الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تمهيد]
[التحول الجديد] :
حرم مشركو مكة الخير كله منذ جحدوا الرسالة، وقعدوا بكلّ صراط يوعدون، ويصدّون عن سبيل الله من امن به، ويبغونها عوجا.
ولئن نجحت دعايتهم الكاذبة في منع قبائل كثيرة من دخول الإسلام، فإنّ الحق لا بدّ أن يعلو، وأن يثوب إليه المضلّلون والمخدوعون، على شرط أن يظل أهله أوفياء له، حراصا عليه، صابرين محتسبين.
وقد قيّض الله للإسلام من استنقذه من البيئة التي صادرته، فأنس بعد وحشة، واستوطن بعد غربة، وشق طريقه في الحياة، بعد أن زالت الجلامد الصلدة الملقاة في مجراه.
وبدأ هذا التحول على أيدي الوفود القادمة من (يثرب) إلى مكة في موسم الحج
…
[بشارة اليهود بالنبي الجديد وكفرهم به] :
كان أهل يثرب «1» يمتازون عن سائر العرب بجوارهم لليهود، وإلفهم عقيدة
(1) أرى المصنف يستعمل كلمة (يثرب) مكان (المدينة) أو (طيبة) ، ومع أن هذا الاستعمال جاهلي ففيه مخالفة لتسمية الله تعالى إياها ب (طيبة) كما في حديث جابر بن سمرة، قال: كانوا يسمون المدينة يثرب، فسمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة. أخرجه مسلم: 4/ 21؛ والطيالسي: 2/ 204، واللفظ له. ولفظ مسلم:«إن الله سمّى المدينة طابة» . ورواه أحمد: 5/ 89، 94، 96، 97، 98، 101، 106، 108، باللفظين، وفي الباب عن أبي حميد عند البخاري: 4/ 71؛ وعن زيد بن ثابت عند مسلم، وفاطمة بنت قيس عند أحمد: 6/ 412، وسنده صحيح. وهذه الأحاديث أقل ما تفيده أن هذا الاستعمال مكروه، وأن تسميتها ب (طابة) أو طيبة مستحب، بل روى أحمد: 4/ 285 عن البراء بن عازب مرفوعا: «من سمى المدينة-
التوحيد، وربما حاورهم اليهود في شؤون الأديان، ونعوا عليهم عبادة الأوثان، فإذا اشتدّ الجدل وطالت اللّجاجة، قال لهم اليهود: يوشك أن يبعث الله نبيا فنتبعه؛ ونقتلكم معه قتل عاد وإرم
…
!!.
والغريب أنّ اليهود كانوا أول من كفر بهذا النبي يوم ظهر فيهم واقترب منهم، ولذلك ندّد القران بمسلكهم المتناقض:
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة: 89] .
أما العرب الأميون الذي هدّدوا بمبعثه، فقد فتحوا مسامعهم له!.
فعند ما وافى الموسم، وقدمت قبائل (يثرب) ، ورأوا الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله، فقال بعضهم لبعض: تعلمون- والله يا قوم- أن هذا الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنّكم إليه..
وأخذ ذكر الإسلام يشيع في المدينة رويدا رويدا؛ فإن لم يستقبل بترحيب لم يستقبل بالسباب والحراب.
إنّ عناصر النفور والمقاومة التي عهدها في مكة تحوّلت- هنا- إلى عناصر احترام وإقبال، ولم تمض ثلاثة أعوام على تسامع الأنصار الجدد بالإسلام حتى أصبحوا كهفه الحصين، وموئله القريب.
- (يثرب) فليستغفر الله عز وجل؛ هي طابة، هي طابة» ، وعزاه الهيثمي في (المجمع) : 3/ 300، لأبي يعلى أيضا، وقال:«ورجاله ثقات» ، قلت: لكن فيه عند أحمد يزيد بن أبي زيادة، وهو القرشي الهاشمي الكوفي، قال الحافظ في (التقريب) :«ضعيف، كبر فتغيّر وصار يتلقن» ولئن لم يصح هذا الحديث ففي الأحاديث السابقة غنية، وهذا الأدب قد أخلّ به أكثر الناس، فلذلك أحببت أن ألفت النظر إليه.