الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23)[طه] .
فلمّا ملأ قلبه إعجابا بمشاهد هذه الايات الكبرى، قال له بعد: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17)
…
[النازعات] .
وقد علمت أنّ ثمرة الإسراء والمعراج إطلاع الله نبيّه على هذه الايات الكبرى، وربّما تقول: إنّ ذلك حدث بعد الإرسال إليه بقريب من اثني عشر عاما، على عكس ما وقع لموسى! وهذا حق، وسرّه ما أسلفنا بيانه من أنّ الخوارق في سير المرسلين الأولين قصد بها قهر الأمم على الاقتناع بصدق النبوة؛ فهي تدعيم لجانبهم أمام اتّهام الخصوم لهم بالادّعاء، وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم فوق هذا المستوى.
فقد تكفّل القران الكريم بإقناع أولي النهى من أول يوم، وجاءت الخوارق في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ضربا من التكريم لشخصه، والإيناس له، غير معكرة، ولا معطلة للمنهج العقلي العادي الذي اشترعه القران «1» .
وقد اقترح المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرقى في السماء، فجاء الجواب من عند الله: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: 63] .
فلمّا رقي في السماء بعد، لم يذكر قط أن ذلك ردّ على التحدي، أو إجابة على الاقتراح السابق؛ بل كان الأمر- كما قلنا- محض تكريم، ومزيد إعلام من الله لعبده.
إكمال البناء:
وفي قصّة الإسراء والمعراج تلمح أواصر القربى بين الأنبياء كافة، وهذا المعنى من أصول الإسلام:
آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)[البقرة] .
والتحيات المتبادلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وإخوته السابقين توثّق هذه الاصرة.
(1) انظر كتابنا: عقيدة المسلم، ص 193، الطبعة العاشرة، دار القلم- دمشق.
ففي كلّ سماء أحلّ الله فيها أحد رسله، كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل فيها بهذه الكلمة: مرحبا بالأخ الصالح، والنبيّ الصالح!.
والخلاف بين الأنبياء وهم صنعته الأمم الجائرة عن السبيل السويّ، أو بالأحرى صنعه الكهان والمتاجرون بالأديان.
أمّا محمّد صلى الله عليه وسلم فقد أظهر أنّه مرسل لتكملة البناء الذي تعهّده من سبقوه، ومنع الزلازل من تصديعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه، وأجمله، إلّا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له! ويقولون: هلّا وضعت هذه اللبنة؟! فأنا تلك اللبنة، وأنا خاتم النبيين» «1» .
والأديان المعتمدة على الوحي السماوي معروفة، وليس منها- بداهة- ما اصطنعه الناس لأنفسهم من أوثان وطقوس كالبرهمية، والبوذية، وغيرهما.
وليس منها كذلك ما ابتدع- أخيرا- من نحل احتضنها الاستعمار الغربي، وكثر الأنصار حولها؛ ليشدّد الخناق على مقاتل الشرق، ويعوق المسلمين الأحرار عن حطم قيوده، وإنقاذ عبيده، وذلك كالبهائية والقاديانية.
ومن الممكن- لو خلصت النيّات ونشد الحق- أن توضع أسس عادلة لواحدة دينية تقوم على احترام المبادئ المشتركة «2» ، وإبعاد الهوى عن استغلال الفروق الاخرى، إلى أن تزول على الزمن، أو تنكسر حدتها.
والإسلام الذي يعدّ تعاليمه امتدادا للنبوات الأولى، ولبنة مضافة إلى بنائها العتيد أول من يرحب بهذا الاتجاه ويزكيه.
(1) حديث صحيح، أخرجه البخاري: 6/ 437؛ ومسلم: 7/ 64- 65، من حديث أبي هريرة.
(2)
إن كانت هذه المبادئ المشتركة هي قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ
…
[ال عمران: 64] ؛ فقد سبق أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب إلى ذلك. وإن كانت هذه المبادئ هي ما سمّي في مؤتمر برنستون التبشيري بالصعيد المشترك؛ وهي أن يدعو المسلمون والنصارى واليهود إلى ما اتفقوا عليه، ويدعوا ما اختلفوا فيه؛ فهو ردة عن دين الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنا بريء من المسلم والمشرك تتراءى نارهما» . (ن) .