الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«يا بن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الاخرة، اللهمّ ارزقه صدقا، وإيمانا، وصيّر أمره إلى خير» «1» .
[اشتداد المرض] :
وعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته اللاصق بالمسجد لينام في فراش السقام، وهو الذي لم يتعود أن يركن إليه أو يهدأ فيه.
كانت هناك مهام كثيرة ترتقب صحوه ليبتّ فيها، ولكنّ أعباء العلّة حبسته في قيودها، فلم يستطع منها فكاكا.
وإذا استطاع أن يخرج في فترات قليلة تخف فيها حدّة المرض، فإلى المسجد، ليلقي نظرات أخيرة على الأمة التي صنعها، والرجال الذين أحبّهم.
عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما على المنبر فقال:
«إنّ عبدا خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدّنيا ما شاء، وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله» .
فبكى أبو بكر، ثم قال: فديناك بابائنا وأمهاتنا يا رسول الله.
قال أبو سعيد: فتعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد يخيّر، ويقول: فديناك بابائنا وأمهاتنا!.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا به.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام» .
وفي رواية: «ولكن صحبة، وإخاء إيمان، حتى يجمع الله بيننا عنده» «2» .
(1) ضعيف جدا، أخرجه العقيلي في (الضعفاء) ، والبيهقي في الدلائل من طريق القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن عطاء عن ابن عباس عن أخيه الفضل، قال ابن المديني: عطاء هذا هو عندي عطاء بن يسار، وليس له أصل من حديث عطاء بن أبي رباح؛ ولا عطاء بن يسار؛ وأخاف أن يكون عطاء الخراساني، لأنه يرسل عن ابن عباس. قال الذهبي: قلت: «أخاف أن يكون كذبا مختلقا» ، وقال الحافظ ابن كثير في التاريخ (5/ 231) :«وفي إسناده ومتنه غرابة شديدة» .
(2)
صحيح، أخرجه البخاري: 7/ 9- 10، 183، والسياق له؛ ومسلم: 7/ 108، عن أبي سعيد؛ والرواية الاخرى عند ابن هشام: 2/ 369، عن ابن إسحاق بسنده عن بعض ال أبي سعيد بن المعلّى. وهو ضعيف لجهالة هذا البعض، وقد رواه أحمد: 4/ 211-
وحدث في أثناء المرض أن مرّت أوقات هادئة خيّلت لمحبي الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ أمانيهم في عافيته نجحت، وأنّه يوشك أن يقوم ليستأنف كفاحه في سبيل الله، وليظلّ يحبوهم بعطفه وحرصه وإيناسه ورحمته.
فعن عبد الله بن كعب بن مالك أن ابن عباس أخبره: أنّ عليّ بن أبي طالب خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبح بحمد الله بارئا.
فأخذ بيده العبّاس بن عبد المطلب فقال: ألا ترى؟ إنك بعد ثلاث عبد العصا، وإنّي أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفّى في وجعه هذا، وإنّي لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت..!
فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله فيمن يكون هذا الأمر، فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا استوصى بنا خيرا، قال عليّ: والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا، والله لا أسألها رسول الله أبدا «1» .
وظاهر أنّ العباس يعني الخلافة، فقد شعر الرجل بأن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض الموت، وخبرته بأقاربه حين يحتضرون جعلته صادق الحدس في تبيّن مصائرهم.
ولما كان عميد بني هاشم، فقد أهمّه أن يعرف لمن ستكون سيادة الناس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد اتجه إلى عليّ يبثّه مكنون نفسه؛ لأنّ عليا- بسابقته وكفايته ومنزلته في الناس، وموضعه من الرسول صلى الله عليه وسلم يعد أول بني هاشم ترشيحا لهذا الأمر.
بيد أنّ عليا كره أن يكلّم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، واثر ترك الأمر لجمهور المسلمين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد همّ بكتابة عهد يمنع شغب الطامعين في الحكم، ثم بدا له فاختار أن يدع المسلمين وشأنهم، ينتخبون لقيادتهم من يحبّون «2» .
- 212، من طريق ابن أبي المعلى عن أبيه. ورجاله ثقات غير الابن المذكور فلم أعرفه، وقد قال ابن كثير (5/ 230) :«قالوا: صوابه أبو سعيد بن المعلى» .
(1)
صحيح أخرجه البخاري: 8/ 116- 117.
(2)
يشير إلى حديث ابن عباس مرفوعا: هلموا أكتب لكم كتابا
…
أخرجه البخاري: 8/ 110.