الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومدّ الإسلام رواقه على هذه الأرض بعد أن ظلّت حينا من الدهر في أيدي اليهود، يعيشون عليها كما يشتهون.
[الأرض لله يورثها من يشاء] :
والعظة التي نستخلصها من هذه المعارك وما أعقبها من جلاء أنّ الأرض لله يورثها من يشاء، وهو لا ينتزعها من قوم ويعطيها اخرين محاباة. كلا، ولكنّ الأمة التي تفسد على النعمة تسلبها، ثم تساق النعمة إلى من يقدّرها، ويشكر الله عليها. والأمة التي تتكبّر مع الحرية وتتبطّر، تفقد امتلاكها لنفسها وحقّها وأمرها، لتقع في إسار الاخرين فيصرّفون شؤونها كما يشتهون.
وقد طبّق هذا القانون على بني إسرائيل بقسوة عند ما أهدروا أحكام التوراة وتبعوا الهوى، وطبّق بعد ذلك على المسلمين يوم سدروا في الغواية وجحدوا ما لديهم من هداية.
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)[هود] .
إنّ الحياة كرّ وفرّ، وإقبال وإدبار، والنظرة العجلى إلى تاريخ البشر توحي بأنّ مكان الصدارة لم يثبت لأمّة من الأمم إلّا ريثما تتهيأ أمة أخرى لانتزاعه.
والدول التي سادت أشبه بلجج البحر، التي ترتفع حينا ثم لا تلبث أن تضمحل رويدا رويدا حتى تنداح على الشاطئ ضعيفة متطامنة، ولا مانع من أن تعود مرة أخرى مع المد لتبلغ الأوج، ثم تنفك عنها أسباب القوة، فتهبط مستكينة من جديد.
وقد ملك بنو إسرائيل وعزّوا بقدر حكيم، ثم سلبوا الملك والعزّة بقدر كذلك، لترثهما دولة الإسلام الفتيّ الناهض، وتمّ هذا التحول لخير البشر قاطبة.
لماذا تظاهرت اليهودية الوثنية ضدّ الإسلام؟ ولمصلحة من يقع هذا؟ إنّ بني إسرائيل ينظرون إلى الدنيا والدين من خلال منافعهم الخاصة، وذلك ما حدا بهم إلى مقاومة الإسلام بعنف، أمّا القدر الأعلى، فيريد أن يجعل من الأمة الجديدة رسالة تغيير شامل، لما شاع في العالم أجمع من مفاسد، ولما عرا حضارته من تعفّن وركود. فإذا وقفت حفنة من الأعراب أو حفنة من اليهود لتعترض هذا
التحول الهائل بدوافع من الحقد الرخيص أو المطامع الدنيا، فهي التي جنت على نفسها إذا غرقت في الطوفان.
لو ظلّ اليهود ألف سنة أخرى في جزيرة العرب ما زادوها إلا انقساما، وما اكتسبت أقطار الأرض من بقائهم شيئا، ربّما نالت مزيدا من الحبوب والفواكه التي يتقنون زراعتها، بيد أنّها لن تظفر بهذه الزيادة إلا ومعها كفل من الفساد الذي يصدّره بنو إسرائيل إلى العالم مع معاملات الربا، وأخلاق العهر والتحلل.
أما الإسلام فقد خرج من الجزيرة يوم خرج رسالة إيمان وإصلاح، ومما يحمله في طواياه من حق ونفع استحقّ الانتصار والانتشار.
فلمّا جرى على أمته من أسباب البلى والخمول ما جرى على اليهود الأولين تعرضت للطرد من أوطانها، والتشرّد هنا وهناك، كما تعرّض غيرهم، حذو النّعل بالنّعل.