الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن سعدا لم ينس- في ضجيج الرّجاء الموجّه إليه- أنّ الإسلام وأبناءه، والمدينة وثمارها وحرثها ونسلها وحرماتها، لم ينج من وطأة الأحزاب الهاجمين إلا بأعجوبة خارقة، وأنّ بني قريظة هؤلاء ومن اووهم، كانوا المحرّضين والشركاء المقبوحين في هذه الحرب التي أعلنت لاستئصال التوحيد الحق واجتياح أهله.
ولم ينس سعد كيف نقضت بنو قريظة عهدها، واستقبلته بالألفاظ البذيئة عند ما ذهب يناشدهم الوفاء! ألم يقل لهم يومئذ: أخشى عليكم مثل يوم بني النضير أو أمرّ منه؟ فكان ردّهم عليه: أكلت ذكر أبيك!!.
لذلك ما لبث سعد أن صاح بقومه- وقد أكثروا عليه الرجاء-: قد ان لسعد ألّا تأخذه في الله لومة لائم.
[نزول بني قريظة على حكم سعد] :
وحكم سعد أن يقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسّم الأموال، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا القضاء الحازم قائلا لسعد:«لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات» «1» .
وحفرت الخنادق بسوق المدينة لتنفيذ هذا الحكم، وسيق إليها مقاتلة اليهود أرسالا- طائفة بعد أخرى-؛ ليدفعوا ثمن خيانتهم وغدرهم.
قال اليهود لسيدهم كعب وهم يساقون لمصارعهم: ما تراه يصنع بنا؟
فقال: أفي كلّ موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنّه من ذهب به منكم لا يرجع؟ هو- والله- القتل.
أجل! هو القتل! وإنّما تقع تبعات الحكم به على من تعرّض له بسوء صنيعه، وبما أسلف من نيّات خبيثة لم يسعفها الحظ فتحقق، ولو قد تحققت لكان ألوف المسلمين هلكى تحت أقدام الأحزاب المنسابة من كل ناحية، يحرضهم ويؤازرهم أولئك اليهود.
وربّما كانت مغامرات نفر من طلاب الزعامة سببا في هذه الكارثة التي
(1) حديث صحيح، أخرجه ابن إسحاق، وعنه ابن هشام: 2/ 197، عن علقمة بن وقّاص الليثي مرسلا؛ ولكن أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري دون قوله:«من فوق سبع سموات» ، فهذا ضعيف.
حلّت ببني قريظة، ولو أنّ حييّ بن أخطب وأضرابه سكنوا في جوار الإسلام، وعاشوا على ما أوتوا من مغانم، ما تعرّضوا ولا تعرّض قومهم لهذا القصاص الخطير.
لكنّ الشعوب تدفع من دمها ثمنا فادحا لأخطاء قادتها.
وفي عصرنا هذا دفع الروس والألمان وغيرهم من الشعوب أثمانا باهظة لأثرة الساسة المخدوعين.
ولذلك ينعى القران على أولئك الرؤساء مطامعهم ومظالمهم التي يحملها غيرهم قبلهم:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29)[إبراهيم] .
لقد جيء بحييّ ليلقى جزاءه، وحييّ- كما علمت- جرثومة هذه الفتن.
فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكن من يخذل الله يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس! لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر، وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه!.
وفي ذلك يقول الشاعر:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه
…
ولكنّه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتّى أبلغ النّفس عذرها
…
وقلقل يبغي العزّ كلّ مقلقل
والحقّ أنّ من مشركي قريش ومن رجال يهود أناسا واجهوا الموت بثبات.
ولن تعدم المبادئ الباطلة والنحل الهازلة أتباعا يفتدونها بالأرواح والأموال، غير أن شيئا من هذا لا يجعل الباطل حقا ولا الجور عدلا.
إن موقف اليهود من الإسلام بالأمس هو موقفهم من المسلمين اليوم.
فألوف من إخواننا ذبحهم اليهود في صمت وهم يحتلون فلسطين.
والغريب أن اليهود تركوا من نصب لهم المجازر في أقطار أوربة، وجبنوا عن مواجهتهم بشرّ!! واستضعفوا المسلمين الذين لم يسيئوا إليهم من اثني عشر قرنا، فنكلوا بهم على النحو المخزي الفاضح، الذي لا يزال قائما في فلسطين
…
تشهده وتؤيده وتسانده دول الغرب.