الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شُرَيْحٍ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.
وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَحَاكَمَا إلَيْهِ وَارْتَضَيَا بِهِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَهُ يَلْزَمُهُمَا لَمَا لَحِقَهُ هَذَا الذَّمُّ وَلِأَنَّ عُمَرَ وَأُبَيًّا تَحَاكَمَا إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَتَحَاكَمَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ إلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمَا قَاضِيًا (وَيَلْزَمُ مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ) الْمُحَكِّمُ (بِحُكْمِهِ الْقَبُولُ وَ) يَلْزَمُهُ (تَنْفِيذُهُ) لِأَنَّهُ حَاكِمٌ نَافِذُ الْأَحْكَامِ فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ (كَحَاكِمِ الْإِمَامِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ فِيمَا لَا يُنْقَضُ) فِيهِ (حُكْمُ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ) مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ الرُّجُوعُ عَنْ تَحْكِيمِهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمَيْنِ أَشْبَهَ رُجُوعَ الْمُوَكِّلِ عَنْ التَّوْكِيلِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ وَ (لَا) يَصِحُّ رُجُوعُ أَحَدِهِمَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ (وَقَبْلَ تَمَامِهِ) كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ صُدُورِ مَا وُكِّلَ فِيهِ مِنْ وَكِيلِهِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ: وَإِنْ حَكَّمَ أَحَدُهُمَا خَصْمَهُ أَوْ حَكَّمَا مُفْتِيًا فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ جَازَ، وَقَالَ: يَكْفِي وَصْفُ الْقِصَّةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَعْوَى (وَقَالَ: الْعَشْرُ صِفَاتٍ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْقَاضِي: لَا تُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُحَكِّمُهُ الْخَصْمَانِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا بِالرِّضَا بِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ لِئَلَّا يَجْحَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا (وَقَالَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّحْكِيمِ: وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مُقَدَّمُو الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ الْوَاسِطَاتِ وَالصُّلْحَ عِنْدَ الْفَوْرَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ، وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ، وَتَفْوِيضَ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَوْصِيَاءِ، وَتَفْرِقَةَ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ، وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَى رَقِيقِهِ، وَخُرُوجَ طَائِفَةٍ إلَى الْجِهَادِ، وَالْقِيَامَ بِأَمْرِ الْمَسَاجِدِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالتَّعْزِيرَ لِعَبِيدٍ، وَإِمَاءٍ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ) قُلْتُ: وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ.
[بَابُ آدَابِ الْقَاضِي]
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ، يُقَالُ: أَدِبَ الرَّجُلُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا لُغَةً إذَا صَارَ أَدِيبًا فِي خُلُقٍ أَوْ عِلْمٍ (وَهُوَ) أَيْ الْأَدَبُ (أَخْلَاقُهُ الَّتِي يَنْبَغِي) لَهُ وَلِغَيْرِهِ (التَّخَلُّقُ بِهَا) وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي، أَوْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ نَفْسَهُ وَأَعْوَانَهُ
مِنْ الْآدَابِ وَالْقَوَانِينَ الَّتِي تَنْضَبِطُ بِهَا أُمُورُ الْقَضَاءِ وَتَحْفَظُهُمْ مِنْ الْمَيْلِ وَالزَّيْغِ (وَالْخُلُقُ) بِضَمِّ اللَّامِ (صُورَتُهُ الْبَاطِنَةُ) وَهِيَ نَفْسُهُ وَأَوْصَافُهَا وَمَعَانِيهَا، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الْبَاطِنَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: حُسْنُ الْخُلُقِ اخْتِيَارُ الْفَضَائِلِ وَتَرْكُ الرَّذَائِلِ.
(يَنْبَغِي) أَيْ يُسَنُّ (أَنْ يَكُونَ) الْقَاضِي (قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ) لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِ الظَّالِمُ، وَالْعُنْفُ ضِدُّ الرِّفْقِ.
(لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ) لِئَلَّا يَهَابَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَظَاهِرُ الْفُصُولِ يَجِبُ ذَلِكَ (حَلِيمًا) لِئَلَّا يَغْضَبَ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمِ فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا (مُتَأَنِّيًا) لِئَلَّا تُؤَدِّيَ عَجَلَتُهُ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي (ذَا فِطْنَةٍ وَتَيَقُّظٍ) لِئَلَّا يُخْدَعَ مِنْ بَعْضِ الْخُصُومِ عَلَى غِرَّةٍ (بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ، يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُرَاقِبُهُ لَا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ وَلَا يُخْدَعُ لِغِرَّةٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ " لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: عَفِيفٌ حَلِيمٌ عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ يَسْتَشِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ "(صَحِيحَ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ، عَالِمًا بِلُغَاتِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْمُتَرْجِمَ قَدْ يُخْفِي شَيْئًا مِنْ كَلَامِ أَحَدِهِمَا.
(عَفِيفًا) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ (وَرِعًا نَزِهًا بَعِيدًا عَنْ الطَّمَعِ صَدُوقَ اللَّهْجَةِ لَا يَهْزِلُ وَلَا يَمْجِنُ) أَيْ يَمْزَحُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِهَيْئَتِهِ (ذَا رَأْيٍ وَمَشُورَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ (لِكَلَامِهِ لَيِّنٌ ذَا قُرْبٍ وَهَيْبَةٍ إذَا أَوْعَدَ وَوَفَاءٍ إذَا وَعَدَ) يُقَالُ: وَعَدَ فِي الْخَيْرِ وَأَوْعَدَ فِي ضِدِّهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْآخَرِ (وَلَا يَكُونُ) الْقَاضِي (جَبَّارًا وَلَا عَسُوفًا) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِتَوْلِيَتِهِ مِنْ وُصُولِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ (وَلَهُ أَنْ يَنْتَهِرَ الْخَصْمَ إذَا الْتَوَى) لِأَنَّ
الْحَاجَةَ
دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ لِإِقَامَةِ الْعَدْلِ (وَ) أَنْ (يَصِيحَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَصْمِ عِنْدَ الْتِوَائِهِ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَى مِنْ أَدَبٍ) لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ (أَوْ حَبْسٍ) .
(وَإِنْ افْتَاتَ) الْخَصْمُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاضِي (بِأَنْ يَقُولَ) الْخَصْمُ: (حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ ارْتَشَيْتَ، فَلَهُ تَأْدِيبُهُ) لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ رَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ، فَجَازَ لَهُ تَأْدِيبُهُ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ (وَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَنْ يَعْفُوَ) عَمَّنِ افْتَاتَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ.
(وَإِنْ بَدَأَ الْمُنْكِرُ بِالْيَمِينِ قَطَعَهَا) الْقَاضِي (عَلَيْهِ، وَقَالَ: الْبَيِّنَةُ عَلَى خَصْمِكَ) الْمُدَّعِي (فَإِنْ عَادَ) الْمُنْكِرُ إلَى الْيَمِينِ (نَهَرَهُ) عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ عَادَ) إلَيْهِ (عَزَّرَهُ إنْ رَأَى) ذَلِكَ (وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ إسَاءَةُ الْأَدَبِ) .
(وَإِذَا وَلِيَ) الْقَاضِي (فِي غَيْرِ بَلَدٍ فَأَرَادَ الْمَسِيرَ إلَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ إنْ وُجِدَ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ)
أَيْ عَنْ الْبَلَدِ (وَعَنْ عُلَمَائِهِ وَعُدُولِهِ وَفُضَلَائِهِ) لِيَعْرِفَ حَالَهُمْ حَتَّى يُشَاوِرَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْمُشَاوَرَةِ، وَيَقْبَلَ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعَدَالَةِ (وَيَتَعَرَّفَ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ وَجَدَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ (مَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَنْ يَسْأَلُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (وَلَا فِي طَرِيقِهِ سَأَلَ إذَا دَخَلَ) لِيَتَعَرَّفَ حَالَهُمْ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا قَرَّبَ) الْقَاضِي (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي وَلِيَ فِيهِ (بَعَثَ مَنْ يُعْلِمُ بِقُدُومِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَلَقِّيهِ) لِأَنَّ فِي تَلَقِّيهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَذَلِكَ طَرِيقٌ لِقَبُولِ قَوْلِهِ وَنُفُوذِ أَمْرِهِ (وَيَدْخُلُ فِي الْبَلَدِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ أَوْ) يَوْمُ (الْخَمِيسِ أَوْ) يَوْمُ (السَّبْتِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي سَبْتِهَا وَخَمِيسِهَا» .
وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ قَدِمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ» (ضَحْوَةً) لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ تَفَاؤُلًا (لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ) أَيْ أَحْسَنَهَا لِأَنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ.
وَقَالَ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] لِأَنَّهَا مَجَامِعُ النَّاسِ وَهَذَا مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ مَا لَا يَجْتَمِعُ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ أَوْلَى بِالزِّينَةِ (وَفِي التَّبْصِرَةِ وَكَذَا أَصْحَابُهُ) أَيْ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَعْظَمُ لَهُ وَلَهُمْ فِي النُّفُوسِ (وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُهَا) أَيْ الثِّيَابِ (سُودًا وَإِلَّا فَالْعِمَامَةُ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " دَخَلَ مَكَّةَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ حَرْقَانِيَّةٌ أَيْ سَوْدَاءُ " قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ.
(وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ غَيْرُ السَّوَادِ أَوْلَى) لِلْأَخْبَارِ أَيْ فِي الْبَيَاضِ (وَلَا يَتَطَيَّرُ) أَيْ يَتَشَاءَمُ (بِشَيْءٍ وَإِنْ تُفَاءَلَ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ وَنَهَى عَنْ الطِّيَرَةِ (فَيَأْتِي) الْقَاضِي (الْجَامِعَ يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» فَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِكُلِّ قَادِمٍ (وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) لِأَنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَلَ بِهِ الْقِبْلَةَ (فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَمَرَ بِعَهْدِهِ) أَيْ بِاَلَّذِي كَتَبَهُ لَهُ مُوَلِّيهِ عَمَّا وَلَّاهُ إيَّاهُ (فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ) أَيْ الْحَاضِرِينَ لِيَعْلَمُوا تَوْلِيَتَهُ وَيَعْلَمُوا احْتِيَاطَ الْإِمَامِ عَلَى اتِّبَاعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَالنَّهْيَ عَنْ مُخَالَفَتِهِ وَقَدْرَ الْمَوْلَى عِنْدَهُ وَيَعْلَمُوا حُدُودَ وِلَايَتِهِ وَمَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْحُكْمَ فِيهِ (وَلْيُقْلِلْ) الْقَاضِي (مِنْ كَلَامِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ) لِلْخَبَرِ (وَيَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي بِيَوْمِ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ) لِيَعْلَمَ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَيَقْصِدَ الْحُضُورَ لِفَصْلِ حَاجَتِهِ.
(ثُمَّ يَنْصَرِفُ) الْقَاضِي (إلَى مَنْزِلِهِ الَّذِي أُعِدَّ لَهُ) لِيَسْتَرِيحَ مِنْ نَصَبِ سَفَرِهِ وَيُعِدَّ أَمْرَهُ وَلِيُرَتِّبَ نُوَّابَهُ لِيَكُونَ
خُرُوجُهُ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ.
(وَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ أَنْ يَبْعَثَ إلَى الْحَاكِمِ الْمَعْزُولِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ دِيوَانَ الْحُكْمِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، لِأَنَّهُ الْأَسَاسُ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَعْزُولَ (تَسْلِيمُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْقَاضِي الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْحَاكِمِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَقَدْ صَارَتْ إلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الدِّيوَانُ (مَا فِيهِ وَثَائِقُ النَّاسِ مِنْ الْمَحَاضِرِ، وَهِيَ نُسَخُ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالسِّجِلَّاتِ وَهِيَ نُسَخُ مَا حُكِمَ بِهِ) وَيُعْرَفُ الْآن بِالسِّجِلِّ.
(وَلِيَأْمُرَ) الْقَاضِي (كَاتِبًا ثِقَةً يَكْتُبُ مَا يُسَجِّلُهُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ) احْتِيَاطًا (ثُمَّ يَخْرُجُ) الْقَاضِي (يَوْمَ الْوَعْدِ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ غَضْبَانَ وَلَا جَائِعٍ وَلَا شَبْعَانَ وَلَا حَاقِنٍ وَلَا مَهْمُومٍ بِأَمْرٍ يَشْغَلُهُ عَنْ الْفَهْمِ كَالْعَطَشِ وَالْفَرَحِ الشَّدِيدَيْنِ وَالْحُزْنِ الْكَثِيرِ وَالْهَمِّ الْعَظِيمِ وَالْوَجَعِ الْمُؤْلِمِ وَالنُّعَاسِ الَّذِي يَغْمُرُ الْقَلْبَ) لِيَكُونَ أَجْمَعَ لِقَلْبِهِ وَأَبْلَغَ فِي تَيَقُّظِهِ لِلصَّوَابِ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ.
(وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (وَلَوْ صِبْيَانًا ثُمَّ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ) لِحَدِيثِ «إنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ» .
(وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسْجِدٍ (خَيْرٌ وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ) لِيَنَالَ ثَوَابَهَا.
(وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ لِبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ يُفْرَشُ لَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي هَيْبَتِهِ وَأَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَعْظَمُ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ (وَلَا يَجْلِسُ عَلَى التُّرَابِ وَلَا عَلَى حُصُرِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَذْهَبُ بِهَيْبَتِهِ مِنْ أَعْيُنِ الْخُصُومِ) لَكِنْ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جُلُوسِهِ عَلَى الْبِسَاطِ دُونَ تُرَابٍ وَحَصِيرٍ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ أَوْلَى.
(وَيَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ سِرًّا أَنْ يَعْصِمَهُ مِنْ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقَهُ لِلصَّوَابِ وَلِمَا يُرْضِيهِ) مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا فَفِي وَقْتِ الْحَاجَةِ أَوْلَى وَالْقَاضِي أَشَدُّ النَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةً.
(وَيَجْعَلُ) الْقَاضِي (مَجْلِسَهُ فِي مَكَان فَسِيحٍ كَجَامِعٍ وَيَصُونُهُ) أَيْ الْمَسْجِدَ (عَمَّا يُكْرَهُ فِيهِ) مِنْ لَغَطٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ) يَجْلِسُ فِي (فَضَاءٍ وَاسِعٍ أَوْ دَارٍ وَاسِعَةٍ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ إنْ أَمْكَنَ) لِيَكُونَ ذَلِكَ أَوْسَعَ عَلَى الْخُصُومِ وَأَقْرَبَ إلَى الْعَدْلِ.
(وَلَا يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ) لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ " أَنَّهُمْ
كَانُوا يَقْضُونَ فِي الْمَسْجِدِ ".
وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ السُّنَّةُ وَالْقَضَاءُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَالْقَدِيمِ فَإِنْ اتَّفَقَ لِأَحَدٍ مِنْ الْخُصُومِ مَانِعٌ مِنْ الدُّخُولِ كَحَيْضٍ وَكُفْرٍ، وَكَّلَ وَكِيلًا وَيَنْتَظِرُ حَتَّى يَخْرُجَ فَيُحَاكِمُ إلَيْهِ.
(وَلَا يَتَّخِذُ) الْقَاضِي (فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا نَدْبًا بِلَا عُذْرٍ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ إمَامٍ أَوْ وَالٍ يُغْلَقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ» إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ، وَلِأَنَّ الْحَاجِبَ رُبَّمَا قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَ وَأَخَّرَ الْمُتَقَدِّمَ لِغَرَضٍ لَهُ (وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الْخُصُومَةِ إذَا تَنَازَعُوا إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ (وَلَا لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَنْ يَحْتَجِبَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَقْتًا لِلْحُكُومَةِ.
(وَيَعْرِضَ الْقِصَصَ) لِيَقْضِيَ حَوَائِجَ أَصْحَابِهَا (فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) كَمَا لَوْ سَبَقُوا إلَى مُبَاحٍ (وَيَكُونَ لَهُ مَنْ يُرَتِّبُ النَّاسَ إذَا كَثُرُوا فَيَكْتُبَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ) لِيَعْلَمَ السَّابِقُ (وَيَجِبُ تَقْدِيمُ السَّابِقِ عَلَى غَيْرِهِ) كَالسَّبَقِ إلَى الْمُبَاحِ.
(فَإِذَا حَكَمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فَقَالَ: لِي دَعْوَى أُخْرَى لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ، وَيَقُولُ لَهُ: اجْلِسْ، إذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ الْحَاضِرِينَ نَظَرْتُ فِي دَعْوَاكَ الْأُخْرَى إنْ أَمْكَنَ) لِئَلَّا يَسْتَوْعِبَ الْمَجْلِسُ بِدَعَاوِيهِ فَيُضِرَّ بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الَّذِي يَلِيهِ سَبَقَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ (فَإِذَا فَرَغَ الْكُلُّ) مِنْ دَعَاوِيهِمْ (فَقَالَ الْأَخِيرُ بَعْدَ فَصْلِ حُكُومَتِهِ لِي دَعْوَى أُخْرَى لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ حَتَّى تُسْمَعَ دَعْوَى الْأَوَّلِ الثَّانِيَةِ) لِسَبْقِهِ (ثُمَّ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ) لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ (وَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّنَا إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فِي الْمُدَّعِي لَا فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ الثَّانِي) أَيْ الَّذِي جَاءَ ثَانِيًا (فَادَّعَى عَلَى الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَوَّلُ حَكَمَ بَيْنَهُمَا) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمَا.
(وَإِنْ حَضَرَ اثْنَانِ) مُدَّعِيَانِ (أَوْ جَمَاعَةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً) وَتَشَاحُّوا (أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَقَدَّمَ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ) لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِلتَّرْجِيحِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَكَذَا هُنَا.
وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ يُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ وَالْمُرْتَحِلُ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَالْمَرْأَةُ فِي حُكُومَاتٍ يَسِيرَةٍ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَكِنْ لَوْ قَدِمَ الْمُتَأَخِّرُ أَوْ عُكِسَ صَحَّ قَضَاؤُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْرُمُ،.
وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ حَضَرَ قَبْلَ الْآخَرِ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ فَهَلْ يُقَدِّمُ الْحَاكِمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَوْ يَصْرِفُهُمَا حَتَّى يَتَّفِقَا أَوْ يَقْرِعَ بَيْنَهُمَا أَوْ يُحَلِّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ وَالِاعْتِبَارُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي.