الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَاجِحٍ.
قَالَ: وَتَعْلِيقُ الْخَبَرِ فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِخْبَارِ الْمَشْهُورِ فِي تَرْكِهِ فِي الْخَبَرِ وَالْقَسَمِ انْتَهَى قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يَلْزَمُ أَيْ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ بِسَبَبٍ كَمَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ وَأُعْطِيكَ كَذَا، وَأَحْلِفْ لَا تَشْتُمُنِي وَلَكَ كَذَا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْتَ عَبْدَ زَيْدٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ أُلْزِمَ بِعِتْقِهِ إذَا مَلَكَهُ.
وَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ عَاجِزٌ عَنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ حَالَ نَذْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُمَا لَزِمَهُ.
وَإِنْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ أَطْلَقَ يُجْزَى بِتَسْلِيمَةٍ كَعَكْسِهِ،.
وَلِمَنْ نَذَرَ صَلَاةً جَالِسًا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا وَالْعَهْدُ غَيْرُ الْوَعْدِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ، وَالْأَمَانِ وَالذِّمَّةِ وَالْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] عَامٌّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَالنَّاسِ ثُمَّ قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَا أَمْرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَى عَنْهُ فَهُوَ مِنْ الْوَعْدِ.
[كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا]
(وَالْقَضَاءُ) مَصْدَرُ قَضَى يَقْضِي فَهُوَ قَاضٍ، إذَا حَكَمَ وَإِذَا فَصَلَ وَإِذَا حَكَمَ وَإِذَا أَمْضَى وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الشَّيْءِ وَإِذَا خَلَقَ، وَقَضَى فُلَانٌ وَاسْتَقْضَى صَارَ قَاضِيًا وَيُسَمَّى قَاضِيًا لِأَنَّهُ يُمْضِي الْأَحْكَامَ وَيَحْكُمُهَا وَيَكُونُ قَضَى بِمَعْنَى أَوْجَبَ وَ (جَمْعُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (أَقْضِيَةٌ) وَجُمِعَ مَعَ أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ (الْإِلْزَامُ) بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (وَفَصْلُ الْخُصُومَاتِ) وَالْحُكْمُ إنْشَاءٌ لِذَلِكَ الْإِلْزَامِ إنْ كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ أَوْ لِلْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْإِبَاحَةِ كَحُكْمِ الْحَاكِم بِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا بَطَلَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا لِجَمِيعِ النَّاسِ قَالَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ.
وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ الْحَاكِمُ فِيهِ صِفَاتٌ ثَلَاثَةٌ: فَمِنْ جِهَةِ الْإِثْبَاتِ هُوَ شَاهِدٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُوَ مُفْتٍ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ هُوَ ذُو سُلْطَانٍ انْتَهَى.
وَأَرْكَانُ الْقَضَاءِ خَمْسَةٌ: الْقَاضِي وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَالْمُقْضَى فِيهِ وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26] وقَوْله تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: 65]
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَصْبِ الْقُضَاةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْإِمَامَةِ) الْعُظْمَى.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ لِئَلَّا تَذْهَبَ حُقُوقُ النَّاسِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ (وَإِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا) قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي غَيْرِهِ لَكِنْ الْمُخَاطَبُ بِنَصْبِ الْقَضَاءِ الْإِمَامُ كَمَا يَأْتِي (وَوِلَايَتُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ وَنَصْبُهُ شَرْعِيَّةٌ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ فِيهِ) قَالَ ابْنُ مَسْرُوقٍ: لَأَنْ أَحْكُمَ يَوْمًا بِحَقٍّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُو سَنَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُهَا) أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ (دِينًا وَقُرْبَةً فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ)«وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ الْأَكْثَرِ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهَا انْتَهَى) .
(وَفِيهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (خَطَرٌ عَظِيمٌ وَوِزْرٌ كَبِيرٌ لِمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْحَقَّ فِيهِ) وَلِهَذَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَيْ مَنْ تَصَدَّى لِلْقَضَاءِ وَتَوَلَّاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ فَلْيَحْذَرْهُ، وَالذَّبْحُ هَهُنَا مَجَازٌ عَنْ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْرَعِ أَسْبَابِهِ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (فَمَنْ عَرَفَ الْحَقِّ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ أَوْ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَفِي النَّارِ، وَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَفِي الْجَنَّةِ) لِحَدِيثِ: «قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ» .
(وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ قَاضِيًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الرَّعِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُ بِمَصْلَحَتِهِمْ، الْمَسْئُولُ عَنْهُمْ، فَيَبْعَثُ الْقُضَاةَ إلَى الْأَمْصَارِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ وَلِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَلَى السَّفَرِ إلَى الْإِمَامِ فَتَضِيعَ الْحُقُوقُ لِمَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَكُلْفَةِ النَّفَقَةِ وَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيْحًا قَاضِيًا لِلْكُوفَةِ، وَكَعْبَ بْنَ سُورٍ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَالْإِقْلِيمُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ (أَنْ يَخْتَارَ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ
يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لَهُمْ، فَيَخْتَارُ أَفْضَلَهُمْ عِلْمًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالشَّرْعِ فَرْعٌ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَثْبَتُ وَأَمْكَنُ، وَكَذَا مَنْ وَرَعُهُ أَشَدُّ لِسُكُونِ النَّفْسِ إلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ أَعْظَمُ (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) الْإِمَامُ الْأَفْضَلَ (سَأَلَ عَمَّنْ يَصْلُحُ) قَالَ تَعَالَى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43](فَإِنْ ذُكِرَ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (مَنْ لَا يَعْرِفُهُ أَحْضَرَهُ وَسَأَلَهُ) لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لِلْمَسْئُولِ غَرَضٌ غَيْر الْمَطْلُوبِ وَكَانُوا يَمْتَحِنُونَ الْعُمَّالَ بِالْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْغَوَامِضِ (فَإِنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ) وَلَّاهُ (وَإِلَّا بَحَثَ عَنْهَا فَإِذَا عَرَفَهَا وَلَّاهُ) وَإِلَّا لَمْ يُوَلِّهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا يَأْتِي (وَيَأْمُرُهُ) الْإِمَامُ (بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ وَ) يَأْمُرُهُ أَيْضًا (بِتَحَرِّي الْعَدْلِ وَالِاجْتِهَادِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ تَذْكِرَةٌ لَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَإِعَانَةٌ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ وَتَقْوِيَةٌ لِقَلْبِهِ، وَتَنْبِيهُهُ عَلَى اعْتِنَاءِ الْإِمَامِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَأَهْلِهِ.
(وَيَكْتُبُ) الْإِمَامُ (لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِذَلِكَ عَهْدًا) إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ فَيَكْتُبُ لَهُ بِأَنَّهُ وَلَّاهُ، وَأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ إلَخْ.
(وَ) يَأْمُرُهُ (أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ نَاحِيَةٍ (أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ) لَهُمَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَصْلَحَةِ رَعِيَّةِ بَلَدِ الْقَاضِي وَحَثًّا لَهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَصْلَحِ.
، (وَ) يَجِبُ عَلَى (مَنْ يَصْلُحُ لَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (إذَا طُلِبَ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ الدُّخُولُ فِيهِ إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ) لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِهِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ (طَلَبُهُ) وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(وَمَنْ لَا يُحْسِنُهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ قَضَائِهِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ وَالضَّرَرُ.
(وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (وَيُوجَدُ غَيْرُهُ مِثْلُهُ) فِي الْأَهْلِيَّةِ (فَلَهُ أَنْ يَلِيَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) الدُّخُولُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُجِيبَ إذَا طُلِبَ) إذَنْ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَالْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ وَلِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ طَرِيقَةُ السَّلَفِ وَقَدْ أَرَادَ
عُثْمَانُ تَوْلِيَةَ ابْنِ عُمَرَ الْقَضَاءَ فَأَبَى.
(وَيُكْرَهُ لَهُ طَلَبُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (وَكَذَلِكَ الْإِمَارَةُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَطَرِيقَةُ السَّلَفِ الِامْتِنَاعُ) طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ لِظُلْمِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ حَرُمَ) عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ (وَتَأَكَّدَ الِامْتِنَاعُ) مِنْ الْإِجَابَةِ إلَيْهِ.
(وَيَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا (وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ (وَ) يَحْرُمُ (طَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَهُ) وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْقَائِمِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَمْ يَحْرُمْ طَلَبُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ إزَالَتَهُ أُثِيبَ وَإِنْ كَانَ لِيَخْتَصَّ بِالنَّظَرِ أُبِيحَ، فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ تَمْكِينِهِ فَالِاحْتِمَالَانِ.
(وَتَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ) مِنْهُ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ يُوَلَّى مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ مَعَ الِاشْتِهَارِ وَالتَّكْرَارِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَتَصِحُّ أَيْضًا تَوْلِيَةُ حَرِيصٍ عَلَيْهَا بِلَا كَرَاهَةٍ.
(وَلَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ إلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَلَمْ تَجُزْ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهُوَ وَاجِبُ الطَّاعَةِ مَسْمُوعُ الْكَلِمَةِ.
(وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا) أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ (مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي) بِكَسْرِ اللَّامِ (كَوْنَ الْمُوَلَّى) بِفَتْحِهَا (عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقَضَاءِ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَهْلِيَّتِهِ، كَمَا لَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصَلَاحِيَتِهِ (وَ) مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا (تَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ الْمُحَكَّمُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ) كَمِصْرِ وَنَوَاحِيهَا (وَالْبُلْدَانِ) كَالْمَحِلَّةِ وَنَحْوِهَا لِيَعْلَمَ مَحَلَّ وِلَايَتِهِ فَيَحْكُمَ فِيهِ وَلَا يَحْكُمُ فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وِلَايَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْوِكَالَةِ.
(وَ) مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا (مُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ فِي الْمَجْلِسِ) إنْ كَانَ حَاضِرًا (وَمُكَاتَبَتُهُ بِهَا) إنْ كَانَ غَائِبًا لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ كَالتَّوْكِيلِ وَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ عَهْدًا بِمَا وَلَّاهُ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ» ، وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ " أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ لَكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا، وَعَبْدَ اللَّهِ قَاضِيًا "(فِي الْبُعْدِ) أَيْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا فِي الْبُعْدِ (وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ فَيَقْرَأُ) الْإِمَامُ (أَوْ نَائِبُهُ عَلَيْهِمَا الْعَهْدَ أَوْ يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ لِيَمْضِيَا مَعَهُ إلَى بَلَدِ تَوْلِيَتِهِ فَيُقِيمَا لَهُ الشَّهَادَةَ وَيَقُولُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (لَهُمَا اشْهَدَا