الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما تخرّص المستشرقين والحقدة على الإسلام من أهل الأديان الاخرى، والادّعاء بأن المسلمين جنحوا إلى القوة حيث لا مبرر لها، فذلك كلّه لغو طائش، وهو جزء من الحملة المدبّرة لمحو الإسلام من الأرض، واستبقاء أهله عبيدا للصليبية والصهيونية وما إليهما.
وما من أيام القتال فيهنّ أوجب على المسلمين من أيام يهدّد فيها الإسلام واله بالفناء، وتتألّب عليه شتّى القوى، بل يصطلح ضدّه الخصوم الألداء، محاولين سحقه إلى الأبد.
وقد وقع ذلك في صدر الإسلام قبل الهجرة وبعدها، ووقع في هذه الأيام، فسقطت أوطان الإسلام في أيدي لصوص الأرض، ثم رسمت أخبث السياسات للذهاب به رويدا رويدا.
فكيف تستغرب الدعوة إلى التسلّح، والإهابة بأهل النجدة أن يوطّنوا أنفسهم على التضحية في سبيل الله.
كيف تستنكر صناعة الموت في أمة يتواثب حولها الجزّارون من كلّ فجّ؟
كلّا، كلّا.
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ [الأنفال] .
[تمارين ومناورات ومعارك] :
وتمشيا مع توجيه الوحي، وسياسة الواقع، وحفاظا على حق الله وحق الحياة؛ درّب النبيّ صلى الله عليه وسلم رجاله على فنون الحرب، واشترك معهم في التمارين والمناورات والمعارك، وعدّ السعي في هذه الميادين خطوات إلى أجلّ القرب وأقدس العبادات، لعلّه بذلك يفل شوكة الكفر، ويكسر عن المسلمين أذاه:
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)[النساء] .
عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول:
والحديث ينوّه بما لإصابة الأهداف من أثر حاسم في كسب المعارك.
والرمي أعمّ من أن يكون بالسهم أو بالرصاص أو بالقنابل.
وعن فقيم اللخمي، قال: قلت لعقبة بن عامر: تختلف بين هذين الغرضين تتردّد بينهما- وأنت شيخ كبير يشقّ عليك؟ قال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعانه، قال: وما ذاك؟ قال: سمعته يقول: «من تعلّم الرّمي ثمّ تركه، فليس منّا!» «2» .
فانظر كيف يبقى الشيوخ المسنّون على دربتهم في إصابة الهدف، ومهارة اليد، ونشاط الحركة، إنّ الإسلام يفترض المقدرة على القتال، فيوجبها على الشباب والشيوخ جميعا.
وعن أبي نجيح السّلميّ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بلغ بسهم، فهو له درجة في الجنّة» ، فبلغت يومئذ عشرة أسهم، وسمعته يقول:«من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عدل رقبة محرّرة» «3» .
وعن عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله عز وجل ليدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة: 1- صانعه يحتسب في عمله الخير، 2- والرّامي به، 3- ومنبله، الممدّ به، فارموا واركبوا. وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا، كلّ لهو باطل، ليس من اللهو محمودا إلا ثلاثة: 1- تأديب الرّجل فرسه، تركبوا، كلّ لهو باطل، ليس من اللهو محمودا إلا ثلاثة: 1- تأديب الرّجل فرسه،
(1) حديث صحيح، أخرجه مسلم: 6/ 52؛ وأبو داود: 1/ 394؛ والترمذي: 3/ 112؛ وابن ماجه: 2/ 188؛ وأحمد: 4/ 157، من حديث عقبة بن عامر؛ وصححه الحاكم: 2/ 138، على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(2)
حديث صحيح، أخرجه مسلم: 6/ 52؛ وروى الجملة الأخيرة منه أصحاب السنن من طريق أخرى يأتي الكلام عليها.
(3)
حديث صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 165؛ والنسائي: 2/ 59؛ وأحمد: 4/ 384؛ والحاكم: 2/ 95، وقال:«صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي، وإنما هو على شرط مسلم واحده، فإنّ تابعيه معدان بن أبي طلحة لم يخرّج له البخاري، وروى عنه الترمذي: 3/ 7، الجملة الأخيرة، وقال:«حديث حسن صحيح» ، وكذلك رواه ابن ماجه: 2/ 188، نحوه، لكن من طريق أخرى، وهو رواية للحاكم: 2/ 96؛ وكذا النسائي: 2/ 60.
2-
وملاعبته أهله، 3- ورميه بقوسه، فإنهنّ من الحقّ، ومن ترك الرّمي بعد ما علمه رغبة عنه، فإنّها نعمة تركها أو كفرها» «1» .
وعن ابن عمر: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والغنيمة» «2» .
وهذا ترغيب من رسول الله عليه الصلاة والسلام في تعليم الفروسية، وإبراز لون معيّن من ألوان القتال، لا يحطّ من قيمة الألوان الاخرى، أو يؤخّر منزلتها.
ألا ترى كيف حضّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على تعلّم القتال في البحر فقال: «غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البرّ، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلّها، والمائد فيه- الذي يصيبه الدّوار والقيء- كالمتشحّط في دمه» «3» .
والدول تحتاج إلى الكتائب في البر، والأساطيل في البحر والجو، وكلّ سلاح عون لأخيه في إدراك النصر، وأسبق الجند إلى رضوان الله أعظمهم نيلا من العدو، وأرعاهم لذمام أمته وشرف عقيدته، سواء مشى، أم رمى، أم أبحر، أم طار.
(1) في سنده اضطراب كما قال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء: 2/ 252)، وبيانه: أنّه رواه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي سلام، عن خالد بن زيد، عن عقبة به، أخرجه أبو داود: 1/ 393- 394؛ والنسائي: 2/ 120؛ والحاكم: 2/ 95؛ وأحمد: 4/ 146، 148. وخالفه يحيى بن أبي كثير فقال: حدثنا أبو سلام عبد الله الأزرق، عن عقبة بن عامر، أخرجه الترمذي: 3/ 6؛ وابن ماجه: 2/ 188؛ وأحمد: 4/ 144، 148، وقال الترمذي:«حديث حسن» ، وقال الحاكم:«صحيح الإسناد» ، ووافقه الذهبي، وكأنّهم لم يقفوا على هذا الاضطراب الذي نبّه عليه الحافظ العراقي رحمه الله؛ وأيضا فإنّ فيه علة أخرى. هي جهالة خالد بن زيد وعبد الله بن الأزرق، وهو ابن زيد بن الأزرق، فسواء كانت الرواية عن هذا أو ذاك فهي معلولة للجهالة، نعم ذكر الحاكم للحديث شاهدا من حديث أبي هريرة، وقال: إنه صحيح على شرط مسلم، فتعقبه الذهبي بأنّ فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك.
(2)
حديث صحيح مرفوع، أخرجه البخاري: 6/ 41، 43؛ ومسلم: 6/ 31، 32، من حديث ابن عمر، وعروة البارقي، وليس في حديث ابن عمر:«الأجر والغنيمة» ، فلو عزي الحديث لعروة كان أولى.
(3)
حديث صحيح، أخرجه الحاكم: 2/ 143، من حديث عبد الله بن عمرو، وقال:«صحيح على شرط البخاري» ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وإعلال المناوي له تبعا لابن الجوزي بأنّ فيه خالد بن يزيد؛ يروي الموضوعات عن الأثبات خطأ فاحش، لأن خالدا هذا، لا ذكر له في سند الحديث عند الحاكم، فالظاهر أنه عند غيره ممن خرّج الحديث، وبعد وروده من طريق اخر صحيح، لا يضرّه رواية أحد المتهمين له.