الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفد للأميين، ووفد لأهل الكتاب
أرسلت قبيلة سعد بن بكر (ضمام بن ثعلبة) وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فامتطى (ضمام) بعيره حتى دخل المدينة، فأناخه على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه.
وكان (ضمام) رجلا جلدا، أشعر، ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه. فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن عبد المطّلب» .
قال: أمحمد؟
قال: «نعم» .
قال: يا بن عبد المطلب! إنّي سائلك، ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدنّ في نفسك.
قال صلى الله عليه وسلم: «لا أجد في نفسي، فسل عمّا بدا لك» .
قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك. الله بعثك إلينا رسولا؟.
قال صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ نعم» .
قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك. الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده واحده، ولا نشرك به شيئا، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان اباؤنا يعبدون معه؟.
قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم نعم» .
وفي رواية أنه قال: يا محمد أتانا رسولك، فزعم لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك؟.
قال صلى الله عليه وسلم: «صدق» .
قال: فمن خلق السماء؟
قال صلى الله عليه وسلم: «الله» .
قال: فمن خلق الأرض؟
قال صلى الله عليه وسلم: «الله» .
قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟
قال صلى الله عليه وسلم: «الله» .
قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال الله أرسلك؟
قال صلى الله عليه وسلم: «نعم» .
قال ضمام: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا.
قال صلى الله عليه وسلم: «صدق» .
قال: فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟
قال صلى الله عليه وسلم: «نعم» .
ثم جعل يذكر فرائض الإسلام وشرائعه على هذا النحو، حتى إذا فرغ قال:
فإنّي أشهد ألاإله إلا الله، وأشهد أنّ محمدا رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه. ثم لا أزيد ولا أنقص، وانصرف إلى بعيره راجعا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن صدق ذو العقيصتين «1» دخل الجنّة» «2» .
فأتى ضمام بعيره، فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أوّل ما تكلّم به أن قال: بئست اللات والعزّى!! قالوا: مه يا ضمام! اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون.. قال: ويلكم، إنّهما- والله- لا يضرّان ولا ينفعان.
إنّ الله قد بعث رسولا، وأنزل عليه كتابا، استنقذكم به مما كنتم فيه، وإنّي أشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه.
قال: فو الله ما أمسى في الحيّ من ذلك اليوم رجل ولا امرأة إلا مسلما «3» .
(1) الضفيرتين. (ن) .
(2)
قال الحافظ ابن كثير (5/ 61) : «هذا يدل على أنه- يعني ضماما- رجع إلى قومه قبل الفتح لأنّ (العزى) خرّبها خالد بن الوليد أيام الفتح» .
(3)
حديث حسن بهذا التمام، رواه أبو داود: 1/ 79؛ والحاكم: 3/ 54- 55؛ وأحمد، -
ذلك وفد يمثّل بساطة الأمّيين في منطقهم وسلامة طويتهم في جدلهم وتساؤلهم، وخلو أذهانهم من العقد التي تعترض الحقّ في مسيله السمح.
ولا نكران في أنّ جهاد الدعوة القديم له أثره في الوصول إلى هذه النتائج السريعة.
وهذا طبيعي؛ فإنّ تغيير دين ليس كتجديد زي، وضمام بن ثعلبة كان يستحضر في ذهنه وهو يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وهو يخطب قومه أنّ هذه الرسالة الجديدة مرّت بأطوار شتّى من المحن والفتن، كشفت عن صدقها وسلامة جوهرها، فليس إيمانه وإيمان قومه وليد ساعة من كلام.
ذاك وفد الأميين، وهو مثل لوفود أخرى كبرت أو صغرت أمّت المدينة، لترى هذا النبي وتبايعه، ثم تؤوب إلى قومها حاملة الهدى والخير.
أما أهل الكتاب فإنّ قلة منهم شرحت صدرا بالحق، وسارعت إلى اعتناقه ومؤازرته، والكثرة الباقية اختلفت عداوتها له شدة وفتورا.
أبى اليهود إلا إبادة الإسلام، فوقعوا في شرور نيتهم، وباد سلطانهم العسكري والسياسي قبل أن يدركوا هذه الغاية.
وقبلهم الإسلام في دولته القائمة أفرادا يبقون على ديانتهم ما أحبوا، ولا يمكّنون من تجمع على عدوان ودس.
وذلك حقه لا ريب!!.
ولم تصادر الحقوق الشخصية ليهودي تحت سلطان الإسلام، وحسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه- لكي يقترض من يهودي- ارتهنه درعه «1» .. وما فكّر قط في إحراجه بما يملك من سلطان بعيد.
وكان النصارى أخف خصومة حيث ابتعدوا عن سلطان الكنيسة فأسلم بعضهم عن طواعية وإعجاب بما في الإسلام من سهولة واستقامة، وبقي الاخرون على ما ورثوا.
- رقم (2380) من حديث ابن عباس، وقال الحاكم:«صحيح» ، ووافقه الذهبي؛ ورواه مسلم: 1/ 32، وغيره مختصرا، والرواية الاخرى له.
(1)
صحيح، أخرجه البخاري وغيره.
وسارت العلاقة بين الدينين في مجراها الذي أبنّا عنه انفا، حتى تحولت إلى حرب طاحنة بين المسلمين والرومان.
وكانت النصرانية- مع تفوّق الرومان السياسي والعسكري- تسود شمال الجزيرة وجنوبها.
فرأى المسلمون- وهم في حرب مع دولة الروم- أن يحدّدوا موقفهم مع نصارى الجنوب، خصوصا وأنّ الروم كانوا يغدقون العطايا على مبشريهم هناك، ويبنون لهم الكنائس، ويبسطون عليهم الكرامات، ويشجّعونهم على المضي في تنصير القبائل المتوطنة بهذه الأرجاء.
فأرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أهل (نجران) كتابا جاء فيه: «باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد: فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد
…
وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد.
فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد اذنتكم بحرب، والسّلام» «1» .
فأرسلت نجران- وهي كعبة النصرانية جنوبا- وفدها إلى المدينة ليقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتفاهم معه، ووافى الوفد المدينة بعد العصر ودخل المسجد.
فكان أول ما صنع أن اتجه إلى بيت المقدس يصلّي لله على ما تقضي به طقوس المسيحية، وأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعوهم» «2»
…
حتى انتهوا من عبادتهم
…
وراهم النبي صلى الله عليه وسلم قد لبسوا لملاقاته أردية الكهنوت الفاخرة، وتحلّوا بخواتم الذّهب، وجاؤوا يخبّون في الحرير، وتبدو لهم- بين القلانس والطيالس- سيماء التكلّف الشديد.
فأبى أن يتحدّث معهم، حتى يرجعوا إلى ملابس سفرهم، ويدعوا هذه الزينة «3» .
(1) ضعيف، رواه البيهقي عن يونس بن بكير، عن سلمة بن يسوع، عن أبيه، عن جده. وهذا سند مجهول. سلمة هذا ومن فوقه لم أجد من ترجمهم، وأبو يسوع لم يورده الحافظ في (الكنى) من الصحابة. فالله أعلم. ثم رأيت ابن كثير قد ذكره في التفسير: 1/ 369، ووقع فيه:«سلمة بن عبد يسوع» ، ولعلّه الصواب.
(2)
ضعيف، أخرجه ابن هشام: 2/ 46، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال
…
فذكره. وهذا مرسل أو معضل.
(3)
هذا من حديث عبد يسوع السابق.
والغريب أنّ بعضهم سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما يعبد عيسى ابن مريم وإلى ذلك تدعونا؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن أعبد غير الله أو امر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني ولا أمرني» «1» .
وأنزل الله عز وجل في ذلك: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)[ال عمران] .
وعرض النبي صلى الله عليه وسلم على أحبار نجران وسائر الوفد أن يسلموا، فقالوا له:
أسلمنا قبلك، قال:«كذبتم، يمنعكم من الإسلام دعاؤكم لله ولدا، وعبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير» .
فجادلوه في عيسى، وقالوا: من أبوه «2» ؟ فروي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ردّ عليهم قائلا: «ألستم تعلمون أنّ الله حيّ لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟» .
قالوا: بلى.
قال صلى الله عليه وسلم: «ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّم على كلّ شيء، يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟» .
قالوا: بلى.
قال صلى الله عليه وسلم: «فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟» .
قالوا: لا.
قال صلى الله عليه وسلم: «ألستم تعلمون أنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟» .
قالوا: بلى.
(1) ضعيف، رواه محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس كما في تفسير ابن كثير، وفيه محمد بن أبي محمد وهو الأنصاري، قال الذهبي:«لا يعرف» ، وأما ابن حبان فوثقه.
(2)
إلى هنا رواه ابن إسحاق في مرسل محمد بن جعفر بن الزبير السابق. وأما الرواية الاخرى فلم أجدها الان مسندة بهذا التمام، وإنما جاء بعضها في حديث عبد يسوع المتقدم.
قال صلى الله عليه وسلم: «ألستم تعلمون أنّ ربّنا صوّر عيسى في الرّحم كيف يشاء؟ وأن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشّراب، ولا يحدث الحدث؟» .
قالوا: بلى!.
قال صلى الله عليه وسلم: «ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمّه كما تحمل المرأة، ثمّ وضعته كما تضع ولدها، ثم غذي كما يغذى الصبيّ، ثم كان يأكل الطعام، ويشرب الشراب، ويحدث الحدث؟» .
قالوا: بلى.
قال صلى الله عليه وسلم: «فكيف يكون هذا كما زعمتم؟» .
فقالوا: ألست تقول في عيسى: إنّه كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه؟
قال صلى الله عليه وسلم: «بلى» .
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الجدل يتمادى بالقوم، وأنّهم مصرّون على اعتبار عيسى إلها أو ندّا للإله قال لهم:«أقيموا غدا حتّى أخبركم» .
فنزلت ايات المباهلة: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61)[ال عمران: 59- 61] .
فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد، وقد أقبل بنفسه، وحفيديه الحسن والحسين، وابنته فاطمة.
واستعدّ أن يشترك مع وفد نجران في صلاة جامعة تستنزل فيها لعنة الله على المفترين.
واستمع وفد نجران إلى هذا الاقتراح، فأوجسوا خيفة من قبوله! من يدري؟
قد يكون محمد صادقا في أنّ عيسى بشر مثله ويكونون- هم- واهمين في انتحال الألوهية له.
فلماذا يبتهلون إلى الله أن يمحقهم؟!.
ونظروا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وطفليه وابنته، فشعروا أن الكاذب منهما لن يهلك واحده بل ستهلك معه أسرته، فخشوا على أولادهم وأهليهم البوار إن هم قبلوا هذه المباهلة، ثم خلصوا نجيا.
قال بعضهم للاخر: إن كان هذا الرجل ملكا، فلن نأمن طعننا عليه وخصامنا له، فإنّ دولته مقبلة، وربما أصابنا قومه بجائحة.
وإن كان نبيّا مرسلا فلاعنّاه، فلن يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك، فما الرأي؟.
فجاءه متحدث القوم شرحبيل بن وداعة، وقال له: رأيت خيرا من ملاعنتك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هو؟» .
قال: أدع لك الحكم فينا فمهما قضيت فهو جائز!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلّ وراءك أحدا يثرّب عليك؟» فقال شرحبيل: سل عني.
فلما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عنه أخبر أن أهل الوادي لا يصدرون ولا يردون إلا عن رأيه، فقال:«جاحد موفق» .
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم، وعقد معهم صلحا، أصبحوا بمقتضاه من رعايا الدولة الإسلامية.
وجاء في شروط هذا الصلح: «أنّ لنصارى نجران جوار الله وذمة محمد النبي على أنفسهم وملتهم، وأرضهم وأموالهم، وغائبهم وشاهداهم، وعشيرتهم وتبعهم.
وألايغيّروا مما كانوا عليه، ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم، ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير.
وليس عليهم ريبة ولا دم جاهلية، ولا يحشرون- يكلفون- بجهاد، ولا يعشّرون- يكلفون بزكاة- ولا يطأ أرضهم جيش.
ومن سأل منهم حقا فبينهم النّصف غير ظالمين ولا مظلومين، ومن أكل ربا فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ رجل منهم بظلم اخر.
وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد رسول الله حتى يأتي الله بأمره ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير منقلبين بظلم» .
وشهد على هذه المعاهدة أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف، والأقرع بن حابس، والمغيرة بن شعبة.
فماذا كلّف به نصارى نجران بإزاء هذه الحقوق؟ أن يدفعوا للدولة ألفي حلة في السنة! وهي بدل تافه عن الزكاة التي يدفعها المسلمون واحدهم، والجهاد الذي يحملونه واحدهم.
وتلك هي الجزية التي ضربت على نجران بعد المفاوضات التي رأيت.
وبذلك قطع الإسلام الصلة بين أولئك العرب المتنصرين وبين دولة الروم التي يشتبك معها في الحرب، بعد ما ضمن الحرية الدينية لمن سالموه وكفّوا عنه.
ونحن نسأل- على وجه التحدي-: هل عاملت الطوائف المسيحية بعضها بعضا بهذه السماحة الرائعة؟ أم كان ذلك مسلكا أضاء به الإسلام واحده ظلمات القرون الأولى؟.
ثم نسأل مرة أخرى: هل احترم أهل الكتاب ما عليهم من واجب؟ وهل أنصفوا الدين الذي رعى ذمامهم؟.
لقد دخلت السنة العاشرة على الإسلام وهو يبسط تعاليمه على حساب الوثنية المتقلصة، فإذا بعض القبائل في الجنوب تثور ضده تحسب أنّ رجلا من قريش ملك العرب بادعاء النبوة، فليس يعجزها أن تقدم من مفاليكها من يزعم النبوة كذلك!! لعلّه يملك مثل ما ملك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ومن المؤسف أنّ النصارى في جنوب الجزيرة ساعدوا في إشعال هذه الثورات، وأنّ نصارى نجران كاتبوا الأسود العنسي فسار إليهم- وهو أحد المتنبئين- ثم رحل عنهم إلى اليمن، فملكها، حتى قتلته امرأته هناك، وأراحت الأرض منه.
أكانت هذه الفتن معاونة لنصارى الشمال في حربهم ضد الإسلام، أم كانت شغبا يمليه الكره المجرد فحسب؟.
وما فعله نصارى نجران في تأييد الأسود العنسي فعل مثله نصارى تغلب في تأييد مسيلمة الكذاب حين ادّعى- هو الاخر- أنّه نبي!.
ونحن نفهم أن يرفض أهل نجران وبنو تغلب الدخول في الإسلام، وأن يؤثروا البقاء على ما اقتنعوا به من ديانتهم الموروثة، لكننا لم نفهم بتة أن يكذّب رجل بصحف الوحي، وأن يؤمن- مثلا- بالبعكوكة «1» .
ذاك إن كانوا قد آمنوا حقا بالأسود ومسيلمة..
أما إذا كان الأمر لا يعدو الإعانة على حرب الإسلام بأي سلاح ومع أي حليف، فهذه مسألة أخرى يحتار في علاجها أطباء القلوب «2» .
(1) صحيفة هزلية.
(2)
راجع كتابنا (التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام) ، وهو من منشورات دار القلم بدمشق.