الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعودوا بعد إذا شاؤوا، وذلك إبقاء على مكانة قريش في العرب!!.
[شروط صلح الحديبية] :
واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاوض قريش وهو أرغب ما يكون في موادعة القوم، وإن كان قادرا على تحكيم السّيف، وإنزال خصومه على منطقه الذي اثروه مذ صدّوه عن البيت، وتكلّم (سهيل) فأطال، وعرض الشروط التي يتمّ في نطاقها الصلح، ووافق عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يبق إلا أن تسجّل في وثيقة يمضيها الفريقان.
وحدثت في معسكر المسلمين دهشة عامة للطريقة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أوليائه ومع أعدائه.
فأمّا مع أعدائه، فقد ذهب في ملاينتهم إلى حدود بعيدة، وأولى به أن يقسو عليهم.
وأما مع أصحابه- فإنّه على غير ما ألفوا منه- لم يستشرهم في هذا الاتفاق المقترح.
مع أنّه في شؤون الحرب والسلم التي سلفت كان يرجع إليهم، وربما نزل على رأيهم وهو له كاره، لكنّه اليوم ينفرد بالعمل، ويقرّ ما يكرهون على غير ضرورة ملجئة..
وقد شرحنا في غير هذا المكان «1» موقف النبي عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية خاصّة، وأبنّا أنّ تقدير الأمور لم يترك للنظر المعتاد، بل كان للإلهام الأعلى توجيهه الصائب.
إنّ الله الذي عقل الناقة أن تتابع سيرها لا يأذن لهذه الكتائب أن توالي زحفها، وتشرع رماحها، وقد تحرز نصرا أقلّ على الإسلام- في جدواه- من سلم مبارك النتائج.
قال الزهري: فلما التأم الأمر، ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر! أليس برسول الله؟ قال: بلى. قال:
أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين!. قال: بلى. قال:
فعلام نعطي الدنيّة في ديننا؟!.
(1) في كتابنا: (الإسلام والاستبداد السياسي) ، وهو من منشورات دار القلم- دمشق.
قال أبو بكر: يا عمر! الزم غرزه- أمره- فإنّي أشهد أنّه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله!.
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألست برسول الله! قال: «بلى» . قال: أولسنا بالمسلمين! قال: «بلى» . قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: «بلى» . قال: فعلام نعطي الدنيّة في ديننا؟!.
قال: «أنا عبد الله ورسوله، ولن أخالف أمره، ولن يضيّعني» «1» .
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، فقال:«اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم» . فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اكتب باسمك اللهمّ» ، فكتبها، ثم قال:«اكتب: هذا ما صالح عليه محمّد رسول الله سهيل بن عمرو» . فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اكتب: هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله سهيل بن عمرو» :
اصطلحا على وضع الحرب عن النّاس عشر سنين، يأمن فيها النّاس، ويكفّ بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمّدا من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم، ومن جاء قريشا ممّن مع محمّد لم يردوه عليه!.
وإنّ بيننا عيبة مكفوفة- صدورا منطوية على ما فيها من خير- وأنّه لا إسلال ولا إغلال- لا سرقة ولا خيانة- وأنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهداهم دخل فيه.
وأنّك ترجع عنّا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنّه إذا كان عام قابل خرجنا عنك، فدخلتها بأصحابك، فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب، إذ جاء ابن المفاوض عن قريش نفسه! ..
جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يريد الالتحاق بالمسلمين، فقد دخل في دين الله، ولقي العذاب من أهله، وها هو ذا يرسف في الحديد، وتثقل به قيوده.
(1) حديث صحيح، وهو من تمام قصة الحديبية، والزهريّ أحد رجال إسناده، وليس من مرسلاته، خلافا لما يبدو من السياق. وقد رواه موصولا أحمد من طريق ابن إسحاق. وهو عند البخاري وأحمد من طريق أخرى بنحوه.