الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَاخْتَارَ الشَّيْخُ سَمَاعَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِحِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثُّبُوتِ بِلَا خَصْمٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ بِالثُّبُوتِ الْمَحْضِ يَصِحُّ بِلَا دَعْوَى عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُضَاةِ (وَأَجَازَهُمَا) أَيْ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ (الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا و) بَعْضُ (الشَّافِعِيَّةِ فِي الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا بِخَصْمٍ مُسَخَّرٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يُظْهِرُ النِّزَاعَ وَلَيْسَ مُنَازِعًا فِي الْحَقِيقَةِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا وَأَصْلِ مَالِكٍ فَإِمَّا أَنْ تُمْنَعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ مُنَازِعٍ) أَيْ فَلَا تُسْمَعُ عَلَى الْخَصْمِ الْمُسَخَّرِ (فَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَإِمَّا أَنْ تُسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَيَحْكُمُ بِلَا خَصْمٍ وَذَكَر بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَ) بَعْضُ (الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي مَوَاضِعَ لِأَنَّا نَسْمَعُهَا عَلَى غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ وَنَحْوِهِ) كَمَيِّتٍ (فَمَعَ عَدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى فَإِنَّ الْمُشْتَرِي مَثَلًا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ فَلَا يَدَّعِي وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَقْصُودُ سَمَاعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةُ وَحُكْمُهُ بِمُوجَبِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْر مُدَّعٍ عَلَى أَحَدٍ لَكِنْ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ خَصْمٍ مُسْتَقْبَلٍ وَحَاجَةِ النَّاسِ خُصُوصًا فِيمَا فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعِهِ انْتَهَى) .
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ (وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوِيٌّ) أَيْ فِي النَّظَرِ قُلْت: وَإِذَا حَكَمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ مُقَابِلًا لِمَا قَدَّمُوهُ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا انْتَهَى.
[فَصْلٌ إذَا جَاءَ إلَى الْحَاكِمِ خَصْمَانِ سُنَّ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ]
ِ (إذَا جَاءَ إلَى الْحَاكِمِ خَصْمَانِ سُنَّ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ» وَلِقَوْلِ عُمَرَ: " وَلَكِنْ أَجْلِسُ مَعَ خَصْمِي مَجْلِسًا بَيْنَ يَدَيْ زَيْدٍ " وَقَالَ عَلِيٌّ حِينَ خَاصَمَ الْيَهُودِيَّ دِرْعَهُ إلَى شُرَيْحٍ " لَوْ أَنَّ خَصْمِي مُسْلِمٌ لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدِكَ ".
(ثُمَّ إنْ شَاءَ) الْقَاضِي (قَالَ) لِلْخَصْمَيْنِ (مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا) لِأَنَّ سُؤَالَهُ عَنْ الدَّعْوَى مِنْهُمَا لَا تَخْصِيصَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَإِنْ شَاءَ) الْقَاضِي (سَكَتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا) أَيْ حَتَّى تَكُونَ الْبَدَاءَةُ بِالْكَلَامِ مِنْ جِهَتِهِمَا (وَلَا يَقُولُ هُوَ) أَيْ الْقَاضِي (وَلَا صَاحِبُهُ) أَيْ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِهِ (لِأَحَدِهِمَا تَكَلَّمْ) لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِأَحَدِهِمَا
بِمَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ (فَإِنْ بَدَا أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ (فَتَكَلَّمَ فَقَالَ خَصْمُهُ: أَنَا الْمُدَّعِي لَمْ يَلْتَفِتْ) الْحَاكِمُ (إلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ أَجِبْ) خَصْمَكَ (عَنْ دَعْوَاهُ ثُمَّ ادَّعِ بِمَا شِئْتَ) لِأَنَّهُ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ.
(فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا قَدَّمَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهُ لِأَمْرٍ حَجَّ غَيْرَهَا (فَإِذَا انْقَضَتْ حُكُومَتُهُ سَمِعَ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ (فَإِذَا حَرَّرَ) الْمُدَّعِي.
(قَالَ) الْقَاضِي (لِلْخَصْمِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَا تَقُول فِيمَا ادَّعَاهُ) لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْمُطَالَبَة فَإِنَّ إحْضَارَهُ وَالدَّعْوَى إنَّمَا تُرَاد لِيَسْأَلَ الْحَاكِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ وَلَوْ بِقَوْلِهِ نَعَمْ) لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْجَوَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ (لَمْ يَحْكُمْ) الْقَاضِي (لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (حَتَّى يُطَالِبَ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا لِمَسْأَلَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ.
(وَالْحُكْمُ أَنْ يَقُولَ) الْحَاكِمُ (قَدْ أَلْزَمْتُكَ ذَلِكَ أَوْ قَضَيْتُ عَلَيْك لَهُ أَوْ يَقُول أَخْرِجْ إلَيْهِ مِنْهُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا أَوْ بِعْتُهُ) كَذَا بِكَذَا (فَيَقُولُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَا أَقْرَضَنِي وَلَا بَاعَنِي أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ صَحَّ الْجَوَابُ) لِنَفْيِهِ عَيْنَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّ قَوْلَ: لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ: نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ (مَا لَمْ يَعْتَرِفْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِسَبَبِ الْحَقِّ كَمَا إذَا ادَّعَتْ) امْرَأَةٌ (عَلَى مَنْ يَعْتَرِفُ مَنْ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْمَهْرَ فَقَالَ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِهِ) وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَقُلْنَا لَا نَقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةِ (كَجَوَابِهِ فِي دَعْوَى قَرْضٍ اعْتَرَفَ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضٍ مَوْتِهَا) أَنَّهَا (لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْ) إقْرَارَهَا (إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ) مُطْلَقًا (أَوْ أَسْقَطَتْهُ فِي الصِّحَّةِ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ كَالْوَصِيَّةِ وَإِبْرَاؤُهُ لَهُ عَطِيَّةٌ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِمُدَّعٍ دِينَارًا) مَثَلًا (لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً فَلَيْسَ بِجَوَابٍ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ لِأَنَّهُ لَا يَكْتَفِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى إلَّا بِنَصٍّ وَلَا يَكْتَفِي بِالظَّاهِرِ) .
(وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ) الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ مَثَلًا (وَاَللَّهِ إنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْته عَلَيْهِ أَوْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (لَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيَّ يُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى طِبْقِ الدَّعْوَى فِي الْأُولَى وَعَلَى طِبْقِ الْجَوَابِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا يَأْتِي (وَعِنْدَ الشَّيْخِ يَعُمُّ الْجِهَاتِ وَ) يَعُمُّ (مَا لَمْ يَنْدَرِجْ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ مِنْ بَابِ الْفَحْوَى إلَّا أَنْ يُقَالَ يَعُمُّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: قُلْتُ (الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّين وَهُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى
قَالَ الْأَزَجِيُّ: لَوْ قَالَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَقَالَ: لَيْسَ لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ لِأَنَّهُ نَفَاهَا بِنَفْيِ لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ دِرْهَمٌ فَقَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَلَا دَانَقٌ وَإِنَّمَا لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ قَبِلَ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ لَيْسَ حَقِّي هَذَا الْقَدْرُ قَالَ وَلَوْ قَالَ لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا دِرْهَمٌ صَحَّ ذَلِكَ.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (لِي عَلَيْك مِائَةٌ فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابًا لَهُ: (لَيْسَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا كَالْيَمِينِ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا لِأَنَّ نَفْيَهُ الْمِائَةَ لَا يَنْفِي مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا.
(فَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى (مَا دُونَ الْمِائَةِ) بِأَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مِائَةً وَنَكَلَ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا (حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا) مِنْ أَجْزَاءِ الْمِائَةِ.
(وَلِلْمُدَّعِي) إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَنْ يَقُولَ لِي بَيِّنَةٌ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَالْبَيِّنَةُ طَرِيقٌ إلَى تَخْلِيصِهِ (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ) لِلْمُدَّعِي (أَلَكَ بَيِّنَةٌ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيِّ: لَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ: فَلَكَ يَمِينُهُ " فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي عَارِفًا بِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْبَيِّنَةِ خُيِّرَ الْحَاكِمُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَبَيْنَ السُّكُوتِ.
(فَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (لِي بَيِّنَةٌ قِيلَ) أَيْ قَالَ (لَهُ) الْقَاضِي (إنْ شِئْتَ فَأَحْضِرْهَا) قَالَ فِي الْمُغْنِي لَمْ يَقُلْ أَحْضِرْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَى (فَإِذَا أَحْضَرَهَا) الْمُدَّعِي (لَمْ يَسْأَلْهَا الْحَاكِمُ عَمَّا عِنْدَهَا حَتَّى يَسْأَلُهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ (فَإِنْ سَأَلَهُ الْمُدَّعِي سُؤَالَهَا قَالَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلِيَذْكُرْهَا إنْ شَاءَ أَوْ يَقُولُ بِمَ تَشْهَدَانِ؟ وَلَا يَقُولُ لَهُمَا اشْهَدَا) لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ لِلشَّاهِدَيْنِ: مَا أَنَا دَعَوْتُكُمَا وَلِأَنَّهَا كَمَا تُرْجِعَا وَمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ غَيْرُكُمَا وَإِنِّي بِكُمَا أَقْضِي الْيَوْمَ وَبِكُمَا أَتَّقِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَنْ يُلَقِّنَهُمَا) الشَّهَادَةَ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ لَا يَنْبَغِي وَفِي الْمُوجِزِ يَكْرَهُ (كَتَعْنِيفِهِمَا) أَيْ تَعْنِيفِ الشَّاهِدَيْنِ (وَانْتِهَارِهِمَا) لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَمَلَهُمَا أَوْ غَيْرَهُمَا عَلَى كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَعَدَم أَدَائِهَا فَتَضِيعُ الْحُقُوقُ.
(فَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ شَهَادَةً صَحِيحَةً وَاتَّضَحَ الْحُكْمُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْدِيدُهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ (وَلَزِمَهُ فِي الْحَالِ أَنْ يَحْكُمَ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرٍ عَنْ مَوْضِعِهِ (إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) الْحُكْمَ (إنْ كَانَ الْحَقُّ) فِي الْحُكْمِ (لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ) وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِدُونِ سُؤَالِ صَاحِبِ الْحَقِّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ حَقٌّ لَهُ فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِمَسْأَلَتِهِ (وَتَقَدَّمَ إنْ كَانَ) الْحُكْمُ (لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَالْوَصِيَّةِ وَلِلْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ الْفُقَرَاءِ (أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى) كَالْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ
فَيَحْكُمُ إذَا اتَّضَحَ لَهُ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ الْحُكْمَ.
(وَإِذَا حَكَمَ) الْحَاكِمُ بِشَرْطِهِ (وَقَعَ الْحُكْمُ لَازِمًا لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَا نَقْضُهُ) مِنْهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ (إلَّا بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ آدَابِ الْقَاضِي وَيَأْتِي بَعْضُهُ آخِرَ الْبَابِ) أَيْ إذَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ مَا يَعْتَقِدُهُ.
(وَلَا يَجُوز) الْحُكْمُ (وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ) .
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ (بَلْ يَتَوَقَّفُ) وَمَعَ اللَّبْسِ يَأْمُرُ بِالصُّلْحِ فَإِنْ عَجَّلَ فَحَكَمَ قَبْلَ الْبَيَانِ حَرُمَ وَلَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْجَهْلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إنَّمَا يَسَعُهُ الصُّلْحُ فِي الْأُمُورِ الْمُشْكِلَةِ أَمَّا إذَا اسْتَنَارَتْ الْحُجَّةُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَرَوَى عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ مَا أَصْلَحَ بَيْنَ الْمُتَحَاكِمَيْنِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَ النَّاسِ الضَّغَائِنَ ".
(وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فِي مَجْلِسِهِ) وَهُوَ مَحِلُّ نُفُوذِ حُكْمِهِ (إذَا سَمِعَهُ شَاهِدَانِ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا.
(فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ وَالْبَيِّنَةَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْحَاكِمِ (أَحَدٌ أَوْ سَمِعَهُ) مَعَهُ (شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلَهُ) الْحُكْمُ (أَيْضًا) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَيْضًا لَيْسَ بِمَحْضِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ وَلَا يَضُرُّ رُجُوعَ الْمُقِرِّ قَالَ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِعِلْمِهِ (وَالْأَوْلَى) أَوْ يَحْكُمُ (إذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
(فَأَمَّا حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا يَجُوزُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِمَا سَمِعَ لَا بِمَا عَلِمَ.
وَفِي حَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه " لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ قَالَ مَا أُحَدِّثُهُ وَلَا دَعَوْتُ لَهُ أَحَدًا حَتَّى يَكُونَ مَعِي غَيْرِي " حَكَاهُ أَحْمَدُ (إلَّا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) فَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ التُّهْمَةَ لَا تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ صِفَاتِ الشُّهُودِ مَعْنًى ظَاهِرٌ بَلْ قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: لَيْسَ هَذَا بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ يُعَدِّلُ هُوَ وَيَجْرَحُ غَيْرَهُ وَيَجْرَحُ هُوَ وَيُعَدِّلُ غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ.
وَفِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ إنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فَيَحْكُمُ بِمَا اسْتَفَاضَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ عِنْدَهُ.
(وَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَاكِمِ (لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ) الْمَحْكُومِ بِهِمْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا (وَقَالَ الشَّيْخُ لَهُ) أَيْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (طَلَبُ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ
لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالْإِيقَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ تَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ.
(وَلَوْ قَالَ حَكَمْتُ بِكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ) مِنْ إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ.
(قَالَ فِي الرِّعَايَةِ لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِبَعْضِ الدَّعْوَى) قَالَ الْحَاكِمُ فِي عَلَامَتِهِ الَّتِي يَصِفُهَا بِالْوَثِيقَةِ (شَهِدَ عِنْدِي بِمَا وَضَعَ بِهِ خَطَّهُ فِيهِ أَوْ) يَكْتُبُ (عَادَةُ حُكَّامِ بَلَدِهِ) أَيْ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي الْإِمْضَاءِ.
(وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا كَتَبَ) الْقَاضِي (تَحْتَ خَطِّهِ) بِشَهَادَتِهِ (شَهِدَ عِنْدِي بِذَلِكَ وَإِنْ قَبِلَهُ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ عِنْدِي وَإِنْ قَبِلَهُ غَيْرُهُ) مِنْ الْحُكَّامِ (أَوْ أَخْبَرَهُ) حَاكِمٌ آخَرُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهُ مَقْبُولٌ (كَتَبَ) الْحَاكِمُ بَعْدَ شَهِدَ عِنْدِي بِذَلِكَ (وَهُوَ مَقْبُولٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ مَقْبُولًا كَتَبَ) الْقَاضِي (شَهِدَ بِذَلِكَ) لِئَلَّا يَفْضَحَهُ (وَقَالَ لِلْمُدَّعِي زِدْنِي شُهُودًا أَوْ زِدْ شَاهِدَكَ انْتَهَى) كَلَامُ الرِّعَايَةِ (وَلْيَكُنْ لِلْقَاضِي عَلَامَةٌ يُعْرَفُ بِهَا مِنْ بَيْنِ الْحُكَّامِ نَحْوُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ) لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ (وَيَكُونُ) ذَلِكَ (بِقَلَمٍ غَلِيظٍ وَلَا يُغَيِّرُهَا) لِئَلَّا يُزَوَّرَ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ نَائِبًا فَيُنْفَى أَصْلًا أَوْ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَلَا يَحْصُلُ لَبْسٌ وَيَكْتُبُهَا) أَيْ الْعَلَامَةَ (فَوْقَ السَّطْرِ الْأَوَّلِ تَحْتَ الْبَسْمَلَةِ مِنْ حِذَاءِ طَرَفِهَا وَتَكُونُ) الْعَلَامَةُ (بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَأَمُّلِ الْحُجَّةِ الْمُكْتَتَبَةِ) .
وَالتَّحَرُّزُ مِمَّا عَسَاهُ يُدْخِلُهُ الْمُوَثِّقُ مِمَّا اعْتَادُوهُ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ بِحَسَبِ الصِّنَاعَةِ (وَيَكْتُبُ تَحْتَ الْعَلَامَةِ جَرَى ذَلِكَ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَوْ لِيَشْهَدَ بِثُبُوتِهِ وَالْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِي الْمَقَامُ) قُلْتُ وَالْأَوْلَى عَادَةُ بَلَدِهِ وَلَوْ ذَكَر كَلَامَ الرِّعَايَةِ هُنَا كَانَ أَنْسَبَ (وَإِنْ كَتَبَ الْمُزَكِّي خَطَّهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ تَحْتَ خَطِّ الشَّاهِدِ فِي الْمَكْتُوبِ فَيَكْتُبُ إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْوَاضِعَ خَطَّهُ أَعْلَاهُ عَدْلٌ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ وَيُرَقِّمُ الْقَاضِي فِي الْمَكْتُوبِ عِنْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِالْقَلَمِ الْغَلِيظِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ إنْ شَاءَ بِخَطٍّ وَاحِدٍ) يَعُمُّ الشُّهُودَ (نَحْوَ شَهِدَا عِنْدِي) .
إنْ كَانَا اثْنَيْنِ (أَوْ شَهِدَ الثَّلَاثَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ أَوْ أَفْرَدَ) الْقَاضِي (كُلَّ وَاحِدٍ) مِنْ الشُّهُودِ (بِخَطٍّ) تَحْتَ خَطِّ الشَّاهِدِ (وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ جَلِيلَ الْقَدْرِ كَالْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ) كَالْعَالِمِ الْكَبِيرِ وَقَاضٍ آخَرَ (كَتَبَ) الْحَاكِمُ (أَعْلَمَنِي بِذَلِكَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ) الْوَقْفَ وَنَحْوِهِ (أَوْصَالًا شَغَلَ كُلَّ مَوْضِعِ وَصْلٍ بِكَلِمَةٍ بِقَلَمِ الْعَلَّامَةِ نَحْوَ ثِقَتِي بِاَللَّهِ أَوْ حَسْبِي اللَّهُ وَنَحْوَهُ كَالْبَيَاضِ) أَيْ كَمَا يَشْغَلُ الْبَيَاضُ فِي الْمَكْتُوبِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ احْتِيَاطًا.
قُلْتُ وَالْعَادَةُ الْآنَ شَغْلُهُ بِخَتْمٍ فِي كُلِّ مَوْضِعِ وَصْلٍ وَهُوَ حَسَنٌ إذْ الْغَرَضُ الِاحْتِيَاطُ فَكُلُّ مَا أَدَّى إلَيْهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ أَوْ غَالِبُهُ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ اُعْتِيدَ الْآنَ خِلَافَهَا وَلِذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ الرِّعَايَةِ أَوْ عَادَةِ بَلَدِهِ.