الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أوامر ووصايا] :
وزادت وطأة المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعانى من برحائه ألما مضاعفا، حتى تأذّت فاطمة ابنته من شدّة ما يلقى، فقالت: وا كرب أبتاه!.
فقال: «لا كرب على أبيك بعد اليوم» «1» .
وترامت الأخبار إلى جيش أسامة، فشاع الحزن والاضطراب في صفوفه، عن محمد بن أسامة عن أبيه قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة، فدخلنا على رسول الله، وقد أصمت لا يتكلم، فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها عليّ، فعرفت أنه يدعو لي «2» .
وأغمي عليه مرة فلدّه أهله «3» ، فلما أفاق كره ذلك منهم «4» .
وكان إلى جواره قدح فيه ماء يغمس فيه يده ثم يمسح وجهه بالماء، ويقول:«اللهمّ أعنّي على سكرة الموت» «5» .
وحين عجز النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بالناس استقدم أبا بكر ليؤمّهم.
فخشيت عائشة أن يكره النّاس أباها، ويتشاءمون من طلعته.
فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق، وإنه متى يقم مقامك لا يطيق.
فقال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» .
فكرّرت عائشة اعتراضها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
«إنّكنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» «6» .
وصلّى أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة.
وهذه الأيام التي تخلّف فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يؤم المسلمين، كانت من
(1) صحيح، رواه البخاري: 8/ 121، وغيره عن أنس.
(2)
صحيح، رواه الترمذي: 4/ 350، وحسّنه؛ وابن هشام: 2/ 370.
(3)
لدّه: جعل الدواء في جانب فمه. (ن) .
(4)
صحيح، رواه البخاري: 8/ 120، عن عائشة.
(5)
ضعيف، أخرجه الترمذي: 2/ 128، وغيره من طريق موسى بن سرجس عن القاسم بن محمد عن عائشة، وقال:«حديث غريب» يعني ضعيف؛ لأنّ موسى هذا لم يوثقه أحد فهو مجهول.
(6)
صحيح، أخرجه البخاري: 2/ 130؛ ومسلم: 2/ 20- 24، عن عائشة.
أشدّ الأيام ثقلا عليه، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«إنّي أوعك كما يوعك الرجلان منكم» «1» .
ومع فيح الحمّى وحدّة مسّها لبدنه فقد ظلّ يقظ الذّهن، مهموما بتعاليم الرسالة، حريصا على تذكير الناس بها.
وكان يخشى أن ترتكس أمته فتتعلّق بالأشخاص (الأضرحة) كما ارتكس أهل الكتاب الأولون.
وشدته في إخلاص التوحيد لله هي التي جعلته وهو يعالج سكرات الموت، يرهّب المسلمين من هذا المزلق.
عن عائشة وابن عباس قالا: لمّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه فقال- وهو كذلك-:«لعنة الله على اليهود والنّصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» - يحذّر مثل ما صنعوا- «2» .
وكان يخشى أن تغلب شهوات الغيّ والكبر على أمته.
فإن الذين يتبعون شهوات الغيّ ينسون الصلاة، والذين يتبعون شهوات الكبر يطغون على ما تحت أيديهم من خدم ومرؤوسين ورقيق.
والأمة التي تستبدّ بها هذه الشهوات لا تصلح للحياة، ولا تصلح بها حياة.
ومن اليسير أن يتركها الله تلقى جزاء ما تصنع، وهو خزي الدنيا وعذاب الاخرة.
هذه الخشية حملت النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أن ينبّه المسلمين إلى معاقد الخير ليتمسّكوا بها.
عن أنس بن مالك قال: كانت عامّة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت-: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» ، حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه «3» .
(1) أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود.
(2)
صحيح، أخرجه البخاري: 1/ 422؛ ومسلم: 2/ 67.
(3)
صحيح، أخرجه ابن ماجه: 2/ 155؛ وأحمد: 3/ 117، وغيرهما عن قتادة عن أنس، وفيه خلاف على قتادة، بيّنه الحافظ ابن كثير في (البداية) : 5/ 238- 239؛ وذكر عن البيهقي أنه قال: «والصحيح ما رواه عفان عن همام عن قتادة عن أبي الخليل عن سفينة-