الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بداية المعركة] :
وتزاحف الجمعان، وبدأ الهجوم من قبل المشركين، إذ هجم الأسود بن عبد الأسد على الحوض الذي بناه المسلمون قائلا: أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم أو لأهدمنّه، أو لأموتنّ دونه، فتصدّى له حمزة بن عبد المطلب، فضربه ضربة أطارت نصف ساقه، ومع ذلك حبا إلى الحوض يبغي اقتحامه، وتبعه حمزة يقاتله حتى قتله فيه!.
وبرز من المشركين عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فخرج للقائهم فتية من الأنصار، فنادوا: يا محمد! أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، - وقيل: إنّ الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه هو الذي استرجع أولئك الأنصار رغبة منه أن تكون عشيرته أول من يواجه العدوّ في مثل هذا الموقف- فقال: «قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا عليّ» ، فبارز عبيدة عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز عليّ الوليد. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وكذلك فعل علي مع خصمه، وأما عبيدة وعتبة فقد جرح كلاهما الاخر، فكرّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فأجهزا عليه، واحتملا صاحبهما «1» ، فجاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفرشه الرسول قدمه، فوضع خدّه على قدمه الشريف، وقال: يا رسول الله! لو راني أبو طالب لعلم أنّي أحقّ بقوله:
ونسلمه حتى نصرّع دونه
…
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ثم أسلم الروح «2» ..
واستشاط الكفّار غضبا للبداية السيئة التي صادفتهم، فأمطروا المسلمين وابلا من سهامهم، ثم حمي الوطيس، وتهاوت السيوف، وتصايح المسلمون:
- عمر بن الخطاب، وبعضه في البخاري: 7/ 231، من حديث ابن عباس.
(1)
روى القصة إلى هنا ابن هشام: 2/ 67، عن ابن إسحاق بدون إسناد؛ ورواها أبو داود: 1/ 416، من حديث علي بدون قصة الأسود، وإسناده صحيح؛ وكذلك رواه أحمد، رقم (948) .
(2)
وهذا القدر أورده ابن كثير: 3/ 274، وقال: رواه الشافعي، ولم يذكر عمّن؛ ورواه بنحوه الحاكم: 3/ 188، من حديث ابن شهاب مرسلا، وليس فيه:«ثم أسلم الروح» ، ويدلّ على ضعف هذه الزيادة أنّ الحاكم روى من حديث ابن عباس أن عبيدة بن الحارث مات بالصّفراء منصرفه من بدر، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك، وسنده حسن، وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي.
أحد أحد، وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكسروا هجمات المشركين؛ وهم مرابطون في مواقعهم وقال:«إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنّبل، ولا تحملوا عليهم حتى تؤذنوا» «1» .
فلما اتسع نطاق المعركة، واقتربت من قمتها، كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم، وألحقوا بهم خسائر جسيمة. والنبي صلى الله عليه وسلم في عريشه يدعو الله، ويرقب بطولة رجاله وجلدهم.
قال ابن إسحاق «2» : خفق النبي عليه الصلاة والسلام خفقة في العريش ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله؛ فهذا جبريل اخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النّقع!!» .
لقد انعقد الغبار فوق رؤوس المقاتلين، وهم بين كرّ وفرّ، جند الحق يستبسلون لنصرة الرحمن، وجند الباطل قد ملكهم الغرور، فأغراهم أن يغالبوا القدر.
فلا عجب إذا نزلت ملائكة الخير، تنفث في قلوب المسلمين روح اليقين، وتحضّهم على الثبات والإقدام.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانه إلى الناس، فحرّضهم قائلا:«والذي نفس محمّد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنّة» .
إنّ التأميل في الاخرة هو بضاعة الأنبياء، وهل لأصحاب العقائد وفداة الحق من راحة إلا هناك؟.
وعمل هذا التحريض عمله في القلوب المؤمنة.
روى أحمد «3» : أنّ المشركين لما دنوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
(1) رواه ابن إسحاق: 2/ 68، بدون سند؛ وفي البخاري: 7/ 245، عن أبي أسيد: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «إذ أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم» . قلت: «أكثبوكم» : دنوا منكم. (ن) .
(2)
في (المغازي)، وعند ابن هشام: 2/ 68- 69، بدون سند؛ لكن وصله الأموي من طريق ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير؛ وهذا سند حسن، وسكت عنه ابن كثير: 3/ 284.
(3)
في المسند: 3/ 136- 137، بدون الأبيات. وكذلك أخرجه مسلم: 6/ 44- 45؛-