الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» ! فقال عمير بن الحمام الأنصاري:
يا رسول الله! جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: «نعم» . قال: بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وما يحملك على قول: بخ بخ؟» قال: لا والله يا رسول الله! إلّا رجاء أن أكون من أهلها! قال: «فإنّك من أهلها» ..
فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهنّ، ثم قال: لئن أنا حييت حتى اكل تمراتي هذه إنّها حياة طويلة، فرمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم وهو يقول:
ركضا إلى الله بغير زاد
…
إلّا التّقى وعمل المعاد
والصّبر في الله على الجهاد
…
وكلّ زاد عرضة النّفاد
غير التّقى والبرّ والرشاد
فما زال حتى قتل!.
ووهت صفوف المشركين تحت مطارق هذا الإيمان الزاهد في متاع الحياة الدنيا، وراعهم محمّد عليه الصلاة والسلام وقد نزل بنفسه إلى الميدان يقاتل أشدّ القتال، ومعه أصحابه، يشتدون نحو عدوهم لا يبالون شيئا، فانكسرت قريش، وأخذها الفزع.
وصاح النبيّ عليه الصلاة والسلام وهو يرى كبرياء الكفر تمرّغ في التراب-: «شاهت الوجوه
…
» «1» .
فانهزمت قريش..
وذلك قول الله في كتابه: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)[الأنفال] .
[مقتل أبي جهل] :
وحاول (أبو جهل) أن يوقف سيل الهزيمة النازل بقومه، فأقبل يصرخ بهم
- والحاكم: 3/ 426، مستدركا على مسلم فوهم. أخرجوه كلهم من حديث أنس، مسلم أيضا من حديث البراء مختصرا. أما الأبيات فعزاها الحافظ ابن كثير: 3/ 277، لابن جرير.
(1)
حديث حسن، وهو من رواية عبد الله بن ثعلب المتقدمة، وله شاهد من حديث حكيم بن حزام، قال الهيثمي 6/ 84:«رواه الطبراني، وإسناده حسن» .
وغشاوة الغرور ضاربة على عينيه: واللات والعزّى، لا نرجع حتى نفرّقهم في الجبال، خذوهم أخذا.
وماذا تفعل صيحات الطيش بإزاء الحقائق المكتسحة؟! لكنّ أبا جهل والحق يقال-: كان تمثالا للعناد إلى اخر رمق، والطمس المنسوج على بصيرته جزء من كيانه، لا ينفك عنه أبدا؛ لذلك أقبل يقاتل في شراسة وغضب وهو يقول:
ما تنقم الحرب الشّموس منّي؟
…
بازل عامين حديث سنّي
لمثل هذا ولدتني أمّي
وأحاطت به فلول المشركين يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فكان بينهم وسط غابة ملتفّة. بيد أنّ هذه الغابة لم تلبث أن تهاوت جذعا جذعا أمام حماس المؤمنين، الذين اشتدّ بأسهم، وأغرتهم بشائر الفوز، وساد هتافهم الموقعة، وهم يقولون: أحد أحد!.
قال عبد الرحمن بن عوف: إنّي لفي الصفّ يوم بدر، إذ التفتّ، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأنّي لم امن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عمّ، أرني أبا جهل، فقلت: يا بن أخي! ما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه! وقال لي الاخر سرّا من صاحبه مثله.
قال: فما سرّني أنّني بين رجلين مكانهما.
فأشرت لهما إليه، فشدّا عليه مثل الصّقرين، فضرباه حتى قتلاه، وهما ابنا عفراء «1» . ويظهر أنهما تركاه بين الحياة والموت، وقد استشهد البطلان في هذه الواقعة، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرعهما يدعو لهما ويذكر صنيعهما «2» .
(1) حديث صحيح، أخرجه البخاري: 7/ 246؛ ومسلم: 5/ 148- 149؛ وأحمد، رقم (1673) ؛ واستدركه الحاكم: 3/ 425، فوهم، قوله:«وهما ابنا عفراء» هكذا في رواية البخاري، وعند الاخرين:«والرجلين معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء» وهي رواية البخاري: 6/ 189- 190، فلعل الرواية الأولى على طريقة التغليب. وانظر: الفتح: 7/ 236.
(2)
الجزم بهذا خطأ بيّن، لأنه من رواية الواقدي بدون سند. كما في ابن كثير: 3/ 289، وحتى لو ساق سنده وكان رجاله ثقات لم يصح؛ لأنّ الواقدي متهم بالكذب. ويدل على-