الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد المطلب أن يسلم هو وعياله، وأن يهجروا مكة إلى المدينة، فقابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق مقبلا بجيشه على مكة، وخرج كذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية، فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء- وهما ابن عمه وابن عمّته- وكانا من أشدّ الناس إيذاء له بمكة، فأعرض عنهما لما ذكر من مساءتهما.
لكنّ عليّ بن أبي طالب أشار إلى ابن عمه أبي سفيان بوسيلة يترضّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له: ائته من قبل وجهه، وقل ما قال إخوة يوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ [يوسف: 91] فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه جوابا. ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92] .
وأنشده أبو سفيان أبياتا جاء فيها:
لعمرك إنّي حين أحمل راية
…
لتغلب خيل اللّات خيل محمّد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله
…
فهذا أواني حين أهدى فأهتدي
هداني هاد غير نفسي ودلّني
…
على الله من طرّدته كلّ مطرد
فضرب الرسول صلى الله عليه وسلم على صدره وهو يقول له: «أنت طردتني كلّ مطرد» «1» .
[تعمية أخبار الجيش] :
وسار الجيش يطوي الوهاد والنجاد مسرعا إلى مكة حتى بلغ «مرّ الظهران» قريبا منها في العشاء، فنزل الجيش، ونصبت الخيام، وأوقدت النيران في معسكر يضمّ عشرة الاف، حتى أضاء منها الوادي، وأهل مكة في عماية من أمرهم، لا يدرون عن القضاء النازل بهم شيئا
…
وعزّ على العباس أن تجتاح مكة في أعقاب قتال تتنافى فيه، ولا يغنيها فتيلا.
فخرج يبحث عن وسيلة تقنع قريشا بمسالمة النبي صلى الله عليه وسلم وتدخلها في أمانه.
وصادف ذلك أن ثلاثة من كبراء مكة خرجوا يتعرّفون الأخبار، ويتسمعون ما يقال، فلمّا اقتربوا من الوادي راعهم ما به.
(1) حديث حسن، أخرجه ابن جرير: 2/ 229، والحاكم: 3/ 43- 44، من حديث ابن عباس، وقال:«صحيح على شرط مسلم» ، ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط.
قال أبو سفيان زعيم مكة: ما رأيت كالليلة نيرانا قطّ ولا عسكرا!!.
فقال بديل بن ورقاء: هذه- والله- خزاعة، حمشتها الحرب.
فردّ أبو سفيان: خزاعة أقلّ وأذلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
وكان المسلمون على خطتهم المرسومة، يبثون العيون حولهم، حتى يأخذوا قريشا على غرّة، فلا ترى من التسليم بدّا، فعثرت خيالتهم على رجال قريش أولئك، ومعهم حكيم بن حزام، فأخذتهم، وعادت بهم مسرعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحق العباس بالأسرى وهو يعلن أنّهم في جواره، فلما دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم حادثهم عامّة الليل، فانشرحت صدورهم بالإسلام، وإن كان أبو سفيان قد تأخّر إسلامه حتى طلع الصبح
…
ثم سألوه الأمان لقريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من دخل دار أبي سفيان فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن، ومن أغلق بابه فهو امن» «1» .
وإنما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان هذه الميزة إرضاء لعاطفة الفخر في نفسه، وقد أرضاه بما لا يضرّ أحدا، ولا يكلّف جهدا، ولا عليه أن يتحبّب إلى نفس بمثل هذا الثمن الميسور. وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستوثق من سير الأمور بعيدا عن الحرب والضرب، فضمّ إلى ذلك المسلك مع أبي سفيان أن أوصى العبّاس باحتجازه في مضيق الوادي، حتى يستعرض القوى الزاحفة كلّها، فلا تبقى في نفسه أثارة لمقاومة، وهو سيد مكة المتبوع، قال العباس: فخرجت بأبي سفيان حتى حبسته بمضيق الوادي، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرّت القبائل على راياتها، كلّما مرت قبيلة قال: يا عباس! من هؤلاء؟ فأقول: سليم! فيقول:
ما لي ولسليم؟ ثم تمرّ به القبيلة، فيقول: يا عباس! من هؤلاء؟ فأقول: مزينة!
(1) حديث صحيح، أخرجه ابن هشام: 2/ 268، عن ابن إسحاق معضلا؛ لكن وصله عند ابن جرير: 2/ 330- 332، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، وحسين هذا ضعيف، لكن قال الهيثمي في (المجمع: 6/ 165- 167) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، فالظاهر أنّه عنده من غير هذا الطريق الضعيف؛ ورواه أبو داود: 2/ 41، عن ابن إسحاق بإسناد اخر له عن ابن عباس وفيه رجل لم يسم، وله عنده إسناد ثالث ورجاله ثقات. لكن لم يصرح فيه ابن إسحاق بالسماع ثم أخرجه هو ومسلم: 5/ 172- 173، من حديث أبي هريرة، إلا أنه قال:«ومن ألقى السلاح فهو امن» ، بدل:«ومن دخل المسجد فهو امن» .