الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلال رضي الله عنه:
ومن هؤلاء (بلال بن رباح) ، كان سيده أمية بن خلف- إذا حميت الشمس وقت الظهيرة- يقلّبه على الرمال الملتهبة ظهرا لبطن، ويأمر بالصخرة الجسيمة فتلقى على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فما يزيد بلال عن ترديد: أحد، أحد
…
خباب رضي الله عنه:
ولما اشتدّت ضراوة قريش بالمستضعفين، ذهب أحدهم- خبّاب بن الأرت- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنجد به، قال خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسّد بردة في ظلّ الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدّه ذلك عن دينه، والله ليتمّنّ الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» .
ماذا عسى يفعل محمد صلى الله عليه وسلم لأولئك البائسين؟! إنه لا يستطيع أن يبسط حمايته على أحد منهم، لأنّه لا يملك من القوة ما يدفع به عن نفسه، وقد كان في صلاته يرمى عليه- وهو ساجد- بكرش الجزور أو رحم الشاة المذبوحة، وكانت الأنجاس تلقى أمام بيته، فلا يملك إلا الصبر.
إن محمدا صلوات الله وسلامه عليه لم يجمع أصحابه على مغنم عاجل أو اجل، إنه أزاح الغشاوة عن الأعين، فأبصرت الحقّ الذي حجبت عنه دهرا،
- رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الهتهم بخير
…
الحديث؛ وأخرجه الحاكم: 2/ 357، عن أبي عبيدة هذا عن أبيه. ثم قال:«صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي. كذا قالا، وقد كنت قديما اغتررت بقولهما، والان تبين لي خطؤهما إذ إن الجماعة رووه عن أبي عبيدة. وهب أن قوله:«عن أبيه» صحيح، فأبوه تابعي وليس بصحابي، فالحديث مرسل إن لم يكن معضلا، ثم إن أبا عبيدة وأباه لم يخرج لهما الشيخان شيئا، بل إن الأول قال فيه ابن أبي حاتم (4/ 402- 405) عن أبيه:«منكر الحديث» ، ووافقه ابن معين وغيره؛ فأنى للحديث الصحة؟! بله على شرطهما!. نعم إنما يصح منه نزول الاية في عمار لمجيء ذلك من طرق ساقها ابن جرير. والله أعلم.
ومسح الران عن القلوب، فعرفت اليقين الذي فطرت عليه، وحرمتها الجاهلية منه، إنه وصل البشر بربهم، فربطهم بنسبهم العريق، وسببهم الوثيق، وكانوا قبلا- حيارى محسورين، إنه وازن للناس بين الخلود والفناء، فاثروا الدار الاخرة على الدار الزائلة، وخيّرهم بين أصنام حقيرة وإله عظيم، فازدروا الأوثان المنحوتة، وتوجّهوا للذي فطر السموات والأرض.
حسب محمّد صلى الله عليه وسلم أن قدّم هذا الخير الجزيل، وحسب أصحابه أن ساقته العناية لهم، فإذا أوذوا فليحتسبوا، وإذا حاربهم عبيد الرجس من الأوثان، فليلزموا ما عرفوا، والحرب القائمة بين الكفران والإيمان سينجلي غبارها يوما ما، ثم تنكشف عن شهداء وعن هلكى، وعن مؤمنين قائمين بأمر الله ومشركين مدحورين بإذن الله:
وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)[هود] .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبثّ عناصر الثقة في قلوب رجاله، ويفيض عليهم ما أفاضه الله على فؤاده من أمل رحيب في انتصار الإسلام، وانتشار مبادئه، وزوال سلطان الطغاة أمام طلائعه المظفّرة في المشارق والمغارب، وقد اتخذ المستهزئون من هذه الثقة مادة لسخريتهم وضحكهم؛ كان الأسود بن المطّلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يتغامزون بهم، ويقولون:
قد جاءكم ملوك الأرض الذين سيغلبون غدا على ملك كسرى وقيصر، ثم يصفّرون ويصفقون!!.
وتواصى المشركون بعد مصادرة الدعوة بهذا الأسلوب أن يمنعوا الوافدين إلى مكة من الاستماع إليها، قال الوليد بن المغيرة لرجالات قريش: إن الناس يأتونكم أيام الحج، فيسألونكم عن محمد، فتختلف فيه أقوالكم، يقول هذا:
ساحر، ويقول هذا: كاهن، ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون، وليس يشبه واحدا مما يقولون، ولكن أصلح ما قيل فيه: ساحر؛ لأنه يفرق بين المرء وأخيه وزوجته، وقد اقتسم هؤلاء المتامرون مداخل مكة أيام الموسم، يحذّرون الناس من الداعية الخارج على قومه، وينعتونه بما تواصوا به من سحر مفرّق!.
ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلى الحجيج في مجامعهم، ويحدّثهم عن الإسلام، ويطلب منهم النصرة.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف فيقول: «ألا رجل يحملني إلى قومه! فإنّ قريشا منعوني أن أبلّغ كلام ربي» «1» .
(1) حديث صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 278؛ والترمذي: 4/ 57؛ وابن ماجه: 1/ 78، بإسناد صحيح عنه، وقال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح» . وأخرجه الحاكم: 2/ 612- 613، وقال:«صحيح على شرط الشيخين» ، ووافقه الذهبي.