لما أجمع عليه (5) العلماء. أن النائم غير مكلف، وإنما يجب عليه قضاء الصلاة ونحوها [330 ب] بأمر جديد، وأما إذا أتلف النائم برجله أو
(1)(5/ 191).
(2)
في (أ): هذا.
(3)
(5/ 184).
(4)
سقطت من (ب).
(5)
ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم"(5/ 186 - 187).
بعض أعضائه شيئاً في حال نومه، فيجب [عليه](1) ضمانة بالاتفاق، وليس ذلك تكليفاً للنائم؛ لأن غرامة المتلفات لا يشترط فيها التكليف بالإجماع. بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو الغافل وغيرهم ممن لا تكليف عليه، وجب عليه ضمانة بالاتفاق، ودليله في القرآن:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (2) فرتب تعالى على قتل الخطأ الدية والكفارة مع أنه [لم](3) يأثم بالإجماع.
قوله: "حين يذكرها من الغد" أقول: لعله سقط الواو، أي: وحين يذكرها من الغد، للوقت لتوافق ما يأتي من قوله:"فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غدٍ صالحاً فليقض معها مثلها"(4).
قال النووي (5): معناه: إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ويتحول في المستقبل، بل يبقى كما كان، فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد، ولا يتحول، وليس معناه أنه يقضي الفائتة مرتين مرة في الحال ومرة من الغد، وإنما معناه ما ذكرنا. هذا هو الصواب في معنى هذا الحديث. وقد اضطربت أقوال العلماء فيه، واختار المحققون ما ذكرته، انتهى.
قلت: لكن في بعض ألفاظه: "فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحاً فليقض معها مثلها"، وهو يبعد التأويل.
وقال الخطابي (6): لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بهذا وجوباً، ويشبه الأمر بها استحباباً.
(1) زيادة من (ب).
(2)
سورة النساء الآية (92).
(3)
في أ: (لا) والذي في شرح صحيح النووي غير.
(4)
أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (438) وهو حديث شاذ.
(5)
في شرح "صحيح مسلم"(5/ 187).
(6)
في معالم "السنن"(1/ 305 - مع السنن).
ومثله قال ابن حبان (1): وقال ابن رسلان في "شرح السنن": قال قوم: ظاهره إعادة المقضية مرة أخرى عند حضور وقتها الآتي.
قال القرطبي (2): ترك العمل بهذا الظاهر؛ لأنه يعارضه ما رواه النسائي (3) من حديث عمران بن حصين أيضاً أنهم قالوا: يا رسول الله! ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم" ولأن الطريق المشهورة ليس فيها من تلك الزيادة شيء إلا ما ذكر من هذا الحديث وهو محتمل. قال شيخنا ابن حجر (4): لم يقل أحد من السلف باستحباب إعادتها [331 ب] لوقتها الآتي، بل هذا الحديث غلط من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري. قال: وفي النسائي (5) عن عمران أنهم قالوا: يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال: "لا ينهاكم عن الربا ويأخذه منكم".
15 -
وفي أخرى له: فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلَاتِنَا فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "رُوَيْدًا رُوَيْدًا، لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ" حَتَّى إِذَا تَعَالَتِ الشَّمْسُ. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مِنْكمْ يَرْكَعُ رَكعَتَي الفَجْرِ فلْيَرْكَعْهُمَا". فَقَامَ مَنْ كَانَ يَرْكَعُهُمَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا فَرَكَعَهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ
(1) في "صحيحه"(6/ 375).
(2)
في "المفهم"(2/ 316).
(3)
في "السنن"(1/ 171).
وأخرجه أحمد (4/ 431، 441) وابن خزيمة رقم (994) وابن حبان في "صحيحه" رقم (1461) وابن أبي شيبة (2/ 64 - 65) والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد"(1/ 322) والدارقطني (1/ 385)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 400)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 217)، وأبو داود رقم (443)، والشافعي (1/ 54 - 55 - بدائع المنن) وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (2241) من طرق. وهو حديث صحيح.
(4)
في "فتح الباري"(2/ 71).
(5)
انظر: ما تقدم.
يُنَادَي بِالصَّلَاةِ فَنُودِيَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَصلَّى بِنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"أَلَا إِنَّا بِحَمْدِ الله لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا عَنْ صَلَاتِنَا، وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ الله تَعَالَى، فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الغَدَاةِ مِنْ غَدٍ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا"(1). [شاذ]
16 -
وفي أخرى (2) له وللترمذي (3) والنسائي (4) فقال: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى. [صحيح]
قوله: "حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى" أقول: قال النووي (5): في الحديث دليل على امتداد كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت الأخرى، وهذا مستمر على عمومه في الصلوات كلها إلا الصبح، فإنها لا تمتد إلى الظهر بل يخرج وقتها بطلوع الشمس لمفهوم:"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس وفقد أدرك الصبح"(6)، وأما المغرب ففيها خلاف سبق بيانه في بابه. والأصح المختار امتداد وقتها إلى دخول وقت العشاء للأحاديث الصحيحة الثابتة في مسلم (7)، انتهى.
(1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (438).
(2)
لأبي داود في "السنن" رقم (441).
(3)
في "السنن" رقم (177).
(4)
في "السنن" رقم (615).
(5)
في شرحه لصحيح مسلم (5/ 187).
(6)
سيأتي نصه وتخريجه.
(7)
(منها) ما أخرجه مسلم رقم (608).
وأخرجه البخاري رقم (579) وأحمد (2/ 348، 459) وأبو داود رقم (412) والترمذي رقم (186) والنسائي (1/ 257 - 258) وابن ماجه رقم (699) ومالك في "الموطأ"(1/ 6) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من الصبح ركعةً قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
17 -
وفي رواية لمسلم (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه: فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ". قَالَ: فَفَعَلْنَا. [صحيح]
قوله: "حضرنا فيه الشيطان" وفي اللفظ الآخر: "أصابتكم فيه الغفلة" أقول: الغفلة والنسيان من الشيطان: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} (2) قال ابن القيم (3): وفيه تنبيه على اجتناب الصلاة في أمكنة الشيطان، كالحمام، والحشِّ بطريق الأولى، فإن هذه منازلُه يأوي إليها ويسكُنها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ترك المبادرةَ إلى الصلاة في ذلك الوادي وقال:"إن به شيطاناً" فما الظن بمأوى [الشياطين وبيتهم](4). انتهى [397/ أ].
(تنبيه).
قدمنا إشارة إلى قضاء من ترك الصلاة عمداً. واعلم أن ابن الأثير (5) والمصنف ترجموا "بباب وجوب الصلاة أداءً قضاءً"، وكأنهما جعلا حديث نومه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والإتيان بها بعد خروج وقتها قضاءً، ولا دليل على أنها قضاء. بل الحديث نفسه دال على أنها صليت في وقتها وهو حقيقة [332 ب] الأداء بل صرح [أنه](6) لا وقت لها إلا ذلك، أي: حين اليقظة والذكرى، وحقيقة الأداء ما فعل في وقته المقدر له أولًا، ولما كانت مراده ذهب طائفة من
(1) في "صحيحه" رقم (310/ 680).
(2)
سورة الكهف الآية (63).
(3)
في "زاد المعاد"(3/ 317).
(4)
كذا في (أ. ب)، والذي في "زاد المعاد": الشيطان وبيته.
(5)
في "الجامع"(5/ 183).
(6)
في (أ): بأنَّه.
العلماء أنه لا قضاء للمتروكة عمدًا، قال في "فتح الباري" (1): وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل: بأن العامد لا يقضي الصلاة؛ لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي. ومن قال: يقضي العامد بأن ذلك يستفاد من مفهوم الخطاب فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه، فالعامد أولى، انتهى.
واعلم أن المسألة قد بسطها بعض أئمة التحقيق (2)، وذكر مستوفياً لأدلة كل فريق فقال: اختلف السلف في هذه المسألة، أي: من ترك الصلاة عمداً من غير عذر مع علمه بوجوبها وفرضيتها ثم ندم وتاب، فقال طائفة: توبته بالندم والاشتغال بأداء الفرائض المستأنفة، وقضاء الفرائض المتروكة، وهذا قول الأئمة الأربعة وغيرهم.
وقالت طائفة: توبة هذا باستئناف العمل في المستقبل، ولا ينفعه تدارك ما مضى بالقضاء، ولا يقبل منه فلا يجب عليه، وهذا قول أهل الظاهر (3) وهو مروي عن جماعة من السلف [وحجة] (4) الموجبين قوله صلى الله عليه وسلم:"من [نام] (5) عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وقرره كما قرره ابن حجر (6) في وجه الاستدلال به. قالوا: ولأنه كان يجب عليه أمران الصلاة وإتيانها في وقتها، فإذا ترك أحد الأمرين وجب عليه الآخر.
(1)(2/ 71).
(2)
انظر: "المحلى"(2/ 235 - 245).
(3)
انظر: "المحلى"(2/ 237).
(4)
في (أ): حجية.
(5)
في (ب): سهى.
(6)
في "فتح الباري"(2/ 71 - 72).
قالوا: ولأن مصلحة الفعل إذا لم يكن تداركها تدارك العبد منها ما أمكن، وقد [فاتت](1) مصلحة الفعل في الوقت، فبتدارك ما أمكن منها وهو فعل خارج الوقت.
قالوا: وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا [333 ب] منه استطعتم"(2) وهذا قد استطاع بالإتيان بالمأمور به خارج الوقت، فيجب عليه الإتيان بالمستطاع.
قالوا: ولأن الصلاة خارج (3) الوقت بدل عن الصلاة في الوقت، والعبادة إذا كان لها بدل وتعذر المبدل انتقل المكلف إلى بدله كالتيمم مع الوضوء ونحوه.
قالوا: ولأن الصلاة حق مؤقت، فتأخيره عن وقته لا يسقطه إلا بمبادرته خارج الوقت كديون الآدميين المؤجلة. قالوا: ولأن غايته أنه أثم بالتأخير، وهذا لا يسقط القضاء، كمن أخر الحج تأخيراً أثم به، أو الزكاة عن وجوبها تأخيراً أثم به.
قالوا: ولو ترك الجمعة حتى صلاها الإمام عمداً عصى بتأخيرها، ولزمه أن يصلي الظهر، ونسبة الظهر إلى الجمعة كنسبة صلاة الصبح بعد طلوع الشمس إلى صلاتها قبل الطلوع.
قالوا: وقد أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر يوم الأحزاب (4) إلى أن صلاها بعد غروب الشمس، فدل على أن فعلها ممكن خارج الوقت في العمد سواء كان مقدوراً كهذا التأخير، أو لم يكن مقدوراً به كتأخير المفرط، فتأخيرهما إنما يختلف في الإثم وعدمه لا في وجوب التدارك بعد الترك.
(1) في (ب): فات.
(2)
تقدم تخريجه مراراً، وهو حديث صحيح.
(3)
انظر: المجموع شرح المهذب (3/ 14 - 16).
"المحلى"(2/ 237 - 238). "البدائع"(1/ 131).
(4)
انظر: "المحلى"(2/ 243).
قالوا: ولأن كل تائب له طريق على التوبة، فكيف نسد على هذا طريق التوبة؟ ونجعل إثم التضييع لازماً له، وطائراً في عنقه، فهذا لا يليق بقواعد الشارع وحكمته ورحمته ومراعاته لمصالح العباد في المعاش والمعاد، فهذا أقصى ما يحتج به لهذه المقالة.
قال أصحاب القول الآحر: الصلاة إذا أمر [بها](1) على صفة معينة، أو في وقت بعينه لم يكن المأمور ممتثلاً [للأمر](2) إلا إذا أوقعها على الوجه المأمور [334 ب] من وصفها وشرطها ووقتها وإيقاعها في وقتها المحدود لها شرعاً شرط في صحة التعبد بها والامتثال، فانتفاء وقتها كانتفاء شرطها، وشرطها فلا يتناولها الأمر بدونه.
قالوا: وإخراجها عن وقتها كإخراجها عن استقبال القبلة مثلاً، وكالسجود على الخد مثلاً بدلاً عن الجبهة والبروك على الركبة بدل الركوع ونحوه.
قالوا: والعبادات التي جعلت لها ظروف من الزمان لا تصح إلا فيه، كالعبادة التي جعلت لها ظروف من المكان، فلو أراد نقلها إلى [أمكنة](3) غيرها لم تصح إلا في أمكنتها، ولا يقوم مكان مقام مكان، كأمكنة المناسك من مكة وعرفة ومزدلفة، والجمار ونحوها، فنقل العبادة إلى أزمنة غير أزمنتها التي جعلت أوقاتاً لها شرعاً إلى غيرها كنقلها عن أمكنتها [398/ أ] التي جعلت لها شرعاً إلى غيرها ولا فرق بينهما في الإثم.
قالوا: وأما استدلالكم بحديث "من نام عن صلاته"(4) الحديث، وأنه صلى الله عليه وسلم أوجب القضاء على المعذور فالمفرط أولى، فهذا الحجة إلى أن تكون عليكم أقرب منها أن تكون لكم، فإنه صلى الله عليه وسلم شرط في فعلها بعد الوقت أن يكون الترك عن نوم أو نسيان، والمعلق على شرط
(1) في (ب): به.
(2)
في (ب): بالأمر.
(3)
سقطت من (ب).
(4)
تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
عدم عند عدمه. وأيضاً فلم يؤخر الصلاة عن وقتها، بل وقتها المأمور به حين استيقظ، وذكر لقوله صلى الله عليه وسلم:"فإن ذلك وقتها" فإن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (1) أي: عند ذكري أو وقت ذكري.
وأما قولكم: كان يجب عليه أمران: العبادة وإيقاعها في وقتها، فإذا ترك أحدهما بقي عليه الآخر فجوابه أن هذا إنما ينفع إذا لم يكن أحد الأمرين مرتبطاً بالآخر [335 ب] ارتباط [الشرطية](2) كمن أمر بالحج والزكاة، فترك أحدهما لم يسقط عنه الآخر. وأما ما كان شرطاً أو وصفاً له، فكيف يقال: إنه يؤمر بالآخر بدونه، ويصح منه بدون وصفه وشرطه، فأين أمره بذلك؟!!
وأما قولكم: إذا لم يكن تدارك مصلحة [الفعل](3) تدارك ما أمكن منها، فجوابه أن هذا إنما يفيد إذا لم يكن حصول المصلحة موقوفاً على شرط تزول المصلحة بزواله، والتدارك بعد فوات شرطه وخروجه عن الوجه المأمور به ممتنع. واستدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر" الحديث. فجوابه: أن هذا إنما يدل على أن المكلف إذا عجز عن حمله المأمور به أتى بما يقدر عليه منه، كمن عجز عن القيام للصلاة فيصلي من قعود ونحو ذلك.
وقولكم: إن الصلاة خارج الوقت بدل عن الصلاة في الوقت إلى آخره. فجوابه أن هذا مجرد دعوى وهل وقع النزاع إلا في هذا؟ ونحن نطالبكم بالأمر بها أولاً، وبكونها مقبولة ثانياً، وبكونها بدلاً ثالثاً، ولا سبيل لكم إلى إثبات شيء من ذلك البتة، وإنما يعلم كون الشيء بدلاً بإعلام الشارع كشرعية التيمم (4) عند العجز عن الماء. وأما قياسكم فعلها خارج الوقت
(1) سورة طه الآية (14).
(2)
في (ب): الشرعية.
(3)
في (ب): بالفعل.
(4)
انظر: "المحلى"(2/ 243).
على صحة أداء دين الآدميين بعد وقتها فقياس فاسد؛ لأن الوقت الوجوب في حقه ليس محدود الطرفين كوقت الصلاة، فلا يتصور فيه إخراج عن وقت محدود هو شرط لفعله، يعم أول الأوقات، [به](1) الوقت الأول على الفور وتأخيره عنه لا يوجب كونه قضاء.
وأما استدلالكم بمن ترك الجمعة عمداً إلى آخر ما ذكرتم. فالجواب أن الواجب في هذا الوقت أحد الصلاتين، ولا بد إما الجمعة [وإما](2) الظهر، فإذا ترك الجمعة فوقت الظهر قائم [336 ب] باقٍ وهو مخاطب بوظيفة الوقت، ولا سيما عند من يجعل الجمعة بدلاً من الظهر، فإنه إذا فاته البدل رجع إلى الأصل (3).
وأما صلاته صلى الله عليه وسلم العصر يوم الأحزاب بعد غروب الشمس، فالجواب أن للعلماء في ذلك قولين:
الأول: أنه منسوخ، وهو مذهب الجمهور وأحمد ومالك والشافعي، وأنه كان قبل نزول صلاة الخوف ثم نسخ بنزولها، فكان هذا التأخير الذي نسخ كان مأموراً به، فهو كتأخير المغرب ليلة جمع إلى المزدلفة، وما نسخ لا حكم له على أنه قد قيل: أنه صلى الله عليه وسلم أخرها نسياناً كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم لعمر وقد قال: ما كدت أُصلي العصر يا رسول الله حتى جانبت كفار قريش. فقال صلى الله عليه وسلم: "وأنا والله ما صليت"(4)، فإن العبارة ترشد أنه كان ناسياً.
(1) زيادة من (أ).
(2)
في (أ): أو.
(3)
انظر: "المحلى"(2/ 235 - 236).
(4)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنّ عمرَ جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسبُّ كفار قريش، وقال: يا رسول الله! ما كدت أُصلِّي العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله ما صلَّيتها"، فتوضأ وتوضأنا فصلَّى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب". [أخرجه البخاري رقم (596) ومسلم رقم (631) والنسائي (3/ 84 - 85)، والترمذي رقم (180)].
[و](1) الثاني: إنه غير منسوخ، وإنه باقٍ حكمه في حق المقاتل، وأنَّ له تأخير الصلاة حال اشتغاله بالحرب والمسايفة، ويفعلها عند تمكنه منها وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وإذا عرفت هذا فعلى التقدير [لا يصح](2) إلحاق التارك عمداً وتفريطاً بما ذكر. وكذلك تأخير بعض الصحابة العصر يوم بني قريظة كان تأخيراً مأموراً به عند طائفة كأهل الظاهر. أو تأخيراً سائغاً للتأويل عند آخرين، ولذا لم يعنف صلى الله عليه وسلم من صلاها في الطريق، ولا من أخرها إلى الليل حتى صلاها في بني قريظة؛ لأن هؤلاء تمسكوا بظاهر الأمر، والآخرين نظروا إلى المعنى، والكل مجتهدون قاصدون طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قيل: إن الذين أخروا [337 ب] أسعد باتباع النص؛ لأن هذا التأخير كان واجباً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فهو الطاعة في ذلك اليوم لله تعالى، والله يأمر بما يشاء، فأمره بالتأخير كأمره بالتقديم، فالذين أخروا فازوا بالأجرين الموعود بهما لمن اجتهد فأصاب [399/ أ] وإنما لم يعنف الآخرين لأجل التأويل، فإنهم قصدوا طاعة الله ورسوله، وهم أهل الأجر الواحد.
ومن عرف هذا كيف يقول: يلحق العامد المفرط العاصي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بهؤلاء فهذا في غاية الفساد.
قالوا (3): وأما قولكم: إن هذا تائب نادم فكيف تسد عليه طريق التوبة، وتجعل إثم التضييع لازماً له وطائراً في عنقه؟ فمعاذ الله أن نسد عليه باب التوبة الذي لا يغلق إلا عند طلوع الشمس من مغربها، وتقبل منه التوبة (4) ما لم يغرغر، وإنما الشأن كل الشأن في طريق توبته وتحقيقها هل يتعين لها القضاء؟ أم يستأنف العمل ويصير ما مضى لا له ولا عليه؟
(1) زيادة من (أ).
(2)
سقطت من (ب).
(3)
انظر: "المحلى"(2/ 237 - 238).
(4)
تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
ويكون حكمه حكم الكافر إذا أسلم في استئناف العمل وقبول التوبة، فإن ترك فريضة من فرائض الإسلام لا تزيد على ترك الإسلام بجملته وفرائضه. فإذا كانت توبة ترك الإسلام مقبولة صحيحة، فلم يشترط في صحتها إعادة ما فاته في حال كفره أصلياً كان أو مرتداً كما أجمع عليه الصحابة في ترك أمر المرتدين لما رجعوا إلى الإسلام بالقضاء، فقبول تارك الصلاة عامداً، وعدم توقفها على القضاء أولى، فهذا نهاية إقدام الطائفتين ومنتهى شوط الفريقين، وبه يعلم أن القائل بعدم القضاء على العامد أسعد بالأدلة، وإن خالفه العلماء [338 ب] الأجلة. نعم قد كان يبدي لي أن حديث:"فدين الله أحق أن يقضى"(1) في جوابه صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته عن حجها عن أبيها، وهو شيخ كبير لا يستطيع الحج لنفسه؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم. قال: "فدين الله أحق أن يقضى"(2).
وكنت أقرر الدليل على عمومه بقضاء كل واجب فات وقته، بأن لفظ دين الله عام؛ لأنه اسم جنس مضاف، فيشمل كل حق لله، ثم نظرت وإذا القضاء في قوله:"أحق أن يقضى" مراد به التأدية نحو: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض"(3)، ومثله حديث:"فصلّ ما أدركت واقض ما فات"(4) فيمن أدرك مع الجماعة بعض صلاته - أي: إذ ما سبقت به. أي: إذا أديت. والحج وقته العمر والحج عن المعذور تأدية.
(1) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح.
(2)
تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح.
(3)
سورة الجمعة الآية (10).
(4)
أخرجه أحمد (2/ 270) والبخاري رقم (636)، ومسلم رقم (151، 153/ 602)، وأبو داود رقم (572)، والنسائي رقم (861)، وابن ماجه رقم (775) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصَّلاة، وعليكم السَّكينَة والوقَار، ولا تُسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمُّوا". وهو حديث صحيح. =
وكذلك قضاء الدين تأديته، فالقضاء بالعنى المراد في لسان الأصوليين والفقهاء، وهو الإتيان بها فات وقته في غير وقته، لم يأت عليه دليل إلا في الصوم {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) على أن من أوجب الفطر ولم يجعله رخصة يقول: بأن صوم رمضان في أيام أخر أداء لا قضاء، ويجري أيضاً هذا على من يقول: إن الفطر رخصة، وأنه يخير المسافر مثلاً بين الصوم في سفره والإفطار، فإذا أفطر فقد فعل أحد الأمرين الذين خير فيهما، فإذا صام بعد ذلك فصومه أداء.
18 -
وفي أخرى لأبي داود (2) عن أبي هريرة أيضاً: فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمْ الّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الغَفْلَةُ". [صحيح]
"التَّعْرِيسُ"(3): نزول المسافر آخر الليل للاستراحة والنوم.
"وَالوَهَلُ"(4): الفزع والراعب.
ومعنى "رُوَيْداً"(5): الأمر بالتأني والتمهل.
19 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أَدْلَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ عَرَّسَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ بَعْضُهَا فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى ارْتَفَعَتِ فَصَلَّى، وَهِيَ صَلَاةُ الوُسْطَى. أخرجه النسائي (6). [منكر بزيادة:"وهي صلاة الوسطى"]
= وأخرج مسلم في "صحيحه" رقم (154/ 602) بلفظ: "إذا ثوّبَ بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم، ولكن ليمش وعليه السَّكينَة والوقار، فصلّ ما أدركت، واقْض ما سبقك".
(1)
سورة البقرة الآية (184).
(2)
في "السنن" رقم (436)، وهو حديث صحيح.
(3)
قاله ابن الأثير في "النهاية"(2/ 181).
(4)
انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 151). "النهاية"(2/ 886).
(5)
انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 278). "النهاية"(1/ 701 - 702).
(6)
في "السنن" رقم (625)، وهو حديث منكر بزيادة "وهي صلاة الوسطى".
قوله في حديث ابن عباس: "وهي صلاة الوسطى" أقول: هذا أحد الأقوال في الصلاة: إنها الفجر، وقد كان الصحابة مختلفين في تعيينها كما أخرج ابن جرير (1) عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة هكذا وشبَّك بين أصابعه.
وأخرج ابن جرير (2) من طريق أبي العالية عن ابن عباس مثل ما هنا أنها صلاة الفجر. وأخرج عنه عبد الرزاق (3)، وابن أبي شيبة (4)، وعبد بن حميد (5)، وابن جرير (6)، وابن المنذر (7)، وابن الأنباري (8)، والبيهقي (9) مثل ذلك، وأنها صلاة الفجر، وقنت فيها ورفع يديه. ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين.
ومثله عن جماعة من الصحابة. كما أخرجه عبد الرزاق (10)، وابن جرير (11) عن أبي العالية: أنه صلى مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الغداة، فلما أن فرغوا قلت لهم: أيتهن الصلاة الوسطى؟ قالوا: التي صليناها قبل.
(1) في "جامع البيان"(4/ 338).
(2)
في "جامع البيان"(4/ 368).
(3)
في "مصنفه" رقم (2207).
(4)
في "مصنفه"(2/ 506).
(5)
في "جامع البيان"(4/ 269).
(6)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 722).
(7)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 722).
(8)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 722).
(9)
في "السنن"(1/ 461).
(10)
في "مصنفه"(1/ 579).
(11)
في "جامع البيان"(4/ 367 - 369).
وكذلك عن جابر (1) بن عبد الله وابن عمر (2) وأبي أمامة (3) وجماعة من التابعين (4).
وقال مالك (5): بلغني عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما كانا يقولان: صلاة الوسطى صلاة الصبح. وأخرجه البيهقي في "سننه"(6).
وقال آخرون: إنها الظهر. فأخرج عبد بن حميد (7) عن مكحول: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن صلاة الوسطى قال: "هي أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر" وعن زيد بن ثابت (8)[400/ أ] من طرق في "الدر المنثور"(9) أنها الظهر.
وكذلك عن ابن عمر (10).
(1) انظره في "شرح السنة" للبغوي (2/ 235)، "زاد المسير"(1/ 249)، "فتح الباري"(8/ 196).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2/ 505)، والبيهقي في "السنن"(1/ 362)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 284)، وابن حزم في "المحلى"(4/ 250)، والرواية عن ابن عمر: أنها العصر أصح.
انظر: "فتح الباري"(8/ 196)، "زاد المسير"(1/ 249).
(3)
انظر: "فتح الباري"(8/ 196)، "المحرر الوجيز"(2/ 233).
(4)
انظر: "شرح السنة" للبغوي (2/ 235)، "فتح الباري"(8/ 196)، "التمهيد"(4/ 284).
(5)
انظر: "التمهيد"(4/ 284)، "المحرر الوجيز"(2/ 234)، روح المعاني (3/ 156).
(6)
(1/ 362).
(7)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 721).
(8)
انظر: "الدر المنثور"(1/ 721)، "المحرر الوجيز"(2/ 233)، "طرح التثريب"(2/ 174).
(9)
(1/ 720 - 723).
(10)
حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 366)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 576)، وابن حزم في "المحلى"(4/ 260)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 289)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، وهي أصح الروايات عن ابن عمر.
وعن أبي سعيد الخدري (1)، وعن عائشة (2)، وعن علي بن أبي طالب (3)، وعن أُبي بن كعب (4)، وعن حفصة (5) أم المؤمنين، وهذه ثابتة مخرجة في "الدر المنثور"[من طرق](6). وذهب [340 ب] قوم إلى أنها العصر، وهو أكثر الأقوال وادعي فيه الإجماع (7).
وأخرج ابن أبي شيبة (8)، والترمذي (9)، وابن حبان (10)، من طرق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الوسطى صلاة العصر".
(1) حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 366)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 288)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461).
(2)
وهي أصح الروايات عنها.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 504)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 289)، وابن حزم في "المحلى"(4/ 260).
(3)
حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 235)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 288)، وابن حزم في "المحلى"(4/ 259).
(4)
حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 506)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 175).
(5)
حكاه عنها ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 289)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 504)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).
(6)
زيادة من (أ).
(7)
انظر: "فتح الباري"(8/ 196)، "التمهيد"(4/ 289).
(8)
في "مصنفه"(2/ 508).
(9)
في "السنن" رقم (181) و (2985).
(10)
في "صحيحه" رقم (1746).
وأخرجه أحمد (1/ 392، 403، 404، 456)، ومسلم رقم (628) والطيالسي رقم (366)، والبيهقي (1/ 461)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 174) وهو حديث صحيح.
وأخرج ابن المنذر (1)، والطبراني (2) من طريق مقسم وسعيد بن جبير عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس"، والأحاديث فيها كثيرة.
وأخرج ابن سعد (3) والبزار (4) وابن جرير (5) والطبراني (6) والبغوي (7) في "معجمه" عن كُهِيل بن حَرْملَةَ قال: سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى. فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها، ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عُتبة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلمكم بذلك، فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر.
وذهب آخرون إلى أنها الظهر، مستدلين بما أخرجه أحمد (8) والبخاري في تاريخه (9)،
(1) في "الأوسط"(2/ 366).
(2)
في المعجم "الكبير" رقم (12069)، وفي "الأوسط" رقم (1995).
وانظر: "جامع البيان"(4/ 355 - 356).
(3)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 725).
(4)
في "مسنده" رقم (391 - كشف).
(5)
في "جامع البيان"(4/ 356).
(6)
في "الكبير" رقم (7198).
(7)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 725).
(8)
في "المسند"(5/ 206).
(9)
(5/ 281، 282، 283).
وأبو داود (1)، وابن جرير (2)، والطحاوي (3)، والروياني (4)، وأبو يعلى (5)، والطبراني (6)، والبيهقي (7)، من طريق الزبرقان، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصلي الظهر بالهاجرة، وكانت أثقل الصلاة على أصحابه، فنزلت:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (8)؛ لأنها قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
وأخرج عبد بن حميد عن مكحول (9): أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن صلاة الوسطى قال: "هي أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر".
وأخرج الطبراني في "الأوسط"(10) بسند رجاله ثقات عن ابن عمر: أنه سئل عن الصلاة الوسطى قال: كنا نتحدث أنها الصلاة التي وجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة الظهر.
(1) في "السنن" رقم (411).
(2)
في "جامع البيان"(4/ 362 - 363).
(3)
في "شرح معاني الآثار"(1/ 167).
(4)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 725).
(5)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 725).
(6)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 725).
(7)
في "السنن الكبرى"(1/ 462).
(8)
سورة البقرة الآية (238).
(9)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 728).
(10)
رقم (240).
وأخرج عبد الرزاق (1)، وعبد بن حميد (2)، وابن المنذر (3)، عن حرمة مولى زيد بن ثابت [341 ب] قال: تمارى زيد بن ثابت، وأبي بن كعب في الصلاة الوسطى. فأرسلاني إلى عائشة فسألتها: أي الصلاة هي؟ قالت: الظهر.
وأخرج ابن المنذر (4) من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن حسين، عن علي بن أبي طالب، قال: الصلاة الوسطى هي الظهر.
وأخرج ابن جرير (5) عن ابي سعيد قال: صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى.
وذهب الأقل إلى أنها المغرب مستدلين بما أخرج ابن جرير (6) عن قبيصة بن ذؤيب قال: الصلاة الوسطى صلاة المغرب ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها، ولا تقصر في السفر؟
قلت: وهذا ليس فيه دليل؛ لأنه من كلام قبيصة واجتهاده. وذهب آخرون: أنها في الخمس غير معينة لما أخرجه عبد بن حميد (7) عن مجاهد، وابن سيرين، قال: سأل رجل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى، قال: حافظ على الصلوات تدركها.
وأخرج ابن أبي شيبة (8).
(1) في "مصنفه"(1/ 577).
(2)
عزأه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 720).
(3)
في "الأوسط"(2/ 366).
(4)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 721).
(5)
في "جامع البيان"(4/ 359 - 360).
(6)
في "جامع البيان"(4/ 367).
(7)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 729).
(8)
في "مصنفه"(2/ 506).
وعبد بن حميد (1) عن الربيع بن خيثم: أن سائلاً سأله عن الصلاة الوسطى. قال: حافظ عليهن، فإنك إن فعلت أصبتها إنما هي واحدة منهن.
وأخرج ابن أبي شيبة (2) عن ابن سيرين قال: سئل شريح عن الصلاة الوسطى. قال: حافظوا عليهن تصيبوها.
قلت: الأدلة على أنها العصر نصوص لا ريب فيها، ولذا ادُعي الإجماع على أنها العصر، [فأما](3) بقية الأقوال فأدلتها دون ذلك، وإن كان في الفجر أدلة قوية، لكنها لا تقوى على الترجيح على أدلة صلاة العصر.
20 -
ولمالك (4) عن زيد بن أسلم فقال: إِنَّ الله قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا، ثُمَّ التَفَتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالاً وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فَأَضْجَعَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَدْهِدُهُ كما يُهَدْهَدُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ". ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بلَالاً، فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أبَا بَكْرٍ فَقَالَ رضي الله عنه، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله. [حسن لغيره]
"الإِدْلَاجُ": بالتخفيف السير من أول الليل، وبالتشديد من آخره.
21 -
وعن جابر رضي الله عنه: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله: مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَالله مَا صَلَّيْتُهَا". فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضَّأْنَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ.
(1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 729).
(2)
في "مصنفه"(2/ 506).
(3)
في (أ): وأمَّا.
(4)
في "الموطأ"(1/ 14 - 15 رقم 26)، وهو أثر حسن لغيره.
أخرجه الخمسة (1) إلا أبا داود. [صحيح]
"وَبَطْحَانُ": اسم واد بالمدينة.
قوله في حديث جابر: "ما كدت أصلي" أقول: اليعمري (2) لفظة: كاد (3) من أفعال المقاربة، فإذا قلت: كاد زيد يقوم فهم منه أنه قارب القيام، ولم يقم، فقوله: ما كدت أُصلي [342 ب] حتى كادت الشمس تغرب. معناه: أنه صلى العصر قرب غروب الشمس؛ لأن نفي الصلاة لا يقتضي إثباتها، وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فيحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ونفي الغروب. فإن قيل: كيف اختص عمر بإيقاع الصلاة [401/ أ] قبل الغروب دون النبي صلى الله عليه وسلم، وبقية أصحابه؟ أجيب: بأنه لعله وقع الشغل بالمشركين إلى قرب الغروب، وكان عمر حينئذٍ متوضئاً فبادر فصلى ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه. وكان سبب تأخير الصلاة يومئذٍ الشغل بالمشركين. وللنسائي (4) عن أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله صلاة الخوف {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (5). وفيه: أنه فاتهم يومئذٍ الظهر والعصر.
وفي الترمذي (6) والنسائي (7) عن ابن مسعود: أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله.
(1) أخرجه البخاري رقم (596)، ومسلم رقم (631)، والنسائي (3/ 84 - 85)، والترمذي رقم (180) وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
أي: قال اليعمري.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 69).
(4)
في "السنن"(1/ 297).
(5)
سورة البقرة الآية (238).
(6)
في "السنن" رقم (179) وقال: ليس وبإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله.
(7)
في "السنن" رقم (662). وهو حديث صحيح لغيره. =
قال ابن العربي (1): وما في الصحيح هو [المعتمد](2) وهو أن الذي فات العصر خاصة. وجمع بعضهم بأن واقعة الخندق كانت أياماً، فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام. ورجحه اليعمري (3) وابن حجر (4).
قلت: وبهذا الجمع أيضاً يجمع بين حديث أنها ردت عليه الشمس يوم الخندق حتى صلى العصر، فلعله كان في يوم آخر غير الذي ذكرت قصته في الصحيح قاله في "التوشيح".
22 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أَنَّ المُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ الله، فَأَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى المَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العِشَاءَ". أخرجه الترمذي (5) والنسائي (6). [صحيح لغيره]
قلت: وحديث ابن مسعود هو الذي أتى به المصنف هنا وقال:
"أخرجه الترمذي والنسائي" قلت: لكن قال الترمذي (7) بعد إخراجه: حديث عبد الله ليس به بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، انتهى.
= أخرجه أحمد في "المسند" رقم (3555، 4013 - شاكر) وفي سنده انقطاع كما قال الترمذي، إلا أنّه يعتضد بحديث أبي سعيد.
(1)
في عارضة الأحوذي (1/ 291).
(2)
في (ب): المغني.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 69).
(4)
في "فتح الباري"(2/ 70).
(5)
في "السنن" رقم (179).
(6)
في "السنن" رقم (662). وهو حديث صحيح لغيره، وقد تقدم.
(7)
في "السنن"(1/ 338).
[و](1) قوله فيه: "بطحان" وهو بفتح الموحدة وضمها وادٍ بالمدينة [343 ب].
23 -
وعن نافع: أَنَّ عبد الله بن عمر أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَقْضِ الصَلَاةَ. أخرجه مالك (2). [موقوف صحيح]
وقال (3): وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى- وَالله أَعْلَمُ - أَنَّ الوَقْتَ ذَهَبَ، فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ وَهُوَ فِي وَقْتِ الْصَّلَاةِ فَإِنَهُ يُصَلِّي.
24 -
وعن نافع أيضاً: أنّ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَاّ وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ، فإذا سلم الإمام فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ ليُصَلِّ بَعْدَهَا الصَّلاةَ الأُخْرَى". أخرجه مالك (4). [موقوف صحيح]
25 -
وعن جابر رضي الله عنه: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: "بَيْنَ الرَّجُلِ وبَيْنَ الشِّرْكِ تَرْكَ الصَّلَاةِ".
أخرجه مسلم (5)، واللفظ له، وأبو داود (6)، والترمذي (7).
ولفظه (8): "بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيْمَانِ تَرْكُ الصّلَاةِ".
(1) زيادة من (أ).
(2)
في "الموطأ"(1/ 13 رقم 24)، وهو أثر موقوف صحيح.
(3)
أي: مالك في "الموطأ"(1/ 13).
(4)
في "الموطأ"(1/ 168 رقم 77)، وهو أثر موقوف صحيح.
(5)
في "الصحيحة" رقم (82).
(6)
في "السنن" رقم (678).
(7)
في "السنن" رقم (2622). وهو حديث صحيح.
(8)
عند الترمذي.
26 -
وفي أخرى له (1) ولأبي داود (2): "بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ الكُفْرِ تَرْكُ الصَلَاةِ". [صحيح]
قوله في حديث ابن عمر الثاني: "فإذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي" أقول: هذا قول ابن عمر، وبه أخذ مالك (3).
وقال أبو حنيفة (4): إذا ذكرها وهو مع الإمام فسدت صلاته، ووجب عليه صلاة الفائتة، ثم يصلي صلاة الوقت.
قلت: ودليله: "فليصليها إذا ذكرها"، وقد ذكرها وهو خلف الإمام، فيجب عليه الخروج، وكلام أبي حنيفة قويم.
27 -
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ ترَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ". أخرجه الترمذي (5) وصححه النسائي (6). [صحيح]
قوله: "وعن بريدة" أقول: هذه الأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة، جعل لها ابن الأثير (7) فرعاً.
(1) أي: الترمذي.
(2)
في "السنن" رقم (4678)، وهو حديث صحيح.
(3)
انظر: "فتح الباري"(2/ 72 - 73).
(4)
انظر: "البدائع"(1/ 131 - وما بعدها).
(5)
في "السنن" رقم (2621).
(6)
في "السنن"(1/ 231).
وأخرجه أحمد (5/ 346)، وابن ماجه (1079)، والحاكم (1/ 6 - 7)، وابن حبان رقم (1454) من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجهٍ من الوجوه، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وهو حديث صحيح.
(7)
في "الجامع"(5/ 203).
فقال: الفرع الثالث: في إثم تاركها، وساق ما ساقه المصنف من الأحاديث. وجعل الفرع الثاني في قضاء الصلاة. والمصنف أدمجه في الباب الثاني.
قوله في حديث بريدة: "العهد الذي بيننا وبينهم" أقول: بين أهل الإسلام، وبين أهل الشرك، إقامة الصلاة، فمن أقامها فهو مسلم، ومن تركها فلم يقمها فهو مشرك كافر.
قوله: "أخرجه الترمذي وصححه" قلت: قال (1): هذا حديث حسن صحيح غريب.
28 -
وعن عبد الله بن شقيق قال: كَانَ أَصْحَابُ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم لا يَروْنَ شَيْئاً مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةَ. أخرجه الترمذي (2). [صحيح موقوف]
قوله في حديث عبد الله بن شقيق: هو بالشين المعجمة فقاف، فمثناة تحتية، فقاف بزنة رغيف.
["كان من الصحابة" ظاهر إجماعهم](3).
(1) في "السنن"(5/ 14).
(2)
في "السنن" رقم (2622).
وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 7) من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة وصححه على شرطهما.
وقال الذهبي: وإسناده صالح.
وقال المحدث الألباني: في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 367 رقم 565/ 3).
التعليقة رقم (1): "
…
فيه قيس بن أنيف، ولم أعرفه، وقد خالفه الترمذي فلم يذكر فيه أبا هريرة، وهو الصواب، لكني وجدت له شاهداً عن جابر بن عبد الله بنحوه.
أخرجه ابن نصر في "الصلاة"(238/ 1) بسند حسن. وهذا ونحوه محمول على المعاند المستكبر الممتنع من أدائها ولو أنذر بالقتل، كما قال ابن تيمية وابن القيم.
انظر: رسالتي "حكم تارك الصلاة". اهـ.
وخلاصة القول: أنه صحيح موقوف، والله أعلم.
(3)
كذا في (أ. ب). =
[ويأتي تحقيق ذلك](1).
قوله: "أخرجه الترمذي"[344 ب].
29 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ". أخرجه الستة (2). [صحيح]
"وُتِرَ"(3): أي: نقص.
قوله في حديث ابن عمر: "الذي تفوته صلاة العصر" أقول: في "التوشيح" قيل: تخصيص صلاة العصر لا يدرك، فقيل: لأنها وقت السعي على الأهل لطلب المعاش، ولهذا حسن التشبيه بفوات الأهل، والمال، والمراد بفواتها خروج الوقت مثل فواتها في الجماعة وإلا فسائر الصلوات كذلك.
30 -
وعن أبي المليح رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ بُرَيْدةَ فِي غَزَاةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ. فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ العَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ ترَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ".
= ولعل الصواب: والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة؛ لأن قوله: "كان أصحاب رسول الله" جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك.
قاله ابن حجر في "التلخيص"(2/ 148 - 149).
(1)
زيادة من (أ).
(2)
أخرجه البخاري رقم (552)، ومسلم رقم (626)، وأبو داود رقم (414)، والترمذي رقم (175)، والنسائي (1/ 255)، وابن ماجه رقم (685). وأخرجه أحمد (2/ 64).
وهو حديث صحيح.
(3)
قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(5/ 204): "وتر أهله وماله" يقال: وترتُه: إذا نقصته، أي: نقص أهله وماله. وقيل: إن أصل الوتر: الجناية التي يجنيها الرجل على الرجل: من قتله حميمه وأخذه ماله، فشبه ما يلحق هذا الذي تفوته صلاة العصر بمن قتل حميمه وأخذ ماله.
أخرجه البخاري (1) والنسائي (2). [صحيح]
ومعنى "بكروا": بادروا إليها في أول أوقاتها (3).
ومعنى "حبط عمله"(4): أي بطل.
قوله في حديث أبي المليح: "فقد حبط عمله" قيل: هو خارج مخرج الزجر والتهديد، وظاهره غير مراد.
واعلم أن هذه الأحاديث دالة على كفر من ترك الصلاة متعمداً لما علم من قواعد الشريعة أن غير المتعمد لا يأثم. ولذا اختلف العلماء في ذلك.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(5): إن من أقر (6) بعمل الصلاة وإقامتها على ما يجب فيها وكِّلَ إلى قوله: وقبل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبلَ من أبي محجن لما قال له: قد صليت في أهلي.
وأجمع (7) المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك.
واختلفوا في المقر بفرضها التارك لها عمداً حتى يخرج وقتها وأبى من أدائها وقضائها، وقال: لا أصلي فهو كافر ودمه وماله حلال؛ لأنه إن لم يتب ويراجع الصلاة، ويستتاب، فإن
(1) في "صحيحه" رقم (553).
(2)
في "السنن"(1/ 236). وهو حديث صحيح.
(3)
قاله ابن الأثير في غريب "الجامع"(5/ 206).
(4)
"النهاية في غريب الحديث"(1/ 324).
(5)
(5/ 241 - 344).
(6)
وهي في "الاستذكار" برقم (7130).
(7)
وهي في "الاستذكار" برقم (7131).
تاب وإلا قتل، ولا يرثه ورثته من المسلمين، وحكم ماله حكم مال المرتد إذا قتل على الردة.
وبهذا (1) قال أبو داود والطيالسي، وأبو حنيفة، وزهير بن حرب، وأبو بكر بن أبي شيبة.
قال إسحاق (2): وهو رأي أهل العلم من لدن زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا.
قال إسحاق (3): أجمع المسلمون على أن من سبَّ الله أو سبَّ رسولَهُ أو دفع شيئاً مما أنزل الله، أو قتل نبياً من الأنبياء إنه كافر بذلك، وإن كان مقراً [345/ أ] بكل ما أنزل الله. قال: وكذلك تارك الصلاة حتى يخرج وقتها عامداً. قال: ولذا أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع.
قالوا: من عرف بالكفر ثم رأوه يصلِّي الصلاة في وقتها (4)، ولم يعلموا أنه أقر بلسانه إنه يحكم له بالإيمان، ولا يحكموا له في الصوم والزكاة والحج بمثل ذلك.
قال إسحاق (5): [و](6) لقد كفر إبليس بالسجدة (7) التي أمر بسجودها، قال: فكذلك تارك الصلاة.
وقال أحمد (8): لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمداً، ثم ذكر أدلة هؤلاء، وهي
(1) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" برقم (7137).
(2)
انظر: "الاستذكار"(5/ 343 رقم 7142).
(3)
انظر: "الاستذكار"(5/ 343 رقم 7142).
(4)
في "الاستذكار"، حتى صلَّى صلوات كثيرةً في أوقاتها.
(5)
ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار"(5/ 343 رقم 7142).
(6)
زيادة من (أ).
(7)
كذا العبارة في (أ، ب)، والتي في "الاستذكار"(5/ 344 رقم 7143)، ولقد كفر إبليس إذ لم يسجد السجدة
…
(8)
ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار"(5/ 344 رقم 7145).
وانظر: "الروض المربع شرح زاد المستنقع"(ص 61).
هذه الأحاديث التي سردها المصنف. ثم قال: وبآثار كثيرة ذكرتها في "التمهيد"(1).
قال الشافعي (2): [ويقول الإمام لتارك الصلاة: صلِّ، فإن ذكر علة تجشمه أمر بالصلاة على قدر طاقته، فإن أبى من الصلاة حتى يخرج وقتها قتله الإمام](3). وإنما يستتاب ما دام وقت الصلاة، فإن قتله ورثه ورثته. وهذا قول مالك وأصحابه.
قال ابن وهب (4): سمعت مالكاً يقول: من آمن بالله، وصدق المرسلين، وأبى أن يصلِّي قُتلَ، وبه قال أبو ثور، ومكحول، وحماد بن زيد، ووكيع، وكل هؤلاء لا يرى أنه إذا قتله الإمام فلا يمنع ورثته من ميراثه؛ لأنه لم يقتله على الكفر إذا كان مقراً بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من التوحيد والإسلام والشرائع، ومقر بفرض الصلاة والصيام، إلا أنه أبى من أدائها.
ومن الأدلة على لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "نهيت عن قتل المصلين (5) " فدل على أن من لم يصل يقتل. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "سيكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون" إلى أن قال لما قالوا: ألا تقاتلهم؟ قال: "لا ما صلَّوا"(6) الخمس قالوا: وهذا كله يدل على القتل ولا يدل على الكفر. [وقالوا](7): ما وردَّ من أدلة التكفير، وأنه يراد به عظم المعصية.
(1)(4/ 227 - 228).
(2)
ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار"(5/ 345 رقم 7154).
(3)
كذا في العبارة في (أ. ب) والذي في "الاستذكار": ويقول الإمام لتارك الصلاة: صَلِّ، فإن قال: لا أُصلِّي، سُئل، فإنْ ذكَرَ علَّة بجسمه أمر بالصلاة على قدر طاقته، فإن أبى من الصلاة حتى يخرج وقتها قتله الإمام.
(4)
ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار"(5/ 346 رقم 7157).
(5)
أخرجه أحمد (4/ 43 - 44)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 367).
(6)
أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (62/ 1854) من حديث أم سلمة مرفوعاً.
(7)
زيادة من (أ).
قلت: وقد عقد البخاري في "صحيحه"(1) باباً لكفر دون كفر. وقد روى (2) عن ابن عباس: أنه قال: ليس بالكفر الذي ينقل من الملة، وتلى قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} (3)[346 ب]، فبهذا كله ورثوا من تارك الصلاة إذا قتل ورثته، انتهى بتلخيص كثير.
قال (4): وسئل ابن شهاب عن تارك الصلاة فقال: إذا تركها؛ لأنه [ابتغى](5) ديناً غير الإسلام قتل. وإن كان إنها فعل ذلك فسقاً ومجوناً وتهاوناً، فإنه يضرب ضرباً مبرحاً، ويسجن حتى يرجع. قال: والذي يفطر في رمضان كذلك.
قال الطحاوي: وهو قولنا، وإليه ذهب جماعة من سلف الأمة منهم أبو حنيفة وأصحابه.
قال ابن عبد البر (6): وبه يقول داود ومن تبعه. وحجة هؤلاء ومن قال بقولهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد"(7) ثم قال: "ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله".
(1)(1/ 83 الباب رقم 21 باب كفران العشير، وكفر دون كفر مع الفتح).
(2)
أخرجه ابن عبد البر في "الاستذكار"(5/ 352 رقم 7179).
(3)
سورة المائدة الآية (44).
(4)
أي: ابن عبد البر في "الاستذكار"(5/ 353 رقم 7188).
(5)
كذا في (أ. ب) والذي في "الاستذكار": ابتدع.
(6)
في "الاستذكار"(5/ 353 رقم 7190).
(7)
أخرجه أحمد (5/ 315) وأبو داود رقم (1420) والنسائي (1/ 230)، وابن ماجه رقم (1401)، ومالك (1/ 123 رقم 14)، وابن حبان رقم (1732، 2417)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 184 - 185)، وهو حديث صحيح.