الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ وَنَحْوَهُ) كَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ (لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَوْ نَوَى) بِهِ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرْعَ وَلَا لُغَةَ وَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ.
[فَصْل حُرُوفُ الْقَسَمِ]
(وَحُرُوفُ الْقَسَمِ) ثَلَاثَةٌ (بَاءٌ) وَهِيَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْقَاصِرَة عَنْ التَّعَدِّي تَصِلُ بِهَا إلَى مَفْعُولَاتِهَا لِأَنَّهُ (يَلِيهَا مُظْهَرٌ وَمُضْمَرٌ) وَلَا تُجَامِعُ فِعْلَ الْقَسَمِ وَلَا تُجَامِعُهُ (وَوَاوٌ يَلِيهَا مُظْهَرٌ) فَقَطْ وَلَا تُجَامِعُ فِعْلَ الْقَسَمِ وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا (وَتَاءٌ) مُثَنَّاةٌ فَوْقُ (تَخُصُّ اسْمَ اللَّهِ) تَعَالَى وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ فَإِذَا أَقْسَمَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ كَانَ قَسَمًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْقَسَمَ لَمْ يُقْبَلْ (فَإِنْ قَالَ تَالرَّحْمَنِ أَوْ تَالرَّحِيمِ) أَوْ تَرَبِّي أَوْ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ (لَمْ يَكُنْ قَسَمًا) لِأَنَّ التَّاءَ خَاصَّةٌ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ.
(وَيَصِحُّ الْقَسَمُ بِغَيْرِ حَرْفِ الْقَسَمِ فَيَقُولُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ) لِأَنَّهُ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الشَّرْعِ فَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّك قَتَلْتَهُ؟ قَالَ اللَّهِ إنِّي قَتَلْتُهُ» «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ آللَّهِ مَا أَرَدْتَ إلَّا وَاحِدَةً؟» (وَإِنْ رَفَعَهُ) أَيْ اللَّهَ (كَانَ يَمِينًا) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ يَمِينٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْحَالِفُ (مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَنْوِي بِهِ الْيَمِينَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا نَوَاهَا فَإِنْ نَوَاهَا كَانَ يَمِينًا (وَإِنْ نَصَبَهُ) أَيْ الْمُقْسَمَ بِهِ.
(بِوَاوٍ أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا أَوْ دُونَهَا فَيَمِينٌ إلَّا أَنْ لَا يُرِيدُ عَرَبِيَّ) الْيَمِينِ فَلَا تَكُونُ يَمِينًا لِمَا تَقَدَّمَ (وَهَاء اللَّهِ يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ) فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ تَكُنْ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا عُرْفٌ وَلَا نِيَّةٌ وَلَا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الْقَسَمِ قُلْتُ وَيَتَوَجَّهُ فِي مِثْلِ تَالرَّحْمَنِ وَلِلَّهِ أَنَّهُ يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ.
(قَالَ الشَّيْخُ الْأَحْكَامُ) مِنْ قَسَمٍ وَغَيْرِهِ (مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا أَرَادَهُ النَّاسُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ كَقَوْلِهِ حَلَفْتُ بِاَللَّهِ رَفْعًا وَنَصْبًا) كَقَوْلِهِ (وَاَللَّهِ بِأَصُومُ وَبِأَصْلِيِّ وَنَحْوِهِ، وَكَقَوْلِ الْكَافِرِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي وَ) كَقَوْلِهِ (أَوْصَيْتُ لَزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَأَعْتَقَتْ سَالِمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَالَ مَنْ رَامَ جَعْلَ جَمِيعِ النَّاسِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ فَقَدْ رَامَ مَالًا يُمْكِنُ عَقْلًا وَلَا يَصِحُّ شَرْعًا انْتَهَى وَهُوَ كَمَا قَالَ) .
لِشَهَادَةِ الْحِسِّ بِهِ.
(وَيُجَابُ الْقَسَمُ فِي الْإِيجَابِ) أَيْ الْإِثْبَاتِ (بِإِنْ خَفِيفَة) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4](وَ) بِإِنَّ (ثَقِيلَةٍ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6](وَبِلَامِ التَّوْكِيدِ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4](وَبِقَدْ) نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] .
(وَ) ب (بَلْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1]{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2] وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ جَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ وَبَيْنَهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ خِلَافٌ.
(وَ) يُجَابُ الْقَسَمُ (فِي النَّفْي بِمَا) النَّافِيَةِ نَحْوَ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1]{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2](وَإِنْ بِمَعْنَاهَا) أَيْ النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى} [التوبة: 107](وَبِلَا) كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَآلَيْتُ لَا أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ
…
وَلَا مِنْ حَفًى حَتَّى تُلَاقِي مُحَمَّدًا
(وَتُحْذَفُ لَا) مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ مُضَارِعًا (نَحْوُ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] قَالَ فِي الشَّرْحِ وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ بِغَيْرِ حَرْفٍ فَالْمَحْذُوف هَهُنَا لَا وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَذَلِكَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ لَهُ بِالْآيَةِ وَغَيْرِهَا.
(وَيَحْرُمُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَ) غَيْرِ (صِفَاتِهِ وَلَوْ) كَانَ الْحَلِفُ (بِنَبِيٍّ لِأَنَّهُ شِرْكٌ فِي تَعْظِيمِ اللَّهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ.
وَرَوَى عُمَرُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ (اسْتَغْفَرَ) اللَّهَ (وَتَابَ) بِالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ بِهِ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ لِلِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ (وَلَوْ) كَانَ الْحَلِفُ (بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) خِلَافًا لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصِيرُ بِهِمَا الْكَافِرُ