الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسراء والمعراج
يقصد بالإسراء الرحلة العجيبة التي بدأت من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، ويقصد بالمعراج ما عقب هذه الرحلة من ارتفاع في طباق السموات حتى الوصول إلى مستوى تنقطع عنده علوم الخلائق، ولا يعرف كنهه أحد، ثم الأوبة- بعد ذلك- إلى المسجد الحرام بمكة. وقد أشار القران الكريم إلى كلتا الرحلتين في سورتين مختلفتين، وذكر قصة الإسراء وحكمته بقوله:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)[الإسراء] .
وذكر قصة المعراج وثمرته بقوله:
وَلَقَدْ رَآهُ يعني: جبريل نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18)[النجم] .
فتعليل الإسراء- كما نصّت الاية- أنّ الله يريد أن يري عبده بعض آياته.
ثم أوضحت ايات المعراج أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام شهد- بالفعل- بعض هذه الايات الكبرى.
وقد اختلف العلماء من قديم: أكان هذا السّرى الخارق بالروح واحده، أم بالروح والجسد جميعا؟ والجمهور على القول الأخير.
وللدكتور هيكل رأي غريب، فقد اعتبره استجماعا ذهنيا ونفسيا لواحدة الوجود من الأزل إلى الأبد، في فترة من فترات التألّق النفساني الفذّ، الذي اختص به بشر نقيّ جليل مثل محمد صلى الله عليه وسلم، وفي إبّان هذا التألّق، الذي استعالى به على كلّ شيء استعرض حقائق الدين والدنيا، وشاهد صور الثواب والعقاب
…
إلخ.
فالإسراء حقّ.. وهو- عنده- روحيّ لا مادي، ولكنه في اليقظة لا في المنام، فليس رؤيا صادقة كما يرى البعض، بل هو حقيقة واقعة على النحو الذي صوّره، ثم قال فيه بعدئذ:«وليس يستطيع هذا السمو إلا قوة فوق ما تعرف الطبائع الإنسانية» .
والحق أن الحدود بين القوى الروحية والقوى المادية أخذت تضمحلّ وتزول، وأن ما يراه الإنسان ميسورا في عالم الروح ليس بمستوعر في عالم المادة.
وأحسب أنه بعد ما مزّق العلم من أستار عن أسرار الوجود؛ فإنّ أمر المادة أضحى كأمر الروح، لا يعرف مداه إلا قيوم السموات والأرض.
وإنّ الإنسان ليقف مشدوها، عند ما يعلم أنّ الذرة تمثل في داخلها نظام المجموعة الشمسية الدوّارة في الفلك، وأنها- وهي هباءة تافهة- تكمن فيها حرارة هائلة عند ما أطلقت أحرقت الأخضر واليابس.
إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به وعرج؛ كيف؟ هل ركب الة تسير بأقصى من سرعة الصوت كما اخترع الناس أخيرا؟.
لقد امتطى البراق، وهو كائن يضع خطوه عند أقصى طرفه، كأنّه يمشي بسرعة الضوء، وكلمة (براق) يشير اشتقاقها إلى البرق، أي أنّ قوة الكهرباء سخّرت في هذه الرحلة.
لكنّ الجسم- في حالته المعتادة- يتعذّر عليه التنقّل في الافاق بسرعة البرق الخاطف، لا بدّ من إعداد خاصّ، يحصّن أجهزته ومسامّه لهذا السفر البعيد.
وأحسب أنّ ما روي عن شقّ الصدر، وغسل القلب وحشوه، إنّما هو رمز هذا الإعداد المحتوم.. وقصة الإسراء مشحونة بهذه الرموز، ذات الدلالة التي تدقّ على السّذّج.
إنّ الإسراء والمعراج وقعا للرسول عليه الصلاة والسلام بشخصه في طور بلغت الروح فيه قمة الإشراق، وخفّت فيه كثافة الجسد حتى تفصّى من أغلب القوانين التي تحكمه.
واستكناه حقيقة هذه الرحلة، وتتبّع مراحلها بالوصف الدقيق، مرتبط بإدراك العقل الإنساني لحقيقة المادة والروح، وما أودع الله فيهما من قوى وخصائص.