الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا اتَّخَذَهُ أَرْبَابُ الدُّنْيَا مِنْ الْعَادَاتِ وَالنَّزَاهَةِ الَّتِي لَمْ يُقَبِّحْهَا السَّلَفُ وَلَا اجْتَنَبَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ تَقَذُّرِهِمْ مِنْ حَمْلِ الْحَوَائِجِ وَالْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ وَلُبْسِ الصُّوفُ وَرُكُوبُ الْحِمَارِ وَحَمْلُ الْمَاءِ عَلَى الظَّهْرِ وَالرِّزْمَةِ إلَى السُّوقِ فَلَا يُعْتَبَرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا يَحْمِلُ الْمَاءَ لِأَهْلِهِ وَهَذَا يَحْمِلُ الرِّزْمَةَ لِلسُّوقِ «وَقَدْ رَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحِمَارَ وَلَبِسَ الصُّوفَ وَاحْتَذَى الْمَخْصُوفَ» مَعَ كَوْنِهِ قَدْ أُوتِيَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ فَلَا ازْدِرَاءَ فِي ذَلِكَ وَلَا إسْقَاطَ مُرُوءَةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
[فَصْلٌ وَمَتَى زَالَتْ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَابَ الْفَاسِقُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ]
ْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لِأَنَّ رَدَّهَا إنَّمَا كَانَ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ إصْلَاحُ الْعَمَلِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ تُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ فَلَأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ وَلِحُصُولِ النَّفْرَةِ بِهَا.
(وَتَوْبَةُ غَيْرِ قَاذِفٍ نَدَمٌ) بِقَلْبِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ ذَنْبِهِ (وَإِقْلَاعٌ) عَنْ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ (وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ) إلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِأَجْلِ نَفْعِ الدُّنْيَا أَوْ أَذَى النَّاسِ اخْتِيَارًا لَا بِإِكْرَاهٍ وَإِلْجَاءٍ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ لَفْظُ إنِّي تَائِبٌ أَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَنَحْوُهُ وَقِيلَ بَلَى (وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَرْكٍ وَاجِبٍ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ الَّذِي تَرَكَهُ (وَيُسَارِعُ) بِفِعْلِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بَلْ تَجِبُ التَّوْبَةُ فَوْرًا مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ.
(وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ) نَحْوِ غَصْبٍ (رَدُّ مَظْلَمَةٍ إلَى رَبِّهَا) إنْ كَانَ حَيًّا (أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ) أَنْ (يَجْعَلَهُ مِنْهَا) أَيْ الْمَظْلَمَةِ (فِي حِلٍّ) بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يُبْرِئَهُ (وَيَسْتَمْهِلَهُ مُعْسِرًا) أَيْ يَسْتَمْهِلُ التَّائِبُ رَبَّ الْمَظْلَمَةِ إنْ عَجِزَ عَنْ رَدِّهَا أَوْ بَدَّلَهَا لِعُسْرَتِهِ.
وَتَوْبَةُ الْمُبْتَدِعِ الِاعْتِرَافُ بِبِدْعَتِهِ وَالرُّجُوعُ عَنْهَا وَاعْتِقَادُ ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
(وَتَوْبَةُ قَاذِفٍ بِزِنَا) أَوْ لِوَاطٍ (أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) وَلَوْ كَانَ صَادِقًا فَيَقُولُ كَذَبْتُ فِيمَا قُلْتُ (لِكَذِبِهِ حُكْمًا) أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ
{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] فَتَكْذِيبُ الصَّادِقِ نَفْسَهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَادِقًا.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5] قَالَ: تَوْبَتُهُ إكْذَابُ نَفْسِهِ» .
(وَتَصِحُّ تَوْبَتُهُ) أَيْ الْقَاذِفِ (قَبْلَ الْحَدِّ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ وَ (لِصِحَّتِهَا مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَسَبٍّ (قَبْلَ إعْلَامِهِ وَ) قَبْلَ (التَّحَلُّلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَقْذُوفِ وَنَحْوِهِ.
(وَالْقَاذِفُ بِالشَّتْمِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ وَفُتْيَاهُ حَتَّى يَتُوبَ) .
(وَالشَّاهِدُ بِالزِّنَا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لَا شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ أَبِي بَكْرَةَ وَقَالَ لَهُ تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةٍ مَعَ رَدِّ شَهَادَتِهِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي الْقَذْفِ) .
وَتَقَدَّمَ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ تَوْبَةُ الزَّانِيَةِ إنْ تُرَاوَدْ فَتَمْتَنِعْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا أَرَادَتْ النِّكَاحَ خَاصَّةً.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ حَتَّى فِي مُوجِبِ حَدٍّ وَقَوَدٍ كَالْحُرِّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَمَةِ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحُرَّةِ) لِعُمُومِ آيَاتِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ مِنْ رِجَالِنَا وَهُوَ عَدْلٌ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَفُتْيَاهُ وَأَخْبَارُهُ الدِّينِيَّةُ وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ «وَلِحَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ الْحَارِث قَالَ: تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَمَتَى تَعَيَّنَتْ) الشَّهَادَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْقِنِّ (حَرُمَ عَلَى سَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ قِيَامِهِ بِالشَّهَادَةِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ عَتَقَ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فَشَهِدَ حُرِّمَ رَدُّهُ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُفْرَدَاتِ: فَلَوْ رَدَّهُ مَعَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ فَسَقَ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْقِنِّ.
(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ فِي الْمَرْئِيَّاتِ) لِأَنَّهُ فِيهَا كَغَيْرِهِ (وَ) تَجُوزَ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ (بِمَا سَمِعَهُ قَبْلَ صَمَمِهِ) لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَمَنْ لَيْسَ بِهِ صَمَمٌ.
(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْمَسْمُوعَاتِ إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ) أَيْ صَوْتَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ الْأَعْمَى وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ لَهُ بِذَلِكَ كَاسْتِمْتَاعِهِ بِزَوْجَتِهِ.
(وَ) تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى (بِمَا رَآهُ قَبْلَ عَمَاهُ إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ