الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عودة مهاجري الحبشة
ووافق فتح (خيبر) قدوم (جعفر بن أبي طالب) ومن معه من المهاجرين إلى الحبشة. وقد سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّما سرور لمجيء هؤلاء الصحابة الكرام.
إنّهم خرجوا من مكة فارّين بدينهم من الفتّان، واليوم يعودون وأمر الإسلام يعلو، وسلطانه يمتدّ شمالي الجزيرة وجنوبيها، فلا خوف من غشم أو ظلم.
وعند ما حلوا بالمدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتهجا: «والله ما أدري بأيّهما أفرح؟! بفتح خيبر أم بقدوم جعفر «1» ؟!» .
وجعفر وإخوانه مكثوا في الحبشة بضعة عشر عاما، نزل خلالها قران كثير، ودارت معارك شتّى مع الكفار، وتقلّب المسلمون قبل الهجرة العامة وبعدها في أطوار متباينة، حتى ظنّ البعض أنّ مهاجري الحبشة- وقد فاتهم هذا كله- أنزل قدرا من غيرهم، فعن أبي موسى الأشعري: «.. كان أناس يقولون لنا: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة- وكانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر- فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟
البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم! قال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم! فغضبت وقالت: كلا والله! كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وكنّا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة! وذلك في الله
(1) حديث حسن، أخرجه الحاكم: 4/ 211؛ والطبراني في الكبير، عن الشعبي مرسلا، وسنده صحيح، وقد وصله الحاكم من طريق أخرى عن الشعبي عن جابر، وفي سنده ضعف، ولذلك قال الذهبيّ في (التلخيص) :«الصواب مرسل» ، وله طريق اخر، رواه البيهقيّ، كما في (البداية) : 4/ 206، من طريق أبي الزبير عن جابر، وفي سنده من لا يعرف، وله شاهد من حديث أبي جحيفة، أخرجه الطبراني في (المعجم الصغير) ، ص 8، وسنده ضعيف؛ لكن أخرجه في الكبير من طريق اخر، كما يستفاد من (المجمع) : 9/ 272. وبالجملة فالحديث قويّ بهذه الطرق، وقد صحّحه الحاكم.
وفي رسول الله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله وأسأله، وو الله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلمّا جاءت النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله! إنّ عمر قال كذا وكذا، قال:«فما قلت له؟» قالت: كذا وكذا. قال: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم- أهل السفينة- هجرتان «1» » .
ولم يمض كبير وقت على أولئك العائدين، حتى اكتسبوا ما فاتهم من علم بالقران والسنّة، وانتظموا في مواكب الجهاد مع من سبقوهم بإحسان.
وقد أشركهم النبي صلى الله عليه وسلم في مغانم خيبر «2» مع أهل الحديبية «3» ولم يقسم لأحد غيرهم معهم. فإنّ الله جعل خيبر مكافأة سخية لمن ساروا إلى مكة، وبايعوا على الموت تحت شجرة الرضوان.
(1) حديث صحيح، أخرجه الشيخان في صحيحيهما.
(2)
حديث صحيح، أخرجه البخاري: 8/ 392، من حديث أبي موسى.
(3)
حديث حسن، أخرجه أبو داود في سننه: 2/ 40؛ والحاكم: 2/ 131؛ والبيهقي: 6/ 325؛ وأحمد: 3/ 420، من حديث مجمع بن جارية: أنّ خيبر قسمت على أهل الحديبية، لم يدخل معهم فيها أحد
…
وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه الطيالسي: 2/ 105؛ والبيهقي: 6/ 334، وسنده حسن في الشواهد، وقد قال ابن إسحاق في (سيرة ابن هشام: 2/ 246) : «وقسمت خيبر على أهل الحديبية، من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله..» .