الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرّجل إذا فقد وعيه لا يبالي أن ينتحر، وقد انحرف كبراء مكة عن الصراط السوي، ولم يكترثوا للمصير القائم الذي ينتظرهم إذا ركبوا رؤوسهم، فلو اصطدم المسلمون بهم ما قامت لهم قائمة، ولأصيبت حرمات مكة في صميمها.
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)[الفتح] .
لكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن تجري الأمور على هذا النحو، ورأى أن يعيد محاولاته لإقناع أهل مكة، بتركه يزور البيت ثم يعود لشأنه. فدعا «1» عمر بن الخطاب ليذهب إلى القوم يحدّثهم بما خرج المسلمون فيه، فقال عمر:
يا رسول الله! ليس بمكة أحد من بني عدي يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإنّ عشيرته لا تزال بمكة، وإنه مبلّغ عنك ما أردت.
ودخل (عثمان) مكة في جوار قريبه (أبان بن سعيد بن العاص) واستطاع أن يبلغ رسالته كاملة، وأن يفهم من لقيه الحقيقة الكريمة التي جاء المسلمون قاطبة بها، فكان الردّ الذي حظي به عثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف.
فقال: ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم!!.
ومما يذكر هنا أنّ مكة لم تخل من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات.
كانت قلوبهم معلّقة بالمسلمين المحجوزين خارج مكة.
لقد انتشر الإسلام سرا في بيوت كثيرة، طالما تشوّقت إلى اليوم الذي تستطيع فيه أن تظهر إيمانها، وتتخلّص من سطوة الكفر عليها.
ويظهر أنّ عثمان اتصل بأولئك النفر المؤمن، وبشّرهم بقرب الفتح، فرأت قريش أنّ عثمان قد عدا الحدود المعهودة، وأمرت باحتباسه عندها، وشاع- لدى المسلمين- أنّ عثمان قتل.
[بيعة الرضوان] :
وحين بلغت هذه الشائعة مسامع النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا نبرح حتى نناجز القوم «2» .
(1) من تمام القصة عند ابن إسحاق.
(2)
ضعيف، أخرجه ابن إسحاق؛ وعند ابن هشام: 2/ 229، عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا.
ودعا الناس إلى مبايعته، وكان تحت شجرة متشابكة الغصون، فهرع أصحابه إليه يبايعونه على الموت، أو على ألايفروا.
حدّث جابر بن عبد الله بعد ما كفّ بصره قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض» ، وكنّا ألفا وأربعمئة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة «1» .
وروي عن جابر: أنّ عبد الحاطب جاء يشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:
ليدخلنّ حاطب النار، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:«كذبت، لا يدخلها، شهد بدرا والحديبية «2» » ، وتسمّى هذه البيعة (بيعة الرضوان) إشارة لقول الله في أصحابها:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18)[الفتح] .
وقد قطعت الشجرة ونسي مكانها، وذلك خير، فلو بقيت لضربت عليها قبة وشدّت إليها الرحال، فإنّ الرعاع سراع التعلق بالمواد والاثار التي تقطعهم عن الله.
عن طارق بن عبد الرحمن: انطلقت حاجّا، فمررت بقوم يصلّون، فقلت:
ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع النبيّ عليه الصلاة والسلام بيعة الرضوان. فأتيت سعيد بن المسيّب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي أنّه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلمّا كان العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها، ثم قال سعيد: إنّ أصحاب محمد لم يعلموها! وعلمتموها أنتم؟! فأنتم أعلم!.
وعند أخذ البيعة من المسلمين ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الاخرى وقال: «هذه لعثمان» «3» .
على أنّ عثمان لم يطل احتباسه، فإنّ قريشا جزعت أن تصيبه بأذى وهو من سرواتها بمكان، وسارعت إلى بعث (سهيل بن عمرو) ليعقد مع محمّد صلحا.
ولم يكن يعنيها في هذا الصلح إلا أن يرجع المسلمون هذا العام، على أن
(1) صحيح، أخرجه البخاري: 7/ 357.
(2)
صحيح، أخرجه مسلم: 7/ 169، وتصديره ب (روي) يشعر بضعفه؛ فليحذف.
(3)
صحيح، أخرجه البخاري: 7/ 291.