الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليقتلوه- أن يدعو الله عليهم فيهلكهم؟ فقال المقوقس: أحسنت. أنت حكيم جاء من عند حكيم!!.
وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لمحمّد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليكم، أمّا بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه وتدعو إليه؛ وقد علمت أنّ نبيا قد بقي، وكنت أظنّ أنّه يخرج بالشّام، وقد أكرمت رسولك وبعثت لك بجاريتين لهما مكان عظيم في القبط، وبثياب، وأهديت لك بغلة تركبها» .
وماذا يفعل محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا؟ لقد قبل الهدية تقديرا للعاطفة التي أملت بها، وإن كان يرى أنّ الإيمان بالله واحده أفضل ما يهدى إليه وخير ما ينتظره ويهش له.
وجدير بنا أن نذكر كلام حاطب للمقوقس؛ حتى يعرف القارئ أنّ هذه البعوث بلغت حدّا من الفقه والحصافة يستحقّ الإعجاب البالغ.
قال حاطب: إنّ هذا النبيّ دعا الناس، فكان أشدّهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمّد، وما دعاؤنا إياك إلى القران، إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل.
وكلّ نبي أدرك قوما فهم أمته، فحقّ عليهم أن يطيعوه، وأنت ممّن أدرك هذا النبيّ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكننا نأمرك به.
وكان أثر هذه الدعوة الحارة الخطاب الذي سقناه انفا.
[ردّ فعل كسرى ملك فارس] :
تلك مثل لرسائله إلى رجالات النصرانية ومواقفهم منها. وقد ساق النبي صلى الله عليه وسلم كذلك مبعوثيه إلى رؤساء المجوسية، يدعونهم إلى الله، ويحدّثونهم عن الدين الذي لو تبعوه نقلهم من الغي إلى الرشاد.
وقد تفاوتت ردودهم، بين العنف واللطف، والإيمان والكفر.
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى (كسرى أبرويز) ملك فارس، يقول: «بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس. سلام على من اتّبع الهدى، وامن بالله ورسوله، وشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، وأنّ محمّدا
عبده ورسوله. أدعوك بدعاية الله، فإنّي أنا رسول الله إلى النّاس كافّة لينذر من كان حيا ويحقّ القول على الكافرين. أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس» «1» .
ومزق كسرى الكتاب وهو محنق.
ولعلّه حسب الجرأة على مكانته السامية بعض ما رماه به القدر من مصائب، فقد هزمه الروم هزيمة منكرة، وها قد جاء العرب يعلّمونه ما لم يكن يعلم.
وأصدر كسرى أمره إلى والي اليمن- وكانت لمّا تزل في حكمه- يأمره أن يرسل اثنين من رجاله الأشداء ليأتيا إليه بالرّجل الذي تجرأ على مكاتبته.
و (أبرويز) هذا رجل أحمق، ومنصبه يضفي عليه لقب ملك الملوك، والوثنية السياسية إذا ظاهرتها وثنية دينية أمست ظلمات بعضها فوق بعض، وقد غلب على الرجل السفه في تصريفه شؤون الدولة وحكمه على الأشخاص والأشياء، حتى ضاق قومه أنفسهم به، بل ضاق به أقرب الناس إليه وهو ابنه (شيرويه) فوثب عليه فقتله.
ويروى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما صنع كسرى أبرويز بكتابه قال: «مزّق الله ملكه» «2» .
والطريف أن والي اليمن لما صدر إليه أمر كسرى سارع إلى تنفيذه، فأرسل اثنين من لدنه إلى المدينة، يعرضان على النبي عليه الصلاة والسلام أن ينطلق معهما ليسأل عما فعل..!!.
ونظر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين، فوجدهما من ذلك النوع الذي تربيه الملوك في القصور، كما تربي النسوة في بلادنا الديكة الرومية.. مناظر فارهة، وبواطن تافهة.
فلمّا رأى شواربهما مفتولة، وخدودهما محلوقة، أشاح عنهما وقال «3» :
(1) حديث حسن، رواه ابن جرير في تاريخه: 2/ 295- 296، عن يزيد بن أبي حبيب مرسلا، وأبو عبيد في (الأموال) ، ص 23، عن سعيد بن المسيب مرسلا نحوه.
(2)
حديث صحيح، رواه البخاري في صحيحه: 8/ 104؛ وأبو عبيد عن سعيد بن المسيب مرسلا ومرفوعا؛ وروي من وجوه أخر مرسلا، فليرجع إليها من شاء في (البداية والنهاية) : 4/ 268.
(3)
حديث حسن، أخرجه ابن جرير: 2/ 266- 267، عن يزيد بن أبي حيبيب مرسلا، -