الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
حين عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك مكة إلى المدينة؛ ألقى الوحي الكريم في قلبه وعلى لسانه هذا الدعاء الجميل: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80)[الإسراء]«1» .
ولا نعرف بشرا أحقّ بنصر الله، وأجدر بتأييده، مثل هذا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ الذي لاقى في جنب الله ما لاقى، ومع ذلك فإنّ استحقاق التأييد الأعلى لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه، وتوفير وسائله.
ومن ثمّ فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم خطّة هجرته، وأعدّ لكلّ فرض عدته، ولم يدع في حسبانه مكانا للحظوظ العمياء.
وشأن المؤمن مع الأسباب المعتادة؛ أن يقوم بها كأنّها كلّ شيء في النجاح، ثم يتوكّل- بعد ذلك- على الله؛ لأنّ كلّ شيء لا قيام له إلا بالله.
فإذا استفرغ المرء جهوده في أداء واجبه، فأخفق بعد ذلك، فإنّ الله لا يلومه على هزيمة بلي بها، وقلّما يحدث ذلك، إلا عن قدر قاهر يعذر المرء فيه!!.
وكثيرا ما يرتّب الإنسان مقدّمات النصر ترتيبا حسنا، ثم يجيء عون أعلى يجعل هذا النصر مضاعف الثمار.
كالسفينة التي يشقّ عباب الماء بهاربّان ماهر، فإذا التيار يساعدها، والريح تهبّ إلى وجهتها، فلا تمكث غير بعيد، حتى تنتهي إلى غايتها في أقصر من وقتها المقرر.
(1) هو من حديث ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة وأنزل عليه
…
قلت: فذكر الاية. أخرجه الترمذي: 4/ 137؛ والحاكم: 3/ 3؛ والبيهقي: 9/ 9؛ وأحمد، رقم (1948) ، من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه، وليس في المسند والبيهقي (عن أبيه) عن ابن عباس، وقال الترمذي:«حديث حسن صحيح» . وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي. وفيه نظر؛ فإن قابوس بن أبي ظبيان أورده الذهبي في الميزان، ونقل عن ابن حبان أنه قال فيه:«رديء الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، فربما رفع المرسل، وأسند الموقوف، ولذلك قال الحافظ في (التقريب) : فيه لين» .
وهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة جرت على هذا الغرار، فقد استبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه عليّا وأبا بكر، وأذن لسائر المؤمنين بتقدّمه إلى المدينة.
فأما أبو بكر رضي الله عنه فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له حين استأذنه ليهاجر: «لا تعجل، لعلّ الله أن يجعل لك صاحبا» «1» . وأحسّ أبو بكر رضي الله عنه كأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يعني نفسه بهذا الرد!.
فابتاع راحلتين فحبسهما في داره، يعلفهما إعدادا لذلك.
وأما عليّ رضي الله عنه فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم هيأه لدور خاص، يؤديه في هذه المغامرة المحفوفة بالأخطار!.
قال ابن إسحاق: فحدّثني من لا أتّهم عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها قالت: كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار: إما بكرة، وإما عشيا، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتي فيها، قالت: فلمّا راه أبو بكر، قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الساعة إلا لأمر حدث، فلمّا دخل، تأخّر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عند رسول الله أحد إلا أنا وأختي أسماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أخرج عني من عندك» ، قال: يا رسول الله! إنما هما ابنتاي، وما ذاك- فداك أبي وأمي-؟.
قال: «إنّ الله أذن لي بالخروج والهجرة» ، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله؟ قال: «الصحبة» .
قالت عائشة: فو الله ما شعرت قطّ قبل ذلك اليوم أنّ أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي!!.
(1) رواه ابن إسحاق: 2/ 2، بدون إسناد، لكن معناه فيما أخرجه البخاري: 7/ 183- 197، من حديث عائشة الطويل في الهجرة، بلفظ:«وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي» ، فقال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر- وهو الخبط- أربعة أشهر» ، ورواه أحمد أيضا: 6/ 198، ثم وجدت له شاهدا من حديث ابن عمر بلفظ: الكتاب، رواه الطبراني بسند، قال الهيثمي 6/ 62:«فيه عبد الرحمن بن بشر الدمشقي، ضعفه أبو حاتم» .